هل أنتِ صديقة لابنتك المراهقة؟

 

إنّ المُراهقة مرحلة من أهمّ المَراحل العمريّة التي يمر بها الأولاد وأكثرها حساسيّةً؛ وذلك كونها مرحلة انتقاليّة تسير بالولد من مرحلة الطفولة والوَداعة إلى مرحلة الشباب والرّشد، فهي مرحلة نمائيّة كباقي المَراحل الأخرى، إلّا أنّه يتخلّلها تغيير شامل وجذري في جميع الجوانب والظواهر الجسميّة والعقليّة والانفعاليّة والاجتماعية، فكيف نتعامل مع الأولاد في هذه المرحلة؟

هذا ما يجيب عنه هذا التحقيق الذي أعدته أمل سالمين، ودلال عبدالله، ونشرته “المجتمع” في العدد (1033)، بتاريخ 12/ 1/ 1993.

تعتقد بعض الأمهات أن فترة المراهقة للأبناء هي من أصعب الفترات لما يطرأ على الطفل في هذه المرحلة من علامات التحدي والعناد وحب الاستقلال بالشخصية، ومنها تبدأ معاناة تلك الأمهات حين ترى ابنها أو ابنتها قد أخذ يتصرف بغير ما تحب هي، أو قد أخذ نمطاً في السلوكيات بعيداً كل البعد مما اعتادته أسرته منها!

ترى ما هو رأي علم النفس في هذه المشكلة؟ هل حقاً أن فترة المراهقة هي من أصعب فترات تربية الأبناء؟ هل تعاني جميع الأمهات من هذه الفترة الحرجة؟ هل يمكن أن تقوم الصداقة بين الأم وابنتها المراهقة؟ هل تحب الابنة أن تتخذ من والدتها صديقة لها؟

حول هذا الموضوع كان هذا التحقيق ويسرنا أن نعرض آراء بعض الأمهات والبنات على السواء.

ابنتي مثل أختي تقول السيدة مني السالم، حرم الشيخ عبد الحميد البلالي، وهي أم لفتاة مراهقة في الخامسة عشرة هي إيمان البلالي، الطالبة في المرحلة الثانوية: نعم، أشعر بأنني صديقة لابنتي إيمان، وأنا أعتبرها مثل أختي وهي كذلك، والدليل عليه أنها تحكي لي دائماً جميع همومها وأسرارها وحتى ما تتعرض له من أحداث تافهة في يومها المدرسي، وأنا بدوري أستمع لها حين تتحدث حتى وإن كان الموضوع بسيطاً جداً وليس ذا قيمة، لكنني أستمع لها إلى النهاية، وأتناقش معها بجدية، حتى نتوصل في النهاية لحل لتلك المشكلة أو القضية، والحقيقة أنني سعيدة جداً لكون ابنتي تصارحني بما يصادفها من مشكلات قبل أي شخص آخر وتلجأ لي في كل صغيرة وكبيرة، لذلك لا أجد أن فترة المراهقة من أصعب الفترات كما يقول البعض، هذا فضل من الله تعالى، والحقيقة أن هذا كان دأبي معها منذ أن كانت طفلة صغيرة، فمنذ الصغر وأنا أحرص على محادثتها وممازحتها وأعاملها كأخت لي، وبالتالي لا أشعر بهذه المتاعب التي تعاني منها بعض الأمهات.

الصحبة تؤثر

لقاؤنا الثاني كان مع السيدة نادية. س، وهي كذلك أم لفتاة شابة في السادسة عشرة لكنها، بعكس الأخت منى، تعاني الكثير مع ابنتها تقول: أتمنى من كل قلبي أن أكون صديقة حميمة لابنتي، لكن ابنتي مع الأسف الشديد من النوع المتمرد الصعب المراس، وهي تعتقد أن الأم لا تعرف شيئاً وأن أفكارها قديمة، مع أن فارق السن بيني وببنها ليس كبيراً كما هي الحال لدى بعض الأمهات، أنا أعتقد أن سبب مشكلتي مع ابنتي في الصحبة التي معها، فأنا أشعر أنها تتأثر بصديقاتها وأفكارهن أكثر مني، كذلك أي موضوع يتعلق بها يصل إلى صديقاتها وأقربائنا ممن هم في سنها قبل أن يصل إلي مسامعي هذا يضايقني جداً، إنني كما ذكرت أتمنى أن أكون صديقة لها لكنني لا أعرف كيف السبيل إلى ذلك!

إن حالة الأخت نادية ليست فريدة بين الأمهات، فكثير من الأمهات يعانين من نفس ما تعاني منه، وفي غالب الأحيان تخجل الأم من الاعتراف بذلك خوفاً من أن تتهم بالتقصير في تربية ابنتها، أو أنها تعاني من هذه المشكلة لكنها لا تشعر بهذه المعاناة أو لا تدرك مغبتها.

ألبِّي كل مطالبها

ولنستمع إلى السيدة فوزية. ب، المدرسة في إحدى المدارس الثانوية في منطقة العاصمة، بلا شك أنا صديقة لابنتي المراهقة، وأنا مهتمة جداً بالأمر، لكنني بصراحة لا أجد الوقت الكافي للجلوس والحديث معها أو الاستماع إلى مشكلاتها وهمومها، فأنا أعود من وظيفتي متعبة مرهقة، وفي فترة المساء أُولِي اهتمامي كله لإخوتها الصغار ورعايتهم ومراجعة دروسهم معهم، أما هي فكبيرة السن نوعاً ما ولا تحتاج لرعايتي أو متابعتي الدراسية لها.

ولكنكِ ذكرت أنك صديقة لها، فكيف تكونين صديقة لها وأنت كما ذكرت مشغولة على الدوام بأخوتها الصغار؟

نعم أنا صديقة لها، فأنا ألبي لها جميع مطالبها المادية، فأشترى لها ما تطلبه من ثياب وغيرها، كما أنني أخرج معها وبقية إخوتها في نزهة بين فترة وأخرى، وهذا كل ما أستطيع تقديمه حيث إني كما ذكرت مدرسة، والوظيفة تأخذ جزءاً كبيراً من وقتي وجهدي، وأرجو ألا تطالبوني بأكثر من ذلك ومراعاة وضعي كامرأة عاملة.

الحالة التي عرضناها سابقاً هي واحدة من حالات عديدة لأمهات يعانين من نفس المشكلة، لكنهن يرفضن الاعتراف بها، فهن جميعاً يصررن على أنهن صديقات لبناتهن بينما الواقع يقول غير ذلك.

تصارحني بأشياء مخجلة

السيدة أمل المناع لديها ابنة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً تقول عنها: الصداقة في مفهومي هي وجود توافق ذهني واهتمامات مشتركة بين الأفراد، لذلك لا أعتبر نفسي صديقة لها، فنحن في تنافر دائم، وإن كانت أحياناً تصارحني بأشياء مخجلة أخجل منها، لكنني اضطر لمجاراتها في صراحتها، ومشكلتي مع ابنتي تكمن في أنها تحب والدها أكثر مني، وهما الاثنان يتحدان ضدي أحياناً، وهي تبوح له بكل همومها وأسرارها.

ألا تلجا إليك أحياناً فيما يواجهها من مشكلات؟

بلي، لكني أشعر أنها تفعل ذلك من باب أن ذلك الأمر يشغل تفكيرها وليس لأنها تعطي اعتباراً لمشاعري.

وهل تطلبين منها حلاً لبعض ما يواجهك من مشكلات؟

في بعض الأحيان ألجا إليها لأن ابنتي لها شخصية قوية جداً تفوق قوة شخصيتي لذلك أضعها في اعتباري أغلب الأحيان وهذا يؤلمني جدا فأنا لا أشعر بأنني قريبة منها ولا هي كذلك.

ربيتها على تحمل المسؤولية

وأما السيدة أم خالد الخليفة فتحكي لنا عن علاقتها بابنتها ذات الستة عشر عاماً فتقول: «الصديقة بالنسبة لي هي من أجد عندها الراحة والصراحة في حديثي ومن يجمعني بها اهتمامات مشتركة، وبالنسبة لابنتي فأنا أعتقد أنني صديقة لها إلى حد ما؛ لكن هذا لا يعني أنه ليس لديها صديقات من نفس سنها، أحياناً تبادر ابنتي إلى مصارحتي ببعض مشكلاتها لكنها في أحيان أخرى لا تفعل خصوصاً إذا كانت تعلم أن ذلك الأمر يضايقني بحكم طبيعتي المتدينة، وهذا ما يدفعني إلى الإلحاح عليها كي تصارحني بتلك المشكلة، أحياناً تواجهها مشكلات مدرسية فأتركها تعالجها مع صديقاتها كي تتعلم كيف تتصرف في مواجهة تلك المشكلات، أجلس كثيراً مع ابنتي ونتحدث في مواضيع مختلفة وغالباً ما تصحبني في زيارة الأهل والصديقات كما أنني أستشيرها في كل أمر أشعر أنها يمكن أن تفيدني فيه، أنا كأم كذلك حريصة على معرفة نوعية الفتيات اللواتي تصادقهن والحمد لله فقد أحسنت الاختيار وهي بنت خلوقة حريصة على عدم مضايقتي في أغلب الأحيان، وقد ربيتها بدوري على تحمل المسؤولية في غيابي عن البيت في رحلة عمرة أو ظروف طارئة كدخول المستشفى.

بعد استماعنا إلى آراء الأمهات في القضية ننتقل إلى رأى البنات.

أمي موضع سري

لقاؤنا الأول كان مع الطالبة نجلاء الخرافي من ثانوية الجزائر: أنا أعتبر أمي من أعز صديقاتي وأقربهن إلى نفسي لأنها لم تحسسني يوماً بأنني صغيرة وتصغي إليَّ باهتمام عندما أتحدث إليها وتنزل بتفكيرها إلى تفكيري فلا أشعر بأنني أخاطب امرأة تكبرني بأعوام عديدة، وعندما تواجهني مشكلة فإن أول من ألجأ إليه هي أمي لأنها موضع سري وترشدني إلى ما فيه الخير لي وعندما تزورني صديقاتي في البيت فإني لا أمانع مطلقاً من تواجد أمي معنا، لكن هذا أحياناً قد يسبب لبعض صديقاتي الخجل وعدم الانطلاق في الحديث.

أمي مشغولة عني

وأما الطالبة سحر عبد الغني، فإن لها رأياً مخالفاً لرأي الطالبة السابقة فتقول: لا أشعر مطلقاً بأن أمي صديقة لي، وأستغرب من بعض الصديقات حين يفخرن بصداقة أمهاتهن، ومنذ صغري لم أتعود مصارحتها بمشكلاتي وهمومي، العلاقة بيننا كانت أوامر وطلبات افعلي کذا لا تفعلي کذا.. ادرسي.. نامي.. لذلك أكون سعيدة جدا حين تتغيب عن البيت لأنها ما إن تعود حتى تعود الأوامر من جديد، فالحقيقة لا أشعر بحبها أو حنانها بل أحيانا يخيل إلى أنها لا تحبني، رغم أنها تؤكد لي ذلك كثيرا، أتمنى لو أصارحها بما يضايقني من تصرفاتها لكنني في كل مرة أتردد ومن المؤسف أنها مشغولة عني على الدوام إما بوظيفتها صباحاً أو بإخوتي أو صديقاتها مساء.

أمي الساذجة آخر من يعلم

والطالبة ن. عبدالله تشارك برأيها ضاحكة فتقول: نعم.. أمي صديقة لي فهي تحبني كثيراً وتحرص على تلبية مطالبي وهي طيبة جداً ونحن نادراً ما نختلف وأنا أحدثها عن صديقاتي وما يصادفني في المدرسة، لكنني لا أصارحها بالأمور الهامة في حياتي، فأنا مثلا على علاقة عاطفية بشاب جامعي وقد مضى على علاقتي به سنتين لكن أمي لا تدري شيئا عن هذه العلاقة، وأنا كذلك أخرج معه في نزهات لشاطئ البحر والأماكن الخلوية وأمي المسكينة لا تدري عن ذلك شينا فهي كما تقول تثق بي ثقة عمياء وهي في كل مجلس تجلس فيه تتحدث عن أخلاق البنات التي فسدت في هذا الزمان وتفخر بي أنا ابنتها التي كما تقول قد أحسنت تربيتي وبذلت حياتها وشبابها لأجلي، أنا أسمع هذا الكلام وأضحك في سري على أمي المسكينة الساذجة التي هي آخر من يعلم، وأمي ليست هي المغفلة الوحيدة بين الأمهات، كثيرات مثلها كما تروي لي صديقاتي فنحن عندما نجلس لنتحدث نكتشف بأن جميع أمهاتنا لا يعلمن شيئا عن علاقاتنا العاطفية، وكلهن بلا استثناء يتشدقن بالفضيلة والأخلاق وأنهن قد أحسن تربيتنا.. كل واحدة منهن ترى أنها أم مثالية!!

انتهى الحديث الصريح والجريء للطالبة “ن”، وبعد هذا كان لنا لقاء مع الاختصاصية الاجتماعية “وي د.”، الاختصاصية في إحدى المدارس الثانوية، وبعد أن عرضنا عليها مشكلة الطالبة “ن”، صارحتنا قائلة: «مع الأسف الشديد، هناك حالات عديدة مشابهة لحالة الطالبة “ن” في مدرستنا، كثير من طالباتنا لسن بالمستوى الأخلاقي المطلوب، الكثيرات لهن علاقات غرامية ولا يتورعن عن ارتياد بعض الأماكن المشبوهة مع أصدقائهن من الرجال وكما ذكرت الطالبة المذكورة فإن أغلب الأمهات لا يدرين شيئاً عن سلوك بناتهن وقد حدث أن صارحنا بعض الأمهات بسلوك بناتهن فثرن ثورة عارمة ورفضن تصديق أقوالنا، من المؤسف أن الأم في حالات كثيرة لا تتعاون مع المدرسة، وأنا بصراحة ألقي اللوم أولاً على الأم، عليها أن تصادق ابنتها وتعرف كل صغيرة وكبيرة عنها داخل المدرسة وتحرص على مراقبة سلوكياتها جدا، لكن أغلب الأمهات لا يفعلن ذلك بحكم الثقة التي توليها لابنتها والتي هي وهم زائف في أغلب الأحيان.

وهكذا فإننا قمنا باستعراض آراء نسبة لا بأس بها من الأمهات والبنات ونختم بإرشادات ذكرها الدكتور بشير الرشيدي في محاضرة ألقاها بعنوان نفسية المراهق ذكر فيها بأن مرحلة المراهقة يمكن أن تكون من أحسن وأهدأ الفترات في حياة الابن أو الابنة لا يفترض أن تكون فترة مشاكل ونكد كما يعتقد البعض وذلك بأن تحرص الأم على تربية أطفالها جيدا منذ الصغر فتعودهم على الطاعة واحترام الوالدين والمصارحة وتبني معهم علاقة قوية من المحبة والاحترام وتشعرهم بأنها شخص قريب منهم حريص على ما يهمهم وينفعهم وهي إذا ما فعلت ذلك فإنها لن تقع في حيرة وصراع إذا ما وصل ابنها لمرحلة المراهقة حيث أنه سيسير على نفس الأسلوب الذي عودته عليه في الصغر، وعليها أن تحذر من التدليل المفرط أو الثقة العمياء التي تفترضها في سلوكيات الابنة وتغفل عن مراقبتها دوما بحجة أنها قد أحسنت تربيتها.

Exit mobile version