أهمية الوقت

 

بسم الله  الرحمن الرحيم القائل (وَالصُّبْح إذَا تَنَفَّس) (سورة التكوير آية 18)، والقائل: (وَالضَّحَى) (سورة الضحى آية 1) والقائل عز شأنه: (وَالْعَصْرِ) (سورة العصر آية 1)، والقائل سبحانه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (سورة الليل آيات 1-2)، وأصلي وأسلم على من قال: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ”([1])، وبعد:

فإن مما لا شك فيه – يا أخي الداعية – أنّ الفراغ عامل هدم في حياة الإنسان عامة، وفي حياة الدعاة خاصة، فإن لم يواجه الداعية هذا الفراغ بحسن استغلال الوقت وعدم إضاعته في سفاسف الأمور، فإنه سينجرف مع سيل اللاهين الفارغين الذين ليس لهم هدف في الحياة، ويمضي من الدنيا بلا أثر، فلا بد للداعية أن يكون ذا هدفٍ سامٍ وهمةٍ عاليةٍ في حياته، ويعرف مقصود خلقه، فلا يقضي وقته إلا في طاعةِ اللهِ عز وجل، وذلك لعظم هذا الوقت الذي أقسم الله به في أكثر من موضع في القرآن الكريم.

“فالوقت هو الحياة”، وكان الحسن البصري يقول: “يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك”، فاحرص يا أخي الداعية على استغلال كل نَفَسٍ في حياتك، فإن أهل الجنة لا يتحسرون إلا على ساعةٍ لم يذكروا الله فيها، واحذر من أن تكون من البطالين الذين يضيعون الساعات الطوال في مشاهدة التلفاز والألعاب الإلكترونية.

بل كن حريصًا على وقتك، متذكِّرًا مقولة عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي”، وقول الشيخ الفقيه النحوي ابن عقيل الحنبلي: “فإني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أَعْمَلْتُ فكري حالَ راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره!”.[2]

واستمع لهذا الموقف العجيب لشاب اسمه العلال بن عبد الله  الفاسي،  عمره خمس عشرة (15) سنة، وكان يعيش في المغرب، مشى في يوم من الأيام، فرأى أصدقائه الذين بمثل عمره يلعبون ويلهون كما يلعب كلُ طفل أو شاب مراهق في هذا العمر، فلما مرّ عليهم دعوه لكي يلعب معهم، فأنشدهم قائلًا:

أبعد بلوغ خمس عشرة ألعبُ     وألهو بلذّاتِ الحياة وأطرب

ولي نظر عال ونفس أبية       مقاما على هام المجرّة تطلب

وعنديَ آمالٌ أريد بلوغها          تضيعُ إذا لاعبت دهري وتذهب

ولي أمةٌ منكودةٌ الحظِّ لم تجد    سبيلاً إلى العيش الذي تتطلب

على أمرها أنفقت دهري تحسرًا   فما طاب لي طعم ولا لذ مشرب

ولا راق لي نوم، وإن نمت ساعة   فإني على جمر الغضا أتقلب

فبعد أن كبر هذا الشاب – ومعه هذه الهمة العالية والهدف السامي – أصبح من كبار المجاهدين في بلاده أمام الأعداء الغاصبين.

وفي الختام :-

نسِأل الله سبحانه أن يرزقنا دعاة كأمثال هذا الإمام والمجاهد، وأن يعيننا على ألا نصرف جزءًا من وقتنا إلا في طاعته وذكره وشكره، هو ولي ذلك والقادر عليه.

                          والحمد لله رب العالمين.

([1]رواه البخاري (رقم/ 6412)

[2] (ذيل طبقات الحنابلة) (1/ 145)

Exit mobile version