الزواج جوهر الوجود الإنساني وأقوى صلة تتعدد روابطها ووظائفها في حياة الزوجين

جعل الله تعالى الزواج آية من آياته فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، إلا أن هذه الآية قد تعترضها بعض المشاكل التي تطمس نورها، ومن أجل الحفاظ على هذه الآية أجرى الزميل الأستاذ مصطفى فودة هذا الحوار مع الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد نشرت “المجتمع” هذا الحوار في العدد (1446)، بتاريخ: 14/ 4/ 2001، ولأهميته تعيد “المجتمع” نشره.

د. سامية الساعاتي لـ”المجتمع”: الزواج جوهر الوجود الإنساني وأقوى صلة تتعدد روابطها ووظائفها في حياة الزوجين

حوار: مصطفى فودة

استعراض المشكلات الاجتماعية، والبحث عن حلول عملية لها مع المختصين أمر له مذاق خاص، والدكتورة سامية الساعاتي ـ أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس، شخصية لها حضورها من خلال أبحاثها المتعددة في هذا المجال، ومن هنا كان لـنا هذا الحوار معها:

العلاقة الزوجية أهم علاقة، وأقوى رابطة بين الزوجين لا يعكر صفوها إلا غياب المودة والرحمة، أيتحول الأمر حينذاك إلى جحيم دائم؟ أم أنه يمكن علاجه؟

– الزواج رحلة حياة، كل طرف فيها يعاون الآخر ويرعاه، ويحنو عليه، هذا ما يجب أن يكون، وهو النظام الأمثل الذي يحقق للإنسان الاستقرار والأمان والسعادة، لأن عملية خلق الإنسان ارتبطت بالزواج.. لم يُترك الإنسان على الأرض فرداً، فقد نزل آدم وحواء معاً (زوجاً وزوجة)، تربطهما علاقة تسير بهما نحو الديمومة.. كُتب على كل منهما أن يعيش مع الآخر، وأن تنشأ بينهما علاقة، وأن ينجبا أطفالاً يعمرون الأرض، وعملية الخلق هذه ـ كما أخبرنا القـــرآن الكريم ـ بدأت من نفس واحدة، ثم خلق الله تعالى منها زوجها، ليبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً. وأقوى صلة، صلة الإنسان بزوجه فهي صلة تتعدد روابطها ووظائفها، إنها صلة تحقق للإنسان معنى وجوده في الحياة، ولهذا وصف الله سبحانه عقد الزواج بأنه ميثاق غليظ.

والزواج جوهر الوجود الإنساني، ولهذا يجب أن تكون نية الرجل والمرأة فيه ألا يفترقا إلا بالشروط التي وضعها الله تعالى للانفصال، وأن يكون فراقهما بالمعروف، ومع هذا فالطلاق أبغض الحلال عند الله، والزواج رحلة عمل ومشاركة ومسؤولية، وواجبات وحقوق.

والزوج يدخل إلى الحياة الزوجية قلقاً، وقلق البداية طبيعي إنه قلق التعارف، واكتشاف الآخر من الظاهر، ولكن الأيام تمضي، ومشكلات اكتشاف الجوهر، جوهر الإنسان الذي يشاركك طعامك وشرابك وأنفاسك وأفراحك وأحزانك وآمال المستقبل، قد تطول لعامين أو أكثر.. وهنا يتوجب على المرأة أن تعتصم بحبال الصبر مع زوجها، ذلك الإنسان الذي يدخل في نسيج ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

وأُسِـرُّ في أذنها فأقول: إنك حين تختلفين مع زوجك، فأنت تختلفين مع نفسك لأنه شريك حياتك، وهو كل نفسك أو ـ على الأقل ـ بعض نفسك، لذلك مهما كانت الرياح عاصفة فإن شجرة الزواج يجب أن تبقى راسخة لأنها الشجرة التي تمد الحياة بالحياة.. وهذا أعظم ما في الزواج: الاستقرار، الرسوخ، والحب بين الزوجين.

كيـف يتحقـق نجـاح الزواج؟ وكيف يواجه الزوجان مـا قـد يطرأ بينهما مـن خلاف؟ ـ إنجاح الزواج يحتاج إلى جهد متصل ومشترك بين الزوجين، فالزواج كالنبتة يحتاج إلى الرعاية والعناية والغذاء والضوء والشمس والهواء والفيتامينات، وذلك كي يزهر ويتفتح.

والخلاف بين الزوجين أمر طبيعي لأن لكل من الزوجين في حياته قبل الزواج أنماطه السلوكية التي ألفها، ومفاهيمه التي يرى الأشياء في ضوئها، وهذه أمور تجعل الخلاف أمراً غير مستغرب، وهنا يحتاج كل منهما إلى أن يبذل جهداً غير قليل، وغير موقوت في سبيل تحقيق التكيّف والتوافق في الزواج، ولا يعيب أحدهما أن يخطئ، لكن يعيبه أن يكرر الخطأ دون أن يحاول الإفادة منه أو إبداء الرغبة الصادقة في تجنبه وتلافيه. نصائح للنجاح

بماذا تنصحين الزوجة إذا نشب خلاف؟

ـ أن تحرص على حياتها الزوجية أكثر من حرصها على إثبات وجهة نظرها، ولا يعيبها أبداً أن تتنازل عن شيء من كبريائها في أثناء النزاع في سبيل الوصول إلى التفاهم، بل ربما زادها هذا التنازل منزلة عند زوجها بعد أن تهدأ الأمور بينهما، وإصغاء المرأة لزوجها مهم جداً في ارتباطه بها، والإصغاء- على أهميته- غير كافٍ، فلابد من أن يتضمن اهتماماً منها، ومشاركة في الحوار، وإبداءً لوجهة النظر، مع التأييد والتشجيع، وحذار أن يكتشف الزوج أنه إصغاء متصنع، لأنه إذا اكتشف ذلك فسوف ينصرف عن زوجته وجدانياً، وحذار أيضاً أن تحجم عن إعطائه النصيحة والمشورة إذا طلبها، أو تتعلل بالأولاد أو بشغل البيت أو بالتعب، وتنصرف عن سماعه، هنا قد يميل الزوج إلى الزواج من أخرى لا تتميز عن الزوجة بشيء إلا أنها أذن حاضنة لكل ما يقوله الزوج، وساعتها لا يحق للزوجة أن تلوم إلا نفسها.

فيا أيتها الزوجة ويا أيها الزوج: اهتما بما نسميه التفاهات الصغيرة، فمن مجموعها توجد الفجوات الكبيرة والتراكمات التي تؤدي إلى الابتعاد والغربة بين الزوجين، ومن هذه التفاهات نسيان بعض المناسبات الاجتماعية، أو نسيان أشياء صغيرة يحبها الطرفان كالزهور والكتب وبعض المحببات والمفضلات، وكذلك نسيان البسمة، والاهتمام الخاص.. إلخ.

والحياة الزوجية من سماتها الملل، والملل يدفع بعض الرجال إلى الهروب، لذا يتوجب أن تقوم الزوجة بحجز رحلة في عطلة نهاية الأسبوع ـ مثلاً ـ مقرونة بعشاء لطيف، لأن مشاغل الزوج قد تنسيه، أو لأن رغبته في الاستقرار الاقتصادي لأسرته قد تدفعه للحرص، ولا نقول البخل.

وعلى الزوجة أن تترك مسافة كافية لزوجها كي ينفرد بنفسه، ولا تضيِّق عليه الخناق بأسئلتها إذا أحست أنه في حالة استبطان نفسي، فتجعل نفسها كالمحقق المستجوب، فإن ذلك يضجره غاية الضجر، وقد يدفعه إلى البحث عن الزواج بأخرى، وإني لأحذر كلا الطرفين من العناد فهو مؤدٍ للاستفزاز والتحدي، وهما أخطر السلوكيات على الحياة الزوجية واستقرارها.

البعض يجعل من الانطباعات الأولى عن الطرف الآخر في الحياة الزوجية الانطباعات الأخيرة.. فهل يصح ذلك؟

– لا أستطيع أن أنكر أن الانطباعات الأولى تتحد فيها السمات الشخصية إلى حد كبير، أكثر من الاندماج في العلاقات الاجتماعية أو المعايشة، فهي تستند إلى سمات الفرد نفسه أكثر من اعتمادها على المعايشة لفترة طويلة، وهذه تختلف من شخص لآخر، إذ يفترض البعض ـ للوهلة الأولى ـ أن الشخص سيئ ثم يكشف الواقع له عكس ذلك، وهذا يختلف بالنسبة للإنسان الذي يتسم بالتفاؤل والأمل في الحياة، فدائماً انطباعاته الأولى إيجابية كما يعتقد أن المستقبل أفضل مما هو عليه الآن، ولاشك أن هذه الانطباعات تؤثر على العمل، والزواج، والصداقة.. فلو نظرنا للحياة الزوجية نجد أن الانطباعات الأولى أو التوقعات الأولى التي قد تحدث –قدراً- للطرفين قد تؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية، خصوصاً إذا كانت وردية ثم يحدث الاصطدام بالواقع، وهنا يفقد الطرفان القدرة على استيعاب متاعب الحياة كافة.

وحل هذه المشكلة يتمثل في أن يكون لدى الإنسان نوع من اتساع الفكر بحيث يدرك أن الانطباعات الأولى ليست واقعية، بل هي مجرد أمور حسيّة ليست مرتبطة بما يحتويه الواقع من تناقضات أو مشكلات، ولا شك أن العمل بالانطباعات الأولى يؤثر على المجتمع، كما تؤكد الدكتورة عايدة فؤاد، إذ لا نتمكن بسببها من تحليل الواقع لأنها عبارة عن نظرة سطحية، بينما يفترض أن يكون لدى الإنسان نظرة شاملة للواقع، وقدرة على تحليل الأحداث، وبالتالي يلغي الانطباعات الأولى بداخله.

Exit mobile version