قراءة في “دليل الآباء الأذكياء لتنشئة أبناء أذكياء”

– يقدِّم نظرة معرفية متكاملة للطفل تفتقد إليها المكتبة العربية

– للطفل أنواع متعددة من الذكاء ولكل نمط منها مسارات تشغيل تتعلق بتطويره وتنميته

– الصحة العاطفية للطفل تبدأ في الرحم وتعتمد على الحالة الانفعالية للوالدين وذكائهما

 

من العلوم التي أبدعت فيها الدراسات التربوية المعاصرة في الغرب ما يتعلق بـ”تطوير المهارات الفردية وتنميتها”، وأرست في ذلك القواعد والنظريات العلمية الجديرة بالالتفات والعناية، ونتناول في هذا الموضوع بعض متطلبات “تنمية الطفولة” في أدبيات تطوير المهارات الفردية للطفولة، من واقع دليل “تربوي ونفسي”لتنشئة الطفولة(1).

يرجع اختيارنا لهذا الدليل “الطفل الذكي.. دليل الآباء الأذكياء لتنشئة أبناء أذكياء” لمؤلفه “توني بوزان” –الذي يعرف بأنه أستاذ الذاكرة نظراً لكتابته الرائدة على مستوى العالم في علوم الذاكرة والعقل والتعلم- إلى عدة أسباب؛ أهمها ندرة الكتابات في المكتبة العربية للطفولة بهذه العلمية والرصانة المعرفية، كذلك غياب الأساليب الاستقرائية في الكتابات العربية الموجودة، وهو ما تزخر به مضامين هذا الدليل، بالإضافة إلى النظرة المعرفية المتكاملة للطفل الذي يقدمها الدليل في معالجة للنظرات الجزئية، حيث تناول قضية “تنمية الطفولة” من خلال عدة علوم؛ طبيعية واجتماعية ونفسية وتربوية.

كما يقدم الدليل رؤية شاملة للعوامل المؤثرة في تنمية قدرات الطفل وتطوير مهاراته، ويصحح عدداً من الأفكار الخاطئة التي ارتبطت بتنمية الطفولة وتنشئتها تنشئة إيجابية ومتطورة، ويطرح أيضاً عدداً من القواعد والنظريات الحديثة التي تتعلق ببناء الطفولة وتطوير قدراتها وتنميتها بحسب القدرات والإمكانات والمواهب الفطرية والمكتسبة.

وينقسم هذا الدليل -الذي نتناول أهم معالمه- إلى ستة أجزاء رئيسة؛ الجزء الأول: المخ، والثاني: التفرد، والثالث: مبادئ العقل، والرابع: النمو والبيئة، والخامس: الحواس، والسادس: التعلم.

مخ الطفل:

هذا الجزء من الدليل مخصص لتناول ذلك الجهاز الفريد في الإنسان، المخ البشري، ويزود المربين بأحدث المعلومات حول خلية المخ ووظائفها، ونمو المخ الغامض والفائق، ووظائف كل من الفصين الأيمن والأيسر للمخ وعلاقتهما بنمو الطفل، وأنواع الذكاء المتعدد، والمهارات العقلية المهمة؛ مثل الذاكرة والإبداع وخرائط العقل، وأهمية كل ذلك بالنسبة لمخ وجسد الطفل ونمو ذكائه العاطفي، وأيضاً لأصدقائه الخياليين، وأنواع غذاء العقل الأربعة.

الذكاء المتعدد للطفل:

يبين الدليل هنا ما تم التوصل إليه في النصف الثاني من القرن العشرين، واكتشاف أن المخ ينقسم إلى شقين؛ أيمن وأيسر، وهو ما يعني إدراكنا لحقيقة أن المخ البشري له أكثر من حاصل ذكاء واحد، وأكثر من نوع ذكاء واحد، لقد اكتشفنا أن للمخ البشري عدة أنواع من الذكاءات، ومن ثم يكون للطفل أنواع متعددة من الذكاء، هي: الذكاء النمطي، الذكاء العددي/المنطقي، الذكاء الهندسي/المكاني، الذكاء الحسي، الذكاء الجسدي/الحركي، الذكاء الإبداعي، الذكاء الشخصي، الذكاء الاجتماعي، الذكاء الروحي، ولكل نمط من هذه الأنواع مسارات تشغيل وتنمية وأنشطة تتعلق بتطويره وتنميته.

عواطف الطفل:

يعرج بنا الدليل إلى بُعد مهم في تنمية الطفولة؛ وهو بُعد العواطف، فالتعبير عن المشاعر وتنمية الذكاء العاطفي اللذين كانا يعتبران عنصرين لا أهمية لهما حتى الثلاثينيات من القرن الماضي، أصبحا الآن من أهم العناصر التي تسهم في نمو طفلك بشكل عام، والذكاء العاطفي، مثله مثل باقي أنواع الذكاء، يمكن غرسه وتنميته داخل طفلك.

لقد ثبت بالتجربة وبالدراسة أن الصحة العاطفية للطفل تبدأ في الرحم، وتعتمد بشكل كبير على الحالة الانفعالية والعاطفية للوالدين وذكائهما، وحالة الأم على وجه الخصوص.

الأصدقاء الخياليون:

يناقش الدليل إحدى القضايا النفسية التي تؤثر على إبداع الطفل وخياله الخصب، وهو موضوع “الأصدقاء الخياليون”، ويرى أن مسألة الأصدقاء الخياليين هي واحدة من تلك الموضوعات التي أثارت الكثير من الجدل المحموم، وهي في ذلك مثلها مثل قضية المواهب الطبيعية مقابل المواهب المكتسبة، وتحديد مستوى الذكاء باستخدام مدى الذكاء الحسابي/المنطقي فقط في مقابل الإبداع (نظرية الذكاء المتعدد).

أغذية المخ:

من الموضوعات المطروحة في البناء العقلي للطفل هو أنواع غذاء العقل من أجل المحافظة على سلامة حيويته، وتنمية طرق التفكير العالية، ولكن الدليل لا يقدم في ذلك الطرح التقليدي لفكرة “غذاء العقل”؛ أي الطعام، أو ما يعرف بالتغذية التقليدية، رغم أنه يقدم في ملاحق الدليل ما يتعلق بذلك، ولكن الدليل يذكر أن هذا النوع التقليدي هو واحد من أربعة أغذية ضرورية للمخ، كل واحد من تلك الأغذية الخاصة بالمخ له أهميته التي تتساوى مع أهمية باقي الأغذية، وهو ضروري لبقاء طفلك، وبدون أي واحد من تلك الأغذية سوف يهلك طفلك، تلك الأغذية هي: الأكسجين، والتغذية، والحب، والمعلومات.

التفرد:

يناقش هذا الجزء بتعمق السبب في الاختلاف التام بين كل طفل وآخر، حتى إذا كان الطفلان توأمين تكوَّنا من بويضة واحدة؛ فهناك مسارات متعددة للتفرد بين الأطفال، مثل التفرد من الناحية الجسدية، وكذلك التفرد من الناحية العقلية؛ فنحن لا نستطيع أن نفهم: لقد ربينا طفلينا بنفس قواعد التربية، وأعطيناهما نفس التغذية الأساسية، وأخضعناهما لنفس النوع من التعليم، وألحقناهما بنفس المدرسة، التي تلقيا فيها التعليم على يد نفس الأساتذة، ودرسا فيها نفس المواد، واستمعنا معهما لنفس نوع الموسيقى، ومارسنا معهما نفس الألعاب، وذهبنا بصحبتهما لنفس دار العبادة، التي تعلما فيها تعاليم ديننا، وعلمناهما نفس القيم، وزودناهما بنفس الأفكار حول السلوكيات الاجتماعية اللائقة، ولقد عاملناهما بدون تفرقة، وأحببناهما بنفس القدر.. “ومع ذلك، فإنهما مختلفان تمام الاختلاف”!

مبادئ العقل:

هذا الجزء من الدليل يعرفك بالمبادئ السبعة الرئيسة التي تتحكم في حياة طفلك، هذه المبادئ سوف تذيب كل المشكلات التي يواجهها كثير من الآباء أثناء تنشئة أطفالهم، ويزود المربين بإرشادات فعالة لزيادة وتنمية قدرات الطفل ومهارته.

ومن هذه المبادئ التي تناولها الدليل ما يلي: المحاكــــــــاة، والتداؤب، والتفكير التشعبي، والبحث عن الحقيقة، والنجـــــاح، وفي هذا المبدأ الأخير يبين الدليل أن الطفل “آلة نجاح”، فقد ولد لينجح، وقد ولد ليكون قصة للنجاح، ويصحح في ذلك خطأ بعض النظريات التي سيطرت على الدراسات التربوية والنفسية للطفل حتى نهاية القرن الماضي تقريباً، حيث اعتقد العديد من خبراء التربية وعلم النفس أن المخ يعمل على أساس المحاولة والخطأ، وتبين أن هذا خطأ فادح؛ لأن ذلك ألزمنا ولعقود طويلة على النظر إلى الحياة من منطلق “الأخطاء”، و”الزلات”، و”الإخفاقات”، مما يتناقض مع التوجه الذي نعرف الآن أنه الأكثر ملاءمة.

النمو والبيئة:

يتناول هذا الجزء من الدليل الموضوعات الأكثر إثارة للجدل في عصرنا هذا، التي تتعلق بالطفل ونموه وسلوكه، ويقدم دليلاً مفصلاً لمراحل النمو الطبيعية للمخ ومهاراته والجسد والعواطف، ويركز على جانب التنشئة والتعلم وينحاز له باعتباره العامل الأساسي في تشكيل شخصية الطفل، وهو بذلك يناقض الرأي الذي يقول: إن التنشئة لا علاقة لها بهذا الأمر، وإنما كل إنسان له هويته ومواهبه الفطرية الخاصة التي تلازمه منذ ولادته.

وهذا الدليل مبني على النظرية التي تقول: إن الوالدين والأصدقاء والبيئة المحيطة والمدرسة هي العوامل الأساسية في تشكيل كيان الطفل وهويته؛ سواء من الناحية الفكرية أو الجسدية أو العاطفية، وأن الوالدين، على الأخص، إذا اكتسبا المعرفة والخبرة اللازمة؛ فسوف يتمكنان من توجيه طفلهما نحو السعادة المطلقة.

الحواس:

يعرفنا هذا الجزء على “الحواس”، التي هي بمثابة “عين المخ” ووجهة نظره فيما هو مهم حقاً، ومن هذا المنطلق؛ يناقش الدليل كل حاسة من الحواس البشرية وطاقتها ونموها وتحريرها، فالحواس بمثابة النافذة التي يطل منها الطفل على العالم الخارجي، والأداة التي تصله بالكون من حوله.

التعلم:

هذا الجزء من الدليل عبارة عن عملية بحث متعمق للعوامل الرئيسة التي يعتبرها الآباء -طبقاً للدراسات- هي الأهم في عملية نمو أطفالهم، التي لا يعلمون عنها سوى القليل، ومن بين تلك العوامل ما يلي: الفضول، التركيز، المنطق، الرسم، الموسيقى، الرياضيات، القراءة، مناغاة الأطفال، التعليم القسري، رياضات العقل، تكنولوجيا المعلومات، الأمور الحسية والجنسية، صعوبات التعلم، الحيوانات الأليفة، التهذيب الجسدي والذهني.

 

________

الهامش

(1) توني بوزان: الطفل الذكي دليل الآباء الأذكياء لتنشئة أبناء أذكياء، الرياض، 2009.

Exit mobile version