من أجل فن نظيف.. روشتة تقويم الوسط الفني بمصر

 

بالتزامن مع جرائم عنف مجتمعي بارزة في مصر في الفترات الأخيرة، نال الوسط الفني الحالي بمصر اتهامات لاذعة من جهات عديدة سواء أكاديمية أو مجتمع مدني أو دينية تتهم الوسط الفني في مصر بالترويج للعنف والإسفاف حتى وصل الأمر إلى تحرك البرلمان.

وبحسب مثقفين وأدباء تحدثوا إلى “المجتمع”، فإنه يجب تقويم الوسط الفني حتى يكون هادفاً ونظيفاً، وذلك عبر إقرار الحرية أولاً ثم عبر وجود إرادة تصحيح عليا تحت رقابة فنية دقيقة وإيجابية مجتمعية تقاطع أولاً بأول كل ما يخالف مبادئها ويحثها عن العنف والأفعال غير الأخلاقية.

الطحاوي: الفن دوره نهضوي لا مجرد عاكس أو استهلاكي

كيفية التغيير

الكاتب والباحث عبدالله الطحاوي يرى، في حديث خاص لـ”المجتمع”، أن الفن يجب أن يؤدي دوراً نهضوياً، ويجب ألا يكتفي بأن يكون مجرد عاكس أو استهلاكي لما يسود في المجتمع من عنف وإسفاف، كما يردد البعض في الوسط الفني.

ويؤكد الطحاوي أن الفن في مصر لن يستطيع ممارسة دور نهضوي، والسوق شبه مؤممة ولا تتوافر الشروط التنافسية ولا الحرية اللازمة لإنتاج فن نظيف ناقد وملهم، مشدداً على أن الخطوة الأولى في التغيير في توفير مناخ يمنع التأميم ويسمح بالتنافسية ويدعم الحرية.

ويقول الطحاوي: الإشكال مركب ومزدوج بين المجتمع وبين الفن، والتلاوم مشترك، والحل مشترك، ويجب ألا يقف أحدهما ليلقي بالأحجار على الطرف الآخر، وبالتالي لا ينبغي أن يتحمل الفن مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع لأنها مسؤوليات متعددة.

كساب: لا بد من إرادة تصحيح ورقابة فنية وإيجابية مجتمعية 

ويضيف أن عمر الفن الجاد والهادف والملهم طويل ويستطيع أن يطرد العملة الرديئة والهابطة، ولكن للأسف اختفى الفن المتسائل الناقد لاختفاء الحرية حيث إن الحرية هي جناح الفن، وبدون حرية لا يمكنه التحليق ويتحول من صقر إلى دجاجة.

3 مسارات  

عضو اتحاد الكتاب بمصر د. وليد كساب يرى، في حديث لـ”المجتمع”، أن الوسط الفني في مصر يحتاج في المقام الأول إلى إرادة تصحيح على مستوى أصحاب القرار، فليس من المعقول أن تُصدَّر إلينا أعمال درامية ترشح للعنف حتى رأينا مشاهد –يقال: إنها درامية- بعينها تطبق على أرض الواقع كما في حادث الإسماعيلية (جريمة قتل علني في وسط ميدان عام).

ويشدد كساب على أن الحل في تقويم الوسط الفني يأتي كذلك عبر تفعيل دور الرقابة على المواد التي تقدم كما كان قبل ذلك “وإلا فالكارثة ستحيق بالجميع!”، كما يقول كساب.

ويضيف عضو اتحاد الكتاب أنه على مستوى المجتمع فنحن مطالبون بمقاطعة كل الأعمال الدرامية التي تحض على العنف والكراهية وتربية أطفالنا على قيم التعايش المجتمعي واحترام القانون وليس التعايش مع مجتمع الغاب.

زكريا: التغيير يأتي بالاحتكام للقيم الحضارية لنفع المجتمع  

قيم حضارية حاكمة

من جانبها، تلفت الأكاديمية والأديبة هبة زكريا الانتباه إلى أن قطاع الإنتاج الفني في مصر يتميز بأنه الأسبق تاريخياً والأقوى من حيث البنية التحتية والمؤسسية بين جميع الدول العربية، كما أن فنانيه وأعمالهم هم غالباً الأشهر إقليمياً وعالمياً، ولذا فإنه يعتبر قوة ناعمة في أيدي الجهات الموجهة للتأثير داخلياً وخارجياً، ومن هنا وجب الاعتناء به وتقويمه على الوجه الأنفع للمجتمع في إطار قيمه الحضارية الحاكمة.

وتضيف، في حديث لـ”المجتمع”، أن الفن يخاطب العقل والروح معاً وينتج عنه تأثير تراكمي على السلوك، ومن ثم فتلك الجهات تعيد تشكيل الرسالة الفنية وترميز من يقدمونها بالشكل الذي يخدم أهدافها، فإن كان ما يخدم أهدافها هو ترميز العلماء ودعم منظومة القيم الأخلاقية مجتمعياً سنرى انعكاس ذلك من خلال الأعمال الفنية المقدمة، وإن كان ترميز البلطجية وزعزعة قيم الأسرة والمجتمع وشحن المشاهد بالمشاعر السلبية تجاه نفسه والآخرين، سنرى ذلك على الشاشة أيضاً، ما يجعل الفن أداة كاشفة للتوجهات وللواقع.

وتشير إلى أن ما يقدم على الشاشة أحياناً يكون انعكاساً لواقع المجتمع ذاته والمتغيرات التي طرأت على العلاقات ولغة الخطاب والأخلاق في هذا المجتمع، بل وأحياناً انعكاس للوضع الاقتصادي وتأثيره على بنية المجتمع من حيث اختفاء طبقات وهيمنة أخرى.

وتوضح الأكاديمية والأديبة هبة زكريا أنه على سبيل المثال، فإن شكل الأسرة الذي كان يميز الطبقة المتوسطة كما كنا نراه في الأفلام والمسلسلات المصرية، اختلف تماماً اليوم بتقلص الطبقة المتوسطة وربما اختفائها من المجتمع المصري، فأصبحنا نرى على الشاشة الهوة الطبقية والاقتصادية الموجودة في المجتمع اليوم.

القاعود: التدافع مطلوب في وجود الحرية حتى تغيب التجارة

التدافع مطلوب

ويؤكد الأكاديمي والكاتب أحمد حلمي القاعود أن التدافع المبني على إطار حضاري قيمي هو الحل في مواجهة الإطار المادي الانحلالي شريطة وجود الحرية، حيث إن لغياب الحرية أثر كبير على انحدار الفن في مصر، كما أن سيطرة فئة محدودة عليه مالياً جعلت الفنانين يشاركون في الأدوار المرسومة دون إبداء آرائهم طمعاً في العمل والربح.

ويضيف أن كل هذا جعل الفن فن مقاولات واستهلاكي ويعرض لمرة واحدة فقط ولا يرغب المشاهد في إعادة مشاهدته مرة أخرى.

ويرى القاعود أنه حتى ينصلح حال الفن يجب أولاً السماح بالحريات وفتح المجال أمام جميع الأفكار والروايات والسيناريوهات ليتم طرحها، كما يجب كسر الاحتكار والسماح بدخول منتجين إلى الساحة للمنافسة، وكل ذلك سيكون لصالح المشاهد وقوة مصر الناعمة في ذات الوقت.

ويوضح أن الحرية تعني السماح بتعدد الإنتاج وعدم محاربة القلة القليلة في عرض أعمالها والتضييق عليها حتى تخرج من الساحة، مع غل يد الدولة عن الفن والثقافة حتى يولد الإبداع وحتى يغيب عنصر التجارة والمقاولات وهو ما سيسمح لأصحاب المسؤولية الاجتماعية ومن يرى أن الفن رسالة ورواد الذوق الفني الرفيع بالظهور.

الفن النظيف

ودارت في مصر جلبة كبيرة في الأيام الأخيرة حول الفن النظيف الهادف، بعد تقديم النائب أيمن محسب، عضو مجلس النواب طلب إحاطة ضد مسرحية حملت عنواناً يصف عاهرة بالفاضلة!

وبحسب المراقبين، فهناك قطاع داخل الوسط الفني ينادي بالفن النظيف الهادف ومنهم من أقدم على الاعتزال أو الاكتفاء بالأعمال الفنية الاجتماعية أو الدينية مع مقاطعة باقي الأدوار.

وأعلن الفنان المصري يوسف الشريف رفضه العام الماضي، أي عقود تحتوي مشاهد غير أخلاقية.

وصرحت الفنانة المعتزلة سهير البابلي في عام 2016م بإيمانها بضرورة الفن الهادف النظيف الذي يحمل الرسائل.

وتعد فكرة الفن النظيف قديمة في مصر، بحسب مراقبين، ويعتبر الفنان المصري الراحل حسين صدقي (9 يوليو 1917 – 16 فبراير 1976م) أحد رواد الفن النظيف في البلاد، وأسس شركة “أفلام مصر الحديثة” لإنتاج أفلام تحمل الصبغة الدينية، ووصفه شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت بأنه “رجل يجسد معاني الفضيلة ويوجه الناس عن طريق السينما إلى الحياة الفاضلة التي تتفق مع الدين”.

وفي سبتمبر الماضي، أصدر الأزهر ودار الإفتاء بيانات متزامنة بعد جدل حول الفن الهادف، أكدا فيه دعمهما الفن الذي يحمل رسالة للارتقاء بالمجتمع وتغيير الواقع السيئ إلى واقع أفضل.

Exit mobile version