صعوبات التعلم عند الطفل

يتعرض بعض الأطفال لصعوبات كثيرة أثناء مرحلة التعليم، في الحوار التالي الذي نشرته مجلة “المجتمع” في العدد (1568) التي حاورت فيه إيمان الشوبكي، د. آيات مصطفى، أستاذة الإرشاد النفسي، للفئات الخاصة بكلية إعداد المعلمات بالمدينة المنورة، تبين لنا د. آيات آلية التعامل مع هذه الصعوبات، و”المجتمع” تعيد نشر هذا الحوار؛ وذلك لأهميته.  

ابني ذكي جداً.. ولكن لا أدري لماذا لا يحب المدرسة ويمل كثيراً من المذاكرة؟ ابني يذاكر ولكنه بعد وقت قصير جداً ينسى كل شيء وكأن شيئاً لم يكن من قبل؟ ابني لا يركز ولا ينتبه فيما يشرح له أو يقال له؟ هذه التساؤلات اكتظت بها بيوتنا.

تحدث الأم نفسها وتشتد حيرة الأهل في تحديد علة الطفل موطن الخلل: هل هو تقصير الأهل؟ أم المدرسة؟ أم الطفل نفسه؟ وتشير أصابع الاتهام إلى التخلف تارة.. والغباء تارة أخرى.. أو قلة الانتباه والإهمال إلا أن الحقيقة أن هذه قد تكون أعراض ذوي صعوبات التعلم والحاجات الخاصة، إن عدم دراية الوالدين أو جهلهما بطبيعة هذه المشكلة وأعراضها وكيفية التعامل مع أصحابها قد يفاقمها ويتسبب في أزمات نفسية واجتماعية للآباء والأبناء معاً، ولكثرة وجود مثل هذه الحالات في منازلنا ومدارسنا دون أن نشعر أردنا إلقاء الضوء عليها مع د. آيات عبدالمجيد مصطفى، أستاذة الإرشاد النفسي للفئات الخاصة بكلية إعداد المعلمات بالمدينة المنورة:

كيف نحدد مشكلات صعوبات التعلم؟

– صعوبات التعلم على نوعين:

الأول يتمثل في صعوبات النواحي المعرفية الخاصة بواحدة أو أكثر من عمليات الانتباه، أو الإدراك أو الذاكرة، أو التفكير أو اللغة الشفوية وينتج عن هذه الصعوبات النوع الثاني وهو صعوبات التعلم الأكاديمية أو المحددة التي تتعلق بتعلم مادة أو أكثر من المواد الدراسية وأخصها القراءة أو الكتابة أو الرياضيات أو هي جميعاً ولكن يمكننا القول إن مصطلح صعوبات التعلم يطلق على مجموعة من الأطفال عاديين في نسب ذكائهم إلا أن لديهم معوقات مرتبطة بالنواحي المعرفية تجعلهم أقل من أقرانهم في التحصيل الدراسي. وصعوبات التعلم تدخل ضمن الفئات الخاصة (ذوي الحاجات الخاصة) بل هي تشكل أكثر من نصف مجموع ذوي الحاجات الخاصة وهي على مستويات (صعوبات طفيفة ـ صعوبات متوسطة ـ صعوبات حادة).

كيف تحدد الأم هذه المشكلة عند أبنائها؟ وما أعراضها؟

– تحددها الأم عندما تلاحظ على طفلها أنه: يعاني عدم توازن تطوري في قدراته التحصيلية يتجلى في صيغة فروق في مستوى تحصيله للمواد الدراسية المختلفة، وكذلك يعاني شكلاً من التباين بين قدراته العقلية ومستوى تحصيله الأكاديمي الفعلي العام وأيضاً يعاني صعوبة في التعلم بشكل أكثر مما يعانيه أكثرية الأطفال ممن هم في مثل عمره. كما أن لكل حالة من حالات صعوبات التعلم أعراضها التي تخصها ومن الصعب حصرها ولكن على سبيل المثال: أداء حركات معينة، طريقته في اللعب، تحركه بلا هدف، همجي، لا نفهم ما يقصه علينا من قصص، مخارج ألفاظه، يحرك يديه أو قدميه بعصبية، لا يستطيع إعادة قصة قصت عليه، لا يسمع جيداً.

ما أسباب ذلك؟

– الصعوبات التعليمية قديمة قدم محاولات الإنسان لتعلم القراءة والكتابة والعد، فهي موجودة في كل العصور وعبر جميع الأعمار؟ تستوي في ذلك الطبقات الاجتماعية والسلالات البشرية إلا أن هذا المصطلح (صعوبات التعلم) لم يظهر إلا منذ فترة قريبة فليس هناك ثمة اتفاق على أسباب محددة لهذه المشكلة ولا على أساليب تشخيصها.

وهل كل من تظهر عليه إحدى هذه الأعراض يكون من ذوي الصعوبات؟

– بالطبع يجب على الوالدين ألا يتسرعا في الحكم على طفلهما، فلكي تكون هذه الأعراض أعراضاً لاضطراب حقيقي لابد أن يتوافر فيها أربعة محكات:

1- الظهور المبكر للعرض حيث تظهر بعض الأعراض قبل السابعة من العمر على الرغم من أن نقص الانتباه لا يصبح مشكلة ظاهرة إلا عند الحاجة إلى تركيز الانتباه في نشاطات عقلية.

2- وأن تكون الأعراض أكثر شدة وتكراراً مما يظهر عادة على الأطفال من نفس العمر بحيث ينتج عنها إضرار بالوظائف الأخرى فتظهر هذه الأعراض في البيت والمدرسة.

3- مدة ظهور العرض لابد من استمرارها ستة أشهر على الأقل.

4- ألا ينسب العرض إلى اضطرابات عقلية أو انفعالية أو جسمية.

ما دور أفراد الأسرة تجاه هذا الطفل؟

– عليهم أن يتقبلوا هذا الطفل داخل كيان الأسرة وعدم السخرية والاستهزاء به خاصة من إخوانه، وعلى الأب والأم ألا يشعراه بأنه عبء ثقيل عليهما، والأم هي التي ستتحمل القسط الأكبر في ذلك.

وما دور المدرسة؟

– التواصل المستمر بين المدرسة والمنزل أمر شديد الأهمية خاصة إن كانت مدارس أطفال عاديين، لأن ذلك يحتاج من الأم أن تشرح حالة طفلها للمعلمة، وللمدرسة ليراعوا حالته، ولكن إلحاقهم بمدارس خاصة بهم وبحالاتهم يكون أفضل إن وجدت.

هل هناك تدخل طبي أو علاج دوائي لهذه الحالات؟

– لا نستطيع الجزم أو تعميم العلاج على كل من لديه صعوبة ولكن يتم التشخيص على حسب كل حالة من قبل المختص.

“الوقاية خير من العلاج”.. هل تتحقق هذه المقولة في حالتنا هنا؟

– لا شك أن اهتمام الأم بطفلها في مراحله الأولى أمر بالغ الأهمية إذ إنه يمكنها اكتشاف أي عرض غير طبيعي والمبادرة بعلاجه وعرضه على المختصين. فملاحظة الأم الدقيقة هنا لأطفالها هي الوقاية التي تتمثل في سرعة التشخيص وبدء معالجة الحالة حسب ما تقتضيه.

هل من إرشادات للوالدين؟

– الإرشادات هنا مهمة جداً للآباء لأن قسطاً كبيراً من العلاج يقع على عاتقهم، إذ إن الطبيب يوجههم إلى حالة الطفل وطريقة الحل والتطبيق:

1- فتعلما كل ما تستطيعان حول صعوبات التعلم واعرفا صعوبة طفلكما وتعرفا على والدي ذوي صعوبات تعليمية آخرين.

2- ضعا قائمة بقدرات طفلكما واعملا على تنميتها وتشجيعها وكونا منتبهين لأي موهبة عند الطفل أو ميول يمكن أن تمنحه فرصة جيدة للنجاح.

3- تذكرا أنكما تتعاملان مع الطفل ككل ولا تتعاملا مع الصعوبة فقط، فتقبلا الطفل كما هو وامنحاه الحب فهو بحاجة لأن يتعلم أنكما تحترمانه وأنه مهم في الأسرة وعضو مسؤول فيها.

4- أخبراً طفلكما عن مشكلته، وأخبرا المدرس الجديد كل عام بها.

5-  كونا مباشرين وإيجابيين في الحديث مع طفلكما وتجنبا النقد ولا تركزا على الفشل.

6- كونا صادقين مع طفلكما ولا تبالغا في مدحه مثل: لا يوجد خطأ، لا أحد يعرف أفضل منك.

7- اتخذا المنحى الإيجابي كأن تقولا: من الأفضل الحصول على المساعدة، يمكنك أن تتعلم، قد يبدو التعلم بطيئاً في البداية فسأكون معك.

8- أصغيا إلى طفلكما حقاً وأشعراه بذلك وكونا قريبين منه كلما احتاج إلى مساعدة، واسترخيا معه لبعض الوقت وتمتعا بتوفير وتخصيص وقت للتنزه معه خارج البيت، ومساعدته في تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية مع الآخرين.

9- كـونا موضوعيين وصبورين قـدر الإمكـان وتحدثا مع الطفل بصوت هادئ وحازم.

وهناك إرشادات عملية:

1- تنظيم الوقت وبسط روتين الأسرة والالتزام به وعدم الخروج عليه إلا بعد إعداد الطفل لذلك.

2- إبعاد ما يصرف الانتباه عنه وتأمين الهدوء في مكان مذاكرته.

3- تقديم مساعدة قصيرة ولكن متكررة في الواجب المدرسي والحرص على أن ينهيه بنفسه بمساعدة بسيطة ومراقبته من بعيد للتدخل في الوقت المناسب لأن طلبة ذوي الصعوبات المدموجين في الصفوف العادية يجدون صعوبة في الواجبات المدرسية ومللاً وغالباً ما لا ينهونه وإذا أنهوه فبصورة رديئة.

4- اللعب مع الطفل ألعاباً مختلفة وبسيطة، ومنها تدريبه على القراءة وحبها وذلك بشراء الكتب والقصص المثيرة والفكاهية، وتسجيل النصوص على شرائط كاسيت ليتدرب على حفظها وذلك في الأعمار الأكبر قليلاً.

5- أن يساعد الطفل في الأعمال المنزلية أو المشاركة في كتابة قوائم بالمشتريات والذهاب إلى السوق.

6- تعليمه كيفيه الرد على الهاتف واستقبال الضيوف والجلوس معهم.

7- أن يخبر بالأشياء التي سرته هذا اليوم مع تعليمه التوقيت والتعامل بالنقود عن طريق دمجه في عمليات الشراء وتشجيعه على توفيرها.

8- تحديد أوقات العمل مع الطفل والبدء بفترات قصيرة ثم زيادتها تدريجياً. والقاعدة الجيدة هي التوقف عن العمل عندما يكون الطفل في قمة النجاح فلا تطل لكي تدفعه إلى حافة الفشل.

9- تكليفه بمهمة وإذا شعرت أنها صعبة عليه انتقل إلى الأسهل ثم عد إلى الأولى بعد تغيير منطوقها حتى يستطيع أن ينجح فيها وتابعه برفق حتى يتمها.

10- كن واعياً لقدرات طفلك، قوة وضعفاً ولا تلق عليه بالمهمات الشاقة التي لا يملك الاستعداد للتعامل معها فقد يدفعه ذلك للتوقف عن العمل أو الانسحاب إلى عالم أحلام اليقظة، يقابل ذلك ألا تستمر في طرح المهام السهلة جداً عليه فلابد من طرح بعض التحدي للحفاظ على انتباه الطفل.

11- وآخر نصيحة للأب والأم: الحالة النفسية للوالدين مهمة جداً في معالجة الطفل ومساعدته، فلابد أن يخففا عن أنفسهما فهما لم يخلقا هذه الصعوبات بأنفسهما ولا يمكنهما معالجة الشيء فوراً ودفعة واحدة فلابد من الصبر، والصبر الطويل وإذا شعرا أنهما سيستسلمان وأن صبرهما قد نفد عليهما الاستعانة بالله والدعاء ثم التحدث إلى طبيب الطفل أو المختص النفسي أو آباء من لديهم أطفال ذوو صعوبات مشابهة.

Exit mobile version