الإرهاب أو سلاح الدمار الشامل ضد الإسلاميين (1)

المجزرة التي ارتكبها طيران الاحتلال الإسرائيلي في “حمام الشط” جنوب العاصمة التونسية

تجدر الإشارة في مقدمة هذه المقالات الثلاثة حول الإرهاب في تونس، التأكيد على أن أكبر المتضررين من العمليات الإرهابية هم الأحزاب والجماعات والجمعيات الإسلامية سواء في تونس أو خارجها، ولو جردنا الخسائر لوجدنا أنهم في مقدمة من دفعوا ثمن تلك العمليات الإجرامية الإرهابية وأيضاً في تونس وخارجها.

الأمر الثاني هو أن العمليات الإرهابية تمثل تحدياً وجودياً للحركات الإسلامية السياسية وحتى العاملة في مجال الدعوة والإغاثة والبعيدة عن النشاط السياسي؛ وهو ما يستدعي منها مواقف أكثر حزماً من الإرهاب ومن يقف وراءه.

الأمر الثالث أو الحقيقة الثالثة هو استغلال خصوم الإسلاميين للعمليات الإرهابية لوضع الجميع في خانة واحدة، ووصمهم دون تمييز بالإرهاب، من أجل تبرير استئصالهم، ومصادرة حق الحياة منهم، وليس فقط حظرهم من قبل سلطة غاشمة استبدادية، أو قوى إمبريالية، أو التقليل من شعبيتهم، وهؤلاء الخصوم موجودون لدى اليسار والقومجيين ولفيف من الليبراليين.

سنتناول في المقال الأول مفاهيمه، ومظاهره، وطرق مواجهته، وفي الثاني بعض الحقائق الدامغة التي أثبتها القضاء التونسي، وفي الثالث جرد للعمليات الإرهابية التي حدثت في تونس منذ عام 1980م وحتى آخر عملية تمت حتى كتابة هذه الحلقات وهي بتاريخ 6 سبتمبر 2020م.

مفهوم الإرهاب

بحضور عدد من السفراء وممثلي السفارات في تونس، قدم العميد هشام المدب، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية سابقاً، محاضرة بمركز دراسة الإسلام والديمقراطية، تركزت حول ثلاثة محاور، هي مفهوم الإرهاب، والعوامل التي ساعدت على انتشاره، والوسائل والأساليب التي اعتمدت لمواجهته.

وقد عرّف العميد المدب في بداية محاضرته الإرهاب، بأنه استخدام القوة لتحقيق أغراض وأهداف سياسية، بينما الإرهابي، في تعريف العميد المدب، هو من “يرفض نظام الحكم الذي يعيش في ظله، ويلتجئ لاستعمال القوة لتغييره أو التهديد بتغييره”.

وأشار المدب إلى وجود صعوبات على المستوى الدولي، ولا سيما الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في تعريف الإرهاب، حيث هناك أكثر من 300 تعريف للإرهاب والإرهابين لدى مختلف دول العالم، ووفقاً لمصالح الدول فأغلب التعريفات متناقضة، وبعضها متكامل.

وبالتالي لا يوجد وفاق بين دول العالم حول تعريف جامع ومجمع عليه بينها، ومن ذلك الاختلاف حول مقاومة المحتلين حيث لا تعدها أغلب الدول شكلاً من أشكال الإرهاب، وإنما هي مقاومة مشروعة ووفق مبادئ الأمم المتحدة نفسها، إذ تعتبر أغلب الدول أن مواجهة الاحتلال حق مشروع للشعوب من أجل التحرر.

وقسّم المدب الإرهاب إلى ثلاثة أقسام، وهو إرهاب الأفراد والمجموعات، وإرهاب الدولة ضد شعبها، أو جزء من شعبها، أو بعض الأفراد، حيث تم قطع رؤوس آلاف الأشخاص بعد سقوط الملكية في فرنسا على إثر الثورة الفرنسية، وغيرها من الأحداث، التي شهدتها الشعوب على يد الأنظمة الحاكمة فيها، ولا سيما المعارضين لحكمها، والنوع الثالث هو دول ضد أخرى، أو إرهاب مجموعات ضد مجموعات أخرى.

الإرهاب ليس إسلامياً

العميد المدب تطرق لدور المصالح الغربية في تشكيل المفاهيم الخاصة بها، حيث كانت قبل عام 1989م لمكافحة التجسس، وتحولت الإستراتيجية الغربية إلى مكافحة الإرهاب حالياً، لا سيما ذلك الذي يلبس الثوب الإسلامي.

وتحدث العميد المدب عن بحث الغرب عن عدو افتراضي، من العدو الأصفر (اليابان قبل الحرب العالمية الأولى)، إلى العدو الأحمر (بعد الحرب العالمية الثانية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي)، إلى العدو الأخضر وهو الإسلام.

وقال: إن العمل الإرهابي لا يحتاج الوقت الذي يستغرقه العمل الاستخباراتي، فهو لا يحتاج سوى بضعة أيام أو بضع ساعات لتحقيق أهدافه.

وعرج إلى أن المجموعات اليسارية كانت أول من مارس الإرهاب في البلدان الغربية، مثل مجموعة كارلوس، والقوات المسلحة الثورية في كولمبيا (فارك)، التي تأسست عام 1964م، وهي الذراع المسلحة للحزب الشيوعي الكولومبي، وضمت 10 آلاف مقاتل، ومنظمة النضال الثوري اليونانية (آيا)، التي تأسست عام 2003م، ووجهت نشاطها ضد السفارات الأجنبية وعلى رأسها سفارة واشنطن في أثينا التي تعرضت لهجوم دموي عام 2007، ومنظمة “إيتا” في إسبانيا التي تأسست عام 1959، وقتلت كسابقاتها المئات وجرحت الآلاف، ومنظمة “الدرب المنير” في البيرو، تأسست عام 1980م، وهي مسؤولة عن مقتل 31 ألف شخص، وجميع المنظمات السابقة يسارية.

والجيش الجمهوري الأيرلندي (ريرا)، وهي منظمة كاثوليكية، ورابطة الدفاع ألستر (أودا)، التي تأسست عام 1971م، وهي منظمة أيرلندية بروتستانتية، والجيش الشعبي الجديد في الفلبين (إن بي أ)، وتأسس عام 1969، وهو الذراع المسلحة للحزب الشيوعي الفلبيني، وتسبب في مقتل أكثر من 40 ألف شخص، ومنظمة “أوم شينريكيو” في اليابان، التي تأسست عام 1984م، وهي أول من استخدم غاز السارين، ومنظمة “جيش الرب” النصرانية، التي تأسست عام 1987م، وتنشط في أوغندا وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية، وأفريقيا الوسطى، وقد قتلت أكثر من 5 آلاف، وتهجير أكثر من 400 ألف شخص، علاوة جرائم المنظمات الصهيونية منذ الثلاثينيات وحتى اليوم.

وفسّر العميد المدب التركيز على الجماعات الإرهابية داخل النسيج الإسلامي، دون غيرها، بحاجة حلف شمال الأطلسي لعدو افتراضي، علاوة على خصوم الإسلاميين في الداخل الذين لا يقبلون بالتعايش مع الاختلاف، وبدت النسبية في كل شيء التي يؤمنون أكثر تشدداً مما يعدونه تشدداً لدى الإسلاميين الوسطيين الذين أثبتوا أنهم أكثر تسامحاً من خصومهم.

أحداث وسَّعت قاعدة الإرهاب

يشير العميد المدب إلى ثلاثة أحداث رئيسة ساهمت في انتشار الإرهاب، في منطقتنا، منها محاولة قلب نظام الحكم في السعودية، عام 1979، على يد جهيمان العتيبي، واعتبر المدب تلك العملية شرارة العمليات المسلحة في الشرق وشمال أفريقيا وأوروبا، ثم الثورة الإيرانية في العام نفسه، التي جاءت في أعقاب جرائم ارتكبها الشاه ضد شعبه، وتزامن ذلك مع رغبة غربية في التخلص من الأنظمة الشمولية، والحدث الثالث، كما يشير المدب، هو الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفييتي، الذي استقطب طيفاً واسعاً من المتطوعين من مختلف أنحاء العالم.

وأشار المدب لبعض الأحداث بدءاً بمهاجمة السفارة الأمريكية في نيروبي، عام 1998م، مروراً بتفجير المدمرة كول قبالة سواحل اليمن، عام 2000، وحتى أحداث 11 سبتمبر 2001م، وما تلا ذلك من أحداث دموية مرتبطة ببعضها بعضاً، لا سيما بعد غزو العراق، عام 2003م، ثم غياب الحوار والاحتكام للمؤسسات المنتخبة انتخاباً حراً ونزيهاً وشفافاً في بعض الأقطار بعد الربيع العربي والنكسات التي شهدها في بعض الأقطار العربية، واعتبار بعض الدوائر الغربية جميع المسلمين أعداء.

الحريات لامتصاص الإرهاب

وكشف المدب، في محاضرته، عن مساعٍ أمريكية لمواجهة الإرهاب، ومن ذلك فرض الحريات في المنطقة، وذلك في عام 2003م.

عندما طلبت واشنطن من تونس والمغرب ومصر وعدد من الدول الأخرى الانفتاح على المعارضة، وإخراج المساجين السياسيين من السجون، بمن في ذلك الإسلاميون، وفي تونس جاءت مراسلة للرئيس الأسبق بن علي بها 15 نقطة، أهمها إجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تحت إشراف الأمم المتحدة، وإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين؛ إسلاميين وغيرهم، وإرساء حياة ديمقراطية حقيقية في البلاد، وتعهدت الولايات المتحدة مقابل ذلك بدعم تونس اقتصادياً لتجعل منها “سويسرا أفريقيا”، وتكون بوابة للتغيير الديمقراطي في المنطقة، لكن بن علي رفض، فتم تقليص المساعدات الأمريكية، وتحدث المدب عن التفاوت الجهوي، واختلال ميزان التنمية من منطقة إلى أخرى؛ وهو ما خلق، حسب قوله، مشكلات جمة سارعت بقيام الثورة، لكن أعداءها استبطنوا تلك النقاط ويحاولون مع أضرابهم الإقناع بأن الديمقراطية ليست هي الحل، وأن الإرهاب ليس مرتبطاً بالاستبداد، الذي يمكن أن يضمن الاستقرار، والتطبيع، وديمومة التجزئة.

ودعا المدب لضرورة إرساء العدالة بين الجهات والقضاء على الطبقية السائدة في هذا المجال، متسائلاً: إذا كان رأس النظام قد ذهب وبقي النظام، فعن أي ثورة أو تغيير نتحدث؟

ورغم وجاهة المحاضرة، وتدخلات الحاضرين، فإنه لم تتم الإشارة من قريب أو بعيد لقضية فلسطين، ودورها في حالة الغضب، علاوة على سياسات الغرب المعادية للمسلمين (التضييق على حرياتهم الدينية، ومنعهم من السفر)، ودعمه للاستبداد، واستقبال دوله للانقلابيين.

وهذا ليس تبييضاً للإرهاب بقدر ما هو وصف لحالة تسري في المنطقة، ونعيد ونؤكد أن الإسلاميين القابلين بصندوق الاقتراع حكماً هم أكثر المتضررين من “الإرهاب”، ويذكر الجميع في تونس كيف سمحت إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، في عام2013م، لإرهابي بأن يهدد رئيس الحكومة التونسي الأسبق علي العريض (النهضة) وهو يلوّح بكفنه على الهواء مباشرة!

Exit mobile version