“أمير القلوب” في ذكرى رحيله يبقى خالداً في قلوب الكويتيين

“إن عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن هو عمر إنسان يطول أو يقصر.. ولكن الأبقى هو عمر الكويت والأهم هو بقاء الكويت والأعظم هو سلامة الكويت”، بهذه الكلمات الموجزة والمعبرة في معناها اختزل “أمير القلوب” الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير البلاد الراحل، طيب الله ثراه، عشقه لهذا الوطن وخوفه عليه.

وفي ذكرى رحيله الـ14 نستحضر روح كلماته، فنستلهم منها القوة والثبات على حب هذه الأرض والتفاني في خدمتها.

فقد فجع أهل الكويت في 15 يناير 2006 بخبر أليم اعتصر قلوبهم كباراً وصغاراً، حيث فقدوا رجلاً لطالما أحبهم وعمل من أجل رفعة وطنهم، فبادلوه الحب والعمل حتى غدت الكويت “عروساً للخليج”.

وتولى المغفور له الشيخ جابر الأحمد مقاليد الحكم في البلاد في 31 ديسمبر 1977 بعد وفاة سلفه الشيخ صباح السالم الصباح، وهو الابن الثالث للشيخ أحمد الجابر الصباح، والحاكم الـ13 للكويت منذ تأسيسها قبل أكثر من قرنين من الزمان.

المهام الإدارية والسياسية

وقد بزغ نجم الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، منذ توليه أولى مهامه الإدارية والسياسية في البلاد عام 1949 عندما عيّنه والده، حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح، نائباً له في مدينة الأحمدي، حيث برزت جهوده وعقليته المنظمة في الاهتمام بالتخطيط العمراني المميز للمدينة، إلى جانب اهتمامه بحفظ الأمن وبناء علاقات مميزة مع شركات النفط.

وعلى مدى 10 سنوات من العمل في محافظة الأحمدي، تبلورت لدى المغفور له الشيخ جابر الأحمد رؤية اقتصادية شاملة لنهضة الكويت ظل يعمل على تحقيقها طوال حياته الزاخرة.

وقد أدرك حكام الكويت ممن سبقوه تميز فكر هذا الشاب لا سيما في المجال الاقتصادي ونظرته المستقبلية للأمور التي تنبع من حبه للكويت وأهلها، وحرصه الدائم على توفير سبل العيش الكريم لهم.

وعهد إلى الأمير الراحل بمهمة إدارة دائرة المال والأملاك العامة للدولة، إضافة إلى مسؤوليته عن مكتب شؤون النفط والإسكان عام 1959، إذ بدأ في عملية تثمين البيوت بأعلى الأثمان ليستفيد المواطن، ولتبدأ الكويت نهضة عمرانية شاملة.

وفي العام نفسه (1959)، عين المغفور له الشيخ جابر الأحمد أيضاً رئيساً لمجلس النقد الكويتي، حيث عمل جاهداً على صدور أول عملة كويتية بعد الاستقلال التي صدرت في 1 أبريل 1961 لتحمل صورة أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح، وتوقيع سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمهما الله.

وفي أول تشكيل وزاري في كويت ما بعد الاستقلال الذي شكل في 28 يناير 1963، عين الشيخ جابر الأحمد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للمالية والصناعة، لتبدأ البلاد منذ ذلك اليوم عهداً جديداً من التطور والازدهار السريع في مختلف الميادين، لا سيما الاقتصادية، بفضل إرادته وإصراره على بناء كويت حديثة يشار لها بالبنان.

إنجازات

وقد عمل، رحمه الله، خلال تلك المرحلة على إنجاز العديد من المشاريع المهمة؛ كتأسيس ميناء الشويخ، وإنشاء محطة تكرير مياه البحر، وتأسيس شركة البترول الوطنية الكويتية.

كما كان سموه مهندس الاستثمار الكويتي، حيث أسهم بنظرته الثاقبة في وضع مبادئ الاستثمار الأساسية لفوائض البلاد النقدية من مبيعات النفط، ساعياً إلى توسيع القاعدة الاقتصادية الضيقة للكويت باعتماد موارد أخرى غير النفط.

ومن هذا المنطلق، جاء إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي عام 1950 الذي تطور على يده من مكتب صغير يعمل فيه 11 موظفاً عام 1965 إلى هيئة عامة للاستثمار تشرف على صندوق الاحتياطي العام وصندوق احتياطي الأجيال وجميع الاستثمارات الكويتية الهائلة في الخارج.

ولعل إنشاء ديوان المحاسبة يعد من أبرز إنجازات الأمير الراحل التي ما زالت صرحاً شامخاً إلى اليوم، فقد حرص، طيب الله ثراه، منذ اللحظات الأولى لإنشاء ديوان المحاسبة عام 1964 على متابعة كل ما يقع تحت مسؤولياته من مهام وفقاً لما حدده الدستور والقانون، لا سيما ما يتعلق بالاستثمارات الكويتية في الخارج.

وواصل الأمير الراحل العمل في منصبه وزيراً للمالية حتى 30 نوفمبر 1965 حينما اختاره الشيخ صباح السالم الصباح، حاكم الكويت آنذاك، ليكون رئيساً لمجلس الوزراء، وفي 31 مايو 1966 بويع من مجلس الأمة ولياً للعهد بعد تزكية الأمير له.

ولم تتوقف طموحات المغفور له الشيخ جابر الأحمد وإنجازاته بعد توليه تلك المسؤولية الجسيمة، بل زاده ذلك إصراراً وعزيمة على تحقيق المزيد من النجاحات في مسيرة التقدم الاقتصادي للكويت.

ومن أبرز إنجازاته، رحمه الله، خلال فترة ولايته للعهد التي لن ينساها الكويتيون جيلاً بعد جيل، تلك الفكرة العظيمة والرائدة على مستوى الوطن العربي ككل بإنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة.

وبناء على ذلك، فقد صدر عام 1976 المرسوم بقانون رقم (106) في شأن احتياطي الأجيال القادمة، الذي قرر اقتطاع نسبة 10% من الدخل العام للبلاد سنوياً واستثمارها في محافظ استثمارية عالمية تحت إشراف نخبة من الخبراء الاقتصاديين محلياً وأجنبياً، على أن تودع عائداتها لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة.

ولقد برهنت الأحداث على مدى صواب هذه الفكرة العظيمة، وبُعد نظره، رحمه الله، حيث شكلت أموال صندوق احتياطي الأجيال الركيزة الأساسية التي مكنت القيادة السياسية الكويتية خلال فترة الاحتلال العراقي الغاشم عام 1990 من دعم أبناء الكويت في الداخل والخارج، والمساهمة الفعالة في تحرير الكويت وإعادة الإعمار.

وكان للأسرة الكويتية نصيب كبير في اهتمامات المغفور له، فقد صدر القانون رقم (61) لسنة 1976 الذي نظم عملية التأمينات الاجتماعية في البلاد، وكفل معاشاً تقاعدياً لجميع العاملين في القطاعين الحكومي والخاص والقطاع النفطي بمختلف فئاتهم وحالاتهم، محققاً بذلك حالة عامة من الشعور بالاستقرار والأمان للموظف الكويتي.

وكان إنشاء بنك مركزي في الكويت أحد تطلعات الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد منذ أن كان وزيراً للمالية، ليقوم بمهمة تنظيم سياسة النقد الكويتي الذي تحقق بافتتاح المقر الجديد للبنك في أبريل 1977، لتبدأ الكويت مرحلة جديدة في بناء اقتصاد راسخ وثابت.

وبعد وفاة الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، رحمه الله، أصبح الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أميراً للبلاد في 31 ديسمبر 1977، حيث شهدت الكويت في عهده نقلة كبيرة على مختلف الصعد.

وعلى المستوى الخليجي، فقد كان الشيخ جابر الأحمد مهندس فكرة إنشاء منظومة مجلس التعاون الخليجي عام 1981 النابعة من قناعته بأن العصر المقبل هو عصر التكتلات السياسية والاقتصادية.

ورغبة منه في أن تكون قرارات دول مجلس التعاون منسجمة مع تطلعات شعوبها، اقترح في قمة الدوحة عام 1996 فكرة إنشاء مجلس استشاري من 30 عضواً من مواطني الدول الست الأعضاء توكل إليه مهمة تقديم النصح والمشورة والرأي للمجلس الأعلى الذي يعتبر السلطة العليا في مجلس التعاون.

أما على الصعيد العربي، فقد كانت القضايا العربية بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية الشغل الشاغل للأمير الراحل منذ اللحظات الأولى لاستقلال الكويت، فكان صاحب فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، في 31 ديسمبر 1961.

وتولى الشيخ جابر الأحمد رئاسة أول مجلس لإدارة الصندوق الكويتي لتنمية الاقتصادية العربية، لتصبح الكويت في طليعة الدول التي تقدم المساعدات في مجال التنمية للدول الأخرى، حتى وصل حجم تلك المساعدات إلى أكثر من 8% من الناتج القومي الإجمالي للكويت.

ولن ينسى العالم مبادرة الأمير الراحل عام 1988 من على منصة الأمم المتحدة، عندما وقف مخاطباً دول العالم بأن تسقط فوائد الديون المستحقة على الدول الفقيرة، وتخفيض أصل الدين على الدول الأشد فقراً في هدف سام لتقريب الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

ولم تثنه أشد الأزمات التي مرت عليه وعلى أهل الكويت من أن ينسى شعوب العالم الفقيرة، فوقف الشيخ جابر الأحمد مرة أخرى على منصة الأمم المتحدة في 27 سبتمبر 1990 في عز كارثة الاحتلال العراقي الغاشم للكويت، ليعلن أن الكويت قررت إلغاء جميع الفوائد على قروضها، كما ستبحث أصول القروض مع الدول الأشد فقراً، وذلك من أجل تخفيف عبء الديون التي تقع على كاهل تلك الدول، بحسب “كونا”.

Exit mobile version