بعد 25 عاماً.. حان وقت إنفاذ «الطلاق المؤجل»

 

زوجي قمة الكرم المادي لكنه شحيح الكلام لا يستعذب الحديث العاطفي

لم تعد معاناتي فقط في الوحدة بل شعور الأولاد باليتم ووالدهم حي يُرزق!

وجدتني أسيرة بين زوج لا يعطيني مساحة من وقته ورئيس عمل حريص على التواد الإنساني

عدم الإنصات يجعل المشكلات تتراكم.. والمرأة لا تنسى الإساءة ما لم يسترضِها زوجها

إن كان قرارك بخلع زوجك انتقاماً منه فهذا حقك.. لكنْ تذكري العفو والإحسان

 

أستاذي الفاضل، مع كل تقديري لاستشاراتكم وآرائكم، فإنني اتخذت قراري منذ أكثر من ربع قرن، لكن حان وقت تنفيذه بكل قناعة.

لعلك تتساءل: لماذا، إذن، أرسل لكم مشكلتي؟! حتى يستخلص قراؤكم الكرام منها الدروس والعبر.

ولنعد إلى بداية المأساة: بعد تخرجي بتفوق وعملي في وظيفة مرموقة، تقدم لخطبتي شاب قريب لأحد أصدقاء والدي، به ميزات عدة؛ فهو محاسب من عائلة طيبة، غني ومتدين (كما ظهر لي)، وتم عقد القران والبناء بعد حوالي أربعة أشهر من الخطبة، وانتقلت إلى بيت رائع التأثيث، وأنا في قمة السعادة لأتعرف على زوجي!

وجدته قمة الكرم المادي حتى في العلاقة الحميمية، لكنه جاف شحيح الكلام لا يعرف الحب، ولا يستعذب الحديث العاطفي، بررت ذلك بمسؤولياته، وبادرت من جانبي عبر كل الوسائل المباشرة، أستقبله بفيض من المشاعر وأعذب الألفاظ، وأودعه بأرق العبارات العاطفية، لكنه «صنم»، حتى نظراته وكأنه يقول لي: ما هذه المبالغات؟!

رزقنا الله بطفل، وقلت: عسى إحساس الأبوة أن يطلق مشاعره ويعبر عن حبه لي بالكيفية التي تسعدني، ولكن هيهات هيهات! قررت مواجهته بمعاناتي بعد أن فشلت كل محاولات استثارة مشاعره تجاهي، طلبت أن نجلس معاً، فكان رده صادماً: هل ينقصك شيء؟ أنت عارفة مشاغلي! ولكنه تحت إصراري وتكراري وافق أن نجلس معاً وهو يتابع هاتفه، عبرت له أنني محتاجة زوجاً يشعرني بحبه، يبادلني المشاعر، يعطيني قدراً من الاهتمام، نتحدث معاً، قاطعني وهو يستشيط غضباً وأردف قائلاً: لا أفهم ماذا ينقصك؟ الحب أن يوفر الزوج لزوجته كل ما يستطيع! لديك كذا.. وكذا.. حاولت أن أفهمه: ينقصني أن تشعرني باهتمامك، أن تعطيني من وقتك، أن نتحدث معاً.. لم يعطني بالاً، قام قائلاً: هذا بطر، احمدي الله، كل ما تتمناه أي زوجة عندك، وتركني أبكي!

أصدقك القول؛ تجمدت مشاعري، ووئد حبه في قلبي، وقررت عدم التعبير له، فلم يعد له في قلبي ما أعبر له، إن مشكلتي مع زوجي لم تكن فقط شحه العاطفي، بل في أسلوب تعامله الذي قد يصلح مع طاقم العمل في مكتبه أو في شراكاته المالية، ولكن ليس في علاقة زوج بزوجته، يتعامل طبقاً للائحة عمل وليس طبقاً لمسؤوليات تضامنية بين زوجين بها تفاوت ومسموحات وسهو وعفو وخطأ وصفح، طلبت منه بإلحاح ورجاء أن نجلس لنتحدث، وأن يكون من ضمن برامجه العديدة برنامج لنا معاً كزوجين نتحدث لمجرد الحديث، وإنني محتاجة له كـأنيس لي، بالإضافة إلى أني أحتاج أن أعبر له عن وجهة نظري في أسلوبه معي، ولكنه يرى أنه زوج مثالي؛ فهو يوفر لنا كل ما يمكن أن تحلم به أي زوجة من احتياجات مادية مع حرية في التصرفات كما أرى، نعم لا أنكر ذلك، ولكن هل تزوجت أنا من أجل هذا؟ حتى العلاقة الحميمية فقدت اشتياقي لها، أنا ألبي فقط طاعة لله، حتى أصبح اللقاء وكأنه يقضي حاجته.

بعد خمس سنوات من الزواج رزقنا الله بثلاثة أولاد، وطبعاً تحملت أنا بمفردي مسؤولياتهم، ولم تعد معاناتي فقط في الوحدة التي أعيشها مع زوجي، بل شعور الأولاد باليتم ووالدهم حي يُرزق! نعم عندما أذهب بهم إلى النادي وأجد الأطفال بصحبة والديهم وأطفالي يلهون بمفردهم، أيضاً لم أدخر جهداً في محاولات يائسة ليجعل وقتاً للأولاد، أن يصحبنا ولو مرة كل شهر للنادي، أن يجلس معي ليس ليشاركني تربيتهم فهذا حلم بعيد المنال، فقط ليشد من أزري، أو يشعرني أنه معي وليس بمفردي في هذا العالم.

على الجانب الآخر، كان العمل بالنسبة لي متنفساً وراحة نفسية، خاصة أن القسم الذي كنت مسؤولة عنه كان معظم العاملين به من السيدات الفاضلات، كان رئيسي بالعمل صورة مناقضة لزوجي، إنسان محترم لا يتعدى حدود التعامل الرسمي، ولكنه متحدث لبق يشيد بالعمل يوجه بلطف، في أي اجتماع يشيد بالحضور، ويوصينا بأهمية العلاقات الطيبة مع الموظفين، وضرورة أن يجد الموظف المساحة النفسية مع رئيسه وأن يعبر عن رأيه.

بدون أن أدري وجدتني أعقد مقارنة بين زوجي ورئيسي بالعمل! ورغم أن ديني وقيمي يرفضان ذلك، فإنني وجدت نفسي أسيرة بين زوج لا يعطي لي أي مساحة من وقته، لا ليتحمل معي ويشاركني مسؤوليات البيت؛ بل فقط لمجرد أن أتحدث معه دون سخرية من إضاعة وقته دون فائدة، ورئيس عمل -لا يربطه بالموظفين غير عقد العمل- لكنه حريص على التواد الإنساني، أصدقك القول أستاذي، خفت على نفسي من الفتنة؛ فقررت الاستقالة!

فكرت جدياً في الانفصال، لكن حبي لأولادي وخوفي عليهم إن تزوجت وتركتهم دون راعية؛ لذا قررت الطلاق! ولكنه طلاق مؤجل بعد فشل كل محاولات التواصل مع زوجي، نعم قررت الانفصال النفسي عن زوجي؛ فهو له الحق الشرعي في جسدي، أما قلبي فقد لفظه، كما قررت الصمت فلا أمل في استمالته، والطريف أنه لأول مرة يشيد بي قائلاً: «واضح إنك عقلتي! ولم تعد تلك التفاهات تشغلك»! ولا يعلم أن تراكم تلك التفاهات -من وجهة نظره- قد قطعت فعلياً علاقتنا، وأنني منتظرة اللحظة المناسبة لإعلان قراري.

شغلت نفسي بأولادي وعوضتهم عن حرمانهم الأبوين بقدر ما استطعت، اشتركت في إحدى الجمعيات الخيرية، وتعرفت من خلالها على أخوات كريمات، وحفظت كتاب الله، ومارست الدعوة معهن من خلال الإنترنت، وزوجي مشغول باستثماراته.

ولله الحمد تخرج أولادي -نعم أولادي وليس أولادنا- وتزوج اثنان ومن المنتظر أن تلحق بهما أختهما بعد شهر، وقد قرب موعد تنفيذ قرار الطلاق، بل الإعلان عنه فقط، فوجئت باتصال من ابني يبلغني أن والده بالمستشفى في حالة خطرة! تبين أنه مصاب بجلطة، وظل أسبوعاً بالعناية المركزة، وقد أثرت الجلطة على رجله اليسرى بحيث يحتاج إلى عكاز، لقد صدمني مرة أخرى بفيض من المشاعر العاطفية! وأردف قائلاً: «الحمد لله لدينا الآن ما يكفينا العمر كله! لقد تعبت من أجلكم وحان الوقت أن أعوضكم»، آثرت السكوت ودعوت له بالشفاء.

عاد إلى المنزل، وحرصت على تمريضه بما يرضي الله حتى استقرت حالته، ثم بدأت الاستعدادات لزفاف ابنتنا، لم يكفّ زوجي عن محاولاته أن أتجاوب معه، لكن أنَّى له هذا! وقد جمدت مشاعري، بل تحولت إلى كره دفين، يطالبني بأن أنسى وأسامحه، ولكن كيف؟ كيف أنسى معاناة خمس سنوات من التذلل والاستعطاف، بل والتوسل أن نتواصل؟ كيف أنسى الاستهزاء بمشاعري وحرماني من الأمان النفسي؟ كيف أنسى عوزي واحتياجي إلى كلمة حب وأنيس، ولولا فضل الله وحده الذي عصمني، لجرفني الشيطان إلى الهاوية.. أليس الزوج الذي يحرم زوجته من حقوقها، يكون عوناً للشيطان عليها، آثماً؟ لقد وفقني الله وجمدت مشاعري طوال حياتي معه حتى أستطيع أن أقوم بدوري كأم وأب.

بالنسبة للأولاد، كنت قد أبلغتهم بقراري من حوالي عام، وطبعاً هم كبار ويدركون معاناتي، وأعطوني الحق لأتصرف بما أرى، لكن الآن يستعطفونني أن أعدل عن قراري أو أؤجله بسبب حالة والدهم.

إن شاء الله قريباً زفاف ابنتنا، وسأعود بعد الحفلة إلى دار أهلي، وأكلف المحامي بإجراءات الخلع.

التحليل:

أهمية الإنصات (جلسات الاستماع):

إن الزواج شراكة حياتية، وكل زوج له حقوق على زوجه، والحقوق المعنوية هي الأهم؛ لأنها مرتبطة بعنق الزوج، ولا يمكن أن يؤديها غيره، فإن قصر الزوج بالإنفاق على زوجته، فلا حرج أن يساعدها الوالد أو الأخ، ومن الحقوق الزوجية -ولعله أهمها- حق الإنصات باهتمام وتفاعل، وقد بينا في لقاءات سابقة أهمية أن يكون للزوجين لقاء على الأقل أسبوعياً يمكن من خلاله أن يعبر كل زوج عن احتياجاته من زوجه، فيحرص على تلبيتها قدر توفيق الله له؛ فالاستماع باهتمام قد يحل المشكلة، خاصة بالنسبة للزوجة، التي قد تتحدث عن مشكلة قد يراها الزوج تافهة، ولكن إن لم يعط جل وكل اهتمامه فقد يصبح هو المشكلة.

إن الزوجة أحياناً قد لا تكون محتاجة حلاً لما أثارته، فقط تريد أن تستمع لها؛ فمجرد الاهتمام بالإنصات دون العبث بالهاتف أو التنهد بما يوحي إليها «متى ستنهي الحديث؟» يجنبك الكثير من المشكلات، وقد تكون هناك مشكلة فعلاً تحتاج إلى تعاون الزوجين، واهتمام الزوج بالإنصات يساعدهما على التفاعل الطيب مع المشكلة، وتبدي الزوجة كل العروض للحل؛ لأنها شعرت من زوجها بالاهتمام؛ فعدم الإنصات الجيد من الزوج يخلق مشكلتين قد تؤديان إلى تدمير الأسرة:

الأولى: تتعلق بعلاقة الزوجين، حيث تترجم الزوجة عدم إنصات زوجها لها بعدم الاهتمام وعدم مشاركتها أعباء الأسرة وعدم حبها.. طبعاً لا حرج أن يكون الزوج في يوم ما متعباً فيعتذر على أن يؤجل الحديث للغد وهو الذي يطلبها للحديث.

الثانية: عدم الإنصات يجعل المشكلات تتراكم، ومهما كانت صغيرة، فإن تراكمها يكون سبباً لكارثة؛ فالمرأة لا تنسى الإساءة ما لم يسترضِها زوجها بشأنها! فيؤسفني أن أبلغ كل زوج أن الزوجة «تخزّن»، فاحرص على تنظيف حسابك أولاً بأول، هذا من الناحية الشكلية، وهو رغم أهمية الإنصات الجيد، فإنه يجب أن يتبعه استجابة مناسبة، حتى لا تفقد الزوجة الثقة في جدوى المناقشة والإصلاح.

فقه الأولويات الزوجية

رغم قيمة وضرورة حرص الزوج على توفير المستوى المادي المناسب لأسرته، فللزوجة والأولاد حقوق معنوية أخرى من حب ورعاية؛ لذا يجب الموازنة، والانشغال بجمع المال وإهمال الحقوق الأخرى للزوجة والأولاد يؤدي إلى ضياع الأسرة، وقد حذرنا المولى عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم: 6)؛ لذا يجب عدم الاستغراق في طلب الرزق الذي تكفل به الله والانشغال به وتضييع أمانة القوامة.

الطاقة النفسية:

لكل إنسان طاقة نفسية، وهي قدرته على التحمل والعطاء، ويجب على كل زوج ألا يستهلك الطاقة النفسية لزوجه، بل يحرص على أن يكون زوجه في قمة طاقته النفسية، حتى إذا احتاج له يجده بكل طاقته، كما أنبه على أنه يجب على كل زوج أن يحرص على التعبير عن حالته النفسية لزوجه، ولا يكتم مشاعره السلبية، لكن يجب التعبير عنها بأسلوب مناسب، ولا ينتظر حتى ينفجر ويفاجئ زوجه بالكارثة، في المقابل؛ يجب على كل زوج ألا يستهين أو يستهزئ بآلام زوجه النفسية، بل يشكره على أنه قد أعلمه بما يؤلمه ويتناقشان في الكيفية المثلى للتفاعل المناسب لما يعانيه الزوج.

ولصاحبة الرسالة أقول: جزاك الله خيراً:

تزوجت بعد أربعة أشهر من خطبة وتعرفت على زوجك بعد الزواج! الخطبة ليست وعداً بالزواج، ولكنها وعد بنية الزواج إذا ما أسفرت فترة الخطبة عن توافق الخطيبين؛ لذا فالهدف من الخطبة هو إتاحة الفرصة للخطيبين للتعرف على شريك الحياة المحتمل ودراسة وتقييم مدى توافقهما وقدرتهما على بناء بيت الزوجية، ومن واقع ما يعرض علينا من استشارات نؤكد أن أكثر من 75% من السمات الشخصية التي يشتكي منها الزوج كان يجب عليه أن يتعرف عليها في زوجه خلال فترة الخطبة، لكنها الغفلة أو التغافل، كما نوصي أن تكون هناك فترة مناسبة بعد العقد وقبل البناء –من أسبوعين حتى شهر- تمهيداً للبناء أو اكتشاف ما قد يتطلب الطلاق.

أبلغت زوجك بمعاناتك؛ فلم يستجب.

خفت على نفسك الفتنة فآثرت السلامة وتركت العمل.

تفرغت للقيام بدور الأم والأب، وشغلت نفسك بحفظ القرآن والعمل الخيري.

لك الحق دون أي لبس أن تحيي حياتك بما ترين بعد ما تحملت من وحدة رغم زواجك، وقد أبليت بلاءً طيباً وأديت أمانة تربية الأولاد بمفردك.

أرى أنك محتاجة إلى فترة نقاهة، حتى تستطيعي أن تقيمي الموقف بموضوعية دون أي انفعال، ودون أي ضغوط من أولادك، أو تأثر بالحالة النفسية والمرضية لزوجك، يتم ذلك من خلال القيام برحلة خارج البلاد أو الانتقال لبيت العائلة أو الإقامة بفندق، حتى تستعيدي قدراً ما من راحتك النفسية، وتستطيعي أن تتخذي قرارك بكل وعي ومن ثم قناعة.

نصيحتي ألا تخضعي لأي ضغوط من أولادك أو ماذا يمكن أن يقول الناس عنك، أو تحت الشفقة على زوجك، فكري فقط في ذاتك، وماذا تريدين، ثم فكري بعمق مرة ثانية حتى تجدي الإجابة التي تعبر عنك، وسؤالي لك:

إن كان قرارك بخلع زوجك انتقاماً ورداً على إساءته لك، فهذا حقك، ولك ما تريدين، لكني فقط أذكرك بقيمة العفو والصفح والإحسان؛ (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134)، خاصة أنه أقر بخطئه واعتذر ويريد أن يعوضك عن معاناتك، عندما حثنا المولى وهو العليم بخلقه على العفو، فذلك لراحتنا النفسية في الدنيا ناهيك عن الأجر في الآخرة.

نقطة أخرى: الأولاد قدروا معاناتك وأعطوك الحق في خلع والدهم، لكن حالته الصحية جعلتهم يستعطفونك، ومن المؤكد أنهم يتمنون عفوك عن والدهم.

أما إن كان قرارك بالخلع، لأنك لا تستطيعين الاستمرار، وأن قدرتك النفسية قد استهلكت، ووجودك في البيت الذي تألمت به يمثل معاناة لك، فأرى أن تنهي هذه المأساة بطلب الطلاق أو خلعه، ولعل هذا تكفير لذنوبه معك.

Exit mobile version