واإسلاماه.. أيها المسلمون!

 

صرخة أطلقها المماليك عندما غزا التتار العالم الإسلامي، ودنوا من مصر لاقتلاعها من دينها، كما اقتلعوا كل ما مر بهم من ديار، وإذا بهذا الجيش المسلم يقف سداً صلباً منيعاً، يخرج من مصر ليدق بسيوفه أعناق ذلك الجيش العرمرم المرعب، في رمضان عام 658هـ في معركة عين جالوت الحاسمة!

واليوم، نطلق ذات الصيحة، علها تجد صدى عند البعض، فالخطب عم، والخراب طم، والفساد انتشر وعشش وتربع على كل الدنيا، بل والإلحاد والشك ورفض الدين والطعن به، والتجرؤ على الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام جهاراً نهاراً، أصبحت مظاهر طبيعية ويومية!

نطلق هذه الصيحة في رمضان أيضاً، كما أطلقها قطز في رمضان، فهو شهر الانتصارات والخيرات، وندائي أولاً للعاملين في الحقل الدعوي، ثم لكل مسلم قادر على دفع البلاء وإن تلبس بشيء من المخالفات الشرعية!

إن الإعلام اليوم يقف في صف الظلم والاستبداد، من خلال توهين عقيدة المسلم، والطعن بإيمانه ودينه، بما ينشر من شهوات وينثر من شبهات.

إن الفن وجه من وجوه الإعلام، الذي قصر الإسلاميون فيه أيما تقصير، بل وأهملوه وحاربه بعضهم، واليوم نكتوي بناره وشناره، ثم نبكي كالنائحة المستأجرة!

إن الفن-بل الإعلام- بات يحمل رسائل لا رسالة واحدة، تكمن في نشر الشهوات وبث الشبهات التي تثار ضد الدين، ولاحظنا أنه في رمضان العام الماضي، كانت اللافتة الأكثر حضوراً، هي “التطبيع مع اليهود”، واحترام المثلية، أما اليوم فقد توسعت رقعة الإفساد (رسالة الفن) -نتيجة السكوت، وعدم المحاربة الفعلية- لتشمل كل طبقات المجتمع، من زوج وزوجة وأبناء وآباء وأمهات وأجداد.. لقد بات الفن اليوم يعرض السحر والقتل والدياثة والخيانة وتشويه الدين من خلال المتدين، إلى غير ذلك من أفكار مسمومة، في ثوب قشيب وزينة خلابة، تغري المشاهد وتزين له الأمور، مع ما يصاحب ذلك من انفتاح حاد، وتغريب فكري واضح، ومع بث الحفلات والعروض والفاشنستات وغير ذلك مما يمهد الطريق لسهولة سلوك الشر وارتياد دروب التيه والضياع والابتعاد عن الدين، وليعلم كل من شارك في ذلك بقلم أو بمال أو بأداء أو بتشجيع، فهو شريك في الإثم لا محالة، وإن صلى وصام طول الدهر!

ثم من هنا نقول: إن الخطر قائم، والواقع يشهد بذلك، وقد يأثم العاملون في الحقل الدعوي كذلك، إن تقاعسوا ولم يتداركوا الأمر بفعل منهجي وتخطيط دقيق له أثر فعال في المجتمع!

لذلك، أرى أن هناك بعض الأمور التي يجب مراعاتها والنظر إليها بجد في هذا الزخم الفاسد والمفسد، حتى تكون الحركة بوعي وتدبير ومنهجية، بعيداً عن خبط العشواء وحجر النرد للحظ!

أولاً: ترك الجدال العقدي والفكري بين فئات العمل الإسلامي:

إلا في أضيق الحدود، فالنزاعات تلهي العاملين ببعضهم ليتفرد العدو بالمجتمع وينخر به، ويفعل ما يريده، ليحقق الهدف المرجو والمرسوم.

يقول تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 46)، قال الطبري في تفسيره: قول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا، أيها المؤمنون، ربَّكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، “ولا تنازعوا فتفشلوا”، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم.. “فتفشلوا”، يقول: فتضعفوا وتجبنوا.. “وتذهب ريحكم”، وهذا مثلٌ، يقال للرجل إذا كان مقبلاً ما يحبه ويُسَرّ به: الريح مقبلةٌ عليه.. وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم، فتضعفوا ويدخلكم الوهن والخلل، فالشقاق والنزاع اليوم، سيؤدي إلى ذلك، وهذا ما نراه عيانا.

ثانياً: التعاون والتفاهم وتوزيع الأعمال:

فالعبء كبير، ولا يمكن أن تنوء به جماعة واحدة أو مؤسسة، لهذا لا بد من التعاون والتفاهم، وتوزيع الأعمال بين العاملين في الحقل الإسلامي، فمن كاتب نقداً، أو رداً أو تفنيداً، ومنهم من يكون مختصاً بظهور إعلامي، ومنهم عامل في التعليم ونشر الوعي، وهكذا، ولا ينبغي التزاحم على أمر واحد، فالساحة تسع الجميع، والكفر وأعوانه يضربوننا عن قوس واحدة، فلا بد من سد الثغرات كل بقدرته وعمله، ولكن قبل كل شيء لا بد من التفاهم والتعاون كمبدأ لا يقبل النقاش اليوم.

ثالثاً: الاستعانة بالمختصين من كل الأعمال والمهن:

حتى يكون العمل متقناً وذا قيمة ومؤثراً.

رابعاً: الاهتمام بالإعلام كثيراً:

فالإعلام هو الذي يرسم الرأي العام، وهو الذي يثبت قناعات موهومة، وهو الذي يغير عقائد وأفكاراً، ويوجه الناس، وهذه قضية نلمسها تماماً في كل جوانب حياتنا اليوم، ومع ذلك فكثير من الإسلاميين لا يلتفتون إليها ولا يعيرونها أي أهمية!

نحن بحاجة اليوم إلى إعلام مضاد قوي، يتمثل في الخبر الصادق، والتحليل الموضوعي غير المنحاز، والمعلومة المفيدة، وفوق ذلك كله السيناريو المفيد والمؤثر، والمنفق على ذلك من تاجر وغيره، والمخرج الصادق والممثل الملتزم والقنوات النافعة والمؤثرة ذات البرامج الإبداعية التي تحاكي الواقع، ولا تبتعد عن الشرع، ولا تجافي ذوق المشاهد، ولا تخرج عن تقاليد المجتمع، وتحارب الرذيلة وتنمي الفضيلة، وتخرج من حاجة فعلية، ونحن قادرون على ذلك، فلا ينقصنا المال ولا المكان ولا العقول ولا الأقلام ولا المخرج ولا المنتج والممثل ولا المذيع.. بل كل ما ينقصنا العزم والإرادة وعدم اليأس.

خامساً: وهو الأهم والمقدم ويكمن في الاهتمام بالعقيدة والدين:

ومن ثم تنميتها في قلوب الناس من خلال المساجد، أو الشاشات، أو المذياع، أو أي وسيلة كانت، وربط ذلك بالكتاب والسُّنة والعلماء الصالحين الناصحين، فالروح متى صلحت وتربت على الدين الصحيح، ستنتج، وتمضي في الحياة الدنيا واعية عارفة بمكامن الخطر والخطأ وتمييزه عن الصواب والحق، وستصعب على المفسدين والفاسدين.

تلك صيحة واإسلاماه، أزجيها لمن يرى الضلال قد عشش، والخطب جللاً، ويرى الشبهات والشهوات قد آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً، وهو يعتقد أن الباطل سيهيئ الله تعالى له يداً من الحق حاصدة وقالعة.. فليكن أنت ذلك القطز!

Exit mobile version