التعددية في التفكير والرؤى والعلاقات والحركة

قام الخلق –كل الخلق- على مبدئية التعددية؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) (الروم: 22)، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر)، (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود).

ومبدئية التعددية في الخلق تأتي في مقابل مبدئية الأحادية/ التوحيد للخالق، وقد انسحب هذا المعنى على منهج الوحي الذي خاطب الناس تارة والمؤمنين تارة والكفار به تارة أخرى هكذا، فكان الخطاب الإلهي متنوعاً بتنوع الخلق، وخاطب الجميع بقدر هذا التنوع فكان الخطاب مختلفًا ومتباينًا ومتعددًا، والإسلام تاريخًا هو أول آصرة تجمع في بوتقتها كل هذا التنوع الخلاق لبني البشر (تنوع ثقافي وجغرافي وعرقي وجنسي..).

والحركة الإسلامية أول ما تحتاج في إعادة بناء منهجها التربوي هو التأكيد على تلك المبدئية (التعددية) في التفكير المنهجي، فلا يمكن لحركة الإسلام أن تختزل حركتها وتفكيرها المنهجي في رؤية واحدة مهما كانت صوابية هذه الرؤية، أو تتقوقع بداخل خط منهجي لمجرد ألفته أو لعدم الرغبة في تخطى سير الأولين ومنهجيتهم في العمل، والعمل الذي نقدمه في هذا المطلب (التعددية) يعني تحقيق الانفتاح المعرفي والمنهجي على كل أنماط التفكير والنظريات الإنسانية التي أبدعها العقل الإنساني في تطوره المعاصر، فالحقيقة التي يسعى إليها الإنسان على الأرض متعددة وليست واحدة، وهذه غير الحق الذي هو واحد لا يتعدد.

لا يؤمن الإسلام بالقولبة ولا بالجمود ولا بالأحادية في مسار البشر فردًا أو جماعة، ولكنه يؤمن بالتنوع الخلاق والتعاون الفكري والعملي على البر الإنساني، لذلك جاءت دعوته للناس وليست للمسلمين أو المؤمنين به، ولا يمكن أن تصل تلك الدعوة للناس أو تصل خيريتها لهم وهذه الدعوة لا تعرف عن هؤلاء الناس شيئاً لا كيف يفكرون ولا ما ينتهجون، ولن تصل الدعوة (الإسلام) إلى هؤلاء (الناس) دون أن يتصل أصحاب تلك الدعوة بالتاريخ الإنساني المعاصر والاتصال به والجدل معه، إن مخاصمة العقل المعاصر ليست في صالح الإسلام ولا في مصلحة من يدعون إليه، إن مضمار الدعوة يتطلب بصورة أساسية الاتصال بالعقل المعاصر ودرس كل نتاجاته ووزنها ليس بميزان ذاتي ضيق محصور في رؤية أحادية لم تستطع الحركة تجاوزها إما لضعفٍ ذاتي، أو تحيز مسبق.

إن رفض الاتصال والتواصل بإنجازات العقل المعاصر هو حصر للإسلام في كهف لا يستحقه ولا يستحقه أهله، والحل الذي نقترحه –كما تقدم- هو الخروج من هذا الكهف إلى نور العالم، والخروج بنور الإسلام إلى ميدان البلاغ الحقيقي (الناس).

Exit mobile version