حدث في التاسع من رمضان

 

1- فتح جزيرة صقلية

تم فتح صقلية على يد القائد أسد بن الفرات بن سنان في عهد الخليفة المأمون في 9 رمضان 212هـ، وكان أسد بن الفرات رحمه الله مع توسعه في العلم فارسًا بطلاً شجاعًا مقدامًا، زحف إليه صاحب صقلية في مائة ألف وخمسين ألفًا، قال رجل: فلقد رأيت أسدًا وبيده اللواء يقرأ سورة “يس”، ثم حمل بالجيش، فهزم العدو، ورأيت الدم وقد سال على قناة اللواء وعلى ذراعه، ومرض وهو محاصر سرقوسية، ولما ولاّه صاحب المغرب الغزو، قال: قد زدتك الإمرة، وهي أشرف، فأنت أمير وقاضٍ(1).

وجد ابن الفرات في نفسه رغبة تسيطر عليه يتقرب بها إلى الله لإعزاز دينه، وهي الرغبة في جهاد أعدائه، فاستأذن أمير الأغالبة، لكن الأخير رفض في بادئ الأمر، ولكن بعد إصرار ابن الفرات وافق الأمير زيادة الله الأغلبي له، وقد ولاه قيادة أسطول صقلية، وهو في سن السبعين من عمره، وكان على رأس جيش قوامه 700 فارس وعشرة آلاف مجاهد، اتجه الأسطول إلى صقلية، ووصلوا إلى مدينة تسمى “مازارا”، ومن ثم اتجه إلى “قصريانة” ففتحها، فهرب البيزنطيون منها، وخدع البيزنطيون ابن الفرات، حيث عرضوا عليه الجزية والصلح، ولكن في هذه الأثناء حاصر البيزنطيون المدينة، وهنا دارت معركة شديدة بين الجيش البيزنطي والجيش الإسلامي بقيادة أسد بن الفرات، الذي أخذ في تحفيز جنوده، يقرأ القرآن الكريم ويحمس جنوده حتى نال الشهادة ودفن في قصريانة.

جزيرة صِقِلِّيَّة

وجزيرة صِقِلِّيَّة هي أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط، وأكبر أقاليم إيطاليا من حيث المساحة، ولا يفصلها عن شبه الجزيرة الإيطالية إلا مَضيق بحري رفيع، وتقع بين شبه جزيرة كالابريا – قلورية في المصادر العربية الإسلامية – في أقصى جنوب إيطاليا، وشبه جزيرة الرأس الطَّيِّب في تونس، وتقسم الجزيرة البحر المتوسط لقسمين: شرقي، وغربي، وهي إحدى حلقات الوصل الكبرى بين القارتين: الإفريقية، والأوروبية، بل بين دول الحَوْضَيْن: الشرقي، والغربي للبحر المتوسط، وقد أعطاها الموقع الجغرافي المذكور أهمية سياسية، واقتصادية، وعلمية كبرى، وهي تتمتع حاليًا بنوع من الحُكْم الذَّاتِي في إطار تبعيتها السياسية لإيطاليا، وقد غزاها المسلمون عِدَّة غزوات في العصر الأموي، ثم العَبَّاسِي، إلى أن فتحها الأَغالِبة في ولاية زيادة الله بن إبراهيم بن الأَغْلَب، الوالي على القَيْروان من قِبَل المأمون العباسي، في السنة الثانية عشرة بعد المائتين من الهجرة، بقيادة الفقيه المجاهد أَسَد بن الفُرات رحمه الله تعالى، وقد ظَلَّت بها عِدَّة مدن تحت سيطرة النَّصارى، لاسيما القِسْم الشَّرْقي الذي كانت تأتيه الإمدادات من أوروبا، وقَنَع بعضُ الولاة منهم بالجِزْيَة، واستمر ذلك إلى أن أحكم إبراهيم بن أحمد تاسع أمراء الأغالِبة سيطرته عليها، ثم عادت السيطرة للنصارى في شرق الجزيرة، إلى أن سقطت دولة الأغالِبة في شمال إفريقية على يد العُبَيْديِّين الإسماعيلية الذين يُسَمَّون بالفاطميين سنة ست وتسعين ومائتين.

2- فتح الأندلس

لم يمض القرن الإسلامي الأول حتى كان فتح عظيم من فتوحات شهر رمضان الكريم، وهو فتح عظيم في التاريخ الإسلامي، إنه فتح الأندلس على يد المقاتل البارع والقائد الفذ طارق بن زياد.

في عهد الدولة الأموية استطاع القائد المسلم موسى بن نصير فتح بلاد المغرب العربي، وبذلك دخل البربر في دين الله وعمل موسى بن نصير على تعليم الناس أمور دينهم وتفقهيهم فيه، وعمل على تدعيم الوجود الإسلامي ببلاد المغرب العربي، فكان له ذلك بخبرته وحنكته والتزامه بشرع الله، فصار البربر من جند الله المجاهدين، لكن بقيت إحدى مدن المغرب عصية على الفتح الإسلامي وتسمى سبتة، وحاكمها يسمى يوليان وكان من حلفاء ملك الأندلس غيطشة، وكان يأتيه المدد عبر البحر من الأندلس، ثم مات غيطشة وخلفه في مُلكِ الأندلس لذريق، وحدث أن اغتصب لذريق هذا ابنة يوليان حيث كان قد أرسلها إلى القصر لتتعلم وتتأدب بأدب الملوك، فأقسم يوليان على أن يزيل ملك لذريق، وحاول محاولات عدة لكنه لم يجد غير التحالف مع المسلمين سبيلًا، ورأى موسى بن نصير أن الفرصة سانحة لفتح الأندلس ونشر الإسلام فيها وهي في هذه الحالة من الضعف والفوضى، وبعث موسى بن نصير إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يستأذنه في فتح هذه البلاد وواصفًا له مكانتها من المسلمين، مبينًا سهولة دخولها بناء على ما أوضحه له يوليان، فأمره الوليد بن عبد الملك بإرسال سرية صغيرة تختبر تلك البلاد؛ كي لا يقع المسلمون في مأزق في تلك البلاد، فأرسل موسى بن نصير أحد قادة جنده ويسمى طريف بن ملوك، فعبر إلى الأندلس في خمسمائة جندي وكان ذلك في رمضان سنة إحدى وتسعين للهجرة، ونزلوا في بلدة سميت باسم القائد طريف، وشن المسلمون غارات على الساحل غنموا فيها مغانم كثيرة، ثم رجعوا إلى موسى بن نصير بما حصلوا عليه في تلك المعارك، وبعدما رأى موسى بن نصير نتيجة السرية التي قام بها طريف بن ملوك، أخذ يجهز جيشًا كبيرًا وندب على رأسه رجلاً بربريًّا شجاعًا يسمى طارق بن زياد، وأرسله إلى الأندلس على رأس سبعة آلاف مقاتل مسلم، جُلّهم من البربر الذين حسن إسلامهم والبربر كانوا يتصفون بالقوة والشجاعة والإقدام، وبدأ عبور المسلمين إلى الأندلس ولم يكن لديهم سوى أربع سفن، فتم العبور على دفعات واختبأ الذين عبروا أولاً حتى عبر الجيش كله، وتجمعوا عند جبل سمِّي بجبل طارق تيمنًا باسم القائد الفاتح طارق بن زياد، واستولى المسلمون على الجزيرة الخضراء قبالة جبل طارق، فصارت مواصلات الجيش مع إفريقيا حيث المسلمون، كلها آمنة.

لما علم ملك القوط لذريق بخبر المسلمين، أرسل فرقة من جيشه لتهاجم المسلمين لكنها هُزمت وقتل كل جنودها إلا رجل واحد عاد فأخبر لذريق بما رآه من المسلمين في قتالهم، فسار لذريق جنوبًا واستولى على قرطبة وعسكر في سهل البرباط، وكان تعداد جيشه مائة ألف مقاتل تقريبًا، وسار طارق بن زياد بجيشه متوجها إلى قرطبة وتوقف عند نهر البرباط، وتحسس أخبار لذريق فعرف مكانه وعدد جيشه، فأرسل إلى موسى بن نصير طالبًا المدد، فأرسل له موسى مددًا تعداده خمسة آلاف مقاتل جُلّهم من العرب، فسار تحت قيادة طارق بن زياد حوالي اثني عشر ألفًا من المسلمين.

أما لذريق فلم يكن من بيت الملك في بلاد الأندلس، لكنه لما هلك غيطشة ملك الأندلس ترك أولادًا لم يرضهم أهل الأندلس واضطرب الأمر هناك، فتراضوا على لذريق هذا وكان من قوادهم وفرسانهم فولوه ملكهم، لكنه خالف تقاليد الملك وفعل أشياء شنيعة؛ لذا لما تلاقى الجيشان كان أبناء ملك الأندلس قد اتفقوا على أن ينهزموا بجنودهم، وقد ظنوا أن المسلمين إنما جاءوا طلبًا للغنائم فقط، ونشبت المعركة وأبلى المسلمون بلاء حسنًا، على الرغم من أن غالب المسلمين كانوا رجَّالة بلا خيول بينما جنود القوط من الفرسان، واستمرت المعركة ثمانية أيام، وانضم عدد من جيش لذريق إلى المسلمين بغضًا له وتشفيًا فيه، وحدث اضطراب في جيشه، ففرَّ لذريق وفرَّ بقية جيشه وسيوف المسلمين تحصدهم، ولم يعثر على أي أثر للذريق بعد هذه المعركة حيًّا أو ميتًا، وقد استشهد في هذه المعركة ثلاثة آلاف مسلم، وكانت هذه المعركة العظيمة التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا عظيمًا في شهر رمضان في العام الثاني والتسعين للهجرة النبوية المباركة.

3- إعلان إندونيسيا استقلالها عن الاحتلال الياباني

في 9 رمضان 1364هـ/ 17 أغسطس 1945م، أعلنت إندونيسيا استقلالها عن الاحتلال الياباني، لكن مع عودة الأطماع الاستعمارية الهولندية لم تُمنح إندونيسيا الاستقلال الفعلي إلا بعد 4 سنوات، وتعاقَب على إندونيسيا الاستعمار البرتغالي ثم الإسباني ثم الهولندي، وفي الحرب العالمية الثانية، احتلت اليابان إندونيسيا التي كانت ترزح تحت الاستعمار الهولندي، فوعدت هولندا الإندونيسيين بالاستقلال في حال ساعدوهم على طرد الجيش الياباني.

وقد احتلت إمبراطورية اليابان الهند الشرقية التي كانت خاضعة للاستعمار الهولندي (إندونيسيا الحالية) في أثناء الحرب العالمية الثانية منذ عام 1942م وحتى 1945م، ولم تستطع هولندا الدفاع عن مستعمراتها، وقام نظام الحكم الياباني بأعمال قمع وحشية شملت عمل عشرات الآلاف بالسُّخرة لخدمة الإمبراطورية اليابانية، وأسَّس اليابانيون مليشيات بإندونيسيا لتكوين جيش محلي ضد هجمات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ثم شنَّت هولندا حروباً لاسترداد المستعمرات، وبعد انهزام اليابان ونهاية الحرب العالمية، تم إعلان استقلال إندونيسيا في خطاب رسمي صبيحة يوم الجمعة في 9 رمضان 1364هـ/ 17 أغسطس 1945م وقرأه أحمد سوكارنو، ولكن بعد إعلان الاستقلال، استمر الصراع الدبلوماسي والمسلح مع هولندا، إلى أن اضطرت هولندا إلى الاعتراف باستقلال إندونيسيا أخيراً عام 1949م، بعد فشل محاولة تقسيم البلاد إلى جزأين جنوبي وشمالي.

 

 

 

 

 

________________________________

(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء (10/228).

Exit mobile version