زوجة الداعية.. من تكون؟ هذا ما أجابت عنه المربية الفاضلة الأستاذة أمل زكريا الأنصاري في مقال لها بيَّنت فيه صفات زوجة الداعية نشرته “المجتمع” في العدد (1022) بتاريخ 27/ 10/ 1992م.
تقع على زوجة الداعية مسؤولية عظيمة.. فهي عامل مساعد في إنجاح مهمة زوجها الداعي، وهناك صفات يجب أن تتوفر بها كي تكون مؤهلة لتحمل أعباء تلك المسؤولية:
1- لا يجني العبد ثمرة عمله إلا بالإخلاص.. فيجب على زوجة الداعية أن تخلص النية في أعمالها وأحوالها الظاهر منها والباطن وتبتغي به وجه الله قال تعالى: (قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 29).
2- أن تكون ملتزمة بتعاليم الإسلام وتراقب تصرفاتها وتعلم أن كل فعل أو قول هو محسوب عليها عند الغير فتكون حذرة قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر: 19).
3- أن يكون الله ورسوله أحب إليها مما سواهما وهذا ما يساعدها على أن تترك زوجها الداعية يسعى لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله وتضحي بوقتها من أجل الدعوة وتعينه على ذلك وتقف وراءه وتدفعه وتشجعه وترفع من معنوياته قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).
4- الداعية إنسان شأنه شأن أي فرد آخر تأتي عليه لحظات يشعر بالتعب والفتور وهنا يجب أن تكون الزوجة يقظة وحذره من هذا الأمر فإن رأت زوجها الداعية وقد أصابه ذلك تحمسه للدعوة دون أن تجعله يشعر أنها لمست فيه هذا الأمر حتى لا يرسخ هذا الشعور داخله فتجلس إلى جواره وتذكره بالآيات والأحاديث التي تعينه وتشجعه وتدفعه للمزيد وتحرك داخله قوة تحطم بها كل فتور أو تعب قال تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء: 34).
5- زوجة الداعية لا تختلق النكد لأتفه الأسباب لأنها تعلم أن زوجها بحاجة إلى صفاء الذهن والراحة النفسية كي يعمل في مجال الدعوة بهمة ونشاط والمشاجرات والضغوط النفسية تقتل داخله العزيمة وتخلق منه داعية مهزوز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء” (متفق عليه).
6- تعينه على بر والديه لأنهما من الأسباب التي تعين على التوفيق والنجاح والفوز برضا الله وتذكره بأرحامه من وقت لآخر حتى يصلهم ويكون قدوة للغير في ذلك قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36).
7- ترتب له مواعيد وتذكره بها إن نسي حتى لا تعرضه لشماتة بعض السفهاء ممن يتصيدون أخطاء الدعاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان” (رواه مسلم).
8- عليها أن تصبر إذا رأت أي تقصير من جانب زوجها الداعية وذلك من أجل الدعوة وتواسيه إذا رأته مهموما وحزينا وتتفنن في طريقة مواساته وتجعل من نفسها واحة أمان يلجأ إليها الزوج كلما شعر بالتعب والهموم قال تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى: 43).
9- تساعده في الأمور الحياتية إن كانت تستطيع ذلك حيث إن الداعية يكون دائماً منشغلاً بأمور الدعوة، والدعوة بمثابة جهاد في سبيل الله قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) (المزمل: 20).
10- تقرأ وتحفظ القرآن وتدبر معانيه وتقرأ تفاسيره وتطبقه في حياتها العملية قال تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) (المزمل: 8).
11– لا تغضب بسرعة وتتحلى بالحلم والصبر والرفق والعفو والتسامح قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النور: 22).
12- تربي أولادها تربية صالحة وتنشئهم على تعاليم الإسلام ولا تعتمد في ذلك على الأب وحده فالداعية بحكم عمله ودعوته معرض للسفر والغياب الكثير عن المنزل فيجب عليها أن تتولى تربيتهم ورعايتهم حال انشغاله بأمور الدعوة.. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها ولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” (متفق عليه).
13- تلتزم بالزي الإسلامي وتبتعد عن مواطن الفساد ككثرة التردد على الأسواق وذلك خشية الفتنة في الدين والوقوع في الشبهة قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (الذاريات: 50).
14- وأخيراً لتعلم زوجة الداعية أن زوجها يحمل أموراً عظيمة وثقيلة وهذا بحاجة إلى جهد وجد متواصل وتعب ونصب وإرهاق فكري وعصبي وجسدي فبالتالي هو بحاجة إلى امرأة تحمل عن كاهله كل تعب، امرأة فطنة ذات ذكاء وكياسه وحسن تدبير تستطيع بقوة صبرها وأنوثتها وإيمانها أن تحول هذا التعب المضني إلى سعادة غامرة سرعان ما تحل محل الألم، وتحمل الثقل عن فكره الملتهب بالقضايا والمشاكل فتحوله إلى لحظات تشع في النفس بهجة واطمئنانا وأماناً، فما أحن من صدر زوجة وفية، ولا أجمل من ابتسامة زوجة حبيبة صادقة ولا أرق من لمسة عذبة تبعث في النفس السكون فيغفو هذا الداعية الكبير كطفل برئ على صدر زوجة عظيمة حققت للدعوة الشيء الكثير بحسن إسلامها وتفهمها للأمور، فما أصدق قول الله عز وجل حين قال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، وكما قيل وراء كل رجل عظيم امرأة،
وأنا أقول: وراء كل داعية ناجح امرأة ناجحة مسلمة صادقة الإيمان، اتخذت
من طريق الإسلام وتعاليمه وسيلة لأنها تعلم أن الغاية والثمرة في الجنة؛ “ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة”.