سيدة الليمون! (قصة قصيرة)

 

 ابتدرني ولدي:

هذه الأشجار صارت بلا ثمر؛ ترى ما الذي أصابها؟

 ذهب من كان يعتني بها؛ ينحني منجل حصاد يلملم شعثها ومن ثم نبتاع بحباتها أرغفة الخبز وقليلا من اللحم؛ كنا نقتات على عرق يديه!

أطرقت واجما؛ يتساءل الصغار بعد رحيل الأجداد عن كثرة الثعالب؛ “لقد كانوا يا ولدي يحرسون الأبواب؛ ينثرون البركة في كل مكان”.. حاولت أن أجيبه؛ غلبتني دموعي!

 بعدما ارتحل الطيب كانت الحرباء تسكن أشجار الليمون تتلون بألف لون؛ كشفت الجدة اليد الآثمة التي حاولت غدرا أن تنتهب بيته؛ كم كان الجرح غائرا!

  عاق؛ كثيرا ما عصاها؛ مثل أفعى تخدع وحرباء تتلون؛ ليته كان أنثى؛ لم تنذر ما في بطنها للرب؛ ترى لو فعلت فهل سيكون وليا؟

مضت الأمنيات في زمن البراءة؛ صار ذئبا؛ ثمة طريق لو امتلأ قلبه بالحب! من يدري لعله يعود يوما؛ هذه أمنية لما يأتِ أوانها بعد..

 الآن صارت أشجار بني زهر بلا ثمر كانوا يقولون العدد في الليمون؛ غير أن يدا آثمة تربصت بها؛ أنشب فيها الخشاب أنياب منشاره؛ ترى هل فعلوا بجمال -يحمل الورقة والقلم- لا ذنب له غير بحثه عن الشمس؛ يالقسوة الجناة؛ لم يجدوا بقاياه؛ الأشجار أيضا صارت حطاما!

 نحتاج أعواما لتنمو أخرى؛ هذا غرس الجد منذ ثلاثين عاما؛ هل يأتي الأحفاد ليجدوا أثره؟

ما يزال جلباب أبي معلقا على الحائط؛ ترى هل أعيش فيه؟

 أتمثل حكاياته؛ أتوكأ على عصاه؛ فالولد بعض أبيه!

 كنت أتململ من كثرة حكيه؛ الآن أدركت حكمته؛ حين طرق داعي الموت بابه كان قد أوسعني خبرته؛ لم يغادر حتى امتلأت جعبتي من قصصه وتجاربه؛ كذلك الآباء يفعلون!

أبقيت شجرتين؛ ليمر بهما العابرون وقد تحسسوا وقع أقدام الأجداد! ريما يقولون: “هنا كان جدي”؛ يدور الثعلب في كل مكان؛ أن ينال ما يشتهي؛ كانت الطيبة تحذره؛ أوصتني أن أكسر رجليه بالعصا؛ ينفخ بطنه؛ يتماوت حتى يخدع البلهاء؛ صارت أشجار الليمون يا أمي بلا ثمر؛ فالحياة بعدك في مأتم!

 جاءني طيفه؛ يمسك بعصاه؛ يضرب بفأسه في الأرض؛ يخط شتلات الياسمين؛ كان ممتلئ الوجه؛ يبتسم في سعادة؛ أخبرني بأنهما معا؛ يأتيان مطلع الفجر؛ يخطوان بين الأشجار؛ يتماوجان بهاء مع نسائم ليل يتراقص فيه ضوء القمر!

 ترى ما أفعل بعدهما؟

لا شيء!

ازدادت الثعالب من حولي؛ عليّ أن أكثر من كلاب الحراسة؛ ترى كيف آتي لها بأرغفة الخبز؟

لقد توقفت السفن في بحر آزوف؛ حاصرها الروس؛ لن يجد الصغار أوعية اللبن؛ ألم أخبركم أن لعنة حلت بالأرض!

 أخذتني سنة من النوم؛ أتت في يديها حفنة من قمح؛ أوصتني أن أنثرها في ذلك المكان؛ ستنبت في كل سنبلة مائة حبة؛ ستغدو صفراء مثقلة بحملها؛ تزقزق لأجلها العصافير؛ تثغو الحملان؛ توقد النيران فسوف تخرج خبزا شهيا؛ تفر الثعالب هاربة؛ لأن الأمهات يتربصن بها؛ يوما ستشرق شمس يوم بلا خوف؛ لن يختزن الناس علب النار!

 انتبهت فإذا بصوت المذياع:

بعد أيام يقدم زمن الحصاد؛ نملأ خزانة القمح؛ ومن ثم تدور حجرتا الرحى؛ من بعدك يا أمي من يعجن ويخبز أرغفة الشمس؟

 هذه خلايا النحل صنعتها من الطين؛ قازان السمن سكنته الجنادب؛ هرمت الآنية فلم توقد نيران الكانون تحتها؛ ألم أقل لكم إن الأمهات تبكي عليهن الحمائم؛ ففي الفراق وحشة!

Exit mobile version