كتاب عن رسائل العلامة محمد رجب البيومي

من رسائل العلامة محمد رجب البيومي

 

صدر أخيراً عن دار الثلوثية بالرياض كتاب جديد يضم مجموعة من رسائل العلامة الراحل محمد رجب البيومي، كانت موجهة إلى مؤلف الكتاب سعد بن عائض العتيبي، وقد عرّف بالكتاب وصاحب الرسائل والمؤلف د. حمد بن ناصر الدخيّل، الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

وقد أسعدني صدور الكتاب لأنه يضم بعض نفس د. البيومي (1923 – 2011م)، الذي جاهد بقلمه أكثر من ستين عاماً مذ تخرجه في جامعة الأزهر، وعمله مدرساً بدور المعلمين والمعلمات ثم انتقاله إلى التدريس بالجامعة العريقة، وعمادته لكلية اللغة العربية بالمنصورة، ورئاسته لتحرير مجلة “الأزهر” الزاهرة، وهو المنصب الذي سبقه إليه في الستينيات أستاذه وصديقه وحبيبه أحمد حسن الزيات، صاحب “الرسالة”، وكان البيومي في الأربعينيات من القرن الماضي وهو شاب من كتابها أيضاً.

نشر سعد العتيبي 18 رسالة من البيومي في كتابه، وأحسن إذ نشر صور بعضها بخط يد البيومي الرقعة الجميل، وهو يملك إلى جانب حسن الخط جمال الأسلوب ورقة الصياغة وطلاوة العبارة، كما نشر المؤلف صور المظاريف التي ضمتها هذه الرسائل، وصوراً لبعض كتب صاحبها وعليها إهداءاته الموجزة المعبرة عن مشاعر كريمة.

رسائل البيومي تكشف إلى حد كبير عن طبيعة كاتبها، وبعض المواقف والمشاعر في إيجاز تجاه عدد من القضايا والأشخاص، وفي مقدمتهم العتيبي نفسه، وإن كان في كل سطوره محباً ودوداً لكل من عرفهم، حتى لو كتب عن سلبياتهم، وهو في كل الأحوال يكشف عن صورة متفردة للكاتب المتدفق الذي يملك قلماً مطواعاً، استطاع من خلاله أن يكتب آلاف المقالات، ويصدر عشرات الكتب ودواوين الشعر، فضلاً عن أنه واحد ممن أوقفوا ديواناً كاملاً في رثاء الزوجة الراحلة، بعد الشاعرين الكبيرين عزيز أباظة وعبدالرحمن صدقي.

يمكن القول: إن البيومي طاف بالفنون الأدبية جميعا شعراً ونثراً، فكتب بروح إسلامية ناضجة، المقالة والبحث الأدبي العلمي، والمسرحية والقصة، كما كتب للأطفال، وألف للمعاهد العلمية الثانوية بجامعة الإمام، وعرف قلمه السيال طريقه إلى مجلات “الرسالة”، و”الثقافة”، و”الأزهر”، و”نور الإسلام”، و”الأديب” اللبنانية، و”الفيصل”، و”التضامن الإسلامي”، و”رابطة العالم الإسلامي”، و”المنهل”، و”الدعوة”، و”المجلة العربية”، و”الهلال”، و”الكتاب”.. وغيرها، ومن كتبه المهمة “النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين” (خمسة مجلدات)، و”موقف النقد الأدبي من الشعر الجاهلي”، و”الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير”، و”شعر الجهاد في العصر الحديث” (بالاشتراك مع د. عبدالقدوس أبو صالح)، و”مصطفى صادق الرافعي فارس القلم تحت راية القرآن”، و”البيان القرآني”، و”خطوات التفسير البياني”، “والبيان النبوي”، و”أدب السيرة النبوية عند الرواد المعاصرين”، و”أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد”، و”دراسات أدبية”، و”نظرات أدبية” (أربعة أجزاء)، و”حديث القلم”، و”قطرات المداد”، و”التفسير القرآني”..

ومع أن البيومي فاز بجوائز مجمع اللغة العربية وغيرها منذ شبابه، فإنه لم يحظ بجائزة واحدة من جوائز الدولة التي يفوز بها الآن أشباه الأدباء، ومن لا يجيدون الإملاء والنحو، وقد بدا لي أن أسأله عن أمر هذه الجوائز، وكنت قريباً منه رحمه الله، فقال لي: إنني أنتظر جائزتي من الله!

وهي الإجابة ذاتها التي سمعتها من الأستاذ أنور الجندي، رحمه الله.

لا ريب أن نشر رسائل البيومي خطوة مفيدة في التعرف على أسلوب الرجل، وهو ينتمي إلى مدرسة البيان الحديثة، وأعلامها كثيرون في مقدمتهم المنفلوطي، والزيات، والرافعي، والبشري، وقد أفردت لها كتاباً ضخماً بعنوان “مدرسة البيان في العصر الحديث”، طبع مرات متعددة.

وإذا قرأنا سطوراً من الرسالة الأولى مثلاً، فإننا نجده يثبت الزمان والمكان، ويخاطب المرسل إلية بعاطفة حميمية، ويعبر عما في نفسه تجاهه بأسلوب السهل الممتنع، ويشير إلى الفترة التي قضاها في الرياض، وذكرياته التي سجل بعضها شعراً، ويجيب عن أسئلة صديقه العتيبي تجاه بعض القضايا الأدبية المتعلقة به، ويكشف عن كتابته لمقال ثان في “المنهل” باسم مستعار، هو كنيته شخصياً (أبو حسام)، وهو اسم ولده الوحيد الذي صار طبيباً للأسنان، ويفسر ذلك بأنه لا يريد أن يطالع القارئ مقالين له في عدد واحد باسم واحد، حتى لا يملّ، وإن كنت أرى من متابعتي لمقالاته الممهورة بكنيته، أنه كان يتفادى الحرج، وهو يذكر بعض الأمور التي تتعلق ببعض الشخصيات، وقد تكون غير مناسبة أو غير ملائمة.

يقول في الرسالة الأولى:

المنصورة، الخميس 13 أبريل 1995م..

أخي الأعز الأستاذ سعد العتيبي..

سلاماً وتحية وبعد، فقد سعدت برسالتكم سعادة لا تحدّ، لأنها عبّرت عن نفس كريمة أعرف أصالتها، وإخلاصها للحق، وهيامها بالأدب العريق، ولعلك تعرف أني قضيت أربع سنوات بالرياض، كانت مثار الذكريات الحلوة لديّ، ولي في ديوان “صدى الأيام” قصيدة تصوّر إحساسي نحو هذا البلد الكريم، تحت عنوان “نجد”، ومطلعها:

أكذاك يضرمُ ناره الوجدُ              لله ما صنعتْ بنا نجدُ

يمّمتُها فلمستُ عاطفةَ             في الصدر شطّ بمثلها المهدُ

و”صدى الأيام” لدى صديقي الأديب العربي الأثير أ. عبدالعزيز الرربيعي، فأرجو أن تبلغه حرارة الشوق، وحنان الذكرى، ولو لا أن البريد يغتال المطبوعات لسعِدْتُ بإرساله إليك، ولعلنا نلتقي فيسهل الأمر.

أما المقالات التي تحدثت عنها فهي رئة أتنفس منها حين يضيق الصدر ببعض ما أجد، وقد أعطيتها فوق حقها تشجيعاً منك، وأنا أعدّ نفسي، شهد الله، جندياً متواضعاً في جيش يحفل بالقادة العظام، وإذا كنت تثني على رحلة الذاكرة بالمنهل، فأنا ألفتك إلى مسلسل شذرات الذهب بالمجلة، حيث أكتبه بتوقيع “أبي حسام”، لأني استكثرت على نفسي أن أكتب مقالين في عدد واحد، فيضيق القارئ باسمي..”.

قام العتيبي بالتعريف ببعض الأسماء، وشرح بعض التفاصيل، وبيان بعض التواريخ بحيث يكون ما جاء في الرسالة واضحاً ومفهوماً للقارئ من الجوانب كافة.

العتيبي فيما أعلم لديه مئات الرسائل من أدباء محليين وعرب، وفيها كثير من الموضوعات والقضايا والأسرار الأدبية أيضاً، وآراء بعض الأدباء في بعضهم الآخر، ونشرها مفيد في كل الأحوال، مع مراعاة ظروف أصحاب الرسائل ومواقفهم التي قد لا يستطيعون التعبير عنها علناً لأسباب شتى.

Exit mobile version