مريض “كورونا”.. بين الحقوق والواجبات

جعل الإسلام للمريض بالمرض المعدي حقوقاً على المجتمع، وأوجب عليه واجبات تجاه المجتمع.

أولاً: الحقوق:

1- أن يتولى المجتمع مداواة المريض ومعالجته، إن كان ثمة علاج ناجع في ذلك، فإن لم يكن فينبغي أن يُعطى المريض الأدوية التي تساعد في زيادة مناعة جسمه لمقاومة الأمراض المختلفة التي تهدده، ولا يجوز بحال التعجيل بإنهاء حياته (ما يسمى قتل الرحمة) تخليصاً له من آلامه ومعاناته مع هذا المرض، بل يجب أن يُترك –إن لم يُرج برؤه من مرضه– حتى يوافيه أجله، وذلك لأن التعجيل بذلك قتل له بغير حق، وقد حرمه الله تعالى بقوله سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ) (الإسراء: 33)، ولما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (متفق عليه)، وقتل النفس مرحمة لها ليس قتلاً بحق.

2- ألا يظهر أحد النفور من مرضه، وإنما ينبغي إيناسه، بإظهار البشاشة له، وطلاقة الوجه، فقد رُوي عن أبي ذر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، كما ينبغي التهوين من شأن هذا المرض أمامه، فقد رُوي عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا».

3- يجب على من يزوره أن يعمل على إذكاء إيمانه، وإنزال السكينة في نفسه، وتوثيق رباطه بالله تبارك وتعالى ثقة يهون بها كل شيء، فقد رُوي عن عبدالملك بن عمير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زار أم العلاء الأنصارية –وهي تتوجع– قال لها: «أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يحط الله عنه خطاياه، كما يحط عن الشجرة أوراقها في الخريف» (أخرجه أبو داود والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع).

ثانياً: الواجبات:

1- يجب على المريض الذي علم بحقيقة مرضه أن يجنب غيره الإصابة بهذا المرض، وذلك ببذل النصح للآخرين، وبيان إصابته، لينأى غيره بنفسه فلا يصيبه ذلك المرض، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم ست؛ إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه» (أخرجه مسلم 2/266).

2- ألا يضر المريض بغيره من أفراد المجتمع، فليس له أن يستعمل في غفلة منهم أشياءهم التي يظن انتقال فيروس المرض منه إليهم عن طريقها، وليس له كذلك أن يبصق على الأرض أو في مكان يرتاده الناس، وذلك لما رُوي عن أبي صرمه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ضار مسلماً ضاره الله»، ولما رُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (أخرجه مالك في الموطأ).

3- على المريض أن يخبر من يخفى عليه مظاهر هذا المرض بحقيقة مرضه، حتى يتخذ الصحيح منهم التدابير الوقائية لمنع الإصابة بهذا المرض، فذلك من باب النصح له.

4- ينبغي أن يسارع المصاب بهذا المرض المُعدي بالاعتزال عن المجتمع، وذلك بالذهاب إلى مصحة تتولى مداواته ومعالجته، ليقي غيره من الإصابة بهذا المرض، وللأخذ بأسباب البرء منه، وذلك لأن عدم الأخذ بهذه الأسباب يؤدي إلى هلاك المريض، وقد نهى الإسلام عن ذلك، قال تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195).

5- ألا يُمَكّن المريض أحداً من استعمال حاجاته الخاصة، كأواني طعامه وشرابه ونحوها، لما يظن من انتقال المرض عن طريقها، ولهذا يجب على المصاب أن يعتزل أسرته ومجتمعه، حتى لا تؤدي مخالطته لهم إلى إصابتهم بهذا المرض، فقد رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يوردن مُمرض على مُصح».

_________________

(*) من علماء الأزهر الشريف

Exit mobile version