باحثون ومفكرون: مطلوب مواجهة التحديات التي تعوق إسهام العرب في التقدم العلمي

 

أكدت وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجّار أنّ العصر الذي نعيش فيه يتّسم بفيضٍ معرفي وسرعة في الابتكار، وأمست المشكلة لا تتعلّق بالبحث، وإنّما في موثوقية المصادر وصدقيتها، وقد كان لهذا الأثر الكبير على خلخلة مفهوم الثقافة وتحوّل أدوارها ومكانتها.

جاء ذلك في كلمتها بالندوة التي نظّمها منتدى مؤسّسة عبدالحميد شومان الثقافي بالشراكة مع مؤسّسة الفكر العربي، في العاصمة الأردنية عمَّان لمناقشة الكتاب الذي أصدرته حديثاً مؤسسة الفكر العربي بعنوان “العَرَب وتحديّات التحوّل نحو المعرفة والابتكار”، لمؤلّفَيه د. معين حمزة ود. عُمَر البزري.

النجار: الثقافة بمفهومها الحديث أصبحت مرتبطة بالإنتاج والتنمية

وأضافت النجّار قائلة: إنّ الثقافة بالمعنى العامّ لم تعد مجرّد مفردة عائمة وهامشية، بل تمثّل قطاعاً إنتاجياً يُسهم في التنمية، ويمثل رافعةً للإنتاج القومي، والحديث عن الثقافة يتّصل بالعنوان الرئيس للكتاب، وهو ينطوي على سؤال في الوقت نفسه، إذ كيف للعرب أن يتجاوزوا تحدّيات التحوّل نحو المعرفة والابتكار؟

ومن جانبها، قالت الرئيسة التنفيذية لمؤسّسة عبدالحميد شومان فالنتينا قسيسيّة: إنّ المعرفة بمفهومها البسيط هي ابنة البحث، وهي عملية تراكمية لا تعترف بالنهايات البسيطة، ولكن تؤمن وأصحابها بالاستمرارية التي تقود إلى سلسلة واسعة من التطوير والتحديث في البنى الفوقية وما يختصّ بالإنسان قبل البنى التحتية.

تحديات الأمن الغذائي وندرة المياه

وأضافت قسيسيّة أن هناك الكثير من التحدّيات الجدّية التي يواجهها عالَمنا العربي التي تؤثّر بشكلٍ مباشر على حياة الأفراد والمجتمعات، منها الأمن الغذائي العربي، والزراعة وندرة المياه الصالحة للشرب التي تعاني منها الأقطار العربية، بينما يتنافس الأردن على المرتبة الأولى كأكثر البلدان فقراً للمياه، والقائمة تطول كثيراً.

وختمت بالتأكيد أنّ التحوّل إلى مجتمعاتٍ معرفية حقيقية يستلزم نقد البُنى القائمة، ونقضها، لبناء منظومات حديثة تستلهم المتغيّرات الحاصلة حول العالَم، داعيةً إلى تسليط الضوء على التحدّيات التي تقف حائلاً أمام التحوّل العربي نحو المعرفة والابتكار، وبالتالي نحو الإنتاج والتقدّم.

قسيسية: العالم العربي يواجه تحديات الأمن الغذائي وقلة المياه

وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا د. ضياء الدّين عرفة: إن الكتاب يعد حصيلة للعديد من المراجع والتقارير التي فاقت المئتين من صُنَّاع القرارٍ، وعُلماءَ، ومُفكرينَ، ومثقفينَ، وباحثينَ، فكان بلا شك مصدراً مُتدفقاً للمعرفة، شكلت مخرجاته مصير 392 مليون نسمة تقطن في البلدان العربية، وتشكل ما نسبته 5.3% من سكان العالم.

وأشار إلى أن الكتاب يدق ناقوسَ الخطر باستعراضه بعض الأرقام والإحصاءات الدقيقة، ومنها وصول إجمالي الناتج المحلي للبلدان العربية (6 تريليونات دولار أمريكي) إلى 5.8% من إجمالي الناتج المحلي لبلدان العالم.

مؤسسة الفكر العربي تسعى لتشجيع الابتكار

ثم ألقى المدير العام لمؤسّسة الفكر العربي البروفيسور هنري العَويط كلمة، أوضح فيها أن مؤسّسة شومان، التي أطلقت في عام 1982م جائزةَ الباحثين العرب، يؤكد أنها رائدة على صعيد دعم البحث العلميّ وإبرازِه، وعلى اعتبارِ أن مؤسسة الفكر العربي الذي أنشأته “شومان” في العام 1999م يعد نموذجاً للمبادرات الأهلية الراميةِ إلى نشر المعرفة والتحفيزِ على الابتكار.

وأكّد العَويط أنّ الكتاب الذي تنعقد النَدوة حولَه، يستكمل الجهودَ التي ما فتئت مؤسّسة الفكر العربي تبذلها لتوطينِ المعرفةِ وتوليدِها ونشرِها، بتوجيهٍ من رئيسها صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، ودعمٍ من مجلس أمنائها، ويُضفي عليها المزيد من الكثافة، بفضل المزايا المنهجيّة التي يتحلّى بها.

ولفت إلى الطابع الشمولي الذي يتّسمُ به الكتاب، الذي يتجلّى أوّلاً على المستوى الجغرافيّ، إذ يغطّي المِنطقةَ العربيةَ بأكملها، كما يتجلّى ثانياً على صعيد المحتوى، فالكتاب الذي يمتدُّ على 400 صفحةٍ ونيّف، يزخَرُ بكمٍّ هائلٍ من المعلومات والإحصاءات والبيانات.

عرفة: الكتاب يدق ناقوس الخطر لتراجع الناتج المحلي العربي

وبمناسبة تزامن انعقاد الندوة مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ختم العَويط بتوجيه التحيّة إلى علماء فلسطين وإنجازاتهم المضيئة.

ورأى أستاذ الهندسة الكهربائية ولإلكترونية في جامعة الأميرة سميّة للتكنولوجيا، مؤسّس الرابطة الدولية للتعليم الإلكتروني د. عبدالله الزعبي، أنّ الكتاب يصل إلى نتيجةٍ واضحة مفادها أنّ أداء البلدان العربية ما زال دون المستوى الذي يؤهّلها للتحوّل نحو اقتصاداتٍ ومجتمعاتٍ معرفية، وذلك نتيجة أسبابٍ ثقافية تتجسّد في مكابح تاريخية وإرث اجتماعي ووجداني أسأنا فهمه.

الإعلام العربي وتقصيره في نشر ثقافة الابتكار

وأضاف الزعبي أن الكتاب يركز على نقطة غاية في الأهمّية تتعلّق بتنبيه الدول العربية كي لا تُكرّر الأخطاء التي ارتكبتها في حقبة الاستقلال في خمسينيّات القرن الماضي، عندما استثمرت ثرواتها الباطنية وخبراتها الفنّية والإدارية عبر شركات الدول المتقدّمة، التي جنت جلّ ثمار الثروات العربية.

ومن جانبه، ركّز الأمين العامّ لاتّحاد الجامعات العربية د. عمرو عزت سلامة على أهمّية الإعلام العلمي، ورأى أن الإعلام العربي لم يتمّ إعداده للقيام بمهامه المطلوبة، إذ لا بدّ أن يصبح العلم ثقافة وأن يتمّ العمل على تبسيط العلوم.

وشدّد على حاجة عالَمنا العربي إلى تشجيع الشباب على التخصّص في الإعلام العلمي، وفتح أقسام للصحافة العلمية، وتخصيص برامج تلفزيونية ودعم المؤسّسات العاملة في مجال البحث والتطوير، وحثّ الأساتذة على المشاركة في تحرير مقالات علمية في الصحف والمجلّات المتخصّصة.

العويط: مؤسسة الفكر العربي تسعى لتوطين المعرفة وتوليدها ونشرها

من جهته، أكد المستشار العلمي لمجلس التفاهم العالَمي لقادة الدول د. منيف الزعبي، بروز الحاجة تاريخياً إلى ضرورة الاهتمام بمنظومات العلوم والتكنولوجيا والابتكار الوطنية، لما لها من دَورٍ مفصلي في تحقيق التنمية المُستدامة، وبناء اقتصادٍ متين، والتصدّي للمشكلات العالمية التي تحتاج إلى حُلولٍ عِلمية.

واعتبر أنّه مِن الحكمة أن يتوجّهَ العالَم إلى “العلمِ والتضامن” على الأقلّ لِمُكافحة انتشار “المعلومات الخاطئة علمياً” والمتعلّقة بالوَباء، إذ لا يُمكن إنكار حقيقة أنّ وباء كورونا الحالي يؤكّدُ أهمّية توفُّر المعرفةِ العلمية التي تؤمّنها آليات استشارية علمية وطنية موثوقة لتوجيه القرارات السياسية.

سد الفجوة بين صناع القرار والمجتمعات العلمية

وقال نارت دغجوقة، الباحث الرئيس في التكنولوجيا والابتكار: إنه من الضروري توافر البيئة الحاضنة لاكتساب التكنولوجيا في الدول النامية، ودبلوماسية العلوم من منظورٍ عربي، ولفت إلى وجود فجوة تفصل ما بين صُنّاع القرار والمجتمعات العلمية والمتخصّصة فيما يتعلّق بمسائل التنمية بأبعادها المختلفة.

وهو ما يؤثّر سلباً على مُخرجات عملية صنع القرار والسياسات المرتبطة بالتنمية المستدامة، واعتبر أنّ أحد الأمثلة المُهمّة التي تناولها الكتاب، هو غياب لجان العلوم والتكنولوجيا والإبداع عن معظم البرلمانات العربية، وغياب وظيفة المستشارين العلميّين للحكومات، فضلاً عن المُلحقين الدبلوماسيين العلميّين العرب في وزارات الخارجية.

وقال البروفسور معين حمزة، أحد مؤلّفي الكتاب: إنّ الكتاب عالج عشرات المحاور المتكاملة، واعتمد منهج الوصول إلى رؤية استشرافية دون السقوط في فخ التوصيات الجافّة، كما استند إلى المعطيات الرقمية الموثوقة.

سلامة: مطلوب أقسام للصحافة العلمية ليصبح العلم ثقافة مجتمعية

وأكّد أنه لا مصداقية إلّا بالعِلم، لكن هل العرب يثقون بالعِلم وبالعلميّين؟ لأن العلميّين هم المرجع الصالِح والمقبول لمجابهة التحدّيات؟ وإن النتائج التي توصل لها الكتاب مثيرة للاهتمام وتعكس واقع الثقافة العلمية المتفاوتة عند العرب.

واختتم كلمته بالتفاتة خاصّة إلى الأردن أوضح فيها أنّه خلال عقدين من الزمن، احتلّ الأردن مواقع واعدة في منظومة المعرفة والبحوث والابتكار، وقد تمّ تصنيفه في العديد من المؤشّرات النوعية ضمن المجموعة الثانية التي تضمّ الكويت ولبنان وتونس والمغرب.

وأكّد أنّ هذا التقدّم يشكّل فرصة ذهبية تستحقّ العناية والدعم بتوفير موارد مالية مهمة من القطاع الخاصّ النشط، ومن برامج التعاون الدولي والأوروبي التي تعتبر الأردن شريكاً أساسياً في أيّ من مبادراتها الإقليمية والمتوسطية.

 

Exit mobile version