اللغة العربية، لغة القرآن الكريم والأحاديث النبوية المروية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأشهر لغات العالم وأكثرها انتشاراً، لها أهمية بالغة عند جموع المسلمين حول العالم، ويتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، ويتحدث بها غالبية سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالأخص سكان البلدان العربية كافة، وهناك العديد من الدول الأخرى غير الدول العربية يتحدثون بها مثل تركيا وتشاد والسنغال وإثيوبيا ومالي والأحواز، كما أن لها تأثيراً بالغاً في العديد من اللغات الأخرى على مدى العصور، مثل اللغة التركية والفارسية والأردية والماليزية والإندونيسية والبنغالية وغيرها من اللغات.
انتشرت اللغة العربية بطرق شتى وأشهرها الفتح والتجارة والجهود الدعوية ورحلات الحج، لكن الفتح كان السبب في انتشار العربية خاصة، فيما يعرف حالياً بالمنطقة العربية مع أسباب أخرى، وهناك بلاد فتحت ولم تستمر بها العربية، مثل إيران وباكستان وإقليم السند والأندلس، الفتوحات الإسلامية تأثرت بها الكثير من الشعوب وأن اللغة العربية هي لغة المصدر التشريعي الإسلامي للقرآن والأحاديث النبوية والصلاة والعبادات الأخرى، وكان لهذا أثر كبير في انتشار اللغة العربية في تلك الفترة، كما أن الشعوب الأعجمية أيضاً أصبحت تتحدث اللغة العربية كلغة ثانية إلى لغتها الأم، خاصة أن اللغة العربية في تلك الفترة كانت في أوج ازدهارها لأنها كانت لغة العلم والأدب في ظل الخلافة العباسية والأموية، ومع مرور الزمن أصبحت اللغة العربية هي لغة الشعائر السائدة في تلك الفترة مثل الشعائر المسيحية في الوطن العربي وفي كنائس الروم الأرثوذكس والكاثوليك والسريان، وأيضاً الديانة اليهودية في العصور الوسطى كتبت الكثير من أعمالها الدينية والفكرية باللغة العربية.
ولكن في فترة من الزمن وتحديداً عند الاجتياح المغولي بقيادة هولاكو خان كانت اللغة العربية في أسوأ حالاتها، فقد أصابها ركود كبير وذلك بسبب التدميرات المهولة التي حصلت جراء الغزو المغولي الذي أدى إلى تخريب الثقافة والحضارة العربية، وفي العصر المملوكي لم يعد يهتم العرب بتطوير اللغة والعلوم لانشغالهم في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار والتخريب الذي خلفه هولاكو خان.
أما في فترة الفتوحات العثمانية استطاعت اللغة العربية تثبيت موطئها في “الأناضول” وبلاد البلقان، وخاصة بعد اعتناق الكثير من السكان للإسلام، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية الثانية في عهد الدولة العثمانية.
وقد عادت حالة الركود في اللغة العربية قرابة 400 سنة، ثم انتعشت بعض الشيء في أواخر القرن التاسع عشر بعد النهضة الثقافية التي شهدتها بلاد الشام ومصر فازدادت أعداد المثقفين والمتعلمين وفي هذه الفترة انفتح الكثير على تجميع الحروف العربية ونشر الصحف الحديثة باللغة العربية لأول مرة، وأقيمت العديد من الجمعيات الأدبية مما أدى إلى إعادة إحياء اللغة العربية الفصحى من جديد، ولعل من أشهر الأدباء الذين ساهموا في إثراء اللغة العربية في تلك الفترة، أمير الشعراء أحمد شوقي، والشيخ ناصيف اليازجي، وبطرس السبتاني، وجبران خليل جبران، وقد ظهرت على يد هؤلاء القواميس والمعاجم العربية الحديثة مثل قاموس “محيط المحيط”، و”دائرة المعارف” التي لا تزال بعضها إلى الآن تستخدم، كما تأسست الصحافة العربية التي كان لها دور كبير في إحياء الفكر العربي، ولكن للأسف هذه الانتعاشة كانت مقتصرة فقط على الأدب وليس في المجال العلمي، فلم تعد اللغة العربية كما في السابق لها دور في هذا المجال خاصة بعد الحرب الباردة في أواخر القرن العشرين، فأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة المنتشرة في غالبة الدول حتى بالدول العربية خاصة بعدما أصبحت اللغة الأساسية في التعاملات والرسائل التجارية والعلمية.
18 ديسمبر، يوم تاريخي للغة العربية، لأن الأمم المتحدة تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة رقم (3190) في ديسمبر عام 1973 وقررت الجمعية العامة بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، وخلف الاعتراف بها تاريخ طويل، حيث إن الرئيس المصري جمال عبدالناصر أول من تكلم باللغة العربية في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 25 سبتمبر 1960م، وكان قد طالب الرئيس عبدالناصر أثناء كلمته بإدخال اللغة العربية لغة رسمية للأمم المتحدة نظراً لأن عدد الناطقين بها يزيد على 100 مليون عربي (آنذاك)، على أن تتحمل الدول العربية (المملكة العربية السعودية وليبيا) أعباء إنشاء القسم العربي والنفقات الناجمة عن تطبيق هذا القرار خلال السنوات الثلاث الأولى.
وبدأ العمل باللغة العربية -بناءً على قرار الجمعية العامة رقم (878) في دورتها التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر 1954- باعتبارها لغة عمل عام 1955، وكان عنوان القرار هو “ترجمة بعض الوثائق الرسمية للجمعية العامة إلى اللغة العربية وفقاً للمادة (59) من النظام الداخلي للجمعية العامة”، ونص القرار على أن تُنشر باللغة العربية وثائق الجمعية العامة وشرط ألا يتجاوز حجم المنشورات الصادرة في السنة الواحدة ما مجموعه 4 آلاف صفحة من النص الإنجليزي، واستمر العمل بقسم الترجمة التحريرية حتى العام 1973 الذي يعتبر مرحلة انتقالية بالنسبة للغة العربية داخل الأمم المتحدة.
وفي 1 يناير 1983، أصبحت اللغة العربية لغة رسمية في مجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بناء على قرار الجمعية العامة (219) في دورتها 35 المؤرخة في 17 ديسمبر 1980، ونص على أنه يتعين بموجب هذا القرار أن يُصبح جهاز موظفي اللغة العربية في حجم جهاز موظفي كل من اللغات الرسمية ولغات العمل الأخرى، وعلى أن تتمتع اللغة العربية بنفس الوضع الممنوح للغات الرسمية ولغات العمل الأخرى.
وفي الوقت نفسه، أنشئ قسم الخدمات الإذاعية وقسم تعليم اللغة العربية، فضلاً عن خدمات مكتبة داغ همرشولد، والخدمات التلفزيونية، والإنترنت والخدمات التقنية والتكنولوجية الحديثة من مثل التعرف الصوتي وخدمة المؤتمرات عن بُعد والترجمة التحريرية عن بُعد والترجمة الشفوية عن بُعد، أسوة باللغات الرسمية ولغات العمل الأخرى.
العربية هي اللغة الجميلة والثرية، التي تعُدها مصدر فخر وإلهام، ويكفيها فخراً -وهي لغة القرآن- أنها لغة فريدة من نوعها وفي مفرداتها، فهي لغة الضاد، وهي لسان العرب، تؤثر في اللغات الأخرى وتتأثر بها، قدرتها الاستيعابية تفوق الخيال لما لها من المصطلحات والمعاني مع كل ما هو جديد ومتجدد من العلوم والفنون، إنها لغة الشعر والبلاغة ولغة الأدب والتاريخ، وهذه هي خصائص ومراتب اللغة العربية، ولكني أقول مع التأسف أن اللغة العربية وهي آخر اللغة الرسمية المدرجة في الأمم المتحدة، فإنه يشير إلى ضعف نفوذ اللغة العربية في العالم.
وإني أريد أن أقدم بعض الاقتراحات التي تساهم في تطور اللغة العربية ونفوذها في الدول العجمية، خاصة في بنغلاديش:
1- نأمل المساعدة بإرسال مدرس عربي إلى القسم العربي من الجامعات البنغلاديشية ليعلم الطلاب اللغة العربية لفترة قصيرة أو لفترة طويلة كي يكون الطلبة متشجعين على تعلم اللغة العربية.
2- للدراسات العليا، تنظيم المنحة الدراسية من قبل جامعات الدول العربية للطلبة الحاصلين على النتائج الممتازة الذين لهم حب شديد في اللغة العربية ورغبة عالية في خدمة اللغة العربية ونشرها.
لماذا نتمنى منحة دراسية؟ معظم المتعلمين الذين يأتون من المدارس الدينية ليس لهم شوق في الالتحاق بالقسم العربي، لأن طالبي العربي لهم منزلة حقيرة في المجتمع، ويحتقرهم الناس حتى يقولون لهم: ماذا تفعلون بعد التخرج في الجامعة؟ أحياناً نلاحظ أن الذين يتعلمون اللغة الفارسية يجدون الفرصة لالتحاق في إحدى جامعات إيران، والذين يتعلمون اللغة الأردية يجدون منحة دراسية في باكستان، والذين يتعلمون اللغة الإنجليزية والعلوم والفنون يجدون منحة دراسية في الدول الأوروبية والأمريكية، ففرصة الدراسة العليا في جامعات الدول العربية الشهيرة لتنعش طالبي القسم العربي نفسياً ويتنور المجتمع بنور العرب، وإلا يتولى الطلاب عن العربية فيتقلل مجد اللغة العربية وفخرها يوما بعد يوم.
3- نرجو تبادل آراء مدرسي العربية البنغلاديشيين وأفكارهم لتعزيز العلاقات بين الجامعات العربية وبين الجامعات البنغلاديشية، وكذلك نتوقع المساعدة بإرسال الكتب الحديثة والتكنولوجية الحديثة لتعليم الطلاب البنغلاديشين اللغة العربية وآدابها.
4- نأمل مد يد العون والمساعدة من قبل السفارات العربية لدى بنغلاديش بتنظيم المؤتمرات والندوات على الاحتفال بمناسبة ميلاد مشاهير الأدباء والشعراء العرب وبمناسبة الثقافة الإسلامية والحضارة العربية.
5- نرجو تأسيس نادي اللغة العربية في القسم العربي بجامعات بنغلاديش تحت رعاية سفارات الدول العربية لدى بنغلاديش، كما تفعل سفارة الهند والصين في نشر لغتيهما في بنغلاديش.
6- توفير فرص العمل في الشرق الأوسط للطلاب الذين يدرسون في القسم العربي ويتعلمون اللغة العربية والأدب في جامعات بنغلاديش.
7- جعل تعلم أساس اللغة العربية إلزامياً للذين يريدون أن يجدوا فرص العمل في الشرق الأوسط والدول العربية، كما تفعل كوريا الجنوبية، حيث أوجبت تعلم اللغة الكورية تحت رعايتهم قبل ذهاب إليها.
8- تأسيس معهد مثل المجلس الثقافي البريطاني.
(لماذا مست الحاجة إلى معهد كمثل المجلس الثقافي البريطاني؟ اللغة الإنجليزية هي لغة ثانية بعد اللغة الأم لجميع ناطقي اللغات، ومع ذلك، ناطقو اللغة الإنجليزية يؤدون دوراً كبيراً في توسيع اللغة الإنجليزية، كما المجلس الثقافي البريطاني -له فروع في كل دولة- الذي يعطي شهادة “إيلتس” (نظام اختبار اللغة الإنجليزية الدولي) تفتح أبواب العيش والدراسة والعمل في جميع أنحاء العالم، أكثر من 9000 منظمة في 140 دولة تقبل “إيلتس”، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والأكاديمية والتوظيف، فالمجلس الثقافي البريطاني يعمل في بناء الناطق الماهر باللغة الإنجليزية، ولكن مثل ذلك، لا نرى المعهد العربي الدولي!).
خلاصة القول: إن اللغة العربية أقدس اللغات، ولكن اللغة الإنجليزية تسيطر على العالم! ولهذا من يعلم اللغة الإنجليزية له مكانة رفيعة ومنزلة سامية عند الناس، ومن له إجادة في اللغة العربية ويتبحر بها له منزلة وضيعة في المجتمع، فعلى العرب أن يسارعوا الخطى لإرجاع اللغة العربية إلى مجدها الأصلي.
_____________________
(*) باحث في اللغة العربية، بنغلاديش.