ع ق ج! (قصة قصيرة)

 

يتسلل إلي صوت المذياع.. أحاول النوم مجددا؛ فاليقظة معناها أن أفكر في تدبير قوت يومي؛ أن أنهض من سريري وأتجه ناحية باب الحجرة؛ أبدل ثيابي وأرتدي جلبابي وأضع قناع وقاية من ذلك الوباء الذي يجتاح العالم خارج البيت، ثم هل سأجد في ماكينة الصراف الآلي نقودا؟

لقد وضعت البطاقة أكثر من مرة دون جدوى؛ تأتيني رسالة بأن رصيدي يوشك على النفاد؛ لا أدري من الذي سحب معظم ما ادخرته؛ صوت المذياع الواهن كان يتحدث عن قرصنة حسابات العملاء في ماكينة الصراف الآلي؛ انتشرت شائعة أن رجلا وامرأة تبحث عنهما الشرطة قاما بهذا الجرم الخطير؛ تدوي صافرات الإنذار في كل الميادين؛ تحذر الذين وضعوا مدخراتهم في المصرف العتيق؛ لم تعد كلمة سر إلا وانكشف أمرها؛ يتوافد كبار السن نساء ورجالا إلى موضع الصراف الآلي؛ تطوق الشرطة جموع الغاضبين؛ أحاول أن أخدع نفسي بأن رقم حسابي لن يستطيع هذان اللصان أن يفكا شفرته.

استرحت لهذا الكسل الذي ركنت إليه؛ كنت قد أخفيت رقمه وراء ظلال باهتة من مفردات غريبة؛ صورة عنكبوت أسود وجناح يمامة عمياء؛ وأشركت معهما خاصرة قرد عجوز، أخذت الحرف الأول من كل مفردة فبدت كلمة دون معنى: ع ج ق!

احتفظت لنفسي بهذا السر؛ لكن شيئا لم أتحسب له؛ عين زوجتي التي تراقب أشيائي وتتسلل إلى الخزانة؛ تمارس وصايتها دون أن تترك لي حرية الاختيار؛ لم تكتف بهذا بل عمدت إلى الشفرة السرية المكونة من تلك الحروف الثلاثة فاستبدلت بها أخرى؛ قامت بتبديل الحروف مرة ثالثة ج ع ق؛ أدارت مؤشر الإذاعة على تردد مختلف؛ تستمع في خدر شهي إلى ما يطلبه المستمعون؛ أمسك بالقلم وأرسل إليهم برسالة أن يبثوا نداء إلى المسئولين أن يزيدوا من حماية أمكنة الصرف؛ يطلبون رقم هاتفي ومن ثم يأتيني رجل سري يحذرني من أفعل هذا مجددا؛ يبدو أن جهة ما تحتفظ لنفسها بحق التسلل إلى الأرقام السرية؛ تفعل بها ما تشاء من أجل رفاهية الوطن.

تبين لي أن زوجتي تتعاون مع الجهة المنوط بها حماية الأرقام السرية، وأن تلك الأحرف الثلاثة ع ق ج؛ في صدر نشرة أخبار العاشرة مساء! يظهر نبأ عاجل عن دليل اتهام وجارٍ البحث عن المسئولين عنه.

كل سكان المدينة يبحثون عن دلالة هذه الأحرف الثلاثة: سحرة ومدّعو معرفة بالفلك بل أطباء التحليل النفسي وخبراء الشائعات؛ برامج الرغي المسائية لا حديث لهؤلاء غير تلك الحادثة العجيبة؛ انزويت في حجرتي متلفعا بعباءة شتوية؛ أتحسب لما قد أتعرض له؛ تلك التقرحات في جسدي لما تندمل بعد؛ تجارب مريرة أخشى الحديث عنها؛ حتى أعمدة الصحف تبرز ألغازا وكلمات متقاطعة؛ قل المتوافدون على أفران الخبز؛ لم تعد حافلات النقل العام مثقلة بحملها؛ أي شر يكمن وراء تلك ع ق ج؟!

زوجتي في مكر تهز رأسها؛ لقد فاهت بأنها من وشت بخطورة هذه الأحرف الثلاثة؛ توسلت إليها أن تأتيني ببطاقة النقود الممغنطة حتى أبدل الشفرة السرية؛ في تكاسل قدمتها إلي؛ للأسف كانت مثقوبة بما يكفي لأن يمر من بين طياتها فأر صغير!

أخذت تساومني؛ أن أعطيها معاش تقاعدي القسري؛ أحمل وراءها سلة الطعام، أن أدعها تقيم حفلات الزار ومن ثم تسافر بعيدا في عالم الأسياد والأشباح!

حين ذاك أخذت في محو كل حروف معجمي الذي يكاد يشي بي!

Exit mobile version