الندوي والنيفر وعسكرية

– الندوي أحد رؤساء تحرير مجلة «معارف» التي تمثل المسلمين بشبه القارة الهندية وأسس جمعية لنشر الإسلام بين الهنود

– النيفر شارك بتأسيس جمعية الزيتونيين وانتخب عميداً للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين وجدد البرامج التعليمية بها

– عسكرية اختير ليكون أول واعظ بالأزهر وكان يجوب المقاهي مع البنا لنشر الفهم الصحيح للإسلام

 

بقدر أهمية العلماء وحاجة الأمة إليهم، يتبين خطر غياب دورهم أو تغييبه؛ فالثغرة التي هم عليها لا يسدُّها غيرهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» (رواه الترمذي)؛ وهذا ما يحتّم علينا ضرورة إحياء سيرة هؤلاء العظماء، وفاء لهم، وعرفانا بفضلهم.

أبو الحسن الندوي.. ماذا خسر العالم برحيله؟

«ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» من أبرز الكتب التي دونها العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي، حيث شخَّص فيه حال المسلمين ببعدهم عن الإسلام.

يعتبر أحد أعلام الدعاة إلى الإسلام في عصرنا الذين لا يجهلهم أحد، حيث عبَّرت عن ذلك كُتبه ورسائله ومحاضراته التي شرّقت وغرّبت، وقرأها العرب والعجم، وانتفع بها الخاص والعام.

ولد بقرية تكية كلان من مديرية رائي بريلي قرب لكهنؤ بالهند عام 1332هـ/ 1913م، ونشأ في أسرة متدينة متعلمة، إلا أن والده توفي وهو صغير؛ فتعهده بالرعاية أخوه الشيخ عبدالعلي، الذي حرص على تعليمه حتى أتقن الإنجليزية والفارسية، إلى جانب لغته الأوردية، حيث أكمل تعليمه في دار العلوم بندوة العلماء، ودار العلوم في ديوبند، وجامعة لكهنؤ.

عمل مدرساً بدار العلوم في لكنهؤ، واشتغل بالصحافة، وساهم في تحرير مجلة «الضياء» التي تصدر بالعربية، ثم ترأس تحرير مجلة «الندوة العلمية» التي كانت تصدر عن ندوة العلماء بالأوردية، ثم أصدر مجلة «التعمير» بالأوردية، ويعتبر أحد رؤساء التحرير لمجلة «معارف» الأكاديمية التي تمثل المسلمين في شبه القارة الهندية، كما أسس جمعية لنشر الإسلام بين الهنود، وتولى رئاسة جامعة دار العلوم ندوة العلماء، وقام بأعمال لا ينكرها أحد لخدمة الدين، ونال عضوية الكثير من المجالس الإسلامية، كما حظي بالعديد من الجوائز.

يرى د. يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق، أن فقه الدعوة عند العلامة أبي الحسن الندوي يقوم على ركائز وأسس تبلغ عشرين ركيزة.

رحل الشيخ الندوي بعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب والمؤلفات، والمواقف التربوية والعملية الواقعية أمام طوفان العداء للإسلام، يوم الجمعة 23 رمضان 1420هـ، الموافق 31 ديسمبر 1999م.

محمد النيفر.. شيخ في وجه الاستعمار

على أرض تونس الخضراء، ولد الكثير من علماء هذه الأمة الذين حموا الدين بأرواحهم، وخلفوا وراءهم مواقف كان لها أثر في حفظ الأمة وهويتها من الضياع، والشيخ محمد الشاذلي الصادق النيفر الحسيني واحد من هؤلاء العلماء الذين رحل أجداده عن الأندلس وقت الاضطهاد و»محاكم التفتيش».

ولد الشيخ الحسيني عام 1330هـ/ 1911م بمدينة تونس، في بيت علم وفضل وشرف، ونشأ في رعاية والده أحد أعلام الزيتونيين، فأحسن تربيته على القيم الإسلامية الرفيعة والآداب العالية، وحصل على شهادة ختم الدروس الثانوية عام 1930م، وهي شهادة تؤهل صاحبها للتدريس بجامع الزيتونة، وقد كانت دروسه عذبة لطيفة في إشاراتها، فصيحة في عباراتها.

في عام 1936م شارك في تأسيس جمعية الزيتونيين التي أنشئت لإعداد النشرات، وتنظيم المحاضرات والاحتفالات بالمناسبات الدينية، وفي عام 1937م ساهم في تأسيس الشبيبة الزيتونية التي ترمي إلى توحيد كلمة أبناء الجامع الأعظم.

في عام 1953م أسس الشيخ جريدة «الزيتونة» الأسبوعية، واختص بتحرير افتتاحيتها ليكتب عن هموم الأمة، والمطالبة بإصلاح الزيتونة والذبِّ عنها؛ مما عرَّضها للإيقاف عن الصدور مرتين، وفي الثالثة أوقفت نهائياً عام 1957م.

كان الشيخ طيلة حياته مناضلاً شجاعاً، فوقف ضد الاستعمار؛ مما عرضه للابتلاء، وذلك حين تولى إدارة المدارس الزيتونية لسكنى الطلبة، فاستاءت منه السلطة الاستعمارية، فتعرض بيته للتفتيش، وألقي القبض عليه ثم وضع رهن الإقامة الجبرية.

وبعد الاستقلال شارك في الحياة السياسية، حيث انتخب عام 1959م نائباً بمجلس الأمة الأول، وترأس الجلسات الافتتاحية في عدة دورات، وكان محل إكبار الجميع؛ لمواقفه الثابتة وشجاعته، ومع ذلك لم ينشغل عن دعوته.

في عام 1977م انتخب عميداً للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين، وتولى تجديد البرامج التعليمية في الكلية، وأصدر قراراً ينص على اعتبار الكلية الزيتونية مؤسسة جامعية تُعْنَى بالدراسات والبحوث الإسلامية.

اعتنى الشيخ بالقرآن الكريم، واختير عضواً للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه التابع لها، ولم يرحل حتى أثرى المكتبة بالعديد من المؤلفات.

ظل الشيخ كذلك حتى رحل في 4 شعبان 1418هـ، الموافق 3 ديسمبر 1997م، في تونس، ودفن بها.

حامد عسكرية.. العالم المجهول

حامد عسكرية واحد من العلماء الذين ربما لم يسمع عنهم الكثيرون، فهو من العلماء الذين حملوا راية الحق في القرن العشرين؛ حيث إنه من أوائل من تخرج في الأزهر الشريف وعمل واعظاً، لكنه مات في ريعان شبابه.

ولد الشيخ عسكرية في قرية الطيبة التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية في مطلع القرن العشرين (عام 1900م)، حفظ القرآن في سن صغيرة، والتحق بالأزهر الشريف، ومر بمراحل تعليمه حتى تخرج فيه، وعُرف بصوته الندي، وحبه الشديد للقرآن والسُّنة والدفاع عنهما.

تعرف خلال دراسته بالأزهر على حسن البنا –الطالب بدار العلوم حينذاك– وأصبحا لا يفترقان إلا قليلاً، تحلى الشيخ عسكرية بصفات طيبة؛ كغيرته على دينه، وصلابته في الحق، وقوة حجته رغم صغر سنه؛ مما دفعه برفقة صديقه الأستاذ البنا إلى أن يجوبا المقاهي لنشر الفهم الصحيح لمعاني الإسلام.

بعد تخرجهما عمل البنا بالإسماعيلية، وظل عسكرية بالقاهرة، بعد أن أنشأ الأزهر قسم الوعظ والإرشاد، واختير عسكرية ليكون أول واعظ يعمل به، وشاء القدر أن يأتي تعيينه هو أيضاً بالإسماعيلية، فسكن في نفس الدار التي يسكن فيها البنا.

في الإسماعيلية بدأ مع صديقه الشيخ البنا دعوة الناس؛ فكان نتاج دعوتهما نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م، حتى إن البنا قال تحت عنوان «الدعوة في نفوس أربعة»، في رسالة المؤتمر الخامس: «إن دعوة الإخوان أول ما تكونت في نفوس أربعة؛ كان الشيخ حامد عسكرية واحداً منهم».

كان لنشاط الشيخ الدعوي أثره في نفوس المغرضين الذين ظلوا يرسلون الرسائل الكيدية ضده حتى نقله الأزهر إلى مدينة شبراخيت عام 1930م –قبل أن ينقل لشبين الكوم بالمنوفية-  غير أنه اعتبرها هدية من الله؛ حيث استطاع أن ينشر فكر الإخوان ويفتتح شعبة جديدة بها في المحرم 1349ﻫـ/ يونيو 1930م، التي كان لها دور كبير في التصدي لحملات التنصير التي انتشرت بمصر في ذلك الوقت.

لم تنقطع الشكاوى الكيدية ضده حتى استدعاه الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، شيخ الأزهر آنذاك، ليخيره بين أن يستمر في الوعظ أو جماعة الإخوان؛ فكان رده: «لا أرى تضارباً بين العملين بحال! فوعظي للإخوان ودعوتي لفكرة الإسلام باسمهم جزء من عملي العام، بل لعله أنفع هذه الأجزاء»، فما كان من شيخ الأزهر إلا أن لان معه في القول.

حينما انتقل البنا إلى القاهرة، وتشكل أول مجلس شورى ومكتب إرشاد للإخوان، اختير الشيخ حامد عسكرية عضواً به، في 22 صفر 1352ﻫـ/ 15 يونيو 1933م.

وفي يوم الأحد 16 شوال 1356ﻫـ، الموافق ديسمبر 1937م، توفي الشيخ عسكرية بعد إصابته بسرطان المثانة، ودفن في مسقط رأسه بقرية الطيبة، حيث شيعته جموع غفيرة على رأسهم الشيخ البنا، وقد نعته صحف الإخوان بقولها: «إن ركناً من أركان الإخوان المسلمين تزلزل بنيانه، لقد عصف الحِمام بشقيق أرواحهم، وأحد الصفوة المتقدمين في طلائع صفوفهم الأستاذ الكريم الشيخ حامد عسكرية، وكيل مكتب الإرشاد العام والواعظ بمركز شبين الكوم».

 

 

________________________________________________

1- رابطة الأدب الإسلامي، مكتب البلاد العربية: الشيخ أبو الحسن الندوي: بحوث ودراسات أعدت بمناسبة تكريمه في المؤتمر الرابع سنة 1417هـ/ 1996م، إسطنبول، مؤسسة الرسالة، 2002م.

2- قيــس بن محمد آل الشيخ مبــــارك أستاذ الفقه: بقلم أحد تلامذة الشيخ الحسيني، منتدى السادة المالكية، نوفمبر 2009م،

3- عبده مصطفى، مريم السيد: عمالقة في زمن النسيان، منارات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2010م.

 

(*) باحث في التاريخ الحديث.

Exit mobile version