سرادق عزاء افتراضي للشيخ محمد حسين عيسى

“داعية من طراز فريد”.. هكذا نعت تلامذة الشيخ محمد حسين عيسى، الداعية المصري الراحل بعد وفاته ليلة الجمعة الماضي، مؤكدين أنه ترك تراثاً مليئاً بالإحسان في القول والعمل والقدوة الحسنة والاعتدال ورفض العنف والتكفير، من خلال دوره البارز في مدرسة جماعة الإخوان المسلمين بمصر الذي كان عضواً في مجلس الشورى العام وأحد قياداتها التاريخية بالبلاد.

ومات الراحل بعد صراع مع المرض وفي ظل غياب جل تلامذته عن تشييع جنازته بسبب الأزمة السياسية المتفجرة بين جماعة الإخوان المسلمين بمصر والسلطات الحاكمة منذ عام 2013م.

رحلة طويلة

والراحل له رحلة طويلة في مساره الدعوي، حيث ولد الشيخ محمد حسين عيسى في 3 يونيو 1937م، وشب على حب الدعوة إلى الله إلى أن أضحى أحد رموز وقيادات الإخوان المسلمين والعمل العام في مصر، بحسب مصادر بالجماعة.

وأحب الفقيد الراحل العلم، حيث حصل على ليسانس حقوق جامعة الإسكندرية، ودبلوم اقتصاد وعلوم سياسية، ودبلوم شريعة وقانون، وإجازة في الفقه، ودبلوم معهد الدراسات الإسلامية بمصر، وله 50 مؤلفاً في الفقه والاجتماعيات والتربية والأسرة والدعوة.

وشارك في العمل العام والدعوي بقوة، حيث انتخب عضواً لمجلس الشعب عن التحالف الإسلامي في دائرة الرمل بمحافظة الإسكندرية شمال العاصمة عام 1987 – 1990م، كما انتخب رئيساً لمكتب إداري للإسكندرية من عام 2001 – 2005، وزار عدة دول عربية وأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية للدعوة.

وتعرض للاعتقال القسري في عام 1981م أثناء اعتقالات سبتمبر الشهيرة قبيل اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وقضت محكمة عسكرية مصرية بسجنه لمدة 3 سنوات من عام 1995م في قضية سياسية، كما تعرض للتوقيف في عام 2003 لمدة ثلاثة شهور في أعقاب فعاليات الاعتراض على الغزو الأمريكي للعراق.

مربٍّ فاضل

وفي بيان لجماعة الإخوان المسلمين، وصل “المجتمع”، الجمعة 15 من ذي القعدة 1442هـ/ 25 يونيو 2021م، نعت الجماعة الداعية الراحل، مؤكدة أنه داعية مجاهد ومربٍّ فاضل رحل عن عمر يناهز 83 عاماً بعد صبر طويل على المرض، وبعد مسيرة امتدت لنصف قرن على طريق الدعوة إلى الله بين صفوف الجماعة وتحت رايتها.

وقالت الجماعة: كان نموذجاً يحتذى في حسن الخلق وحسن الخطاب وحسن التوجه.. زاهداً في حياته.. لا تفارق الابتسامة وجهه، ومن أقواله المعروفة عنه: “الحمد لله على نعمة الإسلام.. الحمد لله على نعمة الإيمان.. الحمد لله على نعمة الإخوان”.

وأشارت الجماعة إلى أن الراحل ترك ثروة علمية ودعوية كبيرة متمثلة في أكثر من 50 كتاباً في مجال الدعوة إلى الله، وتماسك الأسرة والمجتمع المسلم، وشرح فقه العبادات، كما ترك مئات التسجيلات والفيديوهات من الدروس الدعوية والفقهية، وكان دائم الحديث في دروسه عن الجنة.

ولفتت الجماعة الانتباه إلى دور الداعية الراحل في مقاومة العنف والتكفير، وقالت في بيانها: “قام بدور كبير في توجيه آلاف الشباب إلى دعوة الإخوان المسلمين وتحصينهم من الوقوع في براثن التكفير والعنف، كما كان له دور بارز منذ سبعينيات القرن الماضي في التزام آلاف الفتيات والنساء المسلمات على امتداد محافظة الإسكندرية والمحافظات المجاورة، بالحجاب الإسلامي.

وأشارت الجماعة إلى أنه منذ عام 2013م لم يغادر محافظة الإسكندرية، شمال العاصمة، وظل ماكثاً في بيته ثابتاً على دعوته، داعياً إلى الله وموجهاً الشباب إلى مواصلة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان له دور كبير في إقناع الشباب بعدم الانجرار إلى التكفير والعنف مهما لحق بهم من إيذاء، التزاماً بمبادئ دعوة الإخوان، بحسب البيان.

سرادق عزاء

وتحولت منصات التواصل الاجتماعي لتلامذة الراحل إلى سرادق عزاء، حيث وصفه النائب البرلماني السابق بمصر د. أسامة جادو بأنه “الأستاذ والمعلم”.

وقال في تدوينة على صفحته الرسمية على “فيسبوك”: تُوفي إلى رحمة الله تعالى أستاذي ومعلمي فضيلة الشيخ الأستاذ محمد حسين عيسى، الليلة تتجدد عليَّ أحزان فقد والدي رحمه الله تعالى.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. اللهمَّ اغفر له وارحمه رحمة واسعة.

وأعرب عن عظيم فضل الراحل عليه قائلاً: ما علمنا عنه إلا خيراً، وما وجدنا منه إلا الفضل والعطاء والتضحية وحب الوالد لأولاده، ورعاية المُعلم ورفق المُربي وعطفه.. رضي الله عنه وأرضاه.

وقال الحقوقي المصري البارز مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في نعي للراحل: انتقل إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الفاضل محمد حسين عيسى، الرجل الذي حدثنا عن الجنة وصوَّرها لنا كأننا نراها رأي العين، نسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته وأن يجزيه خيراً عما قدمه وبذله للإسلام والمسلمين.

ولفت الباحث في الفكر الإسلامي والمحقق محمد فتحي النادي إلى عظيم ابتلاء الراحل قائلاً: رحم الله تعالى الأستاذ محمد حسين عيسى، التقيته مرة وأنا بالجامعة مع مجموعة من الشباب، فحكى لنا عن الويلات التي لاقاها في السجن الحربي أيام عبدالناصر، ثم ذكر الجلد الذين كان يُجلده بالسجن وأنه كثير جدًّا جدًّا، فقال: جُلدت “أَلَفْ تلاف” جلدة، قالها متندرًا على العدد الذي لم يحصه من الجلد بالسجن، فرحمه ربي وجعل ما لاقاه في ميزان حسناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Exit mobile version