وزير الخارجية الأفغاني وكيل متوكل لـ”المجتمع”: نسعى لحوار مفتوح مـع الإدارة الأمريكية

 

هذا حوار أجرته “المجتمع” مع وزير خارجية أفغانستان تحت حكم “طالبان” ونشرته في العدد (1449) بتاريخ 5/ 5/ 2001، ولو أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية في هذا الوقت أخذوا بعين الاعتبار ما ذكره وزير الخارجية الأفغاني في هذا الحوار؛ لوفروا على أنفسهم وعلى غيرهم عناء 20 سنة من إزهاق للأرواح وإنفاق للأموال.  

أجرى الحوار: داود حسـن.

شغلت أنباء حكومة “طالبان” الأفغانية مساحات واسعة في وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية، وخاصة بعد تدمير تمثالي بوذا في مدينة باميان الأفغانية، إضافة إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد بسبب الجفاف والبطالة والفقر، وفي الوقت نفسه تطالب “طالبان” دول منظمة المؤتمر الإسلامي بالاعتراف بها بل ذهبت إلى طلب اعتراف أمريكي بحكومتها، وإجراء حوار معها رغم ما بينهما من أزمات. 

هذه النقاط طرحتها على وزير الخارجية وكيل أحمد متوكل مع مختلف جوانب الملف الأفغاني الشائك وكان هذا الحوار:

ما نتائج زيارتكم الأخيرة لقطر؟

– مباحثاتنا مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان كانت ناجحة وموفقة ونحن لمسنا اهتمامه بقضية الشعب الأفغاني وكان ملماً بتفاصيل ما يدور هناك بعد تولي الحركة مقاليد الحكم في البلاد.

وقد طلبنا منه بصفته رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي في الدورة الحالية فتح مكتب تمثيل لمنظمة المؤتمر الإسلامي في كابل وفتح مكتب ثقافي لنا في الدوحة، إضافة إلى اعتراف دول المنظمة بحكومتنا حتى نتمكن من شغل مقعد أفغانستان الذي ما زالت تشغله المعارضة، كما طلبنا تقديم مساعدات إنسانية للشعب الأفغاني الذي يعاني من المجاعة والجفاف وسوء الأحوال المعيشية.

لكن هل تتوقعون الاستجابة إلى مطالبكم؟

– نحن لنا علاقات طيبة مع قطر وقد شرحنا لهم مطالبنا، ووعدنا أمير البلاد خيراً وقد سمح لنا بحضور مؤتمر القمة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي التاسع الذي عقد بالدوحة مؤخراً وما نريده هو حق شرعي أن يكون هناك اتصال فيما بيننا والعالم الإسلامي فنحن إحدى دول العالم الإسلامي.

لكن، هل تتوقع استجابة لمطالبكم في الوقت الذي تعيشون فيه تحت حصار دولي؟

– لا شك أن كل دولة عليها التزامات بشأن تنفيذ القرارات الصادرة عن المنظمات التي تشارك فيها، لكنها أيضاً دول ذات سيادة من حقها إقامة علاقات مع أي دولة، ونحن نعتبر الحصار أمراً ظالماً وهو يتوقف على الإدارة الأمريكية وموقفها منا وسنرى كيف ستتعامل معنا الإدارة الجديدة.

بصفتك وزيراً للخارجية الأفغانية، ما إستراتيجية الحركة في السياسة الخارجية التي تتهمون بأنكم فشلتم فيها؟

– لا شك أنه بعد الانتهاء من القضايا والملفات الداخلية وإعادة ترتيب البيت ستولي حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية اهتماماً كبيراً للملفات الخارجية ونحن في وزارة الخارجية نحاول أن نقوم باتصالات مع الدول الأخرى لتوضيح الحقائق عن “طالبان”، وعلى أي حال من جانبنا نرغب في إقامة منظومة علاقات خارجية متكاملة وطموحنا قوي في هذا الخصوص.

ارتبطت زيارتك إلى الدوحة بزيارة قام بها أحمد شاه مسعود إلى الاتحاد الأوربي، وتزامنت أيضاً مع زيارة أمير قطر إلى فرنسا، هل كانت زيارتك لقطر رداً على زيارة مسعود؟ وهل لزيارة الشيخ حمد لباريس ارتباط بزيارة مسعود؟

– بالتأكيد لا.. فزيارتي للدوحة كانت محددة سلفاً وهي تأتي بعد زيارة وفد من المسؤولين القطريين وعلماء الإسلام إلى أفغانستان، كما أن زيارة أمير قطر لفرنسا كانت محددة سلفاً، وكذلك زيارة مسعود للبرلمان الأوروبي وباريس وأعتقد أنه لا رابط بينهما.

لكن البعض يؤكد وجود اتصالات سرية بين قطر ومسعود من أجل التوصل إلى حل للقضية الأفغانية، وأن هذه الزيارات هي جزء من تلك الاتصالات؟

– حسب معلوماتنا لم يلتق أمير قطر مسعوداً في باريس ولا نعتقد أن هناك مثل هذه الاتصالات.

نأتي لقضية أخرى، لماذا تم تدمير تماثيل بوذا في ذلك الوقت بالذات ولكم 6 سنوات في الحكم؟ هل لأنكم كما قيل أردتم لفت نظر العالم لما يعانيه الشعب الأفغاني من مأساة؟

– في الحقيقة لم تكن هناك فتاوى بهذا الشأن بعد تولي الحركة مقاليد الحكم، ولم يكن هناك أمر من أمير المؤمنين أيضاً بهذا الخصوص، وقد حققت لجنة من وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الإعلام والمحكمة الشرعية بالأمر؛ وانتهت إلى وجوب تحطيم التماثيل، وقد أمر أمير المؤمنين بذبح مائة بقرة وتوزيعها على الفقراء فدية عن هذا التأخير.

هناك اتهام لكم بأنكم لم تسمعوا لرأي وفد العلماء الذين جاؤوا إلى أفغانستان أو أنكم لم توافقوا على رأيهم؟

– حقيقة مجيء وفد العلماء من أجل وقف تحطيم التماثيل لم يكن أمراً وارداً وهم نفوا ذلك، كما لم ينتقدوا فتوى علماء “طالبان”، وإنما كانت هناك خلافات في وجهات النظر حول توقيت الهدم خوفاً على ما يمكن أن يحدث من اضطهاد للأقليات المسلمة في بعض الدول نتيجة قيامنا بعملنا هذا.

وهذه وجهة نظرهم ولنا وجهة نظرنا التي تقول: إننا مسيطرون على البلاد ولدينا ظروف يجب أخذها في الاعتبار، وهي أننا نخشى أن تعبد هذه الأصنام في بلادنا لذلك وجب علينا تحطيمها.

لكن ما تفسير عدم إقدام الحركة على تدمير تماثيل أخرى تخص السيخ والهندوس وهي تُعبد من دون الله في أفغانستان؟

– الأقليات غير المسلمة في بلادنا أو أي بلد مسلم لها حقوق، فهم يعبدون هذه التماثيل داخل معابدهم وهم تنطبق عليهم أحكام أهل الذمة، ولهم أحكام خاصة أعطاها لهم الشرع وهي لا تنطبق على تمثالي بوذا.

لكن الكفر ملة واحدة: البوذية، والسيخ، والهندوس..؟

– هذه الأصنام التي هدمت لم يكن هناك أحد يعبدها في الوقت الراهن، لكن كان هناك خطر في أن تُعبد في المستقبل وهي تراث أفغاني لنا الحق الكامل فيها، وهي أمر منكر يجب أن يحطم، وأما ما يعبد في كنائسه ومعابده فهذا له حكم خاص لا يقاس على تمثالي بوذا.

ما ردكم على الحملة الدولية التي نددت بقرار تحطيم التماثيل وشارك فيها عدد من المسلمين والغربيين؟

– حقيقة أننا لم نقم بذلك لجرح مشاعر الآخرين، صحيح أن الدول المشركة أو البوذية استفزت من ذلك العمل وقد أرسلوا هم أيضاً وفوداً لوقف العمل لكننا أقنعناهم بوجهة نظرنا وهي أن التمثالين جزء من تراث شعبنا ونحن نتفهم غضب البوذيين، لكننا لم نفهم سبب غضب الغربيين وعلماء المسلمين الذين تتحدث عنهم.

وما حقيقة من يرى أن تحطيم التماثيل جاء بعد يأس الحركة من اعتراف المجتمع الدولي بها وللفت أنظار العالم لما يعانيه الشعب الأفغاني تحت الحصار الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدها؟

– هذا غير صحيح لأن تحطيم التماثيل لم يكن رد فعل كما تقول، وقد اكتشفنا مدى الازدواجية التي يتعامل بها العالم والكيل بمكيالين، فالعالم فيه المال الكافي لشراء صخور يقال: إنها آثار، في حين لا يوجد لديه المال من أجل إنقاذ حياة آلاف يتعرضون للموت كل يوم من أبناء الشعب الأفغاني فهل هذه التماثيل أغلى من حياة البشر؟ لقد جاءتنا عروض من أجل شراء التماثيل ونقلها إلى دول أخرى، في حين لم يتبرع أحد للتخفيف من أثر المجاعة والجفاف الذي يضرب أفغانستان.

وما المرحلة التالية في تحطيم الآثار في أفغانستان التي تعرف بوجود الكثير من الآثار بها من عصور مختلفة؟

– تم هدم الأصنام وانتهى الأمر وليس هناك في أفغانستان تماثيل أخرى، والباقي آثار نثمنها وهي شيء لا يمكن أن نحرمه أو نحطمه.

هذا يجرنا إلى قضية أخرى حول رأيك في موقف العالم الإسلامي مما يتعرض له الشعب الأفغاني من مجاعة وظروف قاسية؟

– الحقيقة لم تصلنا أي مساعدات من العالم الإسلامي إلا من السعودية، وقطر، والإمارات، وباكستان، وهي لا تكفي لإغاثة الشعب الأفغاني، وفي الوقت الذي تعمل فيه مؤسسات غربية لها أهداف ومقاصد خاصة ترفع شعار الصليب في بلادنا، لا توجد منظمات خيرية عربية أو إسلامية ترفع شعار الهلال.

وبم تفسر هذا الموقف هل هو لتحاشي “طالبان” وما قد يلحق بالمتصل بها من اتهام بالإرهاب؟

– لا أعتقد ذلك.. لكنه بسبب عدم التكاتف والترابط بين المسلمين، المطلوب أن يكون هناك ترابط اجتماعي أكثر وإحساس بمشكلات الأمة في كل مكان وهي قضية عامة فماذا قدم العالم الإسلامي لقضايا المسلمين في فلسطين وماذا قدموا للمسجد الأقصى وللبوسنة وكوسوفا والشيشان وكشمير؟ حرمات المسلمين تنتهك ولا أحد يتحرك ونحن جزء من ذلك العالم.

هناك اتهام لكم بإيواء بعض «الإرهابيين»؟

– هناك فارق كبير بين الإرهاب والجهاد.

لكن هناك اتهامات بالإرهاب ضد هؤلاء وكل يوم نسمع عن القبض على من يشتبه في أن لهم علاقة بالموجودين في أفغانستان؟

– صحيح هذا يحدث يومياً لأنه من السهل أن توجه تهم دون دليل لأي شخص خاصة إذا كان مسلماً.

وهل أنتم مستعدون لتسليمهم للولايات المتحدة؟

– نحن مستعدون لمحاكمتهم في أفغانستان في المحكمة الشرعية إذا ثبت تورطهم فيما يدَّعونه، لكنا لسنا مستعدين لتسليمهم للمحاكمة في أي دولة مسيحية أو يهودية ونحن غير معنيين إطلاقاً بتسليمهم للولايات المتحدة لأنه لا يوجد اعتراف منهم بنا ولا توجد بيننا اتفاقيات تسليم مجرمين فكيف يطلبون منا ذلك؟

وثمة مفارقة في الموقف الأمريكي تجاهنا فهم في الوقت الذي يقفون منا هذا الموقف يؤوون مجرمي الحرب مثل الجنرال الشيوعي السابق عبدالمالك الذي قتل أكثر من 4500 مجاهد.

لكن، كان هناك طلب رسمي من أفغانستان بالحوار مع الإدارة الأمريكية وتحديداً بعد تولي الإدارة الجديدة الحكم؟

– كان هناك تبادل رسائل بيننا وبين الحكومة الأمريكية، ومن جانبنا حاولنا أن تكون لنا علاقات معهم، وطلبنا من حكومة بوش ألا تحذو حذو الإدارة السابقة، وأن تفتح معنا حواراً مباشراً، وأرسلنا إليهم بهذا المعنى لأننا معنيون بالحوار مع كل العالم، وقد التقى سفيرنا المتجول هناك العديد من المسؤولين الأمريكيين والمفكرين وننتظر منهم رداً.

ألم تظهر أي مؤشرات إيجابية منهم؟ وهل تستمرون في الحوار؟

– هذا يتعلق بهم، هل يريدون الحوار أم سيواصلون غطرستهم، ومن جانبنا سنستمر في الحوار وطلب الحوار لأننا لا نستطيع الحياة بمعزل عن الدنيا.

بعد تحركات المعارضة؛ زيارات مسعود في الخارج وعودة الجنرال عبدالرشيد دوستم من تركيا، هل هم يعدون للحرب من جديد؟

ـ عودة دوستم تؤكد موقفنا من أن المعارضة تؤيدها أيد خارجية لا تريد لأفغانستان أن تعيش في سلام حيث استقبل مسعود على أنه رئيس دولة وهو لا يمثل شيئاً في البلاد، وقد أظهر الاتحاد الأوروبي وفرنسا بالذات عدم حيادتيهما باستقباله.

وما شروطكم للصلح مع المعارضة؟

– شروطنا تسليم المعارضة لأسلحتهم للإمارة الإسلامية التي هي الحكومة الشرعية للبلاد، وأن يبايعوا أمير المؤمنين الملا محمد عمر، وأن يعترفوا بالنظام وهو أمر معروف في كل الدول حيث لا يقبل بوجود معارضة مسلحة وإذا فعلوا ذلك فنحن مستعدون لمشاركتهم في الحكم.

لكنكم كنتم في موقفهم الآن قبل أن تستولوا على السلطة ومن الممكن ألا يقبلوا بذلك؟

– نحن نقيم الأمور بالأفعال ونحن جئنا بالأمن والاستقرار للبلاد بينما في عهدهم كانت تنتهك الأعراض وتنهب الأموال.

وما حقيقة دعم “طالبان” للجماعات والحركات الإسلامية في منطقة القوقاز وخاصة الشيشان؟

– معروف أن إمكاناتنا محدودة ولا تسمح لنا بذلك وكنا نتمنى مساعدة الشعوب المستضعفة مثل الشيشان الذين يتعرضون للقهر منذ سبعين عاماً على يد الروس، لكن ما استطعنا أن نقوم به هو الاعتراف بحكومتهم وباستقلالهم.

ماذا عن الوضع الإنساني في أفغانستان؟

– الشعب الأفغاني يعيش منذ نحو عقدين من الزمن في حالة صعبة فلا توجد بنية أساسية من كهرباء أو ماء أو مدارس أو مستشفيات، إضافة إلى تعرض الشعب للمجاعة والجفاف منذ ثلاث سنوات بسبب عدم سقوط الأمطار، وهذا الأمر خارج عن نطاق سيطرة الحكومة، لذلك فإننا نناشد المجتمع الدولي وخاصة المسلمين أن يقدموا لنا يد العون.

Exit mobile version