الأطفال ضحية الابتزاز والاستغلال الجنسي عبر الإنترنت

تشكل قضية استغلال الأطفال عبر الإنترنت هاجساً يهدد المجتمعات، وإحدى الظواهر الإجرامية التي يتعرض لها الأطفال، التي شهدت تزايداً لا مثيل له في السنوات الأخيرة، حتى باتت تقض مضاجع جُل دول العالم؛ الأمر الذي يتطلب تعاوناً دولياً للتصدي لهذه الظاهرة العابرة للحدود التي تهدد حياة الأطفال وتعرضهم لمخاطر الاستغلال الجنسي، والتعرض للمواد الإباحية المشينة في ظل غياب الرقابة والتشريعات.

وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل يتورطون في مثل هذا الاستغلال بجميع أنحاء العالم، وأن ثلث هذا الرقم موجود في القارة الآسيوية.

أظهرت إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن الربح السنوي من استغلال الأطفال جنسياً عبر «الإنترنت» يتجاوز 3 مليارات دولار، وأن هناك أكثر من 100 ألف موقع إباحي للأطفال، وأن متوسط عمر الأطفال الذين يتعرضون لمواقع إباحية هو 11 عاماً.

كما أشارت إلى أن طفلاً واحداً من بين كل خمسة أطفال دون سن العاشرة -ممن يستخدمون «الإنترنت»- يضع معلومات خاصة به على «الإنترنت»، من ضمنها عمره وصوره والمدينة التي يعيش فيها، ويتم التقرب منهم لأغراض جنسية.

وهنالك 26 شخصية كارتونية محببة للأطفال تُستغل لاستدراجهم لمواقع إباحية، وأن 28% من الأطفال تعرضوا للتحرش ومحاولات الإغراء من شواذ يكبرونهم بالعمر في غرف الدردشة الإلكترونية.

وأشارت هيئة إنفاذ القانون (تتبع وزارة العدل الأمريكية) إلى أن هناك أكثر من 17 مليوناً من الصور ومقاطع الفيديو الإباحية المتداولة؛ 83% منها تشتمل على أطفال تقل سنهم عن 12 عاماً.

وأعلنت الهيئة في بيان صحفي، يوم 16 أكتوبر الماضي، عن إغلاق أكبر سوق لاستغلال الأطفال جنسياً يعرض مقاطع إباحية ويبيعها باستخدام عملة «بيتكوين».

وبحسب «دنيز أوناي»، خبير مواقع التواصل الاجتماعي، كشفت دراسة عالمية أن 49.7% من الأطفال يستخدمون الإنترنت لمدة ساعة على الأقل يومياً، بينما 63.5% منهم يمتلكون أجهزة ذكية خاصة بهم، وأن 75% يشاهدون المقاطع المصورة عبر الإنترنت ويستمعون للموسيقى، و70% منهم يلعبون الألعاب.

عابرة للحدود

ويحذر خبراء تربويون ومختصون في أمن المعلومات تحدثت إليهم «المجتمع» من خطورة قضاء الأطفال أوقاتاً طويلة على منصات التواصل الاجتماعي وأمام الأجهزة الذكية، خصوصاً الألعاب الإلكترونية، مشيرين إلى أن الأطفال قد يقعون ضحية للإدمان الإلكتروني، والتعرف على بعض الفئات من المستخدمين الذين يستغلون براءة الطفولة لاستدراجهم إلى ما لا تُحمد عقباه.

وبحسب د. عمران سالم، خبير أمن المعلومات والجرائم الإلكترونية، لـ»المجتمع»، أن بعض الأطفال يمارسون التجارة الإلكترونية أحياناً، ويبيعون بعض ألعاب الفيديو، ويحاولون الشراء من الإنترنت من أشخاص قد يستدرجونهم أيضاً لمقابلتهم والاعتداء عليهم.

وتشير الإحصائيات إلى أن الطفل يقضي يومياً ما يقرب من 4 – 6 ساعات على الأجهزة الذكية، مع غياب شبه كامل لرقابة الوالدين، بحسب سالم.

ويبين أن الاستدراج والوقوع فريسة في يد هؤلاء الأشخاص، وصفهم بـ»المجرمين»، له عواقب نفسية كبيرة على الأطفال قد تحتاج في بعض الأحيان إلى علاج نفسي.

ويزداد الأمر خطورة مع الفتيات أيضاً، فبعضهن يقعن فريسة سهلة لبعض المجرمين بحجة الحب والوعود الزائفة بالزواج، يضيف سالم.

وعن طريقة الإيقاع بالفتاة، يتابع سالم: يتقمص المجرم دور الشخصية المحترمة الجادة الباحثة عن الحياة الزوجية الهانئة، وخلال فترة من الزمن قد تصل إلى شهرين أو ثلاثة أشهر، تقع الفتاة فريسة سهلة للحب العاطفي الوهمي، وقد تتبادل الغرام مع هذا المجرم الذي يستدرجها لأخذ بعض صورها الخاصة من البدء بقصة الابتزاز معها عن طريق الوصول لعائلتها، وتبدأ رحلة من العذاب النفسي لحين الانتهاء من هذا المسلسل المتكرر في مجتمعاتنا من فترة لأخرى.

ويرى داود الحدابي، أستاذ التربية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، أن 80% من شخصياتنا جميعاً تتشكل في السنوات الثماني الأولى، وهو ما يتطلب العناية الفائقة والتربية السليمة لأطفالنا في هذه المرحلة، ولا يعني هذا عدم الاهتمام بهم بعد هذا العمر، فتربية الأطفال أمانة في أعناقنا، وعلينا القيام بها بشكل مستمر لضمان تحمل هذا الجيل مستقبل المجتمعات العربية والإسلامية، بل والإنسانية.

ويعتبر الحدابي استغلال الأطفال عبر الإنترنت مشكلة عالمية شاعت كثيراً في العديد من بلدان العالم، ومنها العالم العربي والإسلامي، وظاهرة تزايدت في الآونة الأخيرة؛ مما جعل الآباء والأمهات يشكون من توسعها يوماً بعد يوم، وكثيراً ما يتم الاستغلال والاستدراج عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمراسلات والبريد الإلكتروني والمحادثات عبر الإنترنت والألعاب الإلكترونية ومشاهدة المواقع السيئة؛ مما ييسر تواصل المستغلين مع الأطفال.

ويوضح أن ديننا الإسلامي الحنيف يعتبر الأسرة الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات، على غير النظرة المادية التي تنظر للأسرة بمنظور مختلف، وطبيعة علاقات مختلفة، وتعتبرها عبئاً وليس استثماراً لمستقبل الأجيال وصلاح المجتمعات. 

وتقول د. هداية الله الشاش، المستشارة الأسرية والتربوية، لـ»المجتمع»: شبكة الإنترنت هي شبكة عالمية؛ ليس هناك من هو مسؤول عنها، وليست هناك مؤسسة معينة تديرها وتتحكم بها، لذا فمن السهل أن يواجه الأطفال والمراهقون خطورة عند استخدامهم الخاطئ لها، خاصة أن هذه المشكلات عابرة للحدود.

مخاطر الإنترنت

وبحسب الحدابي، يعود سبب استغلال الأطفال -لا سيما الاستغلال الجنسي- إلى انشغال الوالدين عن الأطفال، وعدم استغلال أوقاتهم فيما يفيد، وتدني مستوى التربية الأخلاقية والتوعية بمخاطر الإنترنت، والتفكك والعنف الأسريين، والجهل بحقوق الأطفال، وضعف التشريعات ضد من يتسبب في الاستغلال، وعدم وجود مراصد لمثل هذه الحالات ومتابعتها.

ويقول د. محمد القضاة، أستاذ تكنولوجيا المعلومات في كلية صور الجامعية بسلطنة عُمان، في تصريحات لـ»المجتمع»: لقد غيرت التقنية الرقمية وتطبيقاتها المتعددة العالم بأسره، وأدى دخول المزيد من الأطفال على الإنترنت -لأسباب مختلفة- إلى تغيير مرحلة الطفولة التي غالباً ما تتسم بالبراءة.

يقول القضاة: لا يوجد طفل على الإنترنت آمن تماماً، لكن الأطفال الأكثر ضعفاً هم الأكثر عرضة للمخاطر، ويضيف: يمكن لهذه التقنية الرقمية أن تعرض الأطفال للخطر، وهو يأخذ أشكالاً مختلفة، أهمها: التنمر الإلكتروني، الاستدراج الإلكتروني، الاستغلال والإيذاء الجنسي للأطفال، خطاب الكراهية، الاستغلال المادي من خلال استدراجهم لشراء المزيد والمزيد من الألعاب مدفوعة الثمن.

وحسب إحصائيات الأمم المتحدة للطفولة، فإن الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت في تزايد سنة بعد أخرى، حتى تقدر نسبتهم مؤخراً بحوالي ثلث الذين يستخدمون الإنترنت في العالم، وتتزايد هذه النسبة شيئاً فشيئاً مع انتشار الهواتف الذكية وتطبيقاتها التي تمكن الأطفال من الدخول على صفحات الإنترنت من غير رقابة الأهل ومن غرفهم الخاصة (غالباً)، وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جداً وسلاحاً ذا حدين.

وبحسب القضاة، تنقسم المخاطر التي يواجهها الأطفال عبر الإنترنت إلى ثلاثة:

1- مخاطر المحتوى: وهي تعرض الطفل لمحتوى غير لائق، ويشمل الصور الإباحية والعنيفة والإعلانات والمواد التحريضية والعنصرية، وإيذاء النفس وأحياناً الانتحار.

2- مخاطر الاتصال: عندما يشارك الطفل في اتصال يترتب عليه مخاطر، مثل التواصل مع أشخاص بالغين «بيدوفيليين»؛ وهو مصطلح يطلق على أشخاص لديهم ميل وولع في الأطفال ما دون 13 عاماً واشتهائهم جنسياً، أو من خلال الاتصال بمتطرفين وإرهابيين.

3- مخاطر السلوك: حيث يساهم الطفل بسلوكيات تسهم في إنتاج أو نشر محتوى محفوف بالمخاطر، مثل نشر خطابات الكراهية أو توزيع صور إباحية.

وبحسب تقرير «Internet Watch Foundation” (جهة رقابية على الإنترنت)، فإن 92% من مواقع الإنترنت المختصة بالإساءة الجنسية للأطفال موجودة في 5 بلدان، هي: هولندا والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وروسيا.

انتهاكات جنسية

كشف تحقيق قامت به «ذا تايمز» البريطانية عن 60 قضية لانتهاكات جنسية بحق أطفال عبر تطبيقات مواعدة إلكترونية، بينها الاستدراج والاختطاف والاعتداء الجنسي العنيف، وكان عُمْر أصغر طفل تعرّض للاستغلال بتلك الطريقة 8 سنوات، وتمّ إجبار «إنستجرام» على التعهّد بأنّه سيحذف الصور التي تتضمن الأذى الشخصي والانتحار، بعدما قال والد طفلة انتحرت في عمر الـ14 عاماً: إنّ التطبيق كان سبباً رئيساً فيما حصل.

وفي السياق نفسه، أفادت دراسة أجرتها منظمة بريطانية معنية بحماية الأطفال في بريطانيا عام 2019م، بأن موقع «إنستجرام»، هو أكثر التطبيقات المستخدمة على الإنترنت، لاستدراج الأطفال واستغلالهم جنسياً في بريطانيا.

ويرى القضاة أن تمكين الأطفال من الوصول إلى الإنترنت له جوانب إيجابية، لعل من أبرزها أنها تتيح فرصاً للتعلم للأطفال خصوصاً في المناطق النائية والتي تمر بأزمات إنسانية. 

وتشير تقديرات الأمم المتحدة للطفولة إلى أن نحو 29% من الأطفال والشباب في العالم لم تتح لهم فرصة الاتصال بالإنترنت، معظمهم من أفريقيا بنسبة 60%، مقارنة بأوروبا 4%.

خطوات لحماية الأطفال

ويرى الحدابي أن الحد من استغلال الأطفال يحتاج إلى تنفيذ البحوث حول هذه الظاهرة بشكل مستمر، وتوافر مراكز رصد لهذه الظاهرة، وتطوير برامج توعوية وتدريبية للآباء والأمهات والأطفال، وتفعيل دور المساجد والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وتأسيس مراكز استشارية وتوجيه لحل المشكلات الأسرية والتربوية، وإصدار التشريعات الرادعة والعمل على تنفيذها بصرامة، إضافة إلى التنسيق والتعاون بين الأسرة والمؤسسات المختلفة لغرض الوقاية والعلاج.

وتؤكد الشاش ضرورة نشر الوعي من خلال أهمية عدم الإفصاح بأي من المعلومات الشخصية أو معلومات أي فرد من الأسرة، وعدم قبول أي من طلبات الصداقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم فتح أي من الرسائل والروابط التي لا يعرف مصدرها.

وتشير إلى ضرورة تنزيل برامج خاصة بحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، وبرامج مكافحة الفيروسات، إضافة إلى حجب ومنع هذه المواقع التي تشجع على الانتحار، مواقع سياسية متطرفة، مواقع تشجع تعاطي المخدرات، أو مواقع عنيفة، أو إباحية.

ويشير تقرير حالة أطفال العالم لعام 2017م إلى إجراءات لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، من خلال مساهمة الشركات التقنية في القطاع الخاص بدور حيوي للحد من انتهاك خصوصية الأطفال، وتفعيل عمل تحالف «Weprotect” العالمي الذي صُمم خصيصاً لحماية الأطفال، ويطبق في 77 دولة حالياً، وهي مبادرة عالمية تقودها حكومة المملكة المتحدة للقضاء على الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت.

ويأتي في صميم هذه المبادرة تعهُّدُ البلدان، وقطاع تكنولوجيا المعلومات، ومنظمات المجتمع المدني، ووكالات الأمم المتحدة مثل “يونيسف” باتخاذ إجراءات وطنية منسقة للتصدي للاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، بما في ذلك إعداد حلول تكنولوجية وتنفيذها للتعرف على مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال على شبكة الإنترنت، وحذف هذه المواد ومنع انتشارها، وعدم استغلال البيانات الشخصية للأطفال في تحقيق أهداف ربحية من خلال الدعايات الموجهة، حيث أشارت وثائق لدى القضاء الأمريكي إلى أن “فيسبوك” شجعت أساليب “تسمح بالاحتيال”؛ وهو ما يعني أن مطوري الألعاب يجعلون الأطفال ينفقون الأموال على غير علم منهم على ألعابهم، وتعليم الأطفال في المدارس وتوجيههم لحماية خصوصياتهم على الإنترنت، وكيفية التصرف في حال اختراقها من قبل البعض.

Exit mobile version