الهجرة النبوية.. دروس في القيادة والجندية

 

لم تكن الهجرة النبوية الشريفة حدثًا عابرًا في تاريخ الدعوة نحتفل به كل عام، ولم تكن حدثًا شخصيًّا يتعلق بحياة الحبيب- صلى الله عليه وسلم- بل كانت حدثًا غيَّر مجرى التاريخ، حدثًا حمَل في طياتِه معاني الشجاعة والتضحية والإباء والصبرِ والنصرِ والفداء والتوكلِ والقوة والإخاء والاعتزازِ بالله وحده، حدثًا جعلَه الله سبحانه طريقًا للنصرِ والعزة ورفعِ راية الإسلامِ وتشييد دولته وإقامة دينه، وكانت محور الارتكاز ونقطة الانطلاق والتحوُّل في تاريخ الدعوة؛ إيذانًا بميلاد فجر جديد لها، وكانت منارًا عظيمًا على الطريق ومعلَمًا بارزًا وتحولاً جوهريًّا وبعثًا جديدًا وتغييرًا كليًّا في تاريخ الدعوة، في مسارها وحياتها وحياة أصحابها، وفي تشريعاتها وأسلوبها ووسائلها.

ولذلك كان تجدد الوقفة مع الهجرة النبوية كل عام للعظة والاعتبار، وللاهتداء والاقتداء، وبهدف التذكير بخط سير الدعوة، وعرض واقعنا على أهدافها وغاياتها.

إن أحداث الهجرة جديرة بأن تَفتح اليوم أعينَنا على ماضينا المجيد، وأن تعرفنا بحقيقة الواقع المر الأليم، الذي وصلنا إليه، فتهتز قلوبنا، وتتحرك عزائمنا، ولذلك تهلّ علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام، حاملةً معها رياحَ التغيير العظيمة التي غيَّرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم، الذي يجب أن تكون لنا معه وقفاتٌ مهمةٌ، لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة، وليكون لنا محطةً جديدةً للانطلاق نحو تغيير أحوالنا وأحوال دعوتنا وأمتنا نحو الأفضل، وهي ليست وقفةً لعرض الأحداث وسرد الدروس، ولكنها إيقاظ للنفوس، وانطلاقة حركية وتغييرية، نصحِّح بها مسارنا، ونتذكر أهدافنا، ونشحذ هممنا، ونصوِّب واقعنا، لنؤدي رسالتنا، ونرضي ربنا، بشرط توفُّر (الإخلاص في القصد، والصدق في الأداء، والعزيمة في التغيير).

حكمة بالغة

إن دعوة الله التي تسعى لإقامة خلافة الله في الأرض، ما لم تكن متحركة من أرض ثابتة- حيث القيادة والأنصار والمنهج القويم المنفذ- فإن أهدافها ومبادئها يصعب الوصول إليها وإيجادها في أرض الواقع؛ ولذلك كان ولا بُدَّ أن يكون للعصبة المسلمة موطنٌ وموقعٌ تتأسس فيه وتتربَّى عليه، وتستطيع أن تمارس من خلاله عمليةَ التغيير، فكان هدف الرسولِ- صلى الله عليه وسلم- من الهجرة تكثير الأنصارِ وإيجاد رأيٍ عامٍ مساند للدعوة، واستكمال بناء هيكلِ الدعوة التنظيميِ، والسعي لتوطين الدعوة وتأسيسها، ولتكوين الجماعة المسلمة والعصبة المؤمنة التي تقيم شرع الله وخلافته في الأرض، وقد علمنا من الهجرة أن دوافعها لم تكن رغبًا ولا رهبًا، بل كانت الهجرة؛ بحثًا عن أرض جديدة لنشر الدين الجديد ولإقامة نظام عالمي جديد، يعيش في رحابه المسلمون، ويتفيؤون ظلاله، وينعمون بعدله، وبما يحفظ للدعوة كيانها ونماءها، رغم المعوقات والعقبات، التي تريد إعاقتها عن القيام بدورها، وأداء رسالتها، وتوجيه وتطوير أدائها في العمل لرفع راية الإسلام، وإعلاء شأن المسلمين على هدى منها، إن قيمة الهجرة التربوية والحركية أن تأخذ بأيدي أبناء الدعوة- قادةً وجنودًا- إلى مواقع العمل والإفادة من هذه الأحداث وتلك الدروس، وتغيير الواقع المر.

قيادة راشدة

كانت الهجرة- وستظل- أروع الأمثلة عبر التاريخ على القيادة الراشدة الحكيمة، التي وضعت لعلماء الإدارة الكثير من أصول علمهم، فكانت قيادة الحبيب صلى الله عليه وسلم جامعةً لفنون ومهارات القيادة والإدارة الفعالة، ومن ذلك:

1وضوح الهدف.. فهي قيادة تعرف ماذا تريد؟ وتعرف ما وجهتها؟ وما غايتها؟ وما الأهداف التي تسعى لتحقيقها في أرض الواقع؟ أهداف واضحة وسهلة التطبيق ومتدرجة، ولعل الحركة الإسلامية أدركت ذلك حينما حدَّدت بوضوح أهدافها، ورسمت سياستها وخططها وفق تلك الأهداف، بدءًا من بناء الفرد المسلم فالبيت المسلم فالمجتمع المسلم.

2استشراف المستقبل.. فمنذ لحظة الدعوة الأولى والقيادة تدرك أن مكة لن تكون مقرًّا للدعوة، فكان استشرافها للمستقبل وإعداد سيناريوهات عدة اختيارَ الحبشة، أولاً لهجرة المسلمين ثم الطائف ثم المدينة، فكانت الهجرة صورةً من صور استشراف المستقبل الدعوي.

3الإيجابية الواقعية.. ونعني بها دراسة البيئة، وتوظيف المعلومات في اتخاذ القرار المناسب، وحسن التعامل مع المتغيرات، وقد تمثَّلت في تعامل القيادة مع الواقع بإيجابية، بدلاً من الاستسلام والسلبية، والبحث عن البيئة الصالحة للدعوة، فسعت القيادة لإيجاد أرض غير مكة، بعدما أدركت- من خلال دراسة الواقع- أن مكة لا تصلح لقيام الدولة، ولا يمكن أن تكون وطنًا لهذه الرسالة، فبدأ يعرض نفسه على القبائل، ويقول لهم في صراحة ووضوح “من يحملني..؟ من يؤويني حتى أبلغ دعوة ربي، فإن قريش قد منعوني؟!”، وهذا درسٌ في أن الدعوة قد تستلزم أحيانًا تغيير البيئة لاستكمال مسيرتها نحو أهدافها العليا.

4فقه التعامل مع الفرص والتهديدات.. القيادة الفعَّالة هي التي تحسن الاستفادة من الفرص المتاحة، وتحسن تفادي التهديدات القائمة، والاستفادة من طاقات ودعم ومساندة الغير في نصرة الدعوة، ومن ذلك فرصة الهجرة في وقت تهديد القتل من قبل قريش، والاستفادة من طاقات ودعم سراقة.

5الحرص على طاقة الأتباع وحياتهم.. فتأخير هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والأمر بخروج الأفراد سرًّا وفرادى؛ حتى لا يعلم أحد هدفهم فينقضُّوا عليهم جميعًا، فيه تأمين لخروجهم، وعدم الإلقاء بهم في التهلكة، بما يحفظهم وطاقتهم كي لا تتبدَّد في غير موضعها، محافِظةً على حياة وطاقات وإمكانات الجنود.

6التأخير الإبداعي.. فليس كل تأخير يكون سلبيًّا، فقد كان تأخُّر هجرة الحبيب بعد أصحابه من هذا النوع الإبداعي، والذي فيه حافز جيد لإنجاز المهام؛ لما فيه من تروِّي القيادة والبحث عن الظرف والوقت المناسبَين، ولما فيه من حسن ترتيب للأولويات، وقد تكون العجلة سببًا لانتكاسات كثيرة في العمل الإسلامي.

7الأخذ بالسنن والأسباب.. ضرب الرسول القائد أروع الأمثال في الأخذ بالأسباب، واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً.

8دقة التنظيم.. وقد تمثَّل الأمر في حياة القائد كلها، وفي الهجرة بخاصة، فلم يترك الأمور تسير بعفوية أو عشوائية، بل تتم من خلال تنظيم الأعمال وتناسقها وحسن ترتيبها وتدرجها، وبناء مواقف على مواقف بشكل منظم على أكمل وجه، بيعة العقبة يترتب عليها بعثة مصعب، ثم قوافل الهجرة، ثم هجرة الحبيب في تناغم وتناسق بديع.

9العبقرية وحسن التخطيط.. متمثلةً في تحديد الأهداف والوسائل والإمكانيات، ووضع سيناريوهات عدة، ومراعاة الظروف المواكبة؛ فالمكان المؤقَّت غار ثور، وموعد الانطلاق بعد 3 أيام، ووقت الخروج حين الظهيرة واشتداد الحر، وخط السير الطريق الساحلي، إضافةً إلى استخدامه الإخفاء والتمويه، وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذوَ حذوَه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل.

10فن إدارة الآخرين.. وحسن توظيف الطاقات، وانتقاء الأفراد بصورة مثالية، سواء كانت في القيادة أو الجندية، فتيانًا وشبابًا وشيوخًا، رجالاً ونساءً، مسلمًا وغيرَ مسلم، فالشيوخ يوفرون الدعم المادي للمساندة والصحبة، والشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية، المرأة تقوم بدورها المناسب لطبيعتها، فالقائد محمد، والمساعد أبو بكر، والفدائي علي، والتموين أسماء، والاستخبارات عبد الله، والتغطية وتعمية العدو عامر، ودليل الرحلة عبد الله بن أريقط.

11أخلاقيات قيادية أخرى.. حلّ المشكلات بطرق ابتكارية، الهدوء في التعامل مع المشكلات، استشارة المحيطين، الوضوح في التعاملات والقرارات، التبشير لا التخويف مهما كانت العقبات، عدم تعجُّل النصر، توافر الحس الأمني والسرية، التورية عند الضرورة، تواضع القيادة، القرار بيدها، الشجاعة والحماسة المنضبطة.

جنود مخلصون

لقد انتهجت قيادة الدعوة النهج التربوي من أجل بناء وتكوين القاعدة الصلبة الذين بهم يقام الدين ونظامه وتؤسَّس دولته، فآتت تربية الحبيب- صلى الله عليه وسلم- في دار الأرقم أكُلها، واستوى رجال الدعوة، فأثمرت التربية فيهم سلامة العقيدة، ومتانة الأخلاق، وصحة العبادة، وحسن المعاملة، وشمول الفهم الصحيح لهذا الدين، وجاء امتحان القيادة لهم بالهجرة والابتعاد عن الوطن وتركه، فقطعوا أنفسهم عن كافة العلائق والوشائج والمنافع، واتجهوا إلى أرض الدعوة الجديدة؛ تنفيذًا لأمر القائد، فهاجروا معه، ونفضوا أيديهم في سبيل ذلك من المال والدار والأهل والولد، وقطعوا أنفسهم من حظوظهم كلها، وقد تجسَّد في هذه الهجرة قمة التلاحم بين قيادة الدعوة وجنودها والأمة بشكل كامل، وتمثَّلت في الصحابة معالم الجندية الحقة لدعوة الله، والتي برزت في:

1الثقة الكبيرة في نصر الله واليقين أن العاقبة للمتقين، مهما اشتدَّ ظلم الظالمين، وتعدِّي الجبابرة المعتدين على الدعوة وأبنائها.

2تفجير الطاقات واستفراغ الوسع والجهد وكل ملكات النفس ومهاراتها وإمكانياتها في سبيل نصرة هذا الدين، فكانت مساهمة الجميع في إنجاح عملية الهجرة، وهكذا يجب أن يكون جنود الدعوة، الكل يساهم بما يملك، فكل ميسر لما خلق.

3التضحية في سبيل الدين بكل شيء وتقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض؛ فدعوة بلا تضحية لا بقاء لها، وقد تنوَّعت صور التضحية من الصحب الكرام، من تضحية بالنفس دون القيادة “أبو بكر” أو بالمال “صهيب الرومي” أو بالزوجة والولد “أبو سلمة”، أو بالديار والأهل والأصحاب “الجميع”، وهو درس رائع لأبناء الحركة الإسلامية في تقديم محبة الله ومراده على محبة المال والوطن والعشيرة والزوجة والأولاد، والجاه والمنصب وحظ النفس.. إلخ.

4الحرص على القيادة وعلى سلامتها، وفداؤها بالأرواح والخوف عليها، ولا يتأتَّى ذلك إلا عن حب وثقة، وأعمال أبي بكر طوال رحلة الهجرة تكشف عن هذا الخلق، وتبرز أهميته في جنود الدعوة وأدبهم مع قيادتهم.

5كمال الطاعة وتحلي جنود الدعوة بقيمة الانضباط الحركي والالتزام التنظيمي، حينما جاءهم الأمر بالهجرة، فكان السمع والطاعة والتنفيذ الفوري في العسر واليسر والمنشط والمكره، دون مراعاة لبواعث التخلُّف أو الحجج الواهية للقعود عن تنفيذ التكليف، أو الركون إلى الأرض.

6الصبر والثبات على المبدأ، وبخاصة في المواقف الحرجة، مهما كانت صعوبة العقبات وكثرتها، وضخامة التضحيات.

7عزيمة لا تَعرف اليأس: فقد تجسَّدت في هجرة الصحابة العزيمة الصادقة والإرادة القوية التي لا تعرف اليأس، والعطاء بلا حدود، فكانت النفوس القوية التي لا يصيبها حزن ولا يعتريها يأس أو إحباط.

8أسرة مسلمة وبيت متكامل يحمل همَّ الدعوة، ويتحرك بها ويخاف عليها، وهكذا تريد الدعوة من بيوتنا بكل ما فيها من أعضاء.

9الشجاعة والقوة في الحق: فقد جابه الصحابة تحدياتٍ كبرى في العهد المكي، فكان أن وقفوا أمامها بقوة وشجاعة وصلابة، وتمثل ذلك في مواقف كثيرة، من أهمها هجرة الفاروق.

دروس تربوية وحركية

إن دروس الهجرة أكثر من أن تُحصى وأن تُعدّ، وهي تدقُّ نواقيس التذكير والتحذير، كلما مرَّت الأيام، وتجدَّدت الأحداث، وتتساءل: هل تحوَّلت الهجرة إلى حركة في دنيانا وواقعنا؟ أم أنها لم تحرِّك فينا ساكنًا، وما عاد لدينا ساكن ولا متحرك؟ وهل حوَّلت واقعنا إلى الأفضل؟ أم أننا ركنَّا إلى الدعة، وشغلتنا أموالُنا وأهلونا وأفراحُنا وأتراحُنا؟

إن الهجرة دروس وعبر وقيم ومبادئ ومثُل؛ فقد كانت الهجرة عامرةً بالكثير من الدروس التربوية والحركية، ولم يكن في السيرة حدثٌ عامرٌ بتلك الدروس سوى الهجرة، ففيها دروس عظيمة، وآمال واسعة عميقة لأصحاب الدعوات وحملة الرسالات، فما أحوجَنا إليها، ومن هذه الدروس:

الانتماء لله ولدينه ورسالته والانتصار لدعوته، يجب أن يقدَّم ذلك على كلِّ ولاء وانتماء.

التوكل على الله تعالى وحده في كافة أمور، مع الأخذ بالأسباب، فالاثنان دليل على قوة الإيمان.

مهما اشتد وعَظُم مكرُ أعداء الدين، فلن يبلغ إطفاء نور هذا الدين.

السعي للتمكين في الأرض، بإقامة دولة الإسلام، هو الهدف الأسمى لدعوة الله، ولن يتم إلا بالابتلاء.

الدعوة مراحل متدرجة، لا تصل منتهاها قبل المرور بمراحلها.

بقاء الصراع بين الحق وبالباطل، حتى ينصر الله أولياءه.

إنما يُنصر الحقُّ بالرجال، ولن ينصر اللهُ خاملاً قاعدًا لم يخط خطوةً واحدةً نحو المعالي.

حماية الدين والدعوة هو الأصل عند المسلم، بدفع بلده وماله وأهله حماية لدينه.

بلد المسلم ووطنه هو الذي يتمكَّن فيه من إظهار دينه ودعوته فيه.

مقابلة التخطيط والتنظيم والترتيب للإيقاع بالدعوة بما يوازيه لإبطاله.

لا غنى عن البيت والأسرة المسلمة لنصرة هذا الدين وإحاطته وحفظه وبذل ما تملك في سبيله.

الهجرة المنشودة

تبقى الهجرة كما كانت حركةً إصلاحيةً تغييريةً في تاريخ الإسلام، فتاريخ الدعوات مرتبط بالحركة في سبيله، والهجرة المنشودة بحث عن أماكن خصبة للدعوة، لتحقيق أهدافها العليا، والهجرة المنشودة حركة تجديد مستمر لتقوية عوامل النهضة في الأمة، والهجرة المنشودة تحدٍّ للباطل وعدم الاستكانة إليه، والهجرة المنشودة حركة مراجعة ومحاسبة ذاتية وجماعية لتماسك الصف من داخله؛ والهجرة المنشودة تخليص للصف من حالة الضعف وقلة الأمن، والهجرة المنشودة تعني إطلاق الطاقات الكبيرة التي تحوزها الدعوة في أبنائها، وتوفير الأمن والاستقرار لهم، والهجرة المنشودة ترك البيئات المغلقة إلى البيئات المفتوحة، سواءٌ أكانت بلدًا أو مؤسسةً، أو حتى نفس المؤمن ذاته؛ بالتجدُّد المنفتح..

والهجرة المنشودة نقلة نوعية من الذنوب والسيئات، ومن الشهوات والشبهات، ومن مجالس المنكرات، إلى رحاب الطاعة، هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، والهجرة المنشودة تغيير ما بأنفسنا نحو الصلاح والإصلاح؛ حتى يغيِّر الله ما بنا من ضعف وهوان، الهجرة المنشودة حركة انطلاق تغييرية، لبناء أمة وتكوين مجتمع وتشكيل حضارة وصياغة قيم وإعداد أجيال وإنارة طريق وتخطيط لمستقبل زاهر لدولة الإسلام؛ ليستخلفنا الله في الأرض كما استخلف الذين من قبلنا، ولِيُمَكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا، وليبدلنا من بعد خوفنا أمنًا.

مهاجر العصر

للمهاجر معالم وملامح، وصفات ومقومات، كل منا مطالب بأن يعرض نفسه عليها؛ بحثًا عنها في ذاته كي يستوفيها ويتحقق بها، ومن ذلك:

فالمهاجر في سبيل الله اليوم من يستصحب دائما نية الجهاد وحب الاستشهاد “ولكن جهاد ونية“.

والمهاجر في سبيل الله اليوم من يطلق قدرات نفسه وإمكاناته ومهاراته ومواهبه نصرة لدينه، ومن يطلق لفكره وعلمه وقلمه كل الآفاق لنشر دعوته.

والمهاجر في سبيل الله اليوم من يتحلل من كل قيد يقعده عن الحركة بدينه خجلاً و حياءً، أو خوفًا وجبنًا، أو كسلاً وضعفًا.

والمهاجر في سبيل الله اليوم من يُرغم أعداءه على مساومته ومنعهم من العدوان على دعوته؛ لقوله تعالى: ﴿ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً﴾.

والمهاجر في سبيل الله اليوم من يقف ليراجع فكره ونفسه، ويتخلَّص من الأغلال التي تحيط به، والتي تمنعه من أن ينطلق بدعوته الانطلاقة المباركة نحو الهدف المنشود.

والمهاجر في سبيل الله اليوم من يأخذ بمقوِّمات التغيير لإصلاح شأن الأمة والنهوض بها.

والمهاجر في سبيل الله من هجَر كلَّ ما لا يليق به كحامل دعوة، من خلال النقد الذاتي البنَّاء، والمراجعة الربانية، والوقوف على الأخطاء، لمعرفة الهوَّة الكبيرة بينه وبين ما تريد منه دعوته.

فالمهاجر في سبيل الله ختامًا هو من هجر ما نهى الله ورسوله عنه.

 

 

 

 

 

 

_______________________________________

* المصدر: موقع “إخوان أون لاين”.

Exit mobile version