فرنسا ومالي: التوتر يزداد وباماكو تتهم باريس بالتجسس وتغلق وسائل الإعلام الفرنسية

أخذت الأزمة المشتعلة منذ أشهر بين فرنسا ومالي أبعاداً جديدة أمس، حيث أغلقت السلطات المالية بصورة نهائية البث المحلي لإذاعة فرنسا الدولية ولقناة “فرانس 24″، وذلك بعد مضي يومين على صدور بيان رسمي لقيادة أركان الجيش المالي في بيان رسمي يتهم “الجيش الفرنسي بممارسة التجسس والتخريب، عبر زرع نزاعات وخلافات بين السكان المحليين، بهدف إقناع الرأي العام بأن وجود فرنسا في مالي أمر ضروري للاستقرار”.
وتشهد العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة الخارجة عن بيت الطاعة والمنحازة لروسيا، تصعيداً متواصلاً في عدة جوانب أهمها الحملات الإعلامية، ففيما واصل الإعلام الفرنسي حملة تشنيع ضد حكام باماكو، واتهمهم بارتكاب مجازر جماعية ضد المدنيين، واصلت وسائل الإعلام المالية حملات تتهم فرنسا بالكذب والتجسس والتآمر على سيادة مالي، وزرع الفتنة بين سكانها”.
وأعادت وسائل الإعلام المحلية بث مضامين مضادة لفرنسا، لبرامج بثتها وسائل الإعلام الروسية وبخاصة برامج لوكالة Sputnik الروسية، وقناة روسيا اليوم.
وتتبادل وسائط الإعلام الروسية والفرنسية حملات إعلامية مخصصة لتقييم وانتقاد حضورهما في جمهورية مالي.
ونشرت قناة Sputnik الروسية يوم 14 فبراير الماضي مقالاً على موقعها بعنوان “فرنسا ضحية غطرستها وسلوكها البغيض والعدواني”.
وأعاد المقال التذكير بتظاهرات الماليين ضد الحضور العسكري الفرنسي في مالي، وأظهر تنامي الشعور المضاد لفرنسا داخل الأوساط المالية، بل والإفريقية.
وبالتوازي مع ذلك، أصدرت السلطات المالية قراراً بمنع بث إذاعة فرنسا الدولية وقناة “فرانس 24″؛ وردت وسائل الإعلام الفرنسية على ذلك ببث برنامج تحت عنوان “في مالي: الجيش الفرنسي يصور تجاوزات مجندي فاغنر الروسية”.
وندد البرنامج بالحملة الإعلامية ضد قوة “برخان” الفرنسية في مالي.
ونشرت إذاعة فرنسا مقاطع مصورة جواً، تظهر تجمعات مخصصة للفبركة الحملة الإعلامية المضادة للجيش الفرنسي.
واتسع الاقتتال الإعلامي بين روسيا وفرنسا نحو أوروبا، لكن الحملة الروسية على المستوى الأوروبي، كانت ضعيفة بسبب منع وسائلها الإعلامية من البث هناك.
وفي النهاية، تواصل التراشق الإعلامي بين روسيا وفرنسا، على المستوى الإفريقي، وبخاصة في الدول التي يتزايد فيها الشعور المقرب من روسيا والرافض لفرنسا، مثل دول مالي، ووسط إفريقيا، وغينيا.
وبخصوص التوتر بين مالي وفرنسا، فقد أعربت قيادة الجيش المالي في بيان لها قبل يومين عن “كامل اشمئزازها وامتعاضها من سلوك الجنود الفرنسيين المتبقين على أرض مالي”.
وتواصل فرنسا منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي عملية سحب، يراها الماليون متطاولة دون تبرير، لقواتها من هذا البلد الإفريقي الغارق في أزمة أمنية وسياسية منذ سنوات.
ونددت أركان الجيش المالي في بيانها، بما سمته “محاولات الجيش الفرنسي خلق بلبلة داخل مالي”.
وأعرب الجيش الذي يحكم مالي حالياً عبر مجموعة من ضباطه “عن تنديده بخرق الطيران العسكري الفرنسي للمجال الجوي المالي، تجاوز عدده خمسين اختراقاً”.
وأضاف “أن فرنسا تقوم بحملة دعائية كاذبة وملفقة، لتحميل الجيش المالي والمدربين الروس مسؤولية ما تدعي أنه مذبحة مرتكبة قرية موروا، بينما الأمر لا يعدو عملية تحييد لإرهابيين وجهاديين مسلحين”.
وأضاف البيان: “لقد رصد الجيش المالي تحليق طائرة فرنسية مسيرة فوق حامية كوسي العسكرية المالية، وذلك في مهمة تجسس على القوات المالية، كما أن القوات الفرنسية تنفذ منذ فترة، حملة تشويش مغرضة عبر توزيع صور مفبركة تحمل الجيش المالي مسؤولية قتل المدنيين من أجل تلويث سمعته بين السكان”.
وينسب للقوات الفرنسية تأكيدها “بأنها شاهدت مجندين روساً وهم يدفنون عدداً من الجثث، متهمة المجندين الروس بقتل مدنيين ماليين”.
ومع أن الجيش المالي فتح تحقيقاً في التأكيدات الفرنسية، فقد اتهم فرنسا بأنها “تسعى للتستر على شيء ما، وبأنها تزرع الخلافات بين المجموعات المالية المحلية”.
وأكد بيان قيادة الأركان المالية “أن المجزرة التي تحدث عنها الفرنسيون، مجزرة قديمة وأن الجيش المالي غير مسؤول عنها”.
وتنضاف الاتهامات المالية الرسمية لفرنسا بالتورط في إحداث بلبلة وفتنة داخل مالي، لتصريحات أدلى بها مؤخراً رئيس الوزراء المالي شوغال مايغا، لوكالة نفوستي الروسية، اتهم فيها فرنسا “بالدخول في عملية تدريب عناصر إرهابية في مناطق الشمال المالي، مباشرة بعد أن بدأت عملية “سرفال” العسكرية عام 2013″.
وقال: “من حق الماليين أن يتهموا فرنسا بقيادة مؤامرة دولية ضد بلدهم؛ فقد فتحوا أرضهم أمام القوات الفرنسية عام 2013 لتحقيق هدفين، هما القضاء على الإرهاب واستعادة الحكومة المركزية السيطرة على المناطق الشمالية التي احتلتها الحركات الإرهابية”، مضيفاً: “لأنه بعد تسع سنوات من التدخل العسكري الفرنسي، كانت النتيجة سيئة: فقد منعت فرنسا حكومتنا من استعادة مدينة كيدال (مقر المسلحين الطوارق)، وامتد الإرهاب الذي كان محصوراً في كيدال ليشمل 80% من ترابنا الوطني، وهذه نتيجة بالغة السوء لا يمكن فهمها”.
وتأتي هذه التطورات متزامنة مع توتر آخر مواز في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجمهورية مالي، يتمثل في وقف الاتحاد الأوروبي لتدريباته الخاصة بتحسين قدرات جيش وشرطة مالي.
وحدث كل ذلك ضمن جدل تصاعد مؤخراً إثر عملية نفذها الجيش المالي قبل أيام بمنطقة مورا، وأعلن على إثرها عن مقتل 203 عناصر مسلحة، واعتقال 51 آخرين.
ويعود السبب الأساسي للتوتر بين مالي والاتحاد الأوروبي لنشر عناصر من مجموعة فاغنر الروسية في مالي بطلب من سلطات باماكو، ولتعاون العناصر المالية المدربة بتمويل أوروبي، مع عناصر شركة فاغنر المحسوبة على روسيا، التي يرفضها الأوروبيون.

Exit mobile version