عبدالعزيز الصقعبي: الحكومة لم تقرأ رسالة الناخب جيداً

 تشهد الكويت أجواء سياسية ساخنة (رغم برودة الأجواء)؛ فبعد أقل من شهر من تشكيل الحكومة، وشهر ونصف شهر تقريباً من انتخاب مجلس الأمة، حدث صدام –ربما كان متوقعاً من البداية- كانت نتيجته تقديم الحكومة استقالتها، بعد أن توافق نحو 38 نائباً على استجواب رئيس الوزراء.

وللوقوف على الأمر عن قرب، التقت «المجتمع» بالنائب د. عبدالعزيز الصقعبي، الذي تحدث بصراحته المعهودة حول ما دار في المجلس منذ انتخابه حتى الآن، والظروف التي أدت إلى ما نحن عليه الآن، كما تطرق الحوار لقضايا مهمة ومرتقبة في الشارع الكويتي مثل: الديون والعفو الشامل والبدون والتركيبة السكانية.

اسمح لنا بالدخول مباشرة في الموضوع بالسؤال عن الأزمة السياسية التي تمر بها الكويت، إلى أين؟

– بكل أمانة وصراحة، أفضل من يجيب عن هذا السؤال هو الحكومة؛ فبعد استجواب رئيس الوزراء، وهو استجواب مستحق، واستقالة الحكومة، وهي استقالة مستحقة، يظل السؤال الموجَّه إلى الحكومة: هل تعلّمنا من الدرس الماضي أم لا؟

بمعنى أن الحكومة فشلت في قراءة نتيجة الانتخابات ومخرجاتها، وكان من المفترض أنه من أول يوم يتم فيه تشكيل الحكومة أن تنسجم مع هذه المخرجات.

وهذا وفق المذكرة التفسيرية لصحيح المادة (57) من الدستور، بأن الحكومة مطالبة بدراسة مخرجات نتيجة الانتخابات، وعليه يتم تشكيل الحكومة بناء على ذلك، لكنها فشلت في هذا الأمر منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة؛ حيث كان التشكيل هزيلاً وضعيفاً، ولا يتناسب أو ينسجم مع مجلس الأمة واتجاهاته.

ما حدث بالجلسة الافتتاحية لا يسيء إلى النواب فقط بل إلى الشعب الكويتي بالكامل

ثم دخلنا في معركة الرئاسة، والجلسة الافتتاحية، وللأسف الحكومة ذهبت في اتجاه مغاير للرغبة الشعبية؛ فحين ترى 28 نائباً يقومون بالتصويت في اتجاه، والحكومة وما تبقى من النواب يقومون بالتصويت في اتجاه آخر، فهذا يدل على أن الحكومة تسير في اتجاه مغاير للرغبة الشعبية، خصوصاً أن هناك مواقف معلنة قبل الجلسة الافتتاحية؛ حيث أبدى 41 نائباً بشكل رسمي رغبتهم في تغيير الرئاسة، ومع ذلك لم ينسحب الرئيس، ولم تدعم الحكومة الرئيس الآخر، وبالتالي هي دعوة للرئيس بالتحرك ناحية النواب بطرق مشروعة أو غير مشروعة لدعمه في التصويت للفوز برئاسة مجلس الأمة.

ثم بعد ذلك جاءت جلسة الافتتاح وما صاحبها من شغب وفوضى وسباب من مجموعة من الناس بكل أسف، دخلوا إلى المجلس بدون دعوات، وبطريقة غير تقليدية وغير عادية لا ندري كيف تمت، وحين سألت النواب عن ذلك، أعرب أغلبهم عن أن الدعوات التي استلموها (وهي تقريباً 7 دعوات لكل عضو) لم يتمكن حاملوها من دخول القاعة، ومع ذلك كانت القاعة ممتلئة عن آخرها، وهذا يجعلنا نطرح هذا السؤال: من أين جاء هؤلاء ومن يتبعون؟

ثم بعد ذلك شاهدنا انتخابات الرئاسة، ورأينا التصفيق والتأييد والاستحسان، وما صاحب ذلك من هرج ومرج، وسباب من البعض، وقد فهمنا بعد ذلك كيف دخل هؤلاء إلى القاعة، وعرفنا إلى من يتبعون، وأصبحت عندنا دراية بالقصة كاملة.

والمفترض ألا يمر هذا الموقف مرور الكرام، لأن ما حدث لا يسيء إلى القاعة أو النواب فقط، بل يسيء أيضاً إلى الشعب الكويتي بالكامل، فمجلس الأمة هو بيت الشعب، ومن فيه يمثلون الشعب، فلذلك ما حدث كان محزناً، وفوق هذا كله، تطالعنا الحكومة ببيان أسوأ، بيان الارتياح كما يسمى الآن، ومضمونه: نحن مرتاحون إلى ما آلت إليه الجلسة الافتتاحية من نتائج! كيف يكون ذلك بعد هذا السباب والفوضى التي حدثت؟ كيف يكون هناك ارتياح؟!

لا يوجد مواطن كويتي إلا وأبدى استياءه مما حدث في الجلسة الافتتاحية، ثم تعلن الحكومة بعد ذلك عن ارتياحها! فهذا التصرف يجسّد البُعد عن الواقع والانعزال عن الشارع، وعن المجتمع الكويتي، وهو ما جعلنا منذ اليوم الأول نشك في صلاحية الحكومة ومدى فهمها للواقع، والتساؤل: هل هي بالفعل تعيش معنا أم لا؟ هذه هي الأجواء التي كانت سائدة في ذاك الوقت.

ناهيك عن اللجان، وتدخل الحكومة فيها، وإسقاطها لبعض العناصر المميزة، ونجاح بعض العناصر التي لا تمتُّ بصلة إلى اللجان المختلفة، فلننظر إلى اللجنة المالية ومن فيها، واللجنة الصحية ومن فيها، وهذا أمر محزن أن تتعامل الحكومة بهذه الطريقة التي فيها نوع من التجاهل.

بعد كل ذلك لا نستغرب أن يكون هناك نوع من التصعيد، ويكون هناك مجموعة كبيرة من النواب، وأنا منهم، يؤيدون هذا الاستجواب، وبالفعل تم استجواب رئيس الوزراء؛ فبعد مرور شهر على توليه، لا يوجد لديه برنامج عمل سليم، سوى تسريبات لبعض الصحف، كانت مليئة بحِزَم إصلاحية، من وجهة نظر حكومية، لكنها تعتمد على جيب المواطن، ونحن نقول: هذه ليست حزماً إصلاحية؛ فالإصلاح لا تكون بدايته من جيب المواطن، خصوصاً أن هناك هدراً اليوم في الأموال، لذا يجب أن تكون البداية معالجة الفساد ومشكلاته الموجودة في الحكومة، وفي الجهات الحكومية المختلفة، ثم بعد ذلك تبدأ في نوعية الإصلاحات التي يجب وضعها، وما يتعلق بالمواطن.

بعد الاستجواب المستحق لرئيس الوزراء واستقالة الحكومة يظل السؤال: هل تعلّمنا من الدرس الماضي أم لا؟

هل المشكلة في شخص الرئيس، أم في النهج الحكومي؟

– بلا شك المشكلة في النهج الحكومي؛ فهذا الرئيس أو غيره من الرؤساء، هو درس لا بد أن تفهمه الحكومة القادمة، خصوصاً أن هناك 16 نائباً أصدروا بياناً، أطلقوا عليه «استحقاقات الحكومة القادمة»، وليس الرئيس القادم، الحكومة القادمة بنهجها ورئيسها، وبكاملها، والمسألة غير مرتبطة بأشخاص، بل مرتبطة بنهج مؤسسة.

هل تتجاهل الحكومة النواب؟

– نعم هناك تجاهل واضح، فأنا لم أرَ من الجانب الحكومي -إلا بعض الوزراء المجتهدين- أي اجتهاد للتقارب مع النواب؛ فالحكومة كنهج عام لم تخاطب النواب كمجموعة أو كمجلس منسجم ولديهم أغلبية، ولا شك أن لديهم قضايا، وعليهم مناقشة: هل يمكن أن تنسجم هذه القضايا مع برنامج عمل الحكومة أم لا؟ أو –مثلاً- تعرض الحكومة أن تقوم بتبني بعض القضايا، وتضع لها جدولاً زمنياً محدداً، كل ذلك لم يحدث، وبالتالي لا يوجد اجتهاد من طرفهم، وأنا كنائب بعد مرور شهر ونصف شهر لم يكن هناك تواصل بين مكتبي ومكتب رئيس مجلس الوزراء في المجلس، وهذا الشعور هو شعور مجموعة كبيرة من النواب، فإذا قام نائب أو مجموعة منهم بالتواصل مع رئيس الوزراء، يجلس معهم ويكون الكلام عاماً، والمحصلة لا شيء من وراء هذا الاجتماع.

اليوم نحتاج أن نفهم التجربة السابقة، وهي تجربة مريرة وسيئة، والحكومة لم تقرأ نتيجة الانتخابات، ولم تطلع على المشهد السياسي والساحة السياسية بشكل جيد، وهذا الأمر لا بد من تداركه في قابل الأيام، وإلا فسوف تتكرر التجربة.

هل تسعى الحكومة لحل هذا المجلس؟

– أفضل من يجيب عن هذا السؤال أيضاً الحكومة، وأنا أوجّهه لها، وهو سؤال مستحق، وحسب المعطيات التي نراها، فالحكومة تسير في اتجاه عدم التعاون مع هذا المجلس، وهذا ما يتضح أمامي الآن، ولكي لا نستبق الأحداث، فحتى هذه اللحظة لم يتم تكليف رئيس جديد، وليست لدينا حكومة جديدة بعد استقالة الحكومة، واليوم نحن نعيش في فراغ، وأتمنى ألا يستمر هذا الموضوع، وأن تكون الحكومة صادقة في تبني قضايا الشعب التي عبّر عنها بشكل واضح وصريح في الانتخابات، واليوم النواب الموجودون في المجلس يعبّرون بشكل واضح عن هذه القضايا أيضاً، ويعرضونها على المجلس، ويلاحظ هذا في اللجان، وتقاريرها، وما أكثر تلك التقارير التي أعدتها اللجان المختلفة في المجلس، خصوصاً القضايا الخاصة بالناس الذين وعدناهم بحلها، وعلى ضوء هذا كانت نتيجة الانتخابات، ونحن نأمل من إخواننا في اللجان الاستعجال في إعداد ما تبقى من تقارير وعرضها على المجلس، ونتمنى من الحكومة القادمة التعاون مع المجلس في حل هذه القضايا.

هل فكرتم في تشكيل لجنة توفّق بين الحكومة والمجلس؟

– نحن لم نأتِ إلى هذا المجلس إلا للإنجاز، والإنجاز يحتاج إلى قطبين؛ إلى حكومة وبرلمان بنوابه، لا ينفع الإنجاز بالنواب فقط، لا بد من القطبين معاً، وإذا لم تتعاون الحكومة في حل القضايا فلا نستطيع الإنجاز، ولا يعني هذا أننا نقف مكتوفي الأيدي، بالتأكيد لا، منذ تشكيل لجان المجلس وهي تعمل مثل خلايا النحل، من أجل العمل والإنجاز، وتواصل العمل الليل بالنهار.

وفي اللجنة الإسكانية –مثلاً- منذ أن تم تشكيلها هي وبقية اللجان، وعددها تسع لجان في 22/12/2020م، اجتمعنا خلال هذه الفترة الوجيزة أكثر من 5 اجتماعات، سواء مع لجان الأهالي، أم مع المسؤولين، أم مع المهتمين بالقضية الإسكانية، هذا عن الاجتماعات الرسمية، وغير الرسمية، وهي بالعشرات، مع المهتمين والمختصين والأساتذة والممارسين والعقاريين، وأهالي المناطق المختلفة، تلك الاجتماعات المكثفة أجريناها حتى نحيط بالقضية الإسكانية، ونضع خارطة طريق لمعالجتها.

وبفضل الله استطعنا التنسيق مع الأجهزة الحكومية في خضم الأزمة البرلمانية، والتوفيق بين الأجهزة الحكومية المختلفة، وأنجزنا للناس استعجال تراخيص البناء، التي كانوا ينتظرونها في الصحف، خصوصاً أنه كانت هناك إشاعات بأنهم لن يحصلوا على التراخيص إلا بعد عام أو عامين.

المادة (75) من الدستور حق أصيل للنواب والعفو الشامل يُطرح بقانون ونحن حريصون عليه

وماذا عن قانون العفو الشامل؟ وهل هناك توافق عليه؟

 – إخواننا الموجودون بالخارج في معاناة، ونحن كذلك في معاناة، ونحن حريصون على عودتهم إلى الكويت؛ فهم رموز سياسية، ضحوا بأنفسهم، وتحملوا تبعات مواجهاتهم للفساد، فقد واجهوا الفساد بكل قوة، وتكلموا بكلمة الحق، وهم يتحملون نتيجة هذا الكلام الذي كانوا يقولونه، ونحن الآن نراه على أرض الواقع؛ فهم كانوا يتنبؤون بالمستقبل، وقد حدث ما تنبؤوا به، وبالتالي هذا استحقاق، ومن المعيب أن نمارس حياتنا السياسية بكل أريحية، ونترك إخواننا في الخارج يعانون.

نحن النواب نمارس دورنا وفق الأطر الدستورية، والعفو الخاص أمر في يد صاحب السمو، حفظه الله، ما يراه مناسباً في العفو الخاص فهذا شأن سموه، ونحن لا نملك إلا أداة واحدة، وهي العفو الشامل، وهي المادة (75) من الدستور، وهي لم تفعّل؛ لذا يجب طرح هذه القضية المستحقة التي قامت على مواجهة مع الفساد، رغبة في الإصلاح في ذاك الوقت، وتفعيل المادة (75) من الدستور، ومن خلالها يكون هناك عفو شامل عن كل قضايا الرأي.

وإخواننا بالخارج الذين نكنّ لهم كل التقدير والاعتزاز، وفيهم رموز وقامات سياسية معروفة، جاء الوقت الذي يرجعون فيه إلى حضن الوطن، ويمارسون حياتهم السياسية، وتكون عودتهم جزءاً من عملية الإصلاح في بناء كويت المستقبل.

والعفو الشامل قضية متوافق عليها نيابياً، أما الحكومة فهي لها قرارها الخاص، وأنا شخصياً لم أسمع لها رأياً في هذا المشروع، ولا أدري هل هي معه أم ضده، وهذا الأمر يرجع لهما، وفي النهاية البرلمان موجود ويتم عرض المشروع، ونسمع رأي الحكومة في العلن.

وماذا عن دعم العمل الخيري؟

– بلا شك سيكون له أولوية من جانبنا؛ فالعمل الخيري صمام أمان بالنسبة للكويت عموماً، وأصبح شعاراً نفتخر فيه، وكل دول العالم تشير بالبنان إلى الكويت بلد الخير والإنسانية، وسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيَّب الله ثراه، تم تسميته بـ«أمير الإنسانية»، وكل هذه المسميات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت من النزعة الخيرية الموجودة عند الشعب الكويتي؛ فالمواطن الكويتي جُبل على عمل الخير، والعمل التطوعي، فنحن كنواب لا يمكن أن نتجاهل هذا القطاع المهم.

ماذا تقول في قضية «البدون»؟

– هي أزمة إنسانية طال الانتظار لحلها؛ لذلك فالقوانين التي تم تقديمها في المجلس السابق كانت مستحقة، وهي تشمل الحقوق المدنية والإنسانية، وهذه القوانين لا بد أن يتم إقرارها في أقرب وقت ممكن، ودعك من مسألة الهوية، وهي مستحقة، نحن نتحدث اليوم عن عيشة كريمة، فمسألة الهوية هناك نقاش عليها ويوجد أخذ ورد فيها، وهذا الموضوع لا نتدخل فيه الآن، لكن مسألة الحياة الكريمة بأن تعيش في مسكن لائق، وعمل كريم، وتأمين صحي، وهذه مبادئ أساسية لأي حياة إنسانية كريمة، يتم توفيرها لأي إنسان على مستوى العالم، فأنا هنا لا أتحدث عن مواطن أو بدون أو مقيم، أنا أتحدث عن أي إنسان بالعالم، لا بد من توفير السكن والعمل والتأمين الصحي والتعليم للأبناء.

هل تمثل قضية «البدون» قنبلة موقوتة؟

– نعم، قضية «البدون» قنبلة موقوتة، وإذا استمرت بهذه الطريقة فسوف تنفجر، لا سمح الله، وسوف يكون لها تأثيرها بالسلب على المجتمع الكويتي بالكامل، ونحن نحتاج إلى معالجتها وحل هذه القضية بشكل جذري ونهائي.

ماذا عن التركيبة السكانية؟ وأين مكمن الخلل؟

– أؤكد أننا لم نتحدث في هذا الموضوع من منطلق عنصري مطلقاً، المسألة أنه يوجد خلل في المنظومة السكانية بالكويت، هناك أعداد موجودة لا نحتاج إليها، وهناك أناس نحتاج إليها لكنهم غير موجودين، ونحن لا نستطيع بناء الوطن من غير وجود الآخرين، ولا توجد دولة بالعالم كلها من المواطنين، وكل دول العالم يوجد فيها وافدون لكن بأعداد محدودة، ونسبة معروفة، وفيها «كوتة» وفيها سقف محدد، وعمالة تحتاجها الدولة بالفعل.

واليوم، هل بالإمكان –مثلاً- في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي بلد الحريات والديمقراطية، لأي وافد أو مقيم يدخل إليها عبثاً؟ وهل بالإمكان دخول الأعمال الهامشية إلى أمريكا؟ بالتأكيد لا يتم السماح بذلك؛ فالمسألة هناك منضبطة، فالدخول إلى أمريكا يكون لأجل عمل محدد، ولفترة محددة ومعروفة، وتنجز المهمة التي بسببها أنت موجود على الأراضي الأمريكية، وإن لم تنجزها تغادرها.

فالمسألة تحتاج إلى انضباط، نحن في حاجة إلى إخواننا الوافدين، لا شك في ذلك، فحياهم الله، فنحن بلد الخير، بلد يفتح ذراعيه ترحيباً بالجميع، لكن لا بد أن تكون المسألة منضبطة، حتى لا نبخس حق الوافد، وحتى لا يشعر المواطن أنه غريب في بلده، وبالتالي ضياع حقوقه.

Exit mobile version