تخيل نفسك في الجنة

 

إذا رأيت إنساناً مشغولاً معك بجسده لكن فكره يسرح في كل مكان وسألته فيما تفكر قال في المال أو في العيال أو في الأحوال يتخيل نفسه غنياً بعد فقر أو صحيحاً بعد مرض أو عنده أولاد بعد تأخره في الإنجاب.. هل تخيل أحداً منا نفسه في الجنة هذه الفكرة حدثت لإبراهيم التيمي وعبر عنها بقوله: مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ مَعَ حُورِهَا وأَلْبَسُ مِنْ سُنْدُسِهَا وإِسْتَبْرَقِهَا وَحَرِيرِهَا قُلْتُ: يَا نَفْسُ إِيشْ تَشْتَهِينَ؟ قَالَ: فَقَالَتْ: أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ عَمَلًا أَزْدَادُ فِيهِ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ، قُلْتُ: فَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُمْنِيَةِ “[الزهد لأحمد بن حنبل].. تخيل الرجل نفسه في الجنة يأكل ويشرب ويلعب ويستمتع بنعيمها ثم سأل نفسه ماذا تريدين فأجابت بعد أن ذاقت كل هذا النعيم أريد أن أعود إلى الدنيا لأعمل المزيد من العمل الصالح لكي تزداد درجتي في الجنة ومن ثم أحصل على مزيد من النعيم فتحت هذه المقولة الحكيمة آفاق التخيل في نفس المؤمن وهذا التخيل يعينه على شحذ الهمة ويحقق له الدافع للعمل إذا ذكرت الجنة تخيلنا حياة لا يأتي بعدها موت وراحة لا يصاحبها تعب وصحة لا يقاربها مرض.

في الجنة من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فمهما رأيت من النعيم ففي الجنة ما هو أكبر منه ومهما رأى غيرك من النعيم وحدثك ففي الجنة ما هو خير منه ومهما كان خيالك واسعا فالجنة ونعيمها أكبر مما في خيالك

تخيل روائح الجنة التي يمكن أن تشمها كيف تكون نافذة إذا علمت أنك يمكن أن تشم ريحها قبل أن تصل إليها بأربعين عاما كما عند البخاري فكيف تكون الرائحة إذا اقتربت منها وإذا علمت أن ترابها هو المسك فلك أن تتخيل الروائح الجميلة التي تغمر المكان كيف تكون روائح زهورها والعطور التي يتعطر بها أهلها  

تخيل أنك تقف على أبواب الجنة ثم ينادي عليك باب منها يا عبد الله تعال أقبل الجنة تنتظرك تشتاق إليك ومن الصالحين المجتهدين من ينادي عليهم أكثر من باب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب ؟ قال : نعم ! وأرجو أن تكون منهم.

وإذا أردت أن تدرك سعة المساحات التي في الجنة فإن فيها شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة عام  فإذا علمنا أن موسوعة جينس سجلت سرعة لحصان أصيل في سباق سنة 2008  سجلت سرعته سبعون كيلومتر في الساعة فكم يسير في اليوم وكم يسير في العام وكم يسير في المائة عام وكم تكون المساحة التي تظللها تلك الشجرة ؟؟

الجنة ذات مساحات شاسعة هذه مساحة شجرة واحدة وبين النصيب المخصص لكل عبد مسافات شاسعة كذلك النصيب على قدر إيمان العبد وإخلاصه وعمله الصالح يقسم الله تعالى الدرجات بين العباد فهذا عبد صالح منّ الله تعالى عليه بالجنة ومكانه فيها ومكانته في عليين ينظر إليه بعض الصالحين أيضا فيجد أن المسافة بينهما كالمسافة التي بين الأرض وبين كوكب بعيد بعدا كبيرا عن الأرض بينه وبينها سنين ضوئية وألوف ألوف الكيلومترات كم يكون نصيب هذا الجالس في عليين من المتع والنعم واللذة ؟؟

ولك أن تتخيل أهل الجنة وهم يتنعمون بالشباب الدائم الذي لا يأتي بعده شيخوخة ولا أمراض العظام والمعدة والضغط والسكري زالت التجاعيد من وجوه الشيوخ ووقفوا منتصبي القامة بعد أن انحنى ظهرهم يعطون القوة من الله فلا يشعرون بتعب ولا إرهاق زين الله تعالى وجوههم بالجمال على أعلى مستوياته وأبدانهم بالعافية على أتم ما تكون وأرواحهم بالصفاء فليس هناك ما يكدر في الجنة ليس هناك نفقات الأولاد ولا مصاريف العلاج ولا آلام المرض ولا شكوى من جار السوء أو زميل العمل

ولك أن تتخيل نساء الجنة فقد وصفهن الله تعالى بالحسن وإذا وصف الله تعالى نساء الجنة بالحسن فكيف تستطيع أن تتخيل مدى ما وصلن إليه من الجمال ومن الذي يقدر أن يصف حسنهن لكن الله تعالى أشار إلى شيء من حسنهن فقال كأنهن الياقوت والمرجان والجمال يحيط بهن من كل جانب فنظرة الواحدة منهن إلى الدنيا كفيلة بأن تضيئها فكيف لو ابتسمت أو تحدثت ثم هي مع جمالها وحسنها تتحبب إلى زوجها وتسعى لرضاها فانس أيام الشقاق مع الزوجة والعناد منها وعدم الرضا بنصيبها ومحاولاتها المستمرة لتكدير عيشك

في عالم الجنة تلتقي بأحبابك الذين تمنيت لقائهم تلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم كنت تتمنى الصلاة بالروضة الشريفة فإذا بك تجاور الحبيب صلى الله عليه وسلم وتسعد بالسلام عليه ويرد عليك السلام  ويحادثك ويسألك عن أخبارك كنت تسمع عن الصديق والفاروق وذي النورين وعلي بن أبي طالب فإذا بك تجدهم في الجنة تبادلهم الحديث وتجلس معهم

يلتقي الابن بوالده ووالدته اللذين لم يرهما في الدنيا يبادلهم الشوق والحب يلتقي الأخ بأخيه الذي مات قبله والصديق بصديقه لقاء لا يخاف بعده من الفراق ولا من القطيعة

حين تسمع الأصوات العذبة التي يتجاوب  معها الكون كله تستمع لصوت داود عليه السلام وأبي موسى الأشعري وأسيد بن حضير والبراء بن عازب كيف سيكون تأثير تلاوتهم للقرآن على أذنك وقلبك ومشاعرك كيف ستكون سعادتك وانت تستمع لهم مباشرة وتحدثهم ويحدثوك

ثم هناك تجلي الإله سبحانه وتعالى على الخلق وهذا أعظم من كل نعيم في الدنيا ثم يخاطب الحق سبحانه وتعالى عباده من سكان الجنة ويقول لهم هل رضيتم كيف سنستقبل هذا السؤال العظيم من الله الكريم وكيف سنستقبل  قوله تعالى أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا أمان من غضب الله تعالى وعذابه

هذا النعيم الكبير الذي تتخيله يمكنك من الآن أن تعمل له لتنتقل من الخيال إلى أعظم الحقائق

وهذه مجموعة من الأعمال تأخذ بيد وتدخلك الجنة   

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلا نَصَبَ. [مسند أحمد ]

بيت من لؤلؤ مجوف ليس فيه إزعاج ولا تعب وكافاءها الله بذلك لأنها وفرت للنبي صلى الله عليه وسلم الهدوء والراحة

عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ ثَلَاثَةً وَقَدْ سَبَقُوهُ، فَقَالَ: رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إِلَى الْجُمُعَاتِ، الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ» ، ثُمَّ قَالَ: «رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ»[ سنن ابن ماجه ]

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا يَزِيدَ بْنَ أَسَدٍ، أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ الْمُسْلِمِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» [المستدرك]

الحب في الله تعالى يرفع أصحابه مقاما عليا تخيل أولئك المتحابين في الله وهم في مقام يغبطهم عليه الأنبياء والشهداء يجلسون على منابر من نور كم تبلغ نفوسهم من الفرح والسعادة ما هو النعيم الذي أعد لهم حتى يغبطه عليه الأنبياء والشهداء

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ، فقام إلبه أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام.[ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة]

أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال : يا بلال بما سبقتني إلى الجنة ؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث إلا توضأت عنده ورأيت أن لله تعالى علي ركعتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بهما [أي استحق دخول الجنة بصلاته للركعتين بعد الوضوء] قال : حديث حسن صحيح.[ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ]

قال رسول الله : إذا قبض الله عز وجل ابن العبد قال للملائكة ماذا قال عبدي ؟ قالوا : أحمدك واسترجع. قال : ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد.[ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة]

Exit mobile version