القرآن والتغيير الاجتماعي.. قراءة معجمية (3)

 

مجـال الاختبار والابتلاء

جاءت مشتقات مادة “حسن” في مجال الاختبار والابتلاء، في المواضع القرآنية التالية:

(وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168].

(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [هود: 7]، [الملك: 2].

(لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف: 7].

المعاني التدبرية:

جاءت لفظه “الحسنات” هنا بمعنى: الخصب والعافية والنعم في مقابل الجدب والشدائد والنقم.. وهي في موضع “اختبار”، وإن كانت الآية (168) خاصة بالكافرين إلا أن اللفظ عام للاعتبار وسننه قاتمة لكل إنسان.

إن اختبار الله تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، فصارت المنحة والمحنة جميعًا بلاءً، فالمحنة مقتضية للصبر، والمنحة مقتضية للشكر.. والقيام بحق الصبر، أيسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، ولهذا قال أمير المؤمنين: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مُكر به فهو مخدوع عن عقله(1).

والابتلاء –عامة– اختبار لمعرفة الجيد من الرديء، ومقياس للصبر أو الشكر والإيمان أو الكفر، والصدق من الكذب، وموضوع الاختبار –كما ذكرنا– قد يكون بالخير أو الشر أي بالحسن والسيئ من الحوادث كالغنى والفقر، والعافية والمرض، والنصر والهزيمة، أي قد يكون بالمنح أو المنع.

أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا:

إن أساس خلق السماوات والأرض “ابتلاء الإنسان” أي اختباره، من هنا جاء القول: إن الإنسان كائن مبتلي، في ضوء تلك الغاية من الخلق، يذكر الرازي: أنه تعالى لما خلق هذا العالم الأجل ابتلاء المكلفين وامتحانهم. فهذا يوجب القطع بحصول الحشر والنشر، لأن الابتلاء والامتحان يوجب تخصيص المُحسن بالرحمة والثواب، وتخصيص المُـسيء بالعقاب، وذلك لا يتم إلا مع الاعتراف بالمعاد والقيامة”(2).

ومن ثم يكون البلاء– الاختبار بغرض: تبصير الله تعالى للناس “أيهم أطوع لله وأشد استمرارًا على خدمته لأن من هذا حالة هو الذي يفوز بالجنة، فبيّن تعالي أنه كلف لأجل ذلك، لا لأجل أن يُعصي، ودل ذلك على بطلان قول من يقول خلق بعضهم للنار”(3).

قال القرطبي: أحسن عملاً هنا: أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله(4).

قال ابن عطية: كان أبي يقول: أحسن العمل أخذٌ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان، وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه(5).

الأبعاد التربوية في مجال الاختبار والابتلاء:

يمكن الوقوف على أهم الأبعاد التربوية في هذا المجال وتأثيره على الشخصية المسلمة في الجوانب التالية:

1- مراجعة ميزان المنح والمنع.

2- تفحص الإنسان لأحواله مع الله تعالى ومراجعتها باستمرار.

3- تعظيم حق الشكر كما واجب الصبر.

4- مراقبة الحقوق والواجبات الإلهية والدنيوية للنعم والمنح “الحسنات”.

مجـال القدوة والاهتداء

جاءت مشتقات مادة “حسُن” في مجال القدوة والاهتداء في المواضع القرآنية التالية:

﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الممتحنة: 4].

تعلق مشتق “حسن” في هذا المجال بالاقتداء على سبيل الهداية إلى طريق الله تعالى أي القدوة والاهتداء لحسن المتمثل بسيرة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، والنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

المعاني التدبرية:

أسوة: الأسوة: القدوة. والأسوة ما يتأسى به؛ أي يُتعَّزى به، فيقتدي به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله، فلقد شح وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – وكسرت رباعيته، وقتل عمه حمزة، وجاع بطنه، ولم يلف إلا صابرًا محتسبًا، وشاكرًا راضيًا.. وهذا الاقتداء. يكون لمن كان يرجو لقاء الله بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأفعال – والأسوة بالنبي – صلى الله عليه وسلم – واجبه في أمور الدين، ومستحبة في أمور الدنيا(6).

الأبعاد التربوية لمجال القدوة والاهتداء “الحسن”:

تعلم السيرة النبوية للأطفال والنشء:

– إلقاء الضوء على القيم النبوية الأساسية في مجال التنشئة الأسرية.

– تفحص أحوال النبوة الوجدانية والانتقالية بغرض التربية والتعليم.

– الالتزام بسلوك النبوة وتعاليمها في أمور الدين كالفرائض وأحكام الاجتماع والاقتصاد.

– بناء مصفوفة قيمية لشمائل النبوة الأخلاقية بغرض التضمين في المقررات التربوية والتعليمية.

 

 

 

 

 

 

 

_____________________________

(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص146.

(2) الرازي: مفاتيح الغيب، ج17، ص196.

(3) الرازي: مفاتيح الغيب، ج21، ص81.

(4) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج18، ص135.

(5) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج10، ص230.  

(6) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج14، ص103

Exit mobile version