أُسرنا.. وموائد رمضان

 

ميزانية خاصة بشهر رمضان تعدها الأسرة كل عام حين يقبل شهر الصوم ويعرف التجار ذلك فيخرجون خبيء مخازنهم مما لذ وطاب يراودون به جوع الصائمين، وربما جارت مؤسسات الدولة الجميع في هذا الأمر فصرفت رواتب موظفيها قبل موعدها من أجل رمضان ونفقاته.

ومن يطب له أن يتجول في نهاية أي يوم من أيام رمضان يجد الأسواق وأصحابها قد تفننوا في عرض أطعمة مختلفة ألوانها وعرضوها بطريقة تغري المفطرين بله الصائمين، مما لا يجد معه الصائم بداً من الاستسلام لهذا الإغراء وتحميل جيبه فوق مما يطيق بشراء شتى الأصناف من الأطعمة والأشربة.

وإلى هنا ربما يكون الأمر محتملاً ومباحاً إلا أن الانحراف في المفهومات التي يفهم بها بعض الناس شهر الصيام تذهب إلى حد الاستعدادات الهائلة لتغطية هذا الشهر بالأفراح والليالي الملاح فتستعد دور السينما بأفلام جديدة وسهرات طويلة وتقوم دور اللهو والمسارح والكباريهات في كثير من بلاد المسلمين بالتعاقد مع: نجوم اللهو والعبث لعرض أكبر قدر ممكن من الانحلال والتفسخ في ليالي هذا الشهر التي تمتد حتى موعد السحور.

هذا المفهوم المقلوب لشهر الصوم ألقى بثقله على كاهل أسرنا حتى أصبحت تتصرف بإيحاء من هذه الانحرافات دون وعي منها.. فهم يقضون ليالي رمضان ساهرين يشغلون أنفسهم بأي أمر حتى إذا انتصف الليل أو جاوز النصف ختموا سهرتهم بالسحور وناموا إلى ما بعد طلوع الشمس مهملين صلاة الفجر.

وقد استجابت حكومات بلاد المسلمين إلى هذه العادة فأخرت لموظفيها موعد بدء الدوام في أيام رمضان وقللت ساعات العمل فيه لتتيح للصائم فرصة لقضاء أكثر يومه في النوم.

وفي النصف الثاني من اليوم وحين يكون رب الأسرة نائماً تكون الزوجة منهمكة في إعداد ألوان الطعام والشراب، وربما أدركها الليل ولما تنته من هذا العمل.

وهكذا ينقضي ليل رمضان ونهاره… سهر حتى الصباح… وكسل ونوم في النهار… وإنتاج قليل… وشراهة في الأكل تورث التخمة.

فشهر رمضان إذن كما أساء فهمه الناس شهر يطول ليله في الأكل والشرب وملء البطون والسهر واللهو ويمتلئ نهاره بالعجز والخمول.

أما أن يكون هذا الشهر الفضيل شهر عبادة وتبتل في نهاره يحرم الإنسان نفسه من شهوات الجسد ويصبر على الحرمان ويترك ليده العنــان مبسوطة تنفق على الفقراء والمساكين دون حساب وفي ليله يتهجد بالنوافل وقراءة القرآن ويعتكف في المساجد لا في دور اللهو والفساد، أما أن يكون هذا الشهر كذلك فقد غاب عن كثير من الناس.

إن على الأسرة المسلمة أن تعلم أن إفطارها مهما اقتصدت فيه فإنه سيزيد عن حاجتها فلتجعل فيه حظاً للفقراء والمساكين يشاركونها الطعام في كل يوم من أيام رمضان.

وأن على رب الأسرة أن يترك لزوجته نصيباً من الراحة في هذا اليوم ولا يشغلها بإعداد الأطعمة الكثيرة، بل يجلس إليها يحدثها ويحملها على التفكـر والتأمل والعيش في ظلال روحانية هذا الشهر الكريم.

وليكن للأسرة مائدة روحية تجلس إليها مجتمعة كل يوم تتلو القرآن وتفسره وتقرأ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبعث فيها الحياة والأمل، وتتفقه في دين الله في الكتاب الذي ترتئيه.

وليكن أكل الأسرة خفيفاً بسيطاً يتفق مع الحكمة من هذا الصوم حتى يظل كل فرد فيها نشيطاً قادراً على العبادة وحتى لا تشغل الأسرة جزءاً من يومها في تحضير الطعام وجزءاً آخر في التهامه أو التسلي بأكله. وليكن نوم الأسرة وإخلادها إلى الراحة مبكراً حتى تتمكن من الاستيقاظ للسحور قبل الفجر وحتى تنال من النوم ما يكفيها للاستمرار حتى صلاة الفجر.

فليكن صومنا صوم الطائعين الخاضعين الذين يستجيبون لربهم وينفذون ما أمرهم به، وقد أراده الله شهراً للأرواح خالصاً ينقيها فيه من كل درن ويخلصها من كل شائبة، فلنعش هذا الشهر بأرواح طاهرة ونفوس شفافة وقد أراده الله للنفس حرماناً من شهواتها وامتناعاً عن لذائذها وتقوية لإرادتها، فلا نجعله نحن بطنة تذهب الفتنة وامتلاء يورث الابتلاء.

 

Exit mobile version