“أسد فلسطين”.. 17 عاماً على استشهاد د. عبدالعزيز الرنتيسي

الموكب طويل جداً، وقافلة الشهداء ينضم إليها علم جديد كل يوم، آلاف من الشهداء من كل الأعمار، يرفعون الرايات المعطرة بدمائهم الزكية الطاهرة، ويرسمون الطريق إلى تحرير فلسطين، واليوم تمر ذكرى استشهاد د. عبدالعزيز الرنتيسي، الملقب بـ”أسد فلسطين”، حيث يصادف اليوم الـ17 أبريل الذكرى السابعة عشر لاستشهاده مع اثنين من مرافقيه عام 2004 بعد أن قصفت طائرات الاحتلال سيارته في قطاع غزة.

ويُحيي الفلسطينيون اليوم كذلك 17 أبريل يوم التضامن مع الأسرى الأحرار في سجون الاحتلال.

وفي ذكرى استشهاد القائد المؤسس د. عبدالعزيز الرنتيسي، نستعرض لمحات من حياته.

نشأة القائد

وُلِد القائد الكبير د. عبدالعزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي –رحمه الله- في 23/ 10/ 1947 في قرية يبنا (بين عسقلان ويافا) لجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خانيونس للاجئين وكان عمره وقتها 6 شهور، التحق بمدارس وكالة الغوث واضطر للعمل أيضاً وهو في هذا العمر ليساهم في إعالة أسرته الكبيرة التي كانت تمرّ بظروف صعبة، أنهى دراسته الثانوية عام 1965، وتخرّج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمِل طبيباً مقيماً في مستشفى ناصر (المركز الطبي الرئيسي في خانيونس) عام 1976 .

ملخص السيرة

متزوّج وأب لستة أطفال (ابنين و4 بنات)، شغل د. الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام منها عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة (نقابة الأطباء)، والهلال الأحمر الفلسطيني، كما عمِل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضراً يدرّس مساقاتٍ في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات، اعتقل عام 1983 بسبب رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، وفي 5/ 1/ 1988 اعتُقِل مرة أخرى لمدة 21 يوماً، هو والسبعة الأوائل في الحركة، أسّس تنظيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع عام 1987، اعتقل مرة ثالثة في 4/ 2/ 1988 حيث ظلّ محتجزاً في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف عام على خلفية المشاركة في أنشطة معادية للاحتلال الصهيوني، وأطلق سراحه في 4/ 9/ 1990، واعتُقِل مرة أخرى في 14/ 12/ 1990 وظلّ رهن الاعتقال الإداري لمدة عام.

التجربة السياسية

التحق د. عبدالعزيز الرنتيسي بصفوف جماعة الإخوان المسلمين على يد المفكر إبراهيم المقادمة أثناء دراسته للماجستير في مصر، ثم بايع جماعة الإخوان المسلمين عام 1976م، ثم ترأس جماعة الإخوان المسلمين في محافظة خانيونس، كان له شرف مشاركة الشيخ أحمد ياسين في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ديسمبر 1987.

وانخرط في المقاومة ضد الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الأمر الذي كلفه سنين من حياته في سجون الظلم “الإسرائيلية”.

العطاء الفكري

برغم اختصاصه في طب الأطفال، وانشغاله بالسياسة، فإن د. الرنتيسي قد أبدع في الكتابات السياسية والأدبية.

فقد كانت تفرد له العديد من الصحف العربية زوايا لكتاباته السياسية ومن بينها جريدة “الأمان”، وجريدة “السبيل” الأردنية، وجريدة “البيان” الإماراتية، و”الوطن” القطرية، إضافة لكتاباته في موقعه الإلكتروني، وسواها من المنابر الإعلامية.

حفظ القرآن الكريم في سجنه وكتب عديداً من القصائد والأشعار الحماسية كان أبرزها ديوان “حديث النفس” التي تجشع على الصبر والتحمل في طريق مقاومة الاحتلال.

ضريبة المقاومة

دفع د. الرنتيسي ضريبة مقومة الاحتلال الصهيوني حيث أُبعِد في 17/ 12/ 1992 مع 416 شخصاً من نشطاء وكوادر حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطقٍ رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة بمنطقة مرج الزهور لإرغام الكيان الصهيوني على إعادتهم، اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني فور عودته من مرج الزهور وأصدرت محكمة صهيونية عسكرية حكماً عليه بالسجن حيث ظلّ محتجزاً حتى أواسط عام 1997، كان أول من اعتُقل من قادة الحركة بعد إشعال حركته الانتفاضة الفلسطينية الأولى في التاسع من ديسمبر 1987، ففي 15/ 1/ 1988 جرى اعتقاله لمدة 21 يوماً بعد عراكٍ بالأيدي بينه وبين جنود الاحتلال الذين أرادوا اقتحام غرفة نومه فاشتبك معهم لصدّهم عن الغرفة، فاعتقلوه دون أن يتمكّنوا من دخول الغرفة.

النهوض من جديد

خرج د. الرنتيسي من المعتقل ليباشر دوره في قيادة “حماس” التي كانت قد تلقّت ضربة مؤلمة من السلطة الفلسطينية عام 1996، وأخذ يدافع بقوة عن ثوابت الشعب الفلسطيني وعن مواقف الحركة الخالدة، ويشجّع على النهوض من جديد، ولم يرقْ ذلك للسلطة التي قامت باعتقاله بعد أقلّ من عامٍ من خروجه من سجون الاحتلال وذلك بتاريخ 10/ 4/ 1998 وذلك بضغطٍ من الاحتلال كما أقرّ له بذلك بعض المسؤولين الأمنيين في السلطة وأفرج عنه بعد 15 شهراً بسبب وفاة والدته وهو في المعتقلات الفلسطينية، ثم أعيد للاعتقال بعدها ثلاث مرات ليُفرَج عنه بعد أن خاض إضراباً عن الطعام وبعد أن قُصِف المعتقل من قبل طائرات العدو الصهيوني وهو في غرفة مغلقة في السجن المركزي في الوقت الذي تم فيه إخلاء السجن من الضباط وعناصر الأمن خشية على حياتهم، لينهي بذلك ما مجموعه 27 شهراً في سجون السلطة الفلسطينية.

محاولة الاغتيال الأولى

في العاشر من يونيو 2003 نجا من محاولة اغتيالٍ نفّذتها قوات الاحتلال الصهيوني، وذلك في هجومٍ شنته طائرات مروحية صهيونية على سيارته، حيث استشهد أحد مرافقيه وعددٌ من المارة بينهم طفلة، في الرابع والعشرين من مارس 2004، وبعد يومين على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، اختير د. الرنتيسي زعيماً لحركة “حماس” في قطاع غزة، خلفاً للزعيم الروحي للحركة الشهيد الشيخ أحمد ياسين.

إلى أقصى ما تمنّاه

“الموت آتٍ سواءً بالسكتة القلبية أو بالأباتشي وأنا أفضل الأباتشي”، تمنى وهكذا فضل فاستجاب الله عز وجل، وهكذا اغتيل واستشهد، كما فضّل، وإلى أقصى ما تمنّاه، فلطالما ردد الشهيد القائد الدكتور أنه يفضل الشهادة بطائرات “الأباتشي” الصهيونية، بدلاً عن الموت بمرض، فكان له ما أراد، 17/ 4/ 2004م، طائرات حربية صهيونية من النوع التي أرادها القائد الرنتيسي، تستهدفه وعدداً من مرافقيه ليخرج قطاع غزة عن بكرة أبيه يودع القائد المجاهد المؤسس في زفاف مهيب يليق به وبجهاده. فسلام الله عليه في الخالدين.

من أقواله الخالدة

هذه بعض الأقوال مما كتب الشهيد من خلال كتاباته وحواراته؛ لعلها تكون نبراسًا لأجيال طريق الشهادة والجهاد:

– أنا على ثقة بأننا سنعود إلى بلادنا ولكن لا أدري إن كنت سأكحل عيني برؤيتها وقد علا مآذنها هتاف الله أكبر، أم أنها ستنهض عزيزة وقد احتوى الثرى جسدي.

– لا نتطلع إلى الكراسي، ولا نتنافس على مناصب؛ فنحن أولاً وأخيرًا طلاب شهادة.

– فاقض الحياة كما تحب فلا ولن أرضى حياةً لا تظللها الحراب.

– لو رحل عبدالعزيز الرنتيسي، والزهار، وهنية، ونزار، وصيام، والجميع فوالله لن نزداد إلا لحمةً وحبًّا؛ فنحن الذين تعانقت أيادينا في هذه الحياة الدنيا على الزناد، وغدًا ستتعانق أرواحنا في رحاب الله إن شاء الله.

– أذكِّر بكلمة الشيخ أحمد ياسين: “ضربونا فارتفعنا، وضربناهم فارتفعنا”، “بمواجهتهم وجهادنا ضدهم نرتفع”، “هم كم سيقتلون منا؟”.

 

 

 

________________________

مصادر ذات صلة:

1- سيرة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي،  

2- لمحة عن حياة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي،  

3- الرحلات الفلسطينية، عبد العزيز الرنتيسي،

4- الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي : المقاومة ضد إسرائيل هي الخيار الوحيد لحصولنا على حقوقنا،

5- اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي،

6- الرنتيسي في ذكرى استشهاده، طريق الجهاد والاستشهاد،

Exit mobile version