شبابنا والفراغ العاطفي.. الداء والدواء

 

من المعلوم سلفًا أن شبابنا يعاني من مشكلات جسيمة وسهام توجه إليه على مدار الساعة من دعاة وإعلام ومنابر إلحادية تعتبر الانحراف تنوير والطعن في الثوابت حرية وتنويراً، هذه الموجات تهدف إلى تجريده من هويته ودينه لتصل به إلى انحراف مساره والتركيز فقط على الغرائز والشهوات أو إن شتت فقل يكون أسيرًا للتوافه والمحرمات.

ولما كان الأصل في هذا الأمر هو الفراغ وهو نعمة مغبون فيها الكثير كما قال نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم في حديثه: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ” (رواه البخاري) والنعمتان يستحوذ الشباب عليهما بلا شك.

وعليه فإن الفراغ الأخطر والباب الذي يسعى المفسدون إليه هو الفراغ العاطفي عند الشباب كمدخل لكل الأمور التي تخالف الشرع الحنيف، ونحن ومن باب الحرص والنصح والحب نكتب اليوم عن هذا الفراغ، وسبل الحلول بشكل بسيط وسلس وبعيدًا عن التنظير المفرط فالأمر جد خطير.

تعريف الفراغ العاطفي

هو حالة من الفراغ أو إن شئت فقل فجوة حياتية تتسرب إلى قلب وعقل الشاب فلا يجد من يضيف إليه أو يفيض هو عليه سواء بكلام أو مشاعر أو أحاسيس فيشعر بأنه وحيد لا أحد يسال عنه.

هذا هو التعريف المتماشي مع تفكير الشباب والأقرب للواقع والعاصم هنا وقبل ذكر الحلول أمران هما: المراقبة الذاتية والتوجيه الأسري والتربوي.

الحلول والعلاج

أولًا: اللجوء الدائم لله:

إن الطاعة كانت ولا تزال وستبقى معيارًا للنجاح الحياتي وباب استقرار نفسي ومنطلق طمأنينة حقيقية للقلب، وعليه فإن الاعتصام بحبل الله والالتزام به يصبحُ مسارًا حياتيًا يخفف من لوعة الفراغ وتبعات العاطفة ويمسك على المرء دينه وقلبه، فيصبح الله هو الغاية في الأقوال والأفعال وما أعظمه من مسار وأجلها من غاية لكن هذا الأمر لن يكون سهلًا فالأعداء كثر وكما قال أحد الصالحين في توصيف حياته:

النفس والشيطان والهوى *** كيف النجاة وكلهم أعدائي

وقد كان صادقًا بسيطًا فذكر ثلاثة فقط ولو بُعث هذا الصالح ورأى أعداء اليوم لظل القوس مفتوحا أياما وليال وربما شهور.

ثانيًا: التواصل الجيد مع الشباب:

والمعني بالتواصل هم كل من يهتم بصلاح حال الشباب وتصحيح مسار قلوبهم وإنقاذهم من كل موجات التحرر المكذوب والإلحاد المتعدد الأساليب والوسائل، وهي مهمة عظيمة الأجر والمثوبة؛ فالذي يهدي الله به شخصًا كانت مكافأته خيرا من حمر النعم فما بالنا بأجيال تتعرض يوميا لسهام ومدافع لكن بشكل بريق جديد تألفه النفس الضعيفة. لكن الأهم أن يكون المتواصل له خطاب احترافي يحبب ويقرب ويجمع ولا ينفر ويفرق ويهدم، وبشكل مقدر لتطلعاتهم وأحلامهم وآرائهم وأطروحاتهم دون تسفيه لها.

ثالثًا: الأسرة واستقرارها:

إن البيوت الآمنة المطمئنة هي مقر استقرار لقلوب روّادها وسكانها وعليه فإن البيت المسلم الذي يحتضن بين جنباته شبابًا عليه دور عظيم ورسالة أخطرُ، فالدور أن يحسن تأسيسهم من البداية؛ كي تمر كل المراحل العمرية بسلاسة ويسرٍ بعيدًا عن متعسرات الحياة ومنزلقات الطريق.

وأما الرسالة فهو بين نارين، إما أن يقوم روّاد البيت وربان سفينته بكل جديد مبهر والتربية بشكل تنويري حقيقي مستمد من سير العظماء بعد التبحر في كتاب الله واغتنام كل القيم والأوامر والنواهي في التربية الفعالة شريطة إخلاص النية فلكل عمل نية، أو يترك الأمر للإعلام والشاشات والفضاء المفتوح من باب عدم التفرغ والتعلل بالعمل والتعب في الحياة عندها تكون الطامة وقناعتي أنها قاصمة.

لذلك فنحن ندق ناقوس الخطر ونشد على كل أسرة أن تخفي أوجاعها بعيدًا عن أبنائها كي لا ينفر الشاب من البيت ويجد فضفضته مع الشارع وأصدقاء السوء وتلك هي القاصمة؛ لأن العواقب وخيمة عليه وعلى حياته ومساره الذي حتما سيتبدل.. فاليقظة اليقظة والبدار البدار والحذر الحذر.

رابعًا: التأهيل والتدريب:

إن مشكلة الكثير من الأجيال هو عدم التأهيل على أمور حياتية قبل البدء فيها، فمثلًا نجد نسبة الطلاق مرتفعة في عالمنا العربي والسبب الرئيس -في نظري- هو عدم تعليم وتأهيل الشباب والفتيات صفات مرحلة الزواج ومراحل تأسيس البيت، فيحقق الأولاد رغبة آبائهم فقط دون إلمام بما هو مقدم عليه، حتى الزواج المبني على حب ينهار بسبب عدم التفرقة بين الحب كخطوة للزواج والتأهيل كضمانة لتثبيت هذه الخطوة ومتابعتها بخطوات أجمل وأكبر مما يزيد البيت الجديد ثباتا واستقراراً ووئاماً، لذلك فالتأهيل القلبي والعقلي والحياتي للشباب سيثمر عن حالة من الفهم والوعي يتبعه يقينًا عدم التفرغ بل سعي في استغلال كل الأوقات بما يضيف لعقل الشاب وقلبه وزيادة قدراته وتوظيف طاقاته وملكاته بما يخدم على اكتسابه مهارات جديدة في حياته ليجد نفسه صاحب رسالة ونفس مطمئنة وعقل مدرك لما يدور حوله عندها يكسب نفسه ويكتشفها من جديد.

وما أجملها من حسن استغلال لنعمة الفراغ التي يقع في الكثير من البشر.

ختامًا..

الفراغ العاطفي قنبلة موقوتة بحبل كبير له طرفان أحدهما في يد البيت والأسرة والآخر في يد الساعين لسلخ الشباب من دينهم والنصر لمن يبدع في الوصول لعقل وقلب الشاب ويستحوذ عليهم ويسخر وقته وإمكاناته له.

لذلك فالأمر جد خطير؛ لأن توابعه أخطر لو نجح الطرف المعادي في جذبه إليه والأمر عظيم لو نجحت الأسرة في الاحتضان والاحتواء.

لذلك فعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم حتى نصل بشبابنا لبر الأمان وسط هذه الموجات الهادرة.

اللهم احفظ شبابنا من كل مكروه وسوء.

 

 

 

 

 

 

 

_____________________________

(*) المصدر: موقع “بصائر تربوية”.

Exit mobile version