حوار الشيخ مصطفى حسن إمام مسجد الفضيلة في «عكّار» بلبنان

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لحريق ضخم اندلع ليلة السبت الماضي 27 ديسمبر 2020 في مخيم للاجئين السوريين في لبنان، وكانت “وكالة الأنباء اللبنانية” قد ذكرت بأن عدداً من المواطنين في منطقة المنية شمالي البلاد أضرموا النار في مخيم للاجئين بعد شجار اندلع بين أحد أفراد عائلتهم وعمال سوريين، وطال الحريق كل المساكن المبنية من مواد خشبية وبلاستيكية داخل المخيم الذي يضم حوالي 75 أسرة سورية لاجئة، وفق ما ذكرته “وكالة الأنباء الفرنسية”.

وبهذه المناسبة، تعيد “المجتمع” نشر حوار تم مع الشيخ مصطفى حسن، إمام مسجد الفضيلة بـ«عكّار» في العدد (1964) تناول فيه جانباً من معاناة اللاجئين السوريين.

يقول الشيخ مصطفى حسن إبراهيم: إن تعداد اللاجئين السوريين في لبنان بين مد وجزر ويصعب حصره لأنهم متفرقون بين قسم يستقبله الناس وقسم آخر يتوجه مباشرة إلى أقربائه كما أنهم يتوزعون بين محافظتي طرابلس وعكار على الحدود السورية، والجزء الأكبر منهم يتركز في جبل البداوي، القريب من مخيم البداوي للنازحين الفلسطينيين، باعتبار تلك المنطقة أرخص سعراً في الإيجار، والمواد الغذائية والاستهلاكية، ويشير إلى جزء مهم من اللاجئين يتم توزيعه في قرى “وادي خالد” اللبنانية على الحدود وهي قرى بعيدة، وطرقها وعرة جداً وتستخدم أراضيها الزراعية مرة واحدة في العام، لذا يصعب على لجان الإغاثة الوصول إليها إلا بعربات دفع رباعي.

ما حـقيقة إغـلاق الحدود السورية اللـبنانـية، وإعادة اللاجـئـين إلى سورية؟

– يحدث ذلك بتعاون بين السلطات السورية والسلطات اللبنانية، ولا أحد يشك في هذا الموضوع، ووكالات الإغاثة العالمية علمت بمثل هذه الموضوعات، وربما اطلعت على قضايا أدق مما اطلعنا عليه، وربما الخلاف السياسي في لبنان، والتكالب على السلطة ساعد كثيراً في هذا الصدد.

كيف؟

 – التقاسم السياسي الموجود في لبنان لا يخفى على أحد وقد أدى إلى انقسام في السلطات القضائية، والأمنية وغيرها بين موالٍ للنظام السوري ومعارض.

والموالي هو الذي قام بتسليم الجنديين الفارين من سورية إلى السلطات السورية ويقوم بالقبض على بعض اللاجئين المرصودين من قبل النظام السوري ووضعهم في السجون اللبنانية بتهمة دخول الأراضي اللبنانية خلسة.

في ظل الصعوبات التي ذكرتها.. كيف يعيش اللاجئون؟

– في “عكار” تتكفل العشائر بمعظم الطعام والشراب، وضيافة اللاجئين تستمر ثلاثة أيام حسب تقاليد العشائر، ثم بعد ذلك تتعقد الأمور خاصة أن الشعب اللبناني مستنزف اقتصادياً، لذا تُسيّر بعض الجمعيات الأهلية قوافل إغاثة ببعض المساعدات العينية والغذائية.

في منطقة البداوي، يسكنون المخازن، ويعانون من ظروف قاسية جداً خصوصاً أن من بين هؤلاء اللاجئين من يملك في سورية بيوتاً فارهة ومصانع، ومحلات كبرى لكنهم بين عشية وضحاها باتوا لاجئين يتكففون الناس، أما في طرابلس فينقسم اللاجئون إلى قسمين، قسم ينزل على أقربائه، وفي الغالب تكون مدته قليلة حتى تهدأ الأحداث، ثم يعودون أدراجهم إلى سورية، إلا من عليه ملاحقات أمنية، والقسم الآخر يسكن في مستودعات وجراجات، أو يقومون باستئجار بعض البيوت.

صف لنا حال اللاجئين من خلال معايشتك لتلك المحنة.

– معظم اللاجئين يأتون بما عليهم من ثياب، لا يملكون شيئاً، غير أن بعضهم تجار، فيطلبون إعطاءهم الفرصة للتجارة والعمل في لبنان.

وكوني إمام مسجد، فإن كثيراً من اللاجئين يأتون إلى المسجد طلباً للمساعدة، وأكثر من يأتي هم من النساء والأطفال.

وعند ذهابنا إلى قرى وادي خالد، أعطينا لكل طفل ما يقارب النصف دولار، مع شيء من الحلوى، ولاحظنا أنه حين يأخذ الطفل المال، تكون الفرحة لا تسعه؛ لأنه منذ شهور لم يأخذ المصروف من أهله، وكان لذلك وقع عجيب على الأهل وعلى الأطفال.

وهناك أمثلة طيبة للتكافل يضربها اللبنانيون مع إخوانهم السوريين فلا أنسى خمس عائلات جاءت من حماة، مكونة من نساء وأطفال ورجال، ولم يكن هناك بيوت في المنطقة يمكن إيواؤهم فيها، فما كان من الرجال إلا أن نزلوا من بيوتهم حيث بات النساء والأطفال المهاجرين مع نسائهم بينما بات الرجال مع الرجال القادمين من حماة في المسجد.

ومن الإشارات الرائعة فيما يختص بالأمور المالية، حين تجمع لدينا بعض المال يوم الذهاب، وحين رغبنا في إعطائه بعض العائلات كانوا يرفضون أخذ هذا المال.. هي مواقف عزة وكرامة.

كانت إحدى الأسر اللاجئة تسكن أحد المنازل بالإيجار، وأراد صاحب البيت بيعه وحاول طرد الأسرة، حتى لا تضيع البيعة من يده، فعلم بذلك أحد المحسنين الذي حاول إثناءه عن البيع، ولما فشل في ذلك اشترى هو البيت، وسمح للأسرة اللاجئة بالإقامة فيه.

ماذا قال لك اللاجئون عن سبب لجوئهم؟

– يقولون: إن سبب لجوئهم هو النظام الأمني، والشبيحة، ويؤكد أحد الأشخاص أن رجال الأمن ذهبوا إلى بيته وسرقوا منه كل شيء، حتى أنهم كسروا كراسي الحمامات، فهذا الرجل كيف يعود إلى بيته؟

هناك رعب وخوف مما جرى لهم ورؤية ضبابية للمستقبل خوفاً من النظام القمعي الذي يراه ويسمعه العالم أجمع.. عائلات مقسمة في أكثر من مكان لا تدري إلى أين مصيرها وكيف يستقبلون شهر رمضان، وأين يقضون العيد.. وأمور كثيرة تحتاج إلى إجابات.

سمعنا عن لاجئين تم الزج بهم في السجون اللبنانية.. ما حقيقة ذلك؟

– نعم هناك عشرات اللاجئين تم الزج بهم إلى السجون اللبنانية بتهمة دخول لبنان خلسة، علماً بأن هناك مليون عامل سوري يدخلون بهذه الطريقة ولا يتعرضون لأي مضايقات.. وهذا يرجع إلى التقاسم السياسي والأمني في لبنان، هناك شخص من بلدة “تلكلخ”، رأيته في سجن القبة، سألته: لماذا أنت هنا؟ فأخبرني أنه لا يدري.

يقول أحد هؤلاء الضحايا لي خلال زيارة للسجن: إنه دخل لبنان مع عشرة من أخواته لكن بعد الزج به في السجن لا يعرف مصير أخواته، ومازال سؤاله حائراً دون إجابة من أحد!

وقد رأيت في السجن شخصين وجدا مصابين في منطقة “تلكلخ” على قارعة الطريق وفي أنفاسهما الأخيرة، وتم إدخالهما إلى العناية الفائقة في السجن، وقد كانت جروحهما كلها في منطقة الوجه، وقريبة من العيون والخدين بواسطة السكاكين، وسمعت أحد مديري المستشفى في لبنان، يقول: أنا شخصياً أطبب هؤلاء وأتحفظ عليهم، إنها جرائم الشبيحة، وتم نقلهما للسجن بتهمة الدخول خلسة إلى لبنان أيضاً -لكن للحق- فإن الأطباء يقدمون لهم كل عناية ويحافظون عليهم، كما أن السجانين وحتى المساجين الجنائيين يتعاطفون بتقديم الطعام والملابس.

ماذا تعرف عن الشبيحة؟

– هم شباب عاطل عن العمل، يتقاضى الشاب منهم 500 دولار من سلطات الأمن؛ حتى يعيث في الأرض فساداً لصالح السلطات، وهذا المبلغ يعتبر مبلغاً كبيراً جداً بالنسبة للوضع الاقتصادي المتدهور في سورية، وقد خولت لهم سلطات الأمن امتلاك ما ينهبونه من الناس وهذا ما يرويه شهود عيان.

كيف تنظر إلى مستقبل هؤلاء اللاجئين المنتشرين في المنطقة التي تقيم فيها؟

– مستقبل غامض، فهؤلاء لا يعلمون كيف يدبرون أمورهم المعيشية إذ لا يملكون شيئاً من حطام الدنيا رغم حياتهم الميسرة في سورية، ولا يعرفون شيئاً عن مصير أبنائهم وكيف يواصلون دراستهم؟ وهل يلتحقون بالمدارس اللبنانية، أم يخاطرون بالذهاب إلى سورية، أم ينتظرون مهما طال الأمد؟

وفي حال الالتحاق بالمدارس اللبنانية لابد من وجود أوراق ثبوتية رسمية، وهي غير متوافرة معهم، وهذه قضية خطيرة جداً، فالمدارس على الأبواب، وهذا الأمر يحمل الدولة اللبنانية مسؤولية كبيرة جداً.. كما يحمل المنظمات والجمعيات والأحزاب الإسلامية مسؤولية جسيمة، باعتبار أن هذه القضية سياسية وإنسانية يجب أن يتحمل الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية والعالم العربي والمنظمات الإغاثية مسؤوليتهم تجاهها؛ فالقضية تكبر ككرة الثلج.

أنت بعد عودتك إلى لبنان فيم تفكر بعمله لمساعدة هؤلاء اللاجئين؟

– أفكر في السعي لإقامة مدينة “ملاهي” للأطفال، لإدخال البهجة إلى قلوبهم، بعد أن فقدوا وسائل الترفيه، كذلك أسعى لعمل وسائل ترفيه للفتيات، لقضاء أوقاتهن. 

Exit mobile version