“علم المواقيت والقبلة والأهلّة”.. في دراسة شرعية فلكية

الكتاب يمزج بين الشرع وعلم الفلك المعاصر بلغة سهلة موضحاً بالصور والرسومات

حظي بتقريظ ومراجعة نخبة من كبار علماء الفقه والفلك في اليمن ومصر والكويت 

تميز بوفرة العروض البيانية والأشكال لتوضيح كثير من المسائل فقهياً وفلكياً 

يستفيد منه العالِم والقاضي والداعية وتحتاج إليه الأوقاف والمحاكم الشرعية ودور الإفتاء والجامعات

 

لمَّا كان لعلم الفلك تعلق بأغلب أركان الإسلام؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، كان لزاماً على المسلمين الاهتمام بهذا العلم، وتسخيره لخدمة دينهم ودنياهم، وقد برع فيه علماء المسلمين قديماً، فحازوا السبق في كثير من مفرداته، واشتهر شأنهم، وأصبحوا أعلام هذا الفن وروَّاده، فألّفوا فيه المؤلفات، وسطروا فيه الكتب، هي اليوم شاهدة على ذلك.
يمثل كتاب «علم المواقيت والقبلة والأهلّة من الناحيتين الشرعية والفلكية» نقلة نوعية في تقريب علم الفلك الشرعي لطلاب العلم والعلماء والمثقفين، بتقريب المفاهيم، وتوضيح المعادلات الحسابية، وشرح المسائل الفلكية بلغة فقهية، موضحة بالصور والشرح المفصل، وتكمن أهميته وقيمته العلمية في ضبط الأحكام الشرعية كمواقيت الصلاة، وجهة القبلة، ورؤية الأهلّة بالطرق المعاصرة والمعادلات والحسابات الرياضية، فالكتاب يمزج بين الشرع وعلم الفلك المعاصر بلغة سهلة بعيدة عن التعقيد، موضحاً بالصور الملونة والرسومات المبسطة.
والكتاب –وفق مؤلفه د. صلاح الدين أحمد محمد عامر- محاولة للاستفادة من علم الفلك المعاصر بدقته وتطوره، لخدمة بعض الأحكام الشرعية التي لها تعلق بالحساب والموقع الجغرافي وغير ذلك، كما أنه يقدم الحسابات الفلكية بلغة الفقهاء في محاولة لردم الهوة بين الفريقين، بسبب عزوف الفقهاء المعاصرين عن تعلم الحساب والفلك.
وتظهر تفاصيل الكتاب ـ الذي أصدره مركز “الراسخون للتأصيل الشرعي”، ودار الظاهرية بالكويت ـ أن فصوله ومباحثه نتاج جهود علمية دراسية بحثية وتطبيقية تعليمية، قام بها المؤلف، وقد حظي بتقريظ ومراجعة ومدارسة نخبة من كبار علماء الفقه والفلك، في كل من اليمن ومصر والكويت، ومركز أبحاث الفلك وعلوم الفضاء في النادي العلمي الكويتي.
تفرد الكتاب
وقد نوه المؤلف إلى قضية محورية؛ وهي المزج بين النصوص الشرعية والمسائل الفقهية، والتقريرات والحسابات الفلكية القديمة والحديثة، معتمداً في ذلك –كما ذكر في مقدمته- على ما كتبه وقرره علماء المسلمين قديماً، وعلى ما توصل إليه الفلكيون حديثاً؛ ليكون الكتاب جامعاً بين الأحكام الشرعية والتقريرات الفلكية، ولعل هذا ما تميّزت به هذه الدراسة ومباحثها وفصولها، وهو ما لم يوجد عند غيره ممن صنفوا وكتبوا في هذا المجال.
ومع التطور العلمي والقفزات التكنلوجية، فقد بلغ اليوم هذا الفن شأناً عظيماً، واستطاع الإنسان أن يصعد إلى الفضاء، ويرى النجوم والكواكب عن قرب، ويحسب كثيراً من تحركاتها، ووصل من خلالها إلى نتائج غاية في الدقة تمثل عظمة الخالق سبحانه؛ ممّا جعل نسبة الخطأ ضعيفة جداً، تصل في كثير من الأحيان إلى الصفر تقريباً.
ويذكر المؤلف أنه من الممكن أن تُستثمر تلك الجهود لخدمة الإسلام، والوصول إلى حسابات أكثر دقة في العبادات المتعلقة بهذا العلم؛ ولكن للأسف الشديد لم يكن ذلك حتى اليوم، فكثير من مراكز الأبحاث الفلكية الإسلامية تشكو شح الإمكانات والعقبات الكثيرة التي تعيق الوصول إلى ذلك، إضافة إلى أسباب أخرى، ولعلّ الله تعالى ييسر ذلك لعلماء المسلمين في المستقبل القريب.
ويُرجع المؤلف التقصير الحاصل في هذا الفن إلى صعوبة مسلك هذا العلم، وعُسر دراسته، ووعورة مصطلحاته، ودقة حساباته، وندرة أساتذته؛ الذي رغب أن يَسُدَّ ثغرةً في هذا الجانب، ويُقدم هذه الدراسة بأيسر عبارة، وأوضح إشارة، مفصِّلاً الحسابات الرياضية، بصور ورسومات وتوضيحات بيانية.
فصول الكتاب
يتكون الكتاب من ثلاثة فصول، بدأها الكاتب بتقريرات الشرع وكلام الفقهاء حولها؛ لتكون بمنزلة الأساس والقاعدة التي بنى عليها كلام الفلكيين وحساباتهم؛ لكون علم الفلك إنما هو خادم العلوم الشرعية، وفق ما ذهب إليه المؤلف.
يتناول الفصل الأول مواقيت الصلاة، مبتدئاً بالتقريرات الشرعية ومذاهب الفقهاء، ومختتماً بما توصل إليه علم الفلك المعاصر من المعادلات والحسابات.
أما الفصل الثاني، فتحدث عن اتجاه القبلة التي هي شرط من شروط صحة الصلاة، وكيفية معرفة جهتها وسمتها بطرق متعددة وحسابات متنوعة.
وتناول الفصل الثالث الأهلّة والتقويم الهجري من حيث طريق الرؤية البصرية للهلال، أو الحسابات الفلكية، ومدى ضبط كل منهما وشروط ذلك، كما يتحدث عن نشأة التأريخ الهجري، وأهمية ضبط التقويم الهجري بالنسبة للمسلمين.
جهود المؤلف
يعد مؤلف الكتاب د. صلاح الدين أحمد عامر من الباحثين القلائل الذين جمعوا بين علم الشريعة وعلم الفلك الشرعي، وممن قربوا علم الفلك للفقهاء بلغة بسيطة من خلال بعض مؤلفاته، وجهوده وأنشطته العلمية، التي تمتد لسنوات، وحتى صدور هذه الدراسة، أظهرت قدراً وجانباً كبيراً من شخصيته العلمية، كباحث محقق، وطالب علم متقن فطن، وكاتب ومؤلف متمكن.
وقد انعكس كل هذا في جهده بهذا الكتاب، فالشواهد التي يوضحها عديدة، أبرزها قيام الباحث بعملية التحقيق والدراسة المكثفة، وتقرير المسائل العلمية بصورة تطبيقية وعملية، ومدارسته لمشايخه في معظم مسائل وفصول ومباحث الدراسة (الكتاب)، وبيان وتوضيح ذلك، عن طريق الرواية، ونقله عنهم مشافهة، وتوثيقه وإيراده في الهامش.
وتتميز الدراسة بجودة الصياغة، ووضوح الفكرة، وقوة الحجة والتأصيل، والبراعة في تبسيط المسائل وعرضها، وإعمال الباحث نظره في كل مسألة واستقصائها وتكثيف التناول لها بلغة مبسطة، فهو يقوم بتأصيل المسألة، ويعرض كلام الفقهاء من جميع المذاهب، دون تقيد أو تحيز، مع بعض الملاحظات واللطائف والإشارات المهمة.
ومن ضمن ما تميّز به الكتاب: الدقة، والأمانة العلمية في التوثيق، وتحقيق المسائل، والمواءمة في الجمع بين طريقة الأوائل في التصنيف والعلماء المعاصرين في الكتابة والتأليف، وإتيانه على معظم ما يثار واستشكل فهمه واستيعابه واختلف حوله في هذا الفن، وعرض الأقوال والمسائل ومناقشتها دون تحيز واعتراض لا معنى له، وتحقيق ما يذهب إليه من ترجيحات بوافر من الحجج والبراهين والأدلة الثابتة الصحيحة من الكتاب والسُّنة والسيرة النبوية، وإجماع الأمة، وبيانات هيئات العلماء المعاصرين من مختلف أصقاع المعمورة وبلدان العالم الإسلامي قاطبة.
وممّا يتميز به الكتاب وفرة العروض البيانية، والرسوم، والأشكال والصور، التي استخدمها الباحث واستعملها في توضيح كثير من المسائل فقهياً وفلكياً، ووجود شروحات للمؤلف عليه، متوافرة ومتاحة في الشبكة العنكبوتية.
توقيت صدوره
يتزامن صدور كتاب «علم المواقيت والقبلة والأهلّة من الناحيتين الشرعية والفلكية» مع حالة محتدة من الجدل الفقهي، وتوالد الكثير من المسائل والإشكالات العلمية، جرت وتدور منذ سنوات في مختلف بلدان ودول العالم الإسلامي، حول مواقيت بعض الصلوات، وثبوت غرة الشهر الفضيل، وتحديد القبلة، والعمل بالحسابات الفلكية والتقويم الهجري، وغير ذلك، التي مثلّت جزءاً لا بأس به من اهتمام وجهد الباحث، في التعرّض لها، ومناقشتها علمياً، والإجابة عن الجزء المهم والكبير منها.
والكتاب إلى جانب كونه إضافة علمية للمكتبة الإسلامية، فهو قيمة معرفية وخلاصة بحثية دراسية متقنة ومحكمة، لا تستغني عنه شريحة واسعة وكبيرة في المجتمع، فهو يلامس حاجة الكثير منهم، ويستفيد منه العالِم والمفتي، والفقيه، والقاضي، والداعية، والإمام، والخطيب، وتحتاج إليه مختلف المؤسسات والدوائر الرسمية والحكومية؛ وزارات الأوقاف والإرشاد، وقطاع المساجد، والمحاكم الشرعية، ودور الإفتاء، والجامعات، والمعاهد والمراكز الشرعية، وكافة دور العلم والمعرفة.

Exit mobile version