حوار مع وزير الخارجية السوداني الأسبق د. مصطفى عثمان إسماعيل

بمناسبة ما يحدث الآن من تجاذبات بين القوى السياسية في السودان، تعيد “المجتمع” نشر هذا الحوار الذي تم مع د. مصطفى عثمان إسماعيل الذي نشرته في العدد (1360) بتاريخ 27/ 7/ 1999.

قال د. مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني: إن سياسة الولايات المتحدة في السودان وإفريقيا فشلت تماماً بل وجرَّت الوبال على المنطقة، وأن دليل ذلك الحرب الجارية بين إريتريا وإثيوبيا، وأكد أن مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية اعترفت بذلك في تقرير رسمي قدمته للإدارة الأمريكية.

وشرح الوزير السوداني في حوار مع م أبعاد قرار الكونجرس الأمريكي الأخير بدعوة الإدارة الأمريكية لحظر الطيران على جنوب وغرب السودان وتطرق إلى مسيرة العداء الأمريكي للسودان منذ قيام ثورة الإنقاذ، كما طرح رؤيته لتطور العلاقات السودانية مع مصر، ودول الجوار وخاصة إريتريا كما تحدث عن آخر الاتصالات بين الحكومة والمعارضة السودانية في الخارج.

ماذا تتوقعون بعد قرار الكونجرس الأمريكي دعوة الإدارة الأمريكية حظر الطيران على جنوب وغرب السودان؟ وما رؤيتكم لدوافع صدور هذا القرار؟

– قرار الكونجرس هذا جاء لتأجيج الحرب في جنوب السودان، الذي وقف وراء إصداره أربعة من أعضاء الكونجرس زاروا جنوب السودان بترتيب من حركة التمرد، وقاموا بعدها بتقديم تقريرهم الداعي لحظر الطيران، وكان من المنطقي أن يزور هؤلاء الأعضاء الخرطوم أيضاً حتى يعرفوا ما يجري على الطرف الآخر ويكون لتقريرهم مصداقية، لكن يبدو أن هناك محاولات للتمهيد لعمل عدائي ضد السودان، وردنا على ذلك هو مزيد من العمل لإحلال السلام والالتزام بوقف إطلاق النار متى كان الطرف الآخر مستعداً لذلك، ولكن ورغم ذلك فإننا نهيئ أنفسنا لأسوأ الاحتمالات والسودان لديه بفضل الله مقومات الدفاع عن استقلاله وسيادته.

وهل لهذا القرار من آثار مباشرة أو غير مباشرة على حركة التمرد ذاتها؟

– نعم.. هو دعم لحركة التمرد ونحن نتهيأ للحوار معها في نيروبي، وهناك ملاحظة مهمة هي أننا كلما تهيأنا للذهاب إلى نيروبي تحركت أمريكا بسرعة لإشعال موقف حركة التمرد حتى تتشدد في المباحثات وتفشل المفاوضات في النهاية. ومن جهة أخرى فقد خسرت حركة التمرد بقتلها 4 من السودانيين العاملين في مجال الإغاثة وتراجعت في كل المحافل الدولية التي أدانتها وجرمت فعلتها.. ولا شك أن قرار الكونجرس يمثل محاولة لإيجاد موقف دولي إيجابي معها.

لكن، بصرف النظر عن دعم أمريكا لحركة التمرد، ودعاوى واشنطن لدعم ما تروج له من حقوق الإنسان في جنوب السودان هناك عقدة «ما» بينكم وبين الولايات المتحدة وبسببها تتحرك بعداء ضدكم على طول الخط؟

– منذ قيام ثورة الإنقاذ والولايات المتحدة تسعى لإسقاط نظام الحكم في السودان علناً ودون مواربة، ولعلك توافقني على أن الاجتماع الذي عقد عام 1977م في كمبالا وحضرته المعارضة السودانية.. شمالها وجنوبها.. ورعته مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية كان مخصصاً لبحث إسقاط نظام الحكم في السودان، وقد خرجت أولبرايت من هذا الاجتماع لتعلن أن أمريكا تدعم إسقاط هذا النظام سلماً أو حرباً.

والغزو الذي جرى للسودان في يناير عام 1997 من بعض دول الجوار كان بدعم وتسليح الولايات المتحدة.. وهو ما لم يتم إنكاره.

العقدة وراء ذلك هو غضب الإدارة الأمريكية على التوجه الإسلامي للسودان بل والعداء الأمريكي لأي توجه إسلامي في العالم كله.

ولا شك أن السياسة الأمريكية في السودان انتهت إلى الفشل التام في إفريقيا كلها.. بل وجرَّت الوبال على القارة بأسرها.. فقد سعت لتقديم الدعم العسكري والمعنوي لكل من إريتريا وإثيوبيا وأوغندا والكونغو بدعوى أنها تحاصر النظام الأصولي في السودان، لكن الذي حدث أن هذا السلاح تحول إلى آلة مدمرة لهذه الدول نفسها.

فقد نشبت حرب مدمرة بين إثيوبيا وإريتريا وحرب بين الكونغو وأوغندا.. واقتنع الجميع بأن السياسة الأمريكية مدمرة بالنسبة لأمريكا، ولابد من مراجعتها.. ومن جهة أخرى فقد لقيت السياسة الأمريكية فشلاً آخر بعد تدميرها لمصنع الشفاء بحجة أنه ينتج أسلحة كيماوية وبحجة أنها تحارب النظام الأصولي في السودان الذي يرعى الإرهاب، وكانت تظن أنها بهذه الدعايات ستقنع العالم بعدوانها ولكنها قوبلت بإدانة من العالم كله حتى من أصدقائها، وبدأ العالم يتشكك فيما تردده الولايات المتحدة من دعايات ضد السودان.. وهو ما جعل الموقف الأمريكي في حالة ضعف لصالح السودان.

ومع كل ذلك فإننا نرفض أن نمحو أنفسنا من الخارطة ولسنا في الوقت نفسه حريصين على المواجهة مع أمريكا.

هل هناك اتصالات بينكم وبين الإدارة الأمريكية؟

– نعم.. الاتصالات تجري بيننا عبر الرسائل المتبادلة والمقابلات ونأمل أن تسفر عن نتائج ملموسة.

سمعنا عن قيام مصر بمبادرة لدعم الموقف السوداني، هل هذا صحيح؟

–  السياسة المصرية تقف ضد تقسيم السودان وتسعى لدعم الوفاق الوطني وأي مبادرة مصرية تصب في هذا الاتجاه فهي محل ترحيب من قبلنا خاصة أن سياستنا تقوم على الحوار.

لكن.. كيف تقوم مصر بمبادرات لدعم الموقف السوداني مع الولايات المتحدة.. وهناك في الأصل مشكلة بين مصر والسودان؟

– هذا يمكن أن يقرأ في إطار توجهات الحكومة السودانية.. فنحن ننظر للقضايا من منظور استراتيجي ونرى ضرورة التعاون بشأنها حتى ولو اختلفنا في بعض القضايا الثانوية. كما أننا لا ننظر للعلاقة بين مصر والسودان من منظور نوعية الحكم في السودان ولكن من منظور العلاقة الخاصة بين شعبين تتوافر فيهما كل عوامل التكامل والوحدة وهذا هو الأصل.. وإذا حدث خلاف في بعض القضايا فإن ذلك لا ينبغي أن يكون حجر عثرة في سبيل الاتفاق في القضايا الاستراتيجية.. ومن هنا فإذا كانت مصر تستطيع أن تلعب دوراً في الوفاق بين الحكومة والمعارضة السودانية.. فنحن نرحب به.. وإذا كانت تستطيع أن تلعب دوراً في السلام أو تخفيف التوتر بين السودان والولايات المتحدة.. فنحن نرحب به أيضاً.. استراتيجيتنا هي أن الخلافات في القضايا الثانوية لا تحجبنا عن التعاون في القضايا الاستراتيجية.

هل يمكن أن نقول: إن المخطط الأمريكي للفتنة بين السودان وجيرانه قد فشل؟

– هو فشل بالفعل.. ولكنه مازال مستمراً.. والتقرير الأخير الذي أصدرته سوزان راتب مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية عن الحرب الإريترية الإثيوبية يقول: «إن من النتائج السيئة لهذه الحرب أننا فقدنا مؤيداً قوياً ضد الحكومة الأصولية في السودان»، ويرصد هذا التقرير تحسن العلاقات الإثيوبية السودانية واتفاقية إريتريا والسودان على إعادة العلاقات واتصالات إريتريا مع الجماهيرية الليبية.. وكل ذلك اعتراف صريح بفشل السياسة الأمريكية.

وأنتم تعيدون علاقاتكم من جديد مع العديد من الدول على أسس جديدة هل تضعون في حسبانكم تبديد الهواجس التي أوجدتها شعاراتكم الإسلامية عن تطبيق الشريعة ومقاومة الهيمنة وتحقيق التحرر والاستقلال؟

– الشعارات الإسلامية محل مواجهة من قبل الغرب سواء كانت من السودان أو أي مكان آخر، وعموماً فنحن ننظر إلى هذه الهواجس من منظورين:

هناك هواجس صنعتها وروجت لها أجهزة الدعاية الغربية التي تسعى لإسقاط نظام الحكم في السودان، وهي هواجس ليس لها أي واقع وغير صحيحة، ونحن على قناعة بأن العالم سيكتشف خطلها وخطأها في إطار اكتشاف كذب الادعاءات الأمريكية حول العديد من القضايا الأخرى مثل قضية مصنع الشفاء.

وهناك هواجس حقيقية نراجع أنفسنا بشأنها.. ومثال ذلك ما أشير إلينا بأن عدداً من الجماعات التي تمارس العنف تستفيد من قرار السودان إلغاء تأشيرة الدخول إلى أراضيه للمواطنين العرب، ووجدنا هذا الهاجس حقيقياً، ولذلك أنذرنا هذه الجماعات بالتوقف عن أي نشاط معارض ضد دولها، وقمنا في الوقت نفسه بفرض تأشيرة الدخول للسودان على أي عربي.

هناك هاجس أكثر رواجاً وهو هاجس انتهاك حقوق الإنسان، بل وممارسة تجارة الرق في السودان.. وهو ما روجت له كثيراً آلة الدعاية الغربية على لسان البارونة «كوكس» رئيسة منظمة التضامن المسيحي والتي وإن كذبت ادعاءاتها منظمات غربية أخرى إلا أن صداها مازال سارياً؟

– هذه المنظمة وصل عداؤها للسودان لدرجة تقديم «جارانج» ليتحدث باسمها أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف وهو ما جعل رئيسة اللجنة تقوم بطرده، وكتبت للجنة حقوق الإنسان في واشنطن تصف منظمة التضامن المسيحي بأنها خرقت كل القواعد والأعراف وأتت بتمرد يندد بدولته ويسعى لتمزيقها.

كما أن مجلس المنظمات التطوعية الذي يضم 18 عضواً صوتت مؤخراً في نيويورك بطرد منظمة التضامن المسيحي من عضويتها بأغلبية 17 صوتاً ضد صوت واحد هو صوت الولايات المتحدة، وهذا يبين انعدام مصداقية هذه المنظمة من جانب وعلاقتها الحميمة بالولايات المتحدة من جانب ثان، وتفهم المجتمع الدولي لما يدور جيداً من جانب آخر.. فهذه الهواجس كاذبة.. وقد اكتشف العالم كذبها جيداً.

كيف يسير الاتفاق الأخير بين السودان وإريتريا خاصة ما يتعلق منه بدعم المقاومة المسلحة؟

– الاتفاق يسير في مجراه لمعالجة القضايا الأمنية وسوف تنعقد اللجنة السياسية المشتركة في الخرطوم لتقييم الموقف.

هناك تهديد متبادل بين إريتريا وإثيوبيا باستخدام اللاجئين المعارضين في كل طرف ضد الطرف الآخر.. هل يمكن أن يكون السودان طرفاً في ذلك؟

– إطلاقاً.. السودان له حدود مشتركة مع الدولتين، وقد أبلغنا الدولتين أن السودان لن يسمح باستخدام أراضيه ضد أي طرف وسنظل نحافظ على موقفنا هذا سواء عادت العلاقات مع إريتريا أم لم تعد.

هل سيعود الصادق المهدي قريباً للسودان؟

– إذا عاد اليوم فنحن سنرحب به وسيجد الترحيب نفسه الذي لقيه من سبقوه، وإذا أتى ومعه جميع المعارضين، فسيكون أفضل بالنسبة لنا.. سياستنا الثابتة هي فتح الباب والدعوة للوفاق والعمل من أجله حتى يعود جميع أبناء السودان، ونحن لا نريد للمعارضة السودانية أن تبقى أسيرة لأولبرايت تلتقي بها في كمبارا وتوجهها كيفما تريد، ولا نريد لها أن تبقى أسيرة في أسمرة وفي فنادق القاهرة ولندن، نريد لها أن تأتي وتشارك فيما يجري في السودان، سواء عبر المشاركة في الحكم أو تأسيس كيان سياسي خاص بها إلى أن تجرى الانتخابات، وتحسم كل الأمور، ونحن نريد وقف مسلسل.. حكومة في الداخل ومعارضة في الخارج.. نريد أن تتحول المعارضة إلى مهنة في الداخل مثل الحكم.. ونريد في النهاية التداول السلمي للسلطة.

Exit mobile version