في ذكرى استشهاد الشيخ أحمد ياسين

 

في مثل هذا اليوم 22/ 3/ 2004 امتدت يد الغدر والخيانة يد الكيان الصهيوني إلى الشهيد الشيخ أحمد ياسين فاغتالته وهو عائد من أداء صلاة الفجر في مسجد المجمع القريب من منزله في حي صبرا في غزة بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الصهيوني شارون، حيث قامت مروحيات الأباتشي الصهيونية التابعة للجيش الصهيوني بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرك من قبل مساعديه، فسقط الشيخ شهيداً وجرح اثنان من أبنائه واستشهد معه سبعة من مرافقيه، وبهذه المناسبة تعيد مجلة “المجتمع” حواراً أجرته معه في تاريخ 19/ 5/ 1998 وتم نشره في العدد (1300).

سنوات عديدة ونحن نكتب من بُعد عن بطولاته وجهاده وصبره الفريد.. واليوم جلسنا إليه لنحاوره.. مشاعر فياضة تملك النفس.. وخواطر متزاحمة تجول بالخاطر وتسيطر عليك وأنت تشاهد شيخ الانتفاضة وأمير مجاهديها أحمد ياسين وجهاً لوجـه.. جسد نحيل مشلول.. لباس بسيط.. صوت هادئ.. لكنه ما إن يسترسل في الكلام عن قضيته إلا ويهزك هزاً من الأعماق.. وما إن تنظر إلى وجهه وعينيه إلا وتكتشف بسهولة كل علامات الإصرار والثقة والإيمان بنصر الله، وهو يردد: إن من عرف الله رباً، والإسلام ديناً، لا يعرف اليأس. جوانب عديدة تشدك للحوار مع الرجل، ولذلك تواصل حديثنا معه إلى قرابة الساعتين وهو لا يتوقف عن شرح قضيته وتأكيده لحتمية الجهاد لتخليص فلسطين، وتأكيده كذلك على وعي حماس التام للفخ المنصوب لها للاقتتال مع السلطة. لكن الجانب الأكثر جاذبية في الحوار كان حديث الشيخ عن تجربته داخل سجون الصهاينة ومشاعره بين جدران الزنازين الضيقة، ومناظراته مع قادة اليهود، واحتكاكاته مع السجان اليهودي، وقصة التزامه الإسلامي منذ شبابه، وأساتذته، والكتب التي تربى عليها، وانطلاقته بالعمل الإسلامي.. حتى تأسيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

ما تقييمكم لنتائج جولتكم حتى الآن؟

ـ الحقيقة.. أنا سعيد جداً بهذه الجولة… فقد وجدت من خلالها روحاً عربية وإسلامية لم أكن أتصورها… كنت أحسب أن الأمة كلها قد ركعت واستسلمت ـ كما يقولون ـ لكنني وجدت وسعدت بوجود شموخ عربي لازال موجوداً…. فرغم ما أحاط بالأمة من ضباب، ترى هناك عمقاً إيمانياً واستعداداً للتضحية والبذل والوقوف إلى جانبنا… وهذا الأمر قد أسعدني وأثلج صدري، وأعطاني دفعة أكبر وأقوى لما أملك من المعنويات العالية والصبر والثبات في المواجهة والاستمرار، وأستطيع أن أقول إن الجولة كانت جيدة ومثمرة وناجحة والحمد لله رب العالمين.

 هل هناك محاولات من الدول التي زرتها للتقريب بينكم وبين السلطة؟

ـ لم يطرح علينا أي من الدول التي زرتها هذه الفكرة، ولكننا تحدثنا مع كل من رأيناهم في وضعنا وقضيتنا، وبعض الدول حاول أن ينظم لقاء أو حواراً لكن الطرف الآخر لم يكن مستعداً، ومن جانبنا فإن أيدينا مفتوحة للحوار في أي زمان وأي مكان.

لكن السلطة تُكرهكم على مواجهتها من خلال الكثير من الإجراءات؟

ـ هي تُجبر… لأن أمريكا وإسرائيل يضغطون عليهم بكل الإمكانات، يمنونهم بالعسل إذا قضوا على حماس، يمنونهم بزيادة التعاون والسلام… لكن كل تلك أماني في الهواء، ودأب إسرائيل والصهاينة الانتصار على أمتنا بتفريق صفوفها، لأنهم يفتحون النار فيما بيننا فنتخلص من بعضنا البعض، وهم يتفرجون منتشين بالنصر علينا، لكننا نعرف الطريق جيداً، ولا يمكن أن نسمح لعملاء إسرائيل باقتناص تلك الفرصة لتشويه صورة الإسلام والعمل الإسلامي والجهاد الإسلامي حتى يقولوا للناس… انظروا للإسلاميين… كما يحدث في الجزائر اليوم من تشويه للإسلام والمسلمين… وفي الحقيقة فإن ما يجري هناك من مذابح للأطفال لا يمت للإسلام بصلة، لكنهم يريدون التشويه حتى يكفر الناس بالإسلام، ويكفروا بالخيار الإسلامي، ويبقى الكفر والعلمانية هي التي تسيطر على الشعوب، ونحن إن شاء الله مهما اعتدي علينا ومهما أوذينا ومهما تعذبنا وتعذب أبناؤنا لن نطلق النار في صدر شعبنا وأبناء شعبنا، سيبقى سلاحنا موجهاً للاحتلال إن شاء الله تعالى… وهذا عهدنا مع الله سبحانه وتعالى، والباقي عليه سبحانه، فنحن لا ندري ماذا يجري في المستقبل، لكن لن نعطي إسرائيل وأمريكا الفرصة لتمزيق صفوف وحدة شعبنا، ولن نسمح لهم بأن يحولوا شعبنا إلى مجزرة، ولن نسمح لهم بأن يمزقوا قواتنا هباء.

هـل السلطة مستعدة للتنازل عن مشروعها الحالي بعد أن احترق الكثير من أوراقها؟

ـ والله هذه قضية تخصهم، ولذا فالسؤال أولى أن يُطرح على السلطة… لكن في رأيي أن السلطة في وضع حرج وسِّيئ، فلا هي قادرة على التقدم إلى الأمام، ولا هي قادرة على التراجع إلى الخلف… وهذان أمران كلاهما مر، وأنا وجهت أكثر من نداء للأخ ياسر عرفات قلت فيه: تعال نجلس ونتحاور ونضع خطوطاً أساسية لمستقبل شعبنا وقضيتنا من خندق المقاومة والجهاد، وليس من خندق المفاوضات وفتات الموائد، وآمل أن يتفهموا الأمور جيداً.

لكن حدث أكثر من حوار سابق في القاهرة ونابلس وما أتى بجديد؟

ـ وفي غزة أيضاً، كانت هناك حوارات، لكن لم تكن حوارات جادة… كانت عبارة عن ردة فعل… كلما ابتعدت أمريكا عن المساندة للسلطة… دعتنا للحوار كوسيلة ضغط على أمريكا تنذر بتحرك السلطة لتجميع الشعب الفلسطيني، فإذا ما انتهت ورقة أمريكا، انتهى الحوار.. لكننا نريد حواراً جاداً ينقذ الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني من براثن الصهيونية، إن لنا داخل سجون السلطة 300 مقاتل كل ذنبهم أنهم يقاومون الاحتلال، وفي السجون الإسرائيلية ما بين 3 ـ 4 آلاف مقاتل من القدامى… أين مصيرهم، وإلى متى يبقى الواحد منهم في السجن ثلاثة عشر وخمسة عشر عاماً؟!

إن طريق السلام أثبت أنه طريق مسدود، لأن ما وقَّع عليه الصهاينة بالأمس ينفونه اليوم… كان الاتفاق يقضي بوقف الاستيطان، وإعطاء مطار، وممر آمن بين الخليل وغزة، والإفراج عن المعتقلين، ووقف الاستيلاء على أراض جديدة… وكان الاتفاق يقضي بأن تظل القدس محل حديث لكنها صارت أبدية لإسرائيل كما يعلنون، كل المؤشرات تقول إن القوي يفعل ما يشاء والضعيف لا يملك أي ورقة يضغط بها للحصول على حقه.

الحوار الذي تعنونه.. بين حماس والسلطة فقط أم تدخل فيه فصائل أخرى؟

ـ تشترك فيه كل الفصائل… ولدينا أسس موضوعة ومكتوبة للحوار، ولكننا لم ننته إلى الاتفاق عليها، أو عقد جلسات جادة لإقرار بنودها. وللأسف السلطة وقعت اتفاق أوسلو، وسلمت البندقية، موائد ولم تسلم البندقية فقط، وإنما انتقلت من خندق المقاومة إلى خندق الدفاع عن إسرائيل، ثم تريد منا أن نلقي البندقية مثلها، وتريد منا الاستسلام لهذا الاتفاق، وهذا لن يحدث إطلاقاً.

أعلنتم كثيراً أنكم ستتحملون ضغوط السلطة مهما كانت لكن ماذا لو تحولت تلك الضغوط إلى تصفية شاملة لحماس… هل ستصبر حماس حتى يتم تصفيتها أم كيف سيكون الموقف؟

ـ يا أخي… أنا أحب أن أطمئنك… حماس ليست أحمد ياسين ولا عبد الله ولا خليل… ولا ألف شخص تقضي عليهم السلطة ولا ألفين ولا عشرة آلاف… حماس هي شعب موجود وتيار شعبي يتنامى ولن يستطيع أحد بإذن الله أن يقضي عليه.

إسرائيل وأمريكا تطلب من السلطة القيام بما عجزت إسرائيل عن القيام به بمخابراتها وموسادها… الحركة الإسلامية كانت تُضرب من إسرائيل وفي كل مرة كانت تخرج أقوى عوداً، وأوسع انتشاراً، واليوم السلطة وضعها ضعيف جداً أمام الناس، وتطالب في الوقت نفسه بتصفية حماس، وذلك أمر مستحيل، لأن حماس وجود شعبي وليس أفراداً يمكن القضاء عليهم، ولذلك أريد أن أقول لمن يفكر في هذه القضية: اطمئنوا فلن تصلوا إلى ما تهدفون، وحماس شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وجذورها عميقة جداً في الشعب الفلسطيني والإسلامي والعربي ولا يمكن لأحد أن يجتثها وستبقى إن شاء الله… الشوكة في جنب الوجود الصهيوني إلى أن يُباد إن شاء الله.

وأنا قلت للسلطة كلمة واضحة وصريحة جداً، هي قول الله تعالى: “لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ” المائدة 28، ليقتلوا؟ كم يستطيعون أن يقتلوا.. وإذا قتلوا واحداً.. عشرة.. مائة.. فالنتيجة أنهم الخاسرون، وإن شاء الله لن تبقى لهم قوة ولا وجود عندما يحولوا سلاحهم إلى شعبهم.. فليس هناك أحد حوَّل سلاحه إلى شعبه إلا وفشل، ونحن متأكدون من النصر والتمكين لنا ولأمتنا، لأننا نسير على الحق… وأقول كلمة قالها سيدنا سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ عندما قالوا له في فتنة علي ومعاوية يا عم وراءك مائة ألف مقاتل، فلماذا تجلس؟ قال: أعطوني سيفاً لا يقتل إلا كفاراً وأنا أدخل في المعركة.. فسكتوا.

وأنا أقول: أعطوني سلاحاً لا يقتل إلا عدواً صهيونياً ومحتلاً وأنا أدخل المعركة… فلن نقتل أهلنا وأبناءنا ولن نوجه السلاح لشعبنا حتى لو قُتلنا، نحن نلتزم الصبر كما قال تعالى: ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ” السجدة: 24… فالصبر هو طريق النجاح وطريق النصر بإذن الله تعالى.

هل حماس… يمكن أن تكون بديلاً عن السلطة… وهذا هو الذي يزعج السلطة من جولتكم ويزيد من ضغوطها؟

ـ يا أخي.. نحن قلنا للسلطة لسنا بديلاً لكم ولا نقبل أن نكون بديلاً لكم، على أي شيء نحن نريد أن نكون بديلاً.. وبديلاً «لإيش»؟! السلطة تقوم بدور سلطة ذاتية تدير الشعب الفلسطيني نيابة عن “إسرائيل”.. فعلى أي شيء أقبل أن أكون بديلاً؟ وهل أقبل أن أكون في هذا الموقع الذي وضعوا أنفسهم فيه؟! لا أقبل.. لو جاءتني السلطة على طبق من ذهب لركلتها بقدمي.. نحن لسنا طلاب سلطة.. نحن من مرحلة جهادية وليست سلطة.. نحن في مرحلة تحرير وليست سلطة.. نحن في وجه عدو لا يفرق بين أبيض ولا أسود وليست سلطة.. ليس هناك سلطة.. ومن يعتقد ذلك فهو مخطئ.. إن الرئيس لكي ينتقل من غزة إلى الخليل لابد من أن يحصل على تصريح من اليهود.. والشرطي الذي يريد الذهاب من الخليل إلى أهله في غزة لابد من أن يحصل على تصريح من اليهود.. ومن يريد أن يشرب ماءً لابد أن يحصل على تصريح من اليهود.. والذي يريد أن يضيء بيته لابد من أن يحصل على تصريح من اليهود.. والذي يريد أن يدخل كيس طحين إلى غزة لابد من أن يحصل على تصريح من اليهود.. ما هذا!!

لا توجد هناك سلطة.. السلطة هي الاحتلال ولكنها بشكل جديد وبثوب جديد.. إذا كانت “إسرائيل” تعتقل السلطة.. جنود السلطة.. وأقرب مثال على ذلك اعتقال خلية صوريف التابعة للسلطة وهي في طريقها لنابلس.. فأين كانت السلطة؟! لا توجد هناك سلطة يمكن أن نختلف عليها أو نتصارع عليها.. وقد قلت كلمة قبل ذلك وأعيدها اليوم: لا يوجد هناك بساط أحمر ولا أبيض تحت أرجل الشعب الفلسطيني.. ولكن كل الشعب الفلسطيني على التراب.. كله يتمرغ في الوحل.. ولذلك من يفكر في الصراع والصدام من أجل السلطة فهو إنسان مجنون ونحن بفضل الله مازلنا نحتفظ بعقولنا..

ما السبب في الربط بين شخصكم وشخصية نيلسون مانديلا؟

ـ هو رجل كافح من أجل شعبه وثبت، وما قبل الدنية في قضيته وقضية شعبه، بل أصرَّ على أنه هو وشعبه كيان واحد، وأن يحكم شعبه بفرد منه وبالفعل نجح في ذلك، وعلى صعيد قضيتنا فإن الاتفاق الذي وقعه إخواننا في السلطة مع العدو لا نقبله ونرفضه لأنه لا يحقق شيئاً، فلا يصلح لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، ومن هنا فقد رفضناه ونواصل مقاومتنا للاحتلال رغم الصعوبات التي نقابلها.

باعتباركم داعية إسلامياً… كيف تفسرون هذه المزالق… من أخ في صفوف الدعوة إلى…

ـ المسلم أساساً إنسان بطبيعة دينه وإيمانه يحب وطنه ومتحمس لوطنه، وهذا جعل تيارات الإخوان القديمة تنطلق للانخراط في منظمة فتح، لكن إذا لم تكن التربية العقيدية سليمة والتربية واضحة للإنسان بحيث لا يخلط بين الحق والباطل، فإن الانحراف يكون سهلاً ولذلك الشيطان يأتي للإنسان فيحرفه من باب الشر وإذا لم يستطع يأتيه من باب الخير، فلو جاءه موسوساً له  أن الإسلام لا يصلح… يرده، أما لو جاء له من باب الخير قائلاً: إن الوطن أولاً ثم الإسلام في المستقبل، ثم عندما ننتصر يصير خيراً، والقضية الإسلامية في الآخر… وهكذا ينزعه الشيطان من الإسلام والقضية الإسلامية ويضعه في خندق الكفاح أو النضال، أي خرج من دائرة الجهاد من خلال الإسلام والقضية الإسلامية، ومع مرور الأيام والمشاكل والضغوط الدولية ينحرف… لكن إذا استمر على الجهاد منطلقاً من العقيدة، والإسلام، فمبادئ الإسلام هي التي توجهه… هنا لا يمكن أن ينحرف إن شاء الله.

وهل حماس تعي هذه المسألة؟

ـ (ضاحكاً)… بكل تأكيد نحن نعي هذه الحالة، ولذلك فنحن انتظرنا كثيراً حتى دخلنا معركة الجهاد وذلك لكي نمكن لجيل من أبنائنا تربى على الإسلام ويفهم كيف يواجه… وكيف يتحدى، وكيف يثبت، لأن تربيته الإيمانية لا تسمح له بالانحراف يميناً أو يساراً، وأضرب لك مثلاً بمن أبعدتهم إسرائيل من حماس إلى مرج الزهور…. وإسرائيل أبعدت الكثير من الناس وخرج الآلاف من فلسطين مبعدين، لكن عندما جربت الإبعاد على شبابنا من حماس «400» فرد، لم ينصاعوا لإسرائيل، ولا لأمريكا، ولا غيرهم، وأقاموا مخيمهم وثبتوا في البرد والصقيع… انطلقوا من عقيدة أن الوطن لا يمكن تركه، ولو كانوا كغيرهم من الناس الذين خرجوا وذابوا في الوطن العربي لانتهت قضيتهم.

وهذا ما جعل إسرائيل تتوقف عن سياسة الإبعاد؟

ـ هذا من فضل الله… وهو التحدي الذي وجدوه من العناصر الإسلامية، فالمبعدون لم يكونوا عاديين، بينهم خطباء.. أساتذة جامعات.. أطباء… مهندسون.. شخصيات وكفاءات غير عادية، فكانوا أفهم للقضية من العدو.. واستطاعوا أن يفوتوا عليه الفرصة وعادوا إلى وطنهم.

ما تصوركم لمستقبل الصراع مع العدو؟

ـ جيلنا في 48 كان جيل النكبة. وجيلنا في 87 كان جيل التغيير والمواجهة بالحجارة والمولوتوف والقنبلة والبندقية والتفجير والاستشهاد والجيل القادم إن شاء الله هو جيل التحرير، وسيكون الربع الأول من القرن القادم إن شاء الله هو النصر والتحرير، وأستشف ذلك من كتاب الله، فعندما رفض اليهود مقاتلة ودخول فلسطين وقالوا لسيدنا موسى “قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ. قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ” هذا التحريم ليغير جيلاً، والأربعون سنة لتغيير أجيال.. مضت الأربعون الأولى (النكبة في 48)، وجاءت الثانية (87) بالجيل الذي يقاوم بالحجارة، والجيل القادم هو جيل التحرير إن شاء الله، وهذا أملي وثقتي في الله سبحانه وتعالى وما ذلك على الله بعزيز.

هل هناك أخبار جديدة يمكن أن نعلنها في قضية اغتيال محيي الدين الشريف؟!

ـ بالنسبة لنا حتى الآن لا جديد في هذه القضية.. كل ما هنالك قضية ثابتة تؤكد أن المعتدين هم إسرائيليون والقاتل هم اليهود، كل الدلائل.. مباشرة وغير مباشرة تؤكد أن القتلة يهود، لكن للأسف كنا نأمل ألا تنزل سلطتنا لهذا المستوى وتبرئ إسرائيل (الجاني الأول) وتلقي التهم على أناس أبرياء من قادة العمل الجهادي، وهم يحاولون تغيير الأسلوب، لقد حاولت السلطة مع عادل عوض الله المسجون لديهم أن يعترف بأنه أطلق النار على محيي الدين الشريف بالخطأ، ورغم التعذيب الذي مورس عليه إلا أنه رفض ذلك.. فالسلطة تريد أن تخرج من الموقف لكنها لا تريد توجيه أصبع الاتهام لإسرائيل بأي شكل لأنها تبرز لها العصا الغليظة وتقول لها: احذري.. فإذا ظللت تحملين إسرائيل المسؤولية فهذا تحريض لحماس على القيام بعمليات.. وتصبحين أنت (السلطة) المسؤولة عن ذلك وتنتهي عملية السلام التي تعلقين عليها الآمال».. ولذلك فإن السلطة تحاول سحب أي كلام يمس إسرائيل على حساب قيمنا وشرفنا ومقاتلينا وإن شاء الله آجلاً أو عاجلاً ستكشف كل الحقائق وكل الملابسات ولكنني أقول إنه نظراً لأن مقاتلينا ليسوا في وضع طبيعي.. يعيشون في أماكن سرية.. فالاتصال بهم يكون صعباً.. الحركة والوصول لهم لا تكون سهلة.. تجميع المعلومات من هنا وهناك تحتاج إلى وقت لكن إن شاء الله سيتم ذلك مهما طال الزمن وستتضح الصورة لكل العالم ويعرف أين هو مكمن الفساد والظلم.

نلاحظ أن حماس تعمد إلى إبراز بعض الرموز كعماد عقل ويحيى عياش ومحيي الدين الشريف وكان معروفا أن محيي الدين الشريف هو المطارد الأول قبل أن يُقتل، وعملية مقتله في حد ذاتها تترك أثراً سلبياً في نفوس المسلمين.. وبخاصة أن رموز الجهاد الكبيرة تتساقط واحداً تلو الآخر.. أليس ذلك مدعاة لأن تغير حماس سياستها في إبراز رموز كهذه حتى لا يترك مقتلها آثاراً سلبية؟

ـ بالعكس.. أنا أقول بعكس ما تتحدث.. نحن لانبرز رموزاً من المقاتلين، فالمقاتلون يعملون تحت الأرض، لكن الذي يبرزهم هو عملهم، يقومون بعمليات جهادية استشهادية وتفجير وقتل لليهود، فيمسك ببعض الأفراد من الكتائب وتحت الظروف القاسية قد يعترف الأخ بأنه قد كلف بالعملية من فلان، فيعلن الإسرائيليون أن فلاناً هذا هو الذي وراء العملية.. فإسرائيل هي التي تعلن أما نحن فلا نعلن.. هذه واحدة، أما الثانية فإن استشهاد القادة في ميدان الجهاد يبعث الروح في الأمة ولا يسبب بأساً ويؤكد أن الطريق محفوفة بالمخاطر وأن الشهادة هي الطريق إلى النصر وأن هناك رجالاً مستعدين للاستشهاد واحداً بعد الآخر مهما طال الطريق ولذلك فهذا يبعث الأمل في الأمة ويزيدها قوة وثقة في أن النصر قادم مادام هناك قافلة من الشهداء.

في معارك الإسلام الأولى قتل صحابة مثل حمزة ومصعب وغيرهم الكثير فهل ثنى ذلك الأمة عن الجهاد.. بالعكس زادها تصميماً وإصراراً على الجهاد.. وعندما قتلوا يحيى عياش هللوا بأنهم تخلصوا من «المهندس» وارتاحوا لكنهم فوجئوا بظهور أكثر من مهندس، ولم تكن المسألة بالشكل الذي تتصوره إسرائيل بأنه إذا قتل قائد تسقط المقاومة لكن الحقيقة أنه كلما سقط شهيد نبت مكانه ألف مقاتل وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى علينا وعلى الناس جميعاً وأنا سعيد جداً بأن لدينا مقاتلين وشهداء وسعيد جداً بأن أمتنا تملك من العطاء والوقوف وراء هؤلاء الناس حتى تستمر المسيرة ولا تتوقف إلى يوم النصر بإذن الله أو الشهادة.

لكن ما نراه الآن هو عمليات تصفية للمجاهدين بينما العمليات الاستشهادية متوقفة، والجديد أن السلطة صارت طرفاً في تصفية المجاهدين أو على الأقل التستر على جريمة قتلهم فهل ذلك يغير من استراتيجية حماس؟

ـ بالعكس.. هذا يؤكد على خطنا الجهادي.

أقصد استراتيجية الجهاد؟

ـ ليس لدينا أي تفكير في توقيف الجهاد لكن الذي يحكم المعركة هو طبيعتها.. الزمن والمكان والطرف الآخر.. هناك تنسيق بين السلطة واليهود.. والجانبان يطاردان المجاهدين ومستعدان لقتلك وسجنك، ولذلك أصبحت أرض المعركة ملغومة حول المجاهدين.. وهناك اكتشاف لخلايا قبل أن تعمل، وهناك اكتشاف لمصانع المتفجرات قبل تشغيلها، وهناك اكتشاف للأسلحة وهي جاهزة للعمل وقبل توصيلها لأرض المعركة.. وهذا يؤخر العمل ويؤخر زمنه، ولكن الذي يصمم على شيء فلابد أن يبلغه إن شاء الله.

الاحتفالات بمرور خمسين عاماً على اغتصاب فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني بلغت درجة من العلو والاستعلاء اليهودي، وقد شاركهم العالم كله احتفالهم بينما هناك صمت عربي إسلامي بشأن ذكرى ضياع فلسطين.. وهو يدخل لوناً من الإحباط في النفسية العربية.. ما تقييمكم لذلك؟

ـ الإحباط يمكن أن يأتي لإنسان فقد الإيمان وفقد الثقة في الله، أمـا من عرف الله رباً والإسلام ديناً فلا يعرف اليأس ولا الإحباط، صحيح أن عدونا قوي متجبر، يملك مقومات القوة لكننا نمتلك قوة أكبر منه، وقد ذكرت في الكثير من مقابلاتي صورة مما ذكره القرآن الكريم تعطينا الأمل، يقول الله في سورة الحشر “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ” الحشر 2، وما أشبه اليوم بالبارحة، فالمعادلة القائمة هي نفسها الآن، فالمسلمون ظنوا أن اليهود لن يخرجوا، واليهود ظنوا أن قلاعهم وحصونهم سوف تحميهم من الله فانتهوا إلى غير رجعة، واليوم المسلمون يقولون إن أحداً لن يقهر إسرائيل، وإسرائيل تقول إن أحداً لن يقهرني لأنني أملك كل القوة، لكن القوة لله جميعاً.. فما علينا هو العمل، حسب استطاعتنا “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ “الأنفال 60، نحن نعد استطاعتنا ونعمل بطاقتنا وجهودنا مستعينين بالله، وواثقين من النصر في النهاية مهما طال الطريق، أما أن يكون هناك الكيان الصهيوني وتتكالب الدول لتأييده ومعها بعض دولنا لدرجة تصل إلى حد الاعتراف به، وإعطائه فسحة الحياة فهذا من قدر الله، لأن العالم لن يظل في حال واحد {وتلك الأيام نداولها بين الناس} آل عمران: 140..

القوي لن يظل قوياً، وكم من الدول القوية بادت، ونحن ضعفاء ولكن لن يظل الضعيف ضعيفاً للأبد، فكم من الضعفاء صاروا قوة وانتصروا وغيروا التاريخ، لكن ما أقوله دائماً لأهلنا وشعبنا وأمتنا كما قال ربنا في كتابه على لسان سيدنا موسى “عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” الأعراف: 129، كيف تعمل أنت إذا وصلت إلى سدة الحكم.. ونحن نرى الذين يصلون لسدة الحكم لا يعملون كما يريد الله أو يحب الله فيحكمون على أنفسهم بالتغيير والإبادة.. اليهود سعاة للفساد في الأرض.. سعاة؟ لأنهم أفسدوا وأفسدوا.. ولذلك فإن نهايتهم التي لا يتوقعونها هي التي أشار الله إليها “وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” الإسراء: 7، وهذه النهاية قادمة مهما طال الوقت وإن شاء الله الطريق قادم.. ولديهم في كتابهم يقول «لأسوقنك يا إسرائيل إلى أرض المذبح» يعني هم سيذبحون في هذه الأرض التي يتجمعون فيها مصداقاً لقول الله تعالى: “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا. وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا” الإسراء 105:104، فهذا الكتاب صادق والمؤمن لا يعرف اليأس أو القنوط بل يستمد من حالة عدوه القوة.. وأنا أقول دائماً: مَنْ الأولى أن يقاتل مَن أجل فلسطين.. اللص «الحرامي» أم صاحب الدار؟ ومَن أولى أن يموت ويستشهد.. من أولى أن يبذل، أصحاب الوطن أصحاب الأرض أصحاب المقدسات أم «الحرامية»؟! نحن أولى بالجهاد والاستشهاد والبذل والدفع.. وإن شاء الله نحن في الطريق وإن شاء الله إلى النصر.

هناك شق آخر من الحديث يدور حول شخصكم.. حيث كنت في السجن معزولاً عن العالم في ظروف صحية صعبة، وكنت تسمع عن الأزمات التي يمر بها الشارع الفلسطيني.. كيف كان شعوركم وقتها.. وهل يمكن استرجاع بعض ذكريات السجن؟

ـ أنا أعتبر السجن محطة من محطات الحياة وفيه يتم التزود بالروحانية والإيمان.. السجن هو مع الله.. الجدران الضيقة تتحول إلى فسحة عظيمة.. تذوق بينها طعم العبادة.. أنا الآن لا أتذوق العبادة مثل عبادة السجن.. الآن ونحن في العبادة.. مشاغل كثيرة تنتظرني.. فلان ينتظرني والآخر متعجل.. فلا أستطيع أن أتذوق العبادة.. كنت في صلاتي داخل السجن أقرأ جزءين من القرآن، وأشعر أنني أقرأ في اليوم الواحد أربعة أجزاء من القرآن في فرائض وسنن.. كنت أشعر بروح عالية.. ولذلك فالسجن متعة روحية لا يعرفها إلا من ذاقها فهو في خلوة مع الله سبحانه وتعالى، كما ذكر علماؤنا السابقون: «سجني خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة» وهذا طبعاً بفضل الله.

كنا في السجن نتابع كل ما يجري في الحياة، ونتفاعل مع ما يحدث، لكن ثقتنا في الله سبحانه وتعالى وفي إخواننا وفي تربيتهم الإسلامية القديمة، نعلم أن البوصلة إذا انحرفت قليلاً فستعود إلى مسارها لأن هناك ضوابط إيمانية وضوابط «خلقية» إسلامية تضبط المسار ومهما صار من خلل فـثـقتنا في الله، وكنا دائماً ـ داخل السجن ـ نوصل تصوراتنا للخارج لتجديد المسار وتحديد الموقف، وقد أفادت تلك التجربة الحركة وأعطتها قوة ومنعة أكثر، فمن كان يتصور أن حركة حماس حققت منذ الانتفاضة وخلال عشر سنوات ما لم يستطع غيرها تحقيقه في عشرات السنين.. إن ذلك من توفيق الله سبحانه وتعالى.

ما المبدأ الأساسي الذي كنت تركز على أن يلتزم به الإخوة في حماس حتى لا يحدث الانحراف؟

ـ أن نلتزم بالاستمرار في الجهاد والمقاومة… نلتزم بعدم فتح النار مع إخواننا.. بتقوى الله دائما والرجوع إلى الإسلام.. البوصلة التي تحدد مسارنا في كل طريقنا “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” الطلاق:2

نحن مستعدون للتضحية، وأذكر لك أن اليهود كانوا يتبجحون أمامي قائلين: نحن لسنا مثل القادة العرب يقولون للجنود «أمامي» والضباط يظلون خلفهم مختبئين، ولكننا نقول لجنودنا خلفي ونسير أمامهم.. فضحكت وقلت لهم: هذه مبادئنا نحن وليست مبادئكم.. ونحن لا نقول لجنودنا أمامي ونقف خلفهم، ولكن كل قيادتنا في السجن قبل أفرادنا.. وذلك من فضل الله سبحانه وتعالى، ولذلك فالمسار عندنا مضبوط وطالما لدينا مرجع إيماني وعقيدي وهناك دستور نرجع إليه فلا تخف على المسيرة إن شاء الله تعالى.

كيف كنت تقضي يومك في السجن؟

ـ طبعاً أستيقظ قبل الفجر بساعة نتوضأ ونصلي ما شاء الله ثم نصلي الفجر ثم نقضي فترة تسبيح حتى تشرق الشمس فنصلي الضحى.. ثم نعود للنوم فترة لأننا نسهر في الليل حتى الثانية عشرة أو الواحدة أو الثانية، وبعد النوم في الضحى نستيقظ للإفطار ونستعد للحياة.. قراءة صحف، مطالعة الكتب الإسلامية ونتابع الصلوات في أوقاتها ويتخللها فسحة وسماع الإذاعات والأخبار.. فالسياسة داخل السجن كانت عندي أهم شيء بعد العبادة والمطالعة في الكتب الإسلامية.. وأذكر أنني كنت أطالع بصفة دورية كتاب «المجموع» للإمام النووي الذي نقحه المرحوم محمد نجيب المطيعي «23 مجلداً» وقد انتهيت من حوالي 18 مجلداً منه لكن منذ خروجي من السجن لم أستطع حتى الآن الانتهاء من المجلدات الخمسة الباقية.

مَن أبرز من تأثرت بثبات مواقفهم من رجال الدعوة؟

ـ كل رجال الدعوة قدوة لنا.. بداية من الصحابة رضي الله عنهم حتى إخواننا في العصر الحديث وعلى سبيل المثال فإن الإمام حسن البنا قام بجهد كبير وبلغ دعوة الله ونشرها وواجه قوى الظلم حتى سقط شهيداً، ثم إخواننا في حرب القناة وحرب فلسطين وفي السجون، وفي الفترة الأخيرة عز الدين القسام الذي استشهد في فلسطين، ثم عبدالقادر الحسيني الذي خرج عام 1948م ليجمع سلاحاً من الدول العربية وعاد بخفي حنين حزيناً ودخل معركة غير متكافئة مع اليهود وسقط فيها شهيداً في معركة «القسطل» على أبواب القدس، وعبدالله عزام الذي خرج من الأردن للجهاد في أفغانستان حيث سقط شهيداً.. إن قافلة الشهداء عندنا طويلة.. والعلماء المجاهدون كانوا دائماً في الميدان.

لكن للأسف فإن الذي يقطف الثمرة هم أولئك الذين يحرفوننا عن الطريق وهذا بسبب تخطيط غربي… الثورة الأفغانية انتصرت، لكن لماذا لم تستقر.. لماذا يقتتلون؟ هناك أيدٍ من الخارج تدفع هذا ضد هذا حتى يصل «المسار» إلى أن يعلن الناس رفضهم للإسلام، ثم تستقر الأمور لحاكم طاغية فاجر يكفر بالإسلام ويطبق نظاماً علمانياً في البلد، الذي أراه أن الغرب يشتغل ضد الإسلام.. ونسأل الله الهداية للمتقاتلين وأن يعودوا للرشد حتى يبقى الإسلام في أفغانستان الذي حملوا السلاح من أجله وليس من أجل ذاتهم وكراسيهم.

الحوارات والاحتكاكات اليومية مع السجان اليهودي.. هل تذكر منها شيئاً؟

– كثيراً يا أخي.. كثيراً.. أذكر أن أحد مسؤولي المخابرات (الموساد) جاءني في السجن مرة وسألني: ماذا تريدون بالضبط؟

قلت له: نريد بلدنا.. نريد أن نعيش.. شعب له وطنه وأرضه.. كما تفكرون أنتم في وطن.

قال: أنتم عندكم الوطن العربي الكبير الواسع ويمكن أن تعيشوا فيه!

قلت: لكن الوطن العربي.. كل بلد له أهله.. ونحن الفلسطينيين.. هذه بلدنا وأرضنا التي نعيش فيها، ثم سألته: وأنت وطنك أين؟ قال: رومانيا، قلت: لماذا جئت منها.. لماذا خرجت من وطنك وجئت هنا؟! قال: نحن نريد أن تكون لنا دولة.

قلت: إذن أنتم لا تفكرون في الوطن.. ففكرة الوطن موجودة.. وكل واحد منكم له وطنه في دول العالم التي جئتم منها.. أنتم تريدون دولة وليس وطناً.. لكننا الآن ليس لنا وطن ولا دولة.. ولذلك فنحن نريد وطناً.. ونحن أحق بالوطن (فلسطين) منكم، وهناك حوار ثانٍ مع عضو الكنيست إبراهيم بورج وهو الآن رئيس الوكالة اليهودية.. جاءني في السجن ليحاورني في قضية أحقية اليهود بفلسطين.

«طلعت» فيه.. وقلت له: اسمع.. هذه الأرض ليست لكم.. ألا تقولون إن الله وعدكم أنها (الأرض) لكم للأبد؟ لكن ربنا لا يكذب.. لو كان أعطاكم إياها للأبد كما تقول ما كان شردكم ـ سبحانه وتعالى ـ ألفي سنة في العالم.. وعندما أعطاكم إياها لم تكن لكم أنتم اليهود، وإنما للأنبياء الذين كانوا في ذلك الوقت يحملون رسالة أما أنتم فإن الله أعطاكم صفعة على اليمين وأخرى على اليسار وشردكم في العالم كله.. فهي ليست لكم بل هي للمسلمين.. فنحن ورثة الأنبياء ونحن أصحاب الأرض ونحن الذين نملكها.

فما كان منه إلا أن رد وهو يستشيط غضباً قائلاً: اسمع.. إلهنا شيخ.. أكبر من «إلهك»!

فنظرت إليه.. وقلت: اسمع.. ليس هناك إلهان ولا أكثر وليس هناك مشايخ.. ولا إله أصغر ولا أكبر.. هناك إله واحد فقط.. هو الذي نعتقد فيه وهو الذي نعبده.. أنتم مثلكم مثل رجل عنده ابن مدلل.. اشترى له سيارة جميلة.. وخرج بها الابن ثم صدمها في الحائط.. وقتل أحد المارة.. وعمل بها مشاكل كثيرة.. فصفعه والده وسحبها منه.. وأنتم كذلك ربنا أعطاكم فلسطين في فترة معينة مع الأنبياء.. لكنكم خربتم الدنيا.. فصفعكم الله ألف «كف» وسحبها منكم وشردكم.. هذه أرضنا وليست أرضكم… هذه بعض الحوارات.

وماذا عن المضايقات التي كنا نسمع ونكتب عنها؟

ـ أنت تعرف الاحتلال.. دائماً يمارس عليك حرباً نفسية.. يضعك في مكان ضيق لا تجد الطعام الجيد، لا تجد العلاج.. أنا دخلت السجن وعندي حاسة السمع وخرجت وأنا فاقد لها.. الاحتلال يريد أن يحافظ على من يسجنه إنساناً حياً، أما أن تحدث عندك مشاكل في الكلى.. الكبد يخرب.. الرئتان تفشلان.. فلا يمثل ذلك مشكلة عنده.. تصاب بالعمى.. المهم عنده أن يحافظ على السجين الذي عنده حياً.. وعندما يشعر أن هناك خطراً على حياة ذلك السجين فإنه ينزعج لأنه سيحسب عليه..

إن اليهود حولوا سجون الأسرى الفلسطينيين إلى حقول تجارب للأدوية الجديدة يجربونها عليهم، ولذلك نتوقع كل أذى منهم. ونتوقع كل الممارسات القاسية حتى في الزيارات.. من تفتيش وتعذيب ومنع المواد الغذائية من الدخول.

كنت طوال سجني معزولاً عن بقية الشباب عدا اثنين كانوا يخدمونني، ولم تكن عندي صدامات مع السجانين، ولكن بقية الشباب صداماتهم مستمرة مع السجانين.. كل يوم رش غازات وتكسير أسرة.. بسبب منع الزيارات.. سوء الغذاء.. مشاكل كثيرة.

متى تعرفت إلى جماعة الإخوان؟

ـ تعرفت إلى الإخوان عام 1954م. من خلال الكتب التي كنا نقرؤها وبينما كان الإخوان في مصر يضربون في ذلك الوقت.. كنا مجموعة من الشباب في المرحلة الإعدادية نلتقي على كتب الإخوان.. رسائل الإمام البنا رحمه الله.. وكتب البهي الخولي.. والغزالي.. وكتب حرب فلسطين وحرب القناة.

كيف سارت المسيرة فيما بعد؟

ـ كنا في ذلك تحت الإدارة المصرية. وكانت هناك حملة واسعة ضد الإخوان في ذلك الوقت.. كانوا يتعرضون للسجن والإعدام، بينما كنا نبدأ طريقنا نحو الإسلام.. ونشكل أسراً.. وننظم العمل دون مشاكل أو خوف، غير مهتمين بما يجري.. لكن كان عملنا سرياً في الغابات.. في البيوت.. كان من الصعب علينا الحركة لأن أهلنا كانوا خائفين ولا يسمحون بمثل هذا النشاط.. والحمد لله استمر نمونا وتواصلت مسيرتنا، حتى دخلنا المرحلة الثانوية وانتشرنا كل في مجاله رغم صعوبة الظروف، فقد كانت حملة عبد الناصر لتشويه صورة الإسلام واسعة لكن الحمد لله استمرت المسيرة.

الإعاقة التي حدثت لك.. كيف حدثت؟

ـ في عام 1952م. وبالتحديد في 15 يوليو.. كنت ألعب على شاطئ البحر مع بعض إخواني ومنهم الشهيد عبد الله صيام الذي استشهد في لبنان، وأحد أقاربي فؤاد عيسى، والأستاذ محمد أبو دية.. فسقطت على الأرض في حركة خاطئة تسببت في شلل كامل لجسدي.. فحملني زملائي إلى منزلي ومنه إلى المستشفى وتحسنت قليلاً ولكن ظل الشلل موجوداً، لكن الحياة استمرت.. أكملت تعليمي واشتغلت مدرساً وتزوجت.. حتى عام 1975م تدهورت حالتي بعض الشيء فصرت أستند على غيري عند المشي، وفي عام 1980م أصبحت محتاجاً لمرافق أستند عليه وفي عام 1984م استخدمت «العربة» والحمد لله حتى الآن كما ترى.

كيف كانت حالتك النفسية.. وأثر ذلك على استمرار مسيرة الجهاد؟

ـ أحب أن أؤكد لك.. أن الناس الذين عاشوا مع أحمد ياسين يعرفونه جيداً.. لم أستكن يوماً.. ولم أسلِّم يوماً.. طول عمري لا أتوقف عن العمل رغم الضعف، مستعيناً بالله سبحانه وتعالى.. كل وقتي لله والحمد لله وذلك فضل الله سبحانه يؤتيه من يشاء.. لا يأس مع الإيمان بالله وكل من ييأس فهو ضعيف الإيمان.

فضيلة الشيخ.. ونحن ننهي حوارنا معك.. لدينا شعور مسيطر علينا وهو.. كيف لرجل مشلول شللاً كلياً مثلك أن تكون حركته هكذا في سبيل قضيته.. وهي حركة ليست عادية وإنما تزلزل العالم وهو ما يسبق حركة الأصحاء؟

ـ هذا فضل الله.. لو أننا سعينا للعمل بأنفسنا ما عملنا شيئاً ولكنني أسعى لله وهو الذي ينبت وهو الذي يحرك وهو الذي يعيد وذلك فضله سبحانه وتعالى.

العدد 1300.pdf

Exit mobile version