هل تعرفين يا ابنتي ما أقوى كائن على وجه الأرض؟
من هو أقوى المخلوقات التي خلقها الله تعالى؟
إن أقوى الكائنات يا ابنتي هو من كانت علاقته بالقوي أقوى..
أقوى خلق الله من كان اتصاله وثيقًا بمن له القوة جميعاً..
قال تعالى: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة: 165).
يعلمنا الله يا ابنتي أن لا مخلوق من خلقه يملك قوةً إلا بقدر ما يمنحه الله منها، فخزائن القوة بيد الله مهما كان هذا المخلوق.
هل تستعظمين الأسد، القرش؟ هل تخافين من الجن؟ هل تعتقدين أنهم أقوياء؟ لا أحد يملك قوة إلا بقدر ما يسمح له الله.
إن الإنسان المؤمن إذا كان ارتباطه وثيقاً بالله تعالى.. الله الذي له القوة جميعًا.. مصدر القوة في هذا الكون.. فإنه حتمًا أقوى من كل المخلوقات.
وقد قرأت يا ابنتي قصصًا عجيبة في هذا الأمر!
لعلك عندما تكبرين قليلاً تقرئين من كتاب “وحي القلم” لمصطفى صادق الرافعي قصة الأسد حينها ستذكرين ما قلت لك..
والعجيب يا ابنتي أن الله تعالى علمنا كيف نستمد القوة منه، فلم يترك هذا الأمر لتخميننا ومحاولاتنا التي قد تصيب وقد تخيب.
علمنا أن كلمةً نقولها بأفواهنا إذا صدّقتها قلوبنا بحق فإن هذه الكلمة ستكون المفتاح الذي سيفتح لك باب القوة بإذن الله.
هل تعرفين ما هي يا ابنتي؟
هي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام وهو يُلقى في النار..
هي الكلمة التي قالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما جمع لهم الناس جموعًا غفيرة تحاصرهم في المدينة لتحاربهم..
كلمه ينطقها قلبك أولاً قبل لسانك.. ينطقها وهو يستشعر كل حرفٍ فيها.. كلمةً تتكسر عند عتباتها كل قوةٍ لا يأذن لها الله أن تنتصر..
فقد ورد أن إبراهيم عليه السلام عندما كان بين السماء والأرض يُلقى في النار التي أشعلها قومه ليحرقوه..
جاءه جبريل عليه السلام فسأله: ألك إليَّ حاجة؟
وهل تظنين يا ابنتي أن خليل الله إبراهيم عليه السلام ينتظر الغوث والمدد من جبريل.. حاشاه!
قال إبراهيم الخليل: أما إليك فلا.. وأما إلى الله فنعم..
وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الكلمة “حسبنا الله ونعم الوكيل”.
فالتوكل على الله يعني “علم القلب بكفاية الرب للعبد”.
فلا ينتظر شيئاً من أحد، ولا يطرق الأبواب إلا باذلًا لسبب أمره الله به وهو حين يطرقها يطرقها موقنًا أن النصر والقوة لا تأتي إلا من الله غير أنه مأمور ببذل السبب واستمرار المحاولة.
ولو قرأتِ يا ابنتي سورة “آل عمران” لرأيت ما صنعت هذه الكلمة.. كلمة القوة قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران).
لم يقل تبارك وتعالى: “لم يصبهم سوء”، بل قال: “لم يمسسهم سوء”، فلنتخيل كيف يقلب الله حال الإنسان بنعمة منه وفضل يقلبه تماماً بكلمة قالها بقلبه موقناً بها.
فإن خفتِ يومًا من أي قوة طاغية تتربص بك.. أي قوة على وجه الأرض.. فتذكري كلمة القوة: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.
لذلك، علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكرر سبعًا في أذكار الصباح والمساء هذا الدعاء العظيم: “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم”.
نستمد القوة ممن له القوة جميعاً في هذا الكون، نستمدها منه في الصباح ونستمدها منه في المساء.
الأهم يا ابنتي أن يقولها قلبك وأن تتشرب روحك معناها، الله فقط يكفينا يا ابنتي.. الله فقط، قال تعالى: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 137).
حفظك الله وأدَّبك بالقرآن العظيم وعلَّمك ما ينفعك ونفعك الله بما علمك يا ابنتي.