الخلافات الأسرية وأثرها النفسي على الأبناء

كتب: يسري المصري

لا شك في أن كل البيوت -أو معظمها- تحصل فيها خلافات أسرية، وتتعاظم أحياناً وتقل أخرى، لكن هذه الخلافات –إجمالاً- موجودة بفعل عدة أمور: كالغلاء المعيشي، اختلاف وجهات النظر في بعض الأمور، وكذلك اختلاف أنماط تربية كل من الطرفين قبل الزواج وصعوبة تأقلمها معاً سريعاً بعد الزواج، وكل تلك الأمور والأسباب ربما تكون مقبولة قبل الإنجاب -على اعتبار أنه إن غاب التوافق ووصل البيت لطريق مسدود- “فتسريح بإحسان” ولا ضير في ذلك.

أما أن تظل الخلافات في تصاعد لما بعد الإنجاب والتأسيس الحقيقي للبيت فتلك مصيبة؛ والسبب أن تلك المشكلات تترك أثراً على الأبناء خصوصاً في الجانب النفسي.

وكمتخصصين نواجه كثيراً من الشكاوى عن مشكلات الأبناء، والتي نبحث عن أسبابها الحقيقية، فلا حرمان للطفل، ولا عقوبة، وبرغم ذلك فهو يعاني نفسياً، فنطلب من الوالدين بوضوح: “أخبرونا عن حياتكم العائلية، هل توجد خلافات، أم يسود الوئام؟ وهل تتشاجران أمام الأطفال؟” عندها ينظر كل طرف ناحية الآخر ويعم الصمت المكان، فندرك أن الداء ليس في الأبناء بل في الآباء والأمهات، وعليه فإننا ندق ناقوس الخطر، ونحدد اليوم أهم المخاطر النفسية الواقعة على الطفل بسبب الخلافات الأسرية:

مع الأسف الشديد، يتسبب الزوجان -وبدون شعور منهما- في خلق حالة حزن غير شعورية للأبناء، لكنها تلاحظ في حالات القرب منهم، تكون العيون حزينة منكسرة مليئة بالخوف أو الرغبة في البكاء والانطواء، وبمجرد احتضان الطفل للتخفيف عنه تنهمر دموعه بدون وعي منه؛ وسبب ذلك (حزن غير شعوري) يتكوّن نتيجة للخلافات والمشاجرات، وترك البيت والصراخ والضرب أحياناً بين الزوجين.

فما أقل النضوج، وما أخبث أثره على الأبناء، وكأن الآباء لم يُفطموا بعد؛ فلا يعون بأهمية معالجة أمورهم أو أهمية الانفراد والنأي بمشكلاتهم عن أبنائهم، وتجنيبهم سماع ما يكرهون والعمل على عدم رؤية تلك المواقف مجدداً.

والمعنى ليس مقلقاً بقدر ما هو نداء أن انتهوا عن خلافاتكم؛ فبسببها سيعاني الطفل من فقدان للتركيز والتشتت في دراسته، وتبدأ المعلمة بالشكوى منه، وتطلب لقاء أبويه؛ لكي تستبين الأسباب وتسعى في العلاج، ومعلوم سلفاً أن أطفالنا يتأسسون في المراحل الأولية للتعليم، وكلما كان الطفل سعيداً في بيته مرتاح البال والشعور في الجانب النفسي، فإنه يقيناً سينمو ويبدع، ويكون محل ثناء ومدح ، وبالتبيعة يمتدح البيت الذي جاء منه والعكس بالعكس.

يعدّ البيت السعيد حاضنة لكل إبداع وراحة وهناء وسرور، ولا مشاكل فيه لأيّ طرف: أطفالاً كانوا أم كباراً.

وغياب السعادة وملاحظتها عند الطفل وبأنها واقع يراه بعينه، ويسمعه بأذنيه، فإن هذا يسبب بعض الخوف عند الأطفال –بدون شك- يكون محصلتها التبول اللاإرادي وهو أمر نفسي، وليس عضوياً، ويحدث نتيجة لفقدان الأمن أو الحاجة إلى السعادة أو الخوف من عقاب أحد والديه أو معلمته في المحضن التعليمي.

وعليه فإن تلك مرحلة خطرة لا يرضى بها أي زوجين لأبنائهما، ولعل تلك المشكلة تكون باباً من أبواب التحسين الأسري، ومعالجة كل مشاعر الخوف عند الأبناء.

كثرة المشكلات تجعل الطفل عدوانياً متعدياً يميل للعنف مع زملائه، كثير المشاكل معهم، لا يهتم بعقاب معلمه، فضلاً عن كراهيته لعقاب أبيه وسياسة البيت الذي أفرز داءً جديداً نتيجة خلافات والديه ورؤيته لذلك.

وعليه يتحول الطفل الهادئ الوديع -بفعل عدم فهم الزوجين للحياة الأسرية- إلى شخص كاره لزملائه متنمر عليهم، وعندها فإننا ندخل مرحلة جديدة من الخطر الذي لم يكن لينشأ لو فطن الزوجان حقيقة دورهما.

لكن عزاءنا أن الباب لا يزال مفتوحاً فهل من ملبٍ؟

5- كراهية الوالدين:

كثير من بيوتنا –مع الأسف الشديد– التي تحدث فيها خلافات ونزاعات وانفصال أحياناً، يعبّر الأطفال فيها عن كراهيتهم لمن كان سبباً في ذلك، ويجاهرون بكراهيتهم في مجالسهم بعد ذلك، وتلك طامة كبرى، ومصيبة عظيمة، لو يفقه الزوجان خطورتها لتعقلا قليلاً، لكن مع الأسف فإن المحصلة أصبحت مقلقة وإحصاءات الطلاق باتت مرعبة، والأطفال هم من يتحملون فوق طاقاتهم ما لا تتحمله الجبال في عمر مبكرٍ جداً عن تفكيرهم، والمؤلم أن هذا البند بالتحديد يقتل فيهم العاطفة والميل نحو آبائهم وأمهاتهم، وهذا خطر شديد على المجتمع لما له من نتائج شديدة الأثر والتأثير.

ختاماً:

ننادي كل أب وأم أن اتقوا الله في أبنائكم.

وننادي كل شاب وفتاة لم يتزوجا بعد: رجاء لا تتزوجوا قبل أن تتأهلوا تأهيلاً عقلياً وأسرياً تعلمون حقوق بعضكم على بعض، وتفقهون الحياة الأسرية وشروط نجاحها، وتحاولون العمل معاً على وضع خطط لسعادتكم؛ لأن في حالة غياب كل هذا فإن العاقبة يقيناً لن تكون مبشرة أو ملبية لطموحات الآباء في أبنائهم.

* المصدر: بصائر تربوية (بتصرف).

Exit mobile version