الديمقراطية بالكويت في مرحلة نمو ولا بد لها من بيئة إقليمية مناسبة

ذكر د. شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، أن الديمقراطية بالتجربة الكويتية في مرحلة النمو، وأنها دخلت في بعض التعرجات التي بطَّأت من نموها، حتى أصبحت الآن كأنها عالقة في مكان ما.

لكنه أشار، في حواره مع «المجتمع»، إلى أن الكويت فيها توازنات ديمقراطية، وبها فئات وتنوع وآراء، ولديها تيارات سياسية، وأجواء انتخابية، وفيها رحمة في التعامل مع بعض القضايا الشائكة؛ فهي ليست دولة دموية، أو استبدادية.

كما أكد أن إيران ليست عدواً، فهي دولة إقليمية كبرى في هذه المنطقة، ولديها مصالح، وهي ساعية لحماية هذه المصالح، وما نراه من إيران بمنطقتنا، ما هي إلا محاولات لاستغلال نقاط ضعف المنطقة العربية لتعظيم مصالحها.. كما تطرق في هذا الحوار إلى عدد من القضايا العربية والإقليمية الأخرى.

في البداية، كيف تقيِّم علاقة مجلس الأمة الحالي بالحكومة؟

 – الديمقراطية دائماً لها شروط، وأي ديمقراطية قد تنقصها بعض الشروط، وكلما ازدادت هذه الشروط الناقصة؛ تضعف الديمقراطية، إلى أن تصل إلى أدنى درجات الضعف، لكن الشيء الإيجابي بالكويت أن هناك مجتمعاً يتحدث، رغم بعض التراجع في القدرة على التعبير، بسبب القوانين، ولكنَّ هناك مجتمعاً يتحدث، ويناقش القضايا، وما يحب وما لا يحب، وهناك آراء مطروحة ومتعددة، وهذا يختلف عن كثير من البقاع العربية، التي أصبحت أكثر أمنية في التعامل مع أبسط مبادئ التفكير والحريات، لكن السؤال المطروح: هل مجلس الأمة، اليوم، مثل مجلس الأمة منذ عشر سنوات، أو خمس عشرة سنة؟

أقول: إن الأمر قد اختلف؛ ففكرة «الصوت الواحد» بإمكانها أن تعزز الديمقراطية، ولكن بشرط وجود أحزاب علنية، شفافة، ميزانياتها واضحة، ومصادر تمويلها معلنة، وطريقة هيكلتها الداخلية وانتخاباتها معروفة، وعليها رقابة مالية من مؤسسات الدولة، هذا النمط من الأحزاب التي تسمى أحزاباً ديمقراطية ضرورة لنجاح التجربة، وهذا يتطلب إعادة النظر في النظام الانتخابي، ربما بنظام الدوائر، ولهذا أقرأ الانتخابات التي تجرى بالكويت في السنوات القليلة الماضية، منذ عام 2013م وما بعده، مروراً بالانتخابات القادمة، أنها تعطي للمواطن دوراً أصغر في إيصال مَنْ يمثله، والسبب في ذلك؛ أنه في منطقة تعدادها قد يكون 80 ألفاً أو 100 ألف، بإمكان أحد النواب أن يفوز بثلاثة آلاف صوت، وهذا يعطيك فكرة عن إشكالية النظام الانتخابي الحالي.

هل أثبت نظام «الصوت الواحد» فشله الآن بعد تطبيقه منذ عام 2012م إلى اليوم؟

 – لا.. ربما كان هذا هو المطلوب أيضاً، بمعنى أنني أحاول أن أقرأ فكر الحكومة، وفي هذا المضمار، نجحت في مخرجات أقل صخباً، وتمثيلاً، وتعبيراً؛ لأنها أرادت أن تأخذ الوقت لترتيب أوراقها كما تريد.

إذن، إذا كان السؤال: هل نجح «الصوت الواحد»؟ هناك أكثر من وجهة نظر؛ فوجهة نظر ترى أن صانع القرار نجح تماماً، لكن من وجهة نظر الديمقراطية لم ينجح، بل فشل تماماً.

وإن قلنا: إن المجتمع الكويتي في أغلبه مجتمع شاب، فـ%70 من أبنائه تحت الثلاثين عاماً، فهو جيل جديد مختلف في التفكير، والرؤى، ويشبه الأجيال الجديدة التي تبرز اليوم بالعالم العربي، يصبح هَمّ تطوير التجربة الديمقراطية هماً حقيقياً، وتصبح محاولة إنضاجها من خلال مشاركة أوسع، ومن خلال مجتمع مدني حيوي أكثر، ومن خلال أحزاب سياسية شفافة ومعلنة ووطنية حقيقية، ضرورة، وبدون هذا تظل التجربة في إطار الجزر والمد، وبإمكانها أن تتعرض لهزات ومفاجآت.

قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «توني بلير»: «أغرب ديمقراطية بالعالم ديمقراطية الكويت؛ فمن يفوز لا يشكّل حكومة، ولا يوجد حزب يشكّل حكومة»! هل هذا الكلام يمثل الواقع بالكويت، أم مجرد تنظير؟

 – الديمقراطية المكتملة النمو هي التي يشكّل الحكومة فيها من يفوز بالانتخابات، لكن التجربة الديمقراطية الكويتية ليست مكتملة النمو، وهي تعطي هامشاً غير موجود في ظل النظام الإقليمي، وأغلب المحيط العربي لا يوجد به ديمقراطية، والديمقراطية بالتجربة الكويتية في مرحلة النمو، وكان يفترض أنها تنمو أكثر فأكثر منذ إقرارها في دستورها عام 1961م، ولكن الذي حدث أنها دخلت بتعرجات، واستمرت هذه التعرجات على مدى سنوات طويلة، وهي مستمرة إلى يومنا هذا، كأنها عالقة في مكان ما، لا تستطيع أن تتقدم، بل تتأخر ثم تعاود الانطلاق.

وأرى أن تطوير التجربة الكويتية الديمقراطية يتطلب مناخاً إقليمياً، مرتبطاً بما سيق في هذا الإقليم بالسنوات الخمس والعشر القادمة، بمعنى: هل بإمكان الديمقراطية أن تنمو في دول عربية أخرى؟

فقد شاهدنا التجربة التونسية، هل يمكن تكرارها في تجارب عربية أخرى، وتؤدي إلى نتائج إيجابية؟ إذا وقع هذا التطور، فسيكون أسهل على الكويت أن تنمي تجربتها الديمقراطية.

إذا لم يتطور هذا الوضع في الدول العربية المحيطة بنا، وظلت هذه الدول شمولية، فسيكون من الصعب أن تتطور التجربة الديمقراطية كثيراً في الكويت، ولكن هذا لن يمنع أن تنجح الكويت في تطوير توازناتها الديمقراطية.

بالتأكيد يوجد في الكويت توازنات ديمقراطية، وفئات وتنوع وآراء، ويوجد بها تيارات سياسية، وأجواء انتخابية، وفيها مناخ للحرية، ومحاولات دائمة لمنع التعسف، وفيها على الأقل رحمة في التعامل مع بعض القضايا الشائكة؛ فهي ليست دولة دموية، أو استبدادية، هي في مكان ما، وفي لحظة ما يُفقد التوازن، ثم يستعاد مرة أخرى.

كما أن النظام الاجتماعي في الكويت يؤدي دوراً كبيراً في بناء التوازن؛ فطبيعة الأسرة، والآراء المتبادلة داخلها، تعطي نمطاً من التوازن.

هل ترى –كمواطن- أن الشعب «كفر» بالديمقراطية؟

 – في الحقيقة أنت لا تستطيع أن تكفر بشيء لم تمارسه؛ فالكويت لم تمارس ديمقراطية مكتملة البناء، ما كان موجوداً في الكويت، وما هو موجود الآن هو شكل من أشكال التنظيم الديمقراطي في بداياته، وهو يحتاج إلى إنضاج، وإكمال، وأطر، والديمقراطية لا تعتمد فقط على الانتخابات، وإنما تحتاج إلى عدد من العناصر، التي من المهم لكي تنمو أن تلتفت إليها القيادة السياسية، كما تلتفت إليها القوى الاجتماعية والبرلمانية؛ لأنه بلا جهود حقيقية في هذا الاتجاه، ومن الصعب أن تنمو التجربة الديمقراطية؛ فهي تجربة تراكمية، وتحتاج إلى استكمال ونمو، وتأخذ زمناً لكي تصل إلى حالة النضج.

هل أثبتت المرأة نجاحها في مجلس الأمة؟

– تجربة دخول المرأة في الكويت المعترك السياسي تعكس حالة تقدم، وهناك مشاركة نسائية على مستويات كثيرة، وهي تعكس حالة وضع المرأة في المجتمع الكويتي، ووضعها في المجتمع اليوم مختلف عن وضعها قبل سبعين عاماً، فالمرأة ليست فقط متعلمة، بل هي تمثل الأغلبية في القطاع التعليمي، وخصوصاً في جامعة الكويت، وهي تمثل أيضاً نسبة كبيرة من الذين يعملون في القطاع الحكومي، وهي نسبة صاعدة في القطاع الخاص، وبذلك فالمرأة الكويتية نشيطة، ودارسة، وحريصة، وتبذل جهوداً كبيرة؛ وبالتالي أرى أن دورها سوف يزداد كثيراً مع الوقت.

كيف تقيِّم دور الكويت بمجلس الأمن على المستوى العربي والإسلامي، وبالأخص القضية الفلسطينية؟

– حقيقة، أنا لم أتابع كل التفاصيل التي تتعلق بعمل الكويت في مجلس الأمن، ولكني تابعت بالتحديد الموقف الكويتي من القضية الفلسطينية، وأستطيع أن أقول في إطار ما رأيت: إن الكويت كانت خير ممثل لنفسها، ولطموحات وآمال العرب في حدها المقبول بمجلس الأمن، خاصة عندما طُرحت قضايا تتعلق بالإرهاب، واتهام «حماس» بالإرهاب، ومحاولات الإساءة للقضية الفلسطينية، واستمرار محاولات إعطاء الدعم لـ«إسرائيل» والصهيونية، فالكويت وفية لنفسها، وتراثها، وتاريخها، وارتباطها بالمعنى الدستوري، فهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، فأرى أن الكويت كانت متزنة وحكيمة في مجلس الأمن.

بالمجيء إلى الأزمة الخليجية.. كيف تراها؛ حقيقية أم مفتعلة؟

 – كل الأزمات بإمكانها أن تكون حقيقية أو مفتعلة؛ لأن الأزمات عندما تقع فليست المشكلة هل وقعت أم لا، ولنفترض أن هناك أزمات حقيقية بالعلاقات بين مجموعة من دول الخليج، لكن الأزمة تتحول إلى مفتعلة من خلال ردود الفعل المبالغ فيها، فلو كان بينك وبين أخيك خلاف على أمر من الأمور؛ سيصبح مفتعلاً عندما تستخدم وسائل غير شرعية وغير منطقية.

وأزمة الخليج بهذا المعنى تحولت إلى مجموعة من الدول قررت أن هناك بعض الخلافات السياسية, أو رؤية مختلفة حول شؤون المنطقة، فأن يتحول هذا إلى صراع يدمر كل ما له علاقة بمنجزات مجلس التعاون الخليجي عن بكرة أبيه، طول أربعين سنة؛ فأنت تدمر ما بنيته في دقائق، وهذا أيضاً يطرح سؤالاً: كيف يتم صنع القرار؟ إذا كان البناء يأخذ أربعين سنة، وأنت تصنع القرار الذي يدمره في خمس دقائق؛ فكيف يتم صنع القرار؟ هل مر القرار على انتخاب شعبي، أو لجان استشارية؟ وهل دُرس؟ وهل مر على رؤساء الدول، أو الأمراء، أو القادة، أو الوزارات..؟ إذا لم يمر القرار على أحد؛ كيف صدر؟ هل مر على محكمة كي تقرر وتقيّم وتعطي إنذارات، وتطلب بعض التعديلات عليه؟

إذن، بهذه الطريقة كأنك دمرت كل شيء وأخذت قراراً لم يمر على أحد، ولم يُدرس أو يقيَّم، وهذه إشكاليات المنطقة، فقرارات الحرب والسلام لا تمر على أحد، هي فقط في رؤوس قادة، لم يناقشوها جيداً ولم يدرسوها بعمق، ولم يفكروا بها على كل المستويات المطلوبة، ولم يدرسوا النتائج السلبية التي تطرأ عنها، أو أثر ذلك على المواطنين والشعوب، ولم يدرسوا المدى البعيد أو المتوسط، فقط هم يفكرون على المدى القريب المباشر، وينتهي الأمر أيضاً إلى كارثة.

ما توقعاتك بشأن حل الأزمة الخليجية؟

 – بإذن الله ستحل الأزمة الخليجية، وكل موضوع سياسي له حل، ودائماً الحلول في مصالح الدول، فهي في لحظة معينة تكتشف أن مصالحها في التفاهم، وسياساتها يجب أن تعدّل لإيجاد هذا التفاهم، وبين الحين والآخر يخرج رأي يقول: إن هناك سعياً سعودياً لحلحلة الوضع مع قطر، ورأي يقول: إن هناك أيضاً محاولات إماراتية وسعودية للتحدث مع إيران لتخفيف الاحتقان بالمنطقة، وأقصد أن السياسة لا يوجد فيها ثابت مطلقاً، بإمكانها أن تتغير بين ليلة وضحاها؛ فبالتالي في أي لحظة ما تتواجد الحلول ومن ثَمَّ تنفك الأزمة، ولكن ما لا حل له في المدى المنظور هي أزمة الثقة؛ لأن هذه الأزمة ضربت الثقة بين عدد من دول المنطقة وبعض شعوبها، وستبقى أزمة الثقة معنا لمدة طويلة.

ماذا عن إيران؟ أتراها عدواً؟

 – إيران ليست عدواً، فهي دولة إقليمية كبرى بالمنطقة، ولديها مصالح، وتسعى لحماية هذه المصالح، وما نراه من إيران في منطقتنا، ما هي إلا محاولات لاستغلال نقاط ضعف المنطقة العربية؛ لتعظيم مصالحها، وما نراه من روسيا أيضاً هو استغلال لنقاط الضعف لتعظيم مصالحها، وكذا تركيا، فالدول براجماتية تحاول أن تحمي مصالحها، ولنأخذ الجانب الإيراني مثالاً؛ فإيران تعتقد أننا نريد شراً بها، منذ الحرب العراقية الإيرانية، بل منذ انتشار القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وخاصة في منطقة الخليج، معتقدة أن هذه القواعد تهدد النظام في إيران.

إذن، إيران أخذت إستراتيجية المواجهة منذ زمن بعيد، وهدف هذه المواجهة تحييد هذه القواعد، واختراق الوضع العربي؛ حتى لا يستطيع أن يوجه لها ضربة، أو من قبل الولايات المتحدة.

ما تقييمك للوضع في لبنان؟ هل سيعود لعام 1976م (الحرب الأهلية)؟

– لا.. أنا شخصياً إن أردت أن أقيّم، فأرى أن الدول التي مرت بقتال حقيقي وبحر من الدماء، لا أقول: إنها لن تعود إليه على سبيل الإطلاق، ولكن من الصعب على لبنان أن يعود كما كان إلى حرب أهلية وإلى قتال؛ لأنه يعرف أن هذا سيدمر مطالبه، ولن يسمح له بالتطور، وسينهي المجتمع، لهذا ستجد اللبنانيين يترددون في اللجوء إلى العنف، شارعاً وحكاماً.

هل تعد تونس نموذجاً للديمقراطية المنتظرة في الوطن العربي؟

– الديمقراطية في دولة عربية صغيرة صعب أن تكتمل دون انتشار الديمقراطية في الدول الأخرى، مثل الاشتراكية نشأت في بلد واحد، ونشرها الاتحاد السوفييتي في ثلثي الكرة الأرضية، والرأسمالية في بلد واحد لا تنتشر، ولكنها انتشرت في العالم، وأنا أعتقد أن الديمقراطية في بلد واحد بالعالم العربي لا يكفي، بل يجب أن تنتشر الديمقراطية، وتصبح جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي.

كيف هي أوضاع القضية الفلسطينية ومحاولات إغلاقها؟

– لا يمكن إغلاق القضية الفلسطينية، فهي ملف لا يُغلق؛ لأسباب كثيرة؛ فما زال هناك ستة ملايين فلسطيني على الأرض، وهم بلا حقوق، في حق الانتقال، وحق السيادة، والحياة والعمل، والعدالة والمساواة، هم معرضون لأن تؤخذ أراضيهم بين ليلة وضحاها، ومعرضون للطرد من بيوتهم، ومعرضون للمستوطنين والمستوطنات التي تأخذ من أراضيهم وتعشعش في محيطهم العربي المباشر، هم منتهكون في القدس، وفي أركان المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة وبيت لحم.

بمَ تفسر التراجع العربي في دعم القضية الفلسطينية؟

– التراجع عند النخب، والنخب ليست دائمة، ولن تدوم، والشعوب دائمة، وستحكم، وأنا أرى أننا سوف نخضع جميعنا في زمن قادم لحكم الشعوب، يعني أن الشعوب ستصبح مصدر السلطة والشرعية، وإذا رضي الشعب عنك تصل للحكم، وإذا لم يرض فلن تصل إليه، بغض النظر عن منزلتك أو إمكاناتك المالية، وقدراتك العائلية.

قريباً سيكون مصدر السلطة الوحيد هو الشعوب، وذلك بعد أن جربت طبيعة الحكم وهي غائبة عن مصدره، الآن الشعوب ستصر على أن تكون جزءاً من المعادلة، لأنها اكتشفت أنه عندما تغيَّب إرادتها تُنهب بلادها، وتُدمر في حروب، ولا أحد يسائل مَنْ دمر البلاد.

Exit mobile version