حدث في التاسع والعشرين من رمضان

 

1- فرض زكاة الفطر

في التاسع والعشرين من شهر رمضان للعام الثاني من الهجرة الموافق 26 مارس 624م، فُرضت زكاة الفطر، وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة وأضيفت الزكاة إلى الفِطْرِ لأنه سبب وجوبها، وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأبدان لا على الأموال، بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال، ومقدارها صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب، ودليل فرضيتها ما روى عن عبدالله ابْنِ عَبَاسٍ رضى الله عنهما حيث قال: “فَرَضَ رَسُولُ اللَهِ صَلَى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَة لِلصَائِمِ مِنْ اللَغْوِ وَالرَفَثِ وَطُعْمَة لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَاهَا قَبْلَ الصَلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَاهَا بَعْدَ الصَلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَدَقَاتِ”(1)، وحديث ابن عمر في صحيحي البخاري ومسلم حيث قال: “فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ”(2).

2- انتصار المسلمين في معركة البويب

في 29 رمضان 13هـ/ 28 نوفمبر 634م، وفى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت معركة البويب، بين جيوش المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة وجيوش الفرس، معركة حاسمة أعادت للمسلمين ثقتهم بعد هزيمة الجسر، ولقد عَدَّها ابن كثير نظيرَ معركة اليرموك مع البيزنطيِّين، وذلك لقوَّتها وتأثيرها؛ فلقد أحصوا فيها مائة رجلٍ من المسلمين قَتَل كلٌّ منهم عشرة، ولذلك سُمِّيَت بيوم الأعشار.

أحداث المعركة

وقعت معركة البويب في رمضان سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فبعد هزيمة المسلمين في معركة الجسر استنفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس إلى العراق، فتجمَّع أربعة آلاف من أنحاء الجزيرة العربيَّة، وولَّى عمرُ رضي الله عنه الصحابيَّ الجليل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قائدًا لذلك الجيش، فخرج الجيش إلى العراق، وكان في الجيش عددٌ كبيرٌ من بجيلة قومِ جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، ولم يكتفِ عمر رضي الله عنه بذلك الجيش، بل أرسل جيشًا آخر بقيادة عصمة بن عبد الله الضبي، كما أمر من تاب من أهل الرِّدَّة بالقدوم إلى المدينة، ثم أرسلهم إلى العراق كذلك.

وكان الجيش الإسلامي في العراق -بعد هزيمة المسلمين في موقعة الجسر- قد انسحب بقيادة المثنى بن حارثة رضي الله عنه، وعسكر بمنطقةٍ تُسمَّى مرج السباخ، وهي بين القادسيَّة وخفَّان، وتتميَّز بأنَّها بالقرب من الصحراء، والجيش الفارسي لا يُجيد مهارة القتال فيها كما يُجيدها المسلمون، وظلَّ المثنَّى رضي الله عنه منتظرًا المدد الإسلامي القادم من المدينة، وفي هذه الأثناء علم الفرس من خلال جواسيسهم بالجيوش الإسلاميَّة التي في طريقها إلى المثنَّى، فاجتمع كبار رجال الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، وعرض القائدان الفارسيَّان رستم والفيرزان أمر تجمُّع الجيوش الإسلاميَّة على ملكة الفرس بوران، واستأذنها في إرسال جيشٍ بقيادة مهران لملاقاة المثنَّى، فوافقت بوران على ذلك.

المثنى يختار مكان المعركة

توجَّه الجيش الفارسي من المدائن في طريقه إلى الحيرة، وفيه اثنا عشر ألف جنديٍّ من أشجع جنود الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، وكان المثنَّى بن حارثة رضي الله عنه ما زال يُعسكر بمنطقة مرج السباخ، فعلمت المخابرات الإسلاميَّة بتحرُّكات جيش الفرس إلى الحيرة، واستفاد المثنَّى رضي الله عنه من الأخطاء السابقة ومن خبراته مع خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقرَّر أن يختار هو مكان المعركة، وتوجَّه بجيشه إلى منطقة تُسمَّى “البُوَيْب”، وأرسل رسالةً إلى جرير بن عبد الله رضي الله عنه، ورسائل أخرى إلى أمراء القوَّات الإسلاميَّة القادمة من المدينة بأنْ يتوجَّهوا إلى البُوَيب؛ حيث أرسل لهم قائلًا: “جاءنا أمرٌ لم نستطع معه المقام حتى تقدَّموا علينا، فعجِّلوا اللِّحاق بنا، وموعدكم البويب”. وتقدَّم المثنَّى رضي الله عنه، وعسكر على شاطئ البويب الشرقي لنهر الفرات، ولم يعبر المثنَّى رضي الله عنه الفرات؛ فقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قادة المسلمين بعدم عبور أيِّ بحرٍ أو جسرٍ لملاقاة الفرس، إلَّا بعد الانتصار عليهم(3)، وكان أمرُ عمر رضي الله عنه للمسلمين على جانبٍ كبيرٍ من الأهميَّة؛ فقد أراد عمر رضي الله عنه أن يتجنَّب المسلمون حصار الفرس لهم كما حدث في معركة الجسر، كما أنَّه إذا خسر المسلمون يستطيعون الانسحاب بسهولة إلى قواعدهم، وفي هذه الحالة يسهل على عمر رضي الله عنه إمدادهم، وكان الفرس قد وصلوا إلى الشاطئ الغربي لنهر الفرات، ففصل نهرُ الفرات بين الجيش الإسلامي وبين الجيش الفارسي القادم من المدائن، وكأنَّ أحداث معركة الجسر تتكرَّر مرَّةً أخرى؛ حيث إنَّه عندما نزل مهران على شاطئ الفرات أرسل إلى المثنَّى يقول: “إمَّا أن تعبر إلينا، وإمَّا أن نعبر إليك”، فقال المثنى رضي الله عنه: اعبروا(4).

وكان المثنَّى رضي الله عنه قد نظَّم جيشه جيداً؛ فجعل على الميمنة بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، وعلى الميسرة بُسر بن أبي رُهم، وكان المثنَّى في مقدِّمة الجيش، وجعل فرقة في الجيش باسم فرقة الاحتياط كانت في المؤخِّرة لا تشترك في القتال وعلى رأس هذه الفرقة مذعور بن عدي، وفرقةً للخيول على رأسها أخوه مسعود بن حارثة، وعلى فرقة المشاة المـُعَنَّى بن حارثة، وبدأ يُحفِّز الجيش للقتال، ويمرُّ على كلِّ قبيلةٍ بمفردها قائلًا لأهلها: إنِّي لأرجو ألَّا تُؤتى العرب اليوم من قِبَلِكم، والله ما يسرُّني اليوم لنفسي شيءٌ إلَّا وهو يسرُّني لعامَّتِكم(5)، ورتَّب المثنَّى رضي الله عنه الجيش بصورةٍ دقيقةٍ ومنظَّمةٍ للغاية، وأصبح الجيش المسلم مهيَّئًا للقتال، وبدأ الجيش الفارسي يعبر الجسر الضيِّق إلى أرضٍ قد حاصرها المسلمون من كلِّ مكان، ويتكرَّر المشهد؛ فعندما يعبر الفرس يكونون شرق نهر الفرات، وفي غربهم البحيرة وفي شمالهم نهر البُوَيب، والجيش الإسلامي في المنطقة يحصر المنطقة بكاملها، وتدخل القوَّات الفارسيَّة، ويفتقد جيش الفرس عنصر الكثرة؛ لأنَّ المساحة التي تركها المسلمون للفرس ضيِّقة؛ حيث كان الجيش الفارسي يتكوَّن من ثلاثة صفوف، وفي كلِّ صفٍ فيل، فبذلك يُقابل صفُّهم الأوَّل فقط صفَّ المسلمين الأوَّل، ولا يستطيع أحد الدخول في المعركة غير الصفِّ الأوَّل من كلا الجيشين، فلا قيمة لعدد الجيش إِذَنْ، وإنَّما يُبْنى النصر أو الهزيمة على مدى قوَّة الصفِّ المحارب من كلا الفريقين، وكان هذا اختيارًا موفَّقًا من المثنَّى، وتعويضًا لِمَا حدث في معركة الجسر من اختيارٍ سيِّئٍ لأرض المعركة، ودخل الجيش الفارسي المصيدة، والجيش الإسلامي في المنطقة الأماميَّة، وتقدَّم الفرس وهم يصيحون صيحات مزعجة حتى يُوقِعُوا الرعب في جيوش المسلمين، وبهدوءٍ عجيبٍ يقول المثنَّى رضي الله عنه لجيشه: إنَّ الذي تسمعون فشل، فالزموا الصمت وائتمروا همسًا، وأمر المثنَّى جيشه بالتكبير ثلاث مرَّات، وفي الرابعة بَدْء القتال، غير أنَّه مع أوَّل تكبيرةٍ بدأ الفرس الهجوم على المسلمين، والتحم الطرفان في قتالٍ شديد، واستطاع الفرس صدَّ ضربات المسلمين في بداية القتال، ولمـَّا امتدَّ القتال لوقتٍ كبيرٍ سدَّد المثنَّى رضي الله عنه ضرباتٍ مباشرةً قادها هو بنفسه لقلب الجيش الفارسي، الذي كان يوجد فيه مهران قائد الفرس، حتى تقهقر مهران من القلب إلى ميمنته، واستطاع أحد المسلمين قتل مهران بن مهر بنداذ قائد الفرس، وكان لقتله أثرٌ كبيرٌ على الفرس، وعلى الرغم من هزيمة القلب في جيش الفرس، فإنَّ ميمنة وميسرة جيش الفرس ظلَّتا تُقاوم فترةً إلى أن بدأت قوى الجيش الفارسي تنهار أمام الضغط الإسلامي، حتى انهارت مُجنِّبَتي الجيش الفارسي، وبدأ الفرس في الهرب، لكنَّ المثنَّى رضي الله عنه استطاع أن يسبق الفرس الفارِّين إلى الجسر الذي كان قد عبروا عليه للقاء المسلمين، وقطع الجسر على الفرس الذين يُريدون الهروب، وانحصر الفرس في هذا المكان وليس لهم إلَّا أن يُقاتلوا، وبدأ المسلمون في معركة تصفيةٍ مع الجيش الفارسي، وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا، وأَسَرَ المسلمون من الفرس نحو ثلاثة آلاف جندي، ولضيق المكان كانت جثث الفرس يعلو بعضها بعضًا، ويذكر المؤرِّخون أنَّ عظامهم ظلَّت فترةً طويلةً متراكمةً على بعضها نظرًا إلى كثرتها(6).

تتبُّع الفارِّين وفتح السَّواد

وبعد هذه الموقعة ارتفعت المعنويَّات الإسلاميَّة إلى درجةٍ عالية؛ فقد انتصروا في المعركة، واسترجعوا الأرض التي كانوا قد أخذوها قبل ذلك، وفرَّ من استطاع من الفرس إلى المدائن قبل قطْع الجسر، وهبطت معنويَّاتهم إلى الحضيض، ولم يكتفِ المثنَّى رضي الله عنه بما تمَّ؛ ولكنَّه أرسل قوَّاته لتتبُّع الفارِّين، ولفتْح الأراضي التي كانوا قد تركوها منذ فترةٍ قصيرة، وأرسل مجموعةً من القادة مع جيوشهم إلى منطقة السَّواد ما بين دجلة والفرات، وانتشرت القوَّاتُ الإسلاميَّة تفتح هذه الأراضي التي كانت قد عاهدت المسلمين من قبل ثم نقضت عهودها معهم، واستخلف المثنَّى رضي الله عنه بشيرَ بن الخصاصية رضي الله عنه على الحيرة، وبدأ هو في الإشراف على الإغارات على سواد العراق، وكانت في منطقة ساباط قلعة يوجد بداخلها مجموعةٌ من الفرس قد رفضوا الاستسلام، فأرسل عصمة وعاصم وجرير بن عبد الله رضي الله عنهم إلى المثنَّى يطلبون رأيه في هذا الأمر، فأَذِنَ لهم بحصارها وقتالها، وحاصرت القوَّات الإسلاميَّة الثلاثة هذه المنطقة وفُتِحت قلعة ساباط، وانتشرت القوَّات الإسلاميَّة ما بين دجلة والفرات لا يلقون أيَّ مقاومةٍ من الفرس(7).

 

 

 

 

 

 

___________________________________

(1) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827).

(2) صحيح البخاري رقم (1503) – صحيح مسلم (984)، (986).

(3) مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، (1/ 316).

(4) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2/280. مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، (1/ 317).

(5) الطبري، تاريخ الطبري، (3/ 465).

(6) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2/281. مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، (1/ 319). البَلَاذُري، فتوح البلدان، ص250.

(7) بتصرف من موقع “قصة الإسلام”.

Exit mobile version