خولة العتيقي: حتى نرتقي بالعملية التربوية لا بد أن تعود للمعلم مكانته اللائقة

2019-12-04_09h08_42.png بداية، نرجو أن تطلعينا على رحلتك التعليمية حتى صرت معلمة للغة العربية.

– في البداية، كنت رسَّامة، ورغبت في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ولكنَّ أخي رفض هذه الفكرة، وأصر على الرفض رغم محاولاتي لإقناعه، وكان حينها يدرس الطب في جامعة الإسكندرية بمصر، فرفض فكرة أن أغترب عن الكويت وأعيش في القاهرة من أجل تعلّم الرسم ودراسته، ومن وجهة نظره أن هذا لا يستحق ترك الوطن من أجله، مع أن كلية الفنون حينها كانت عريقة ولها شأن كبير.

حزنت حزناً شديداً بسبب رفضه وإصراره عليه، ولم ألتحق بأي كلية أخرى، وقد أغلقت جامعة القاهرة أبوابها في وجهي بسبب تأخري في التقديم، ولجأت إلى القنصلية الكويتية بالقاهرة لمساعدتي، فأخبرني القنصل بأن الفرصة ما زالت مواتية أمامي في جامعة عين شمس، ولا بد من تقديم أوراقي إليها؛ حتى لا تضيع هذه الفرصة، وأقنعني حينها بالالتحاق بكلية البنات في جامعة عين شمس، ولم يعد أمامي غيرها؛ لذا وافقت على الفور، وبالفعل تقدمت إلى الجامعة التي قبلت أوراقي والتحقت بكلية البنات.

وبسبب صغر سني حينها، والبحث عن الأسهل –من وجهة نظري- اخترت قسم اللغة العربية، كونها سهلة أولاً، وثانياً أنني حصلت على المركز الثاني في اللغة العربية بالشهادة المتوسطة على مستوى الكويت، وذلك بعد مقارنة هذا القسم بأقسام اللغة الإنجليزية والجغرافيا والتاريخ وغيرها، فظننت أن اللغة العربية هي القسم الأسهل في الكلية، وبعد ذلك اكتشفت أنني سجلت في أصعب قسم، وما ساعدني على اجتيازه هو أنني كنت متفوقة فيها (اللغة العربية).

من خلال خبرتك كمعلمة بمدارس الكويت، هل هناك فرق بين الجيل الذي كنت تقومين بتدريسه والجيل الحالي؟

– نعم، الفرق كبير؛ خاصة في احترام المعلم وتقديره، والجيل القديم كان يحترم المعلم القدوة ويقدره؛ فبداياتي في عالم التعليم كانت في تدريس المقررات، وكنت مسؤولة عن 12 طالبة (مرشدتهن)، وكان لي أثر كبير في نفوس الطالبات، حتى إن أكثر من نصف طالبات المدرسة كن يذهبن للمديرة يطلبن منها أن أكون أنا مرشدتهن، وهذا يدل على أن المعلم كانت له مكانة في نفوس طلابه؛ فالطلاب يحبون المعلم المتميز، ومن يفهمهم، والذي يعامل الطلبة كأصدقاء له؛ وبالتالي يقوم المعلم بالتدريس ويصاحبه ببعض جرعات من النصائح والدعوة والإرشاد، كتلاوة آيات قرآنية، أو قراءة أحاديث نبوية؛ لذا كان الطلاب يتأثرون بالمعلم القدوة في ذاك الوقت.

والآن، وبعد هذا العمر الطويل، أدخل على إحدى الداعيات وهي تلقي محاضرة أو درساً على بعض النساء، فأفاجأ بها تتوقف عن إلقاء المحاضرة وتعتذر منهن بالقول: أنا لا أستطيع أن أتحدث في وجود معلمتي وأستاذتي التي علمتني، وأكنّ لها الود والامتنان، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الأدب الذي كان يتمتع به الجيل القديم، والتقدير للمعلم، والامتنان بالعرفان لفضله عليهم، وأنه سبب في وصولهم إلى تلك المكانة المرموقة التي وصلوا إليها.

والحين، أحفادنا -بكل أسف- يسخرون من المعلمين، ويقللون من شأنهم، بل يتطاولون عليهم بالألفاظ السيئة.

ما سبب تدني مستوى التعليم بالكويت؟

– لقد انخفض المستوى العام للتعليم، وعلى أثره انخفض مستوى المعلم؛ ومن ثَمَّ هبط مستوى الطالب، وأصبحت الإدارات التربوية تخشى من ولي الأمر.

وهناك حادثة لي ذات دلالة على حال أولياء الأمور سابقاً وحالياً؛ حيث كنا في الصيف نذهب –نحن الطلبة والطالبات- إلى المطوع لحفظ القرآن الكريم، ودراسة العلوم الشرعية، وفي يوم ذهبت إلى المطوعة، وفوجئت بها تأمر بإمساكي وقامت بضربي، ثم اكتشفت أن ذلك كان بتدبير بينها وبين أمي.

وفي أحد الأيام، غاب أخي صلاح عن المدرسة، وأراد من والدي ورقة يكتب فيها العذر الذي جعله يغيب عن المدرسة، وبالفعل أحضر والدي الورقة وكتب فيها إلى مدير المدرسة: «إن ابني غاب عن المدرسة بدون عذر، والرجاء منكم عقابه على ذلك الغياب»، وأمسك أخي بالورقة وذهب بها إلى مدير المدرسة، وهو لا يعلم ما المكتوب في تلك الورقة.

أما الآن، فإن الآباء والأمهات يعترضون على النظرة التي ينظرها المعلم إلى أبنائهم، وعلى النصيحة أو الكلمة التي يلقونها عليهم، بل وصل اعتراضهم على طريقة الشرح والتدريس للطلبة، فأصبح أولياء الأمور يتدخلون في طرق التدريس، ونقل المعلومة، والتعامل، وأصبح المعلمون يخافون من أولياء الأمور، ويعملون لهم ألف حساب قبل الإقدام على أي أمر يختص بمجال عملهم التدريسي بالمدرسة، مع أن طريقة التدريس هي سياسة دولة، حتى إن أحد النواب أثار مشكلة عدم تعاون إحدى المدارس مع ابنته، وعدم تلبية المدرسة لطلبها بالنقل من فصل إلى آخر!

ما رأيك في ولي الأمر الذي يتطاول على المعلم؟

– المعلم بشر، ومن الطبيعي أن يخطئ البشر، وليس من اللائق محاسبة المعلم من قِبل ولي الأمر على الهفوة أو الخطأ غير المقصود، ومن أحد أهم أسباب تدني مستوى التعليم بالكويت هو تدخل أولياء الأمور في العملية التعليمية، وعدم احترامهم للمعلم، وهذا أنزل من مكانته الاجتماعية.

وهناك مخطط تنفذه بعض الدول العربية بالتعاون مع البلاد الغربية للحط من العملية التعليمية ومن مكانة المعلم اجتماعياً، ويرفعون من مكانة المهن الأخرى؛ كالضابط والمهندس والطبيب، ولنا أن نتساءل: من ساهم في تخريج الطبيب، والمهندس، والضابط.. غير المعلم؟ لذا كان من الواجب أن يكون المعلم في أعلى مرتبة وظيفية بالدولة.

لقد اشتُهرتِ بهواية القراءة.. فكيف أثرت عليك في العملية التعليمية؟

– نعم، أثرت كثيراً؛ فبداية كل حصة كنت أسرد على طلبتي معلومة، أو جملة مميزة، سواء قرأتها في كتاب أو مجلة أو غير ذلك؛ فقد عملت في ثانوية الجزائر 6 سنوات، ثم حدثت لي ظروف فمكثت في البيت 8 سنوات، وبعد ذلك رجعت إلى التدريس، وكل الناظرات كن يتفاهمن معي.

وقد استفدت من الفكر التربوي الذي درسته في رسالة الماجستير الكثير، خصوصاً الإسلامي واليوناني والروماني والصيني، وحينما كنت أعرض بعضاً منه على الطالبات، كان يزيد من حصيلتهن العلمية، ويحببهن في اللغة العربية.

هل طلابنا وطالباتنا متعطشون للمعلومات؟

– نعم بكل تأكيد؛ لأن ثقافتهم ضحلة، ففي أيامنا كانت الكتب موجودة، وما كان أحد يقرأ، فقط الكثير يحب الاستماع إلى الإذاعة؛ فما بالك بهذه الأيام؟

بالتأكيد، كثير من الناس ابتعدوا عن القراءة في ظل تشتت الانتباهات، وكثرة وسائل التسلية واللهو، رغم أن وسائل المعرفة في وقتنا هذا أصبحت متاحة أكثر.

بمَ تفسرين الخلل في العملية التعليمية، بالمناهج أم بالمعلم؟

– الخلل في المعلم، فلو كان عندنا منهج ضعيف ومعلم قوي؛ ستكون النتيجة جيدة، ولو عندنا منهج قوي ومعلم ضعيف؛ فبالتأكيد ستكون النتيجة سيئة، في الغرب عندما يصل الطالب إلى مرحلة معينة يُطالب بتعلُّم ست أو سبع مهارات، لا بد أن يجيدها، ويتم ذلك بدون كتاب، مع مراعاة المجال المعرفي والوجداني، ودراستها، ولكن ليس بأمر مباشر، فالطالب يتم تكليفه بمهارة معينة، وهو يبحث عن الكتب والوسائل المعرفية من أجل تنمية هذه المهارة التي تم تكليفه بإتقانها.

أنا لا أطالب الاقتداء بالغرب تماماً في هذا الموضوع؛ لأن الطالب الباحث عن المعرفة في الغرب يبحث عنها في كل الوسائل، سواء المشروعة، وغير المشروعة، فمن الممكن أن يكون مصدر المعلومات مجلة خادشة للحياء، أو كتاباً غير لائق، وهكذا.

أما نحن فنضع للدين والخشية لله أهمية أكبرى في حياتنا، فلا نستطيع أن نمنح الحرية المطلقة للمعلمين في البحث عن مناهج؛ لأننا لا بد من مراعاة الدين والذوق العام في المجتمع.

ما رأيك في تغيير المناهج بشكل دوري، كل 5 سنوات مثلاً؟

– لا ينبغي لنا أن نقوم بتغيير المناهج؛ بل تطويرها؛ لأن المناهج أو المهارات ثابتة، والمحصلة النهائية هي تخريج طالب يقرأ بطلاقة، ويكتب بانسياب، ويكون متعلماً ومثقفاً.

وكما قلت، فالمهارة لا تتغير؛ فعلى سبيل المثال، وضعنا في المرحلة الابتدائية موضوعاً عن «الفاكس»، وكان حينها جهازاً جديداً، له دور كبير في الحياة اليومية بالشركات والمدارس والجامعات والوزارات وحتى في المنازل، وفي وقتنا الحالي أصبح جهاز «الفاكس» مجرد ديكور في المكاتب، ولا أحد يستخدمه؛ فهل من اللائق أو الطبيعي أن يظل الموضوع الذي يتناول دور «الفاكس» في حياتنا اليومية على رأس الموضوعات التي يتم تدريسها للطلبة في المرحلة الابتدائية؟!

بخبرتك الممتدة، نصيحة منكِ للمعلم في كيفية إدارة الحصة؟

– عملية تحضير الدرس والسؤال عن الواجب شيء ضروري، بالنسبة للمعلم، لكنها لا بد أن تكون عملية تمهيدية لأمور يجب أن يقوم بها المعلم داخل الصف، لا من أجل أن يراها المدير أو الموجّه الذي يشرف على المعلم؛ فالطالب ليس له علاقة بعمليات التحضير؛ لأنها من الأمور الإدارية، لذا يجب على المعلم أن تكون له خريطة في الحصة من أجل تحقيق الأهداف الوجدانية والنفسية، وفي نهاية الحصة يسأل نفسه: ما الذي تحقق؟ وما الذي استفاده الطلبة من الحصة؟

Exit mobile version