المآثر الإسلامية تنعش السياحة في المملكة المغربية

مسجد الكتبية بمراكش

 أعلن المغرب أن عدد زوار المواقع التراثية بالمملكة سجل ارتفاعاً مهماً خلال الربع الأول من عام 2019م، حيث بلغ ما يزيد على مليون زائر خلال الفترة الممتدة من يناير إلى أبريل الماضي؛ أي بزيادة قدرها 26%، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2018م.

وتعد المآثر الإسلامية من أهم المواقع التراثية بالمملكة التي تنعش السياحة، منها المساجد والصوامع والمزارات والقصور التاريخية والحدائق والأسواق والسقايات، إضافة إلى المدارس العتيقة التي كانت تؤدي دور الجامعات الحديثة.

تعاقبت على المغرب دول إسلامية متعددة، بدءاً بالأدارسة والمرابطين، ومروراً بالموحدين والسعديين، وانتهاء بالعلويين، وخلفت هذه الدول مآثر عبارة عن تحف معمارية وفنية في مدن تاريخية مثل الرباط ومراكش وفاس ومكناس، ترى فيها عبق التاريخ، لكن أيضاً يلمس فيها السائح والزائر عبقرية الإنسان المغربي في تعامله مع محيطه البيئي والاجتماعي، كما عملت الحضارة المغربية إلى النزول جنوباً لتؤثر في معيشة ساكني جنوب الصحراء، والصعود شمالاً لتترك أيضاً مآثر في إسبانيا مثل قصر الحمراء وصومعة الخيرالدا.

الجودة والإتقان 

وأكدت وزارة الثقافة أن المملكة المغربية تعمل في إطار الجهود المبذولة من أجل تثمين وتنمية عناصر التراث الحضاري والمواقع التراثية والمباني التاريخية، باعتبارها رافداً من روافد التنمية الاقتصادية، ودعامة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، على تحسين وتطوير الخدمات اللازمة لاستقطاب أمثل لزوار المواقع التراثية.

ومن بين المواقع الإسلامية قصر الباهية بمدينة مراكش، الذي عرف ارتفاعاً مهماً في عدد زواره؛ حيث بلغ أكثر من 400 ألف زائر خلال الفترة الممتدة بين يناير وأبريل من العام الجاري، وهو نفس العدد تقريباً الذي وصل إليه عدد زوار موقع شالة بمدينة الرباط العاصمة.

 وأبرزت الوزارة أنها تعمل على تزويد مواقع التراث بالمرافق والمنشآت الأساسية والمراكز الخدماتية، وكذا تثمين وتعزيز عناصر الجذب بها، لجعلها مراكزاً للاستقطاب السياحي والثقافي، وفق مشاريع مندمجة في التنمية المحلية والجهوية والوطنية.

ويؤكد أحمد المتصدق، النائب البرلماني السابق ونائب عمدة مدينة مراكش التاريخية، لـ»المجتمع»، أن ما يميز المآثر التاريخية الإسلامية في بلاد المغرب هو جودة المعمار، وحسن إتقان الصنائع، وهو ما يترك لدى السائح انطباعاً جيداً حول الحضارة الإسلامية، ويعد بالعودة لزيارتها أو يوصي من يعرف بذلك.

ويبرز المتصدق أن الأمر لا يعدو أن يكون زخرفاً يكسو المباني فقط، لكنه يتعلق بحضارة وثقافة وعزم يصبو النماء ورغد الناس، ويضرب مثالاً بالمنشآت المائية المستعملة في الري التي تتميز بهندسة عجيبة تترك السائح متأملاً فيها وفي مقاصدها وعبقريتها.

لذا يبرز المتصدق ما يجول في فكر السائح من خيال من قصص أقوام احترفوا الأدب وتنافسوا في الرقي والإبداع -مثل قصص ألف ليلة وليلة- يعقبه لا محالة ما يشاهده من حضارة ضاربة في عمق التاريخ، حتى إذا رأى معلمة تاريخية اشتم فيها عبق التاريخ، وأريج أبطال صنعوا مجداً، وحكموا برقيهم قبل سيفهم، وفجّروا طاقاتهم حتى فيما ملكوه من بلدان.

بدوره، يؤكد المهتم بالآثار الإسلامية هشام لحرش أن السائح الأجنبي يجد في المآثر الإسلامية خصوصاً -والإنسانية على العموم- الكثير من الأشياء الذي يفتقدها في حياته اليومية، وبالتالي فهو يراها بنوع من الافتخار.

ثلاثة أبعاد

ويضيف لحرش، في تصريح لـ»المجتمع»، أن ما يميز هذه المآثر ويجعل زائرها يتأمل فيها أكثر وينبهر بها هو توافرها على ثلاثة أبعاد لا يمكن أن يخطئ ملاحظتها كل لبيب، وهي:

البعد الجمالي، وما يتوافر عليه من حسن الزخرفة والمعمار وقوة البنيان.

والبعد الوظيفي، وما تؤديه المنشأة من دور مهم في حياة الناس، فالمدارس العتيقة مثلاً كانت جامعات قائمة تتيح للناس التبحر في العلم وإيجاد الحلول لكثير من المعضلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وثالثها البعد الرمزي بصفتها معلمة دينية ذات بُعد حضاري.

ويبرز لحرش أن المدن المغربية التاريخية لم تتحول إلى «متاحف» كما وقع في عدة بلدان، وإنما هي مدن تنبض بالحياة، وتحكي التاريخ بطريقتها الخاصة، ففيها تجد فن العيش الإسلامي، وما يستتبعه من تقاليد في اللباس والطبخ، وما يميزها من روائح وألوان، وهو ما يجذب السائح الأجنبي ويتركه متلهفاً لمعرفة المزيد عنها.

سياحة علمية

ومن بين المآثر الإسلامية التي تؤدي دوراً في انتعاش السياحة العلمية المدارس والمكتبات والمساجد العريقة، يقول الإعلامي المغربي، إبراهيم بيدون الوزاني، لـ»المجتمع»: إن هذه المعالم تحتوي كنزاً كبيراً من الكتب والمخطوطات والمراجع، خصوصاً في العلوم الشرعية والأدب والتاريخ، التي يقصدها عدد من الباحثين الغربيين والمشارقة، وهو ما يسهم بشكل كبير في إنعاش السياحة العلمية لبلد له تاريخ ونهضة علمية، كانت لها محطات منيرة في فترات من تاريخه المشرف.

ويمكن في هذا الصدد الحديث عن جامع القرويين، ومكتبته العريقة التي تضم أربعة آلاف عنوان مفهرس ومحفوظ في قاعة مجهزة ومصورة على الميكروفيلم، وما يستقطبانه من زوار كثر من داخل المغرب ومن خارجه، بالإضافة إلى المكتبة الوطنية بالرباط التي تزخر بالكثير من الكتب والمخطوطات والمراجع، خصوصاً أنها ضمت عدداً من المكتبات، كالمكتبة الضخمة الزاخرة للشيخ عبدالحي الكتاني رحمه الله. 

مكتبات وعلماء

ويضيف الوزاني أن من المكتبات العريقة التي تعرف زيارة عدد من السياح، وتسهم في إنعاش السياحة في المغرب، المكتبة الصبيحية بسلا التي يقدر عدد مخطوطاتها بأكثر من ثلاثة آلاف، وخزانة جامع ابن يوسف التي كانت تنافس خزانة القرويين، وتزخر المكتبة برصيد تراثي مهم يناهز 62000 عنوان.

ويمكن الحديث أيضاً عن مكتبات عريقة في بعض الزوايا، مثل خزانة الزاوية العياشية بسفح جبل العياشي شمال تافلالت، وخزانة الزاوية الدلائية في الأطلس المتوسط، وخزانة زاوية تامجروت في الأطلس الكبير، ومكتبة ضريح مولاي عبدالله بوزان.

كما تجدر الإشارة إلى المدارس العتيقة التي يقصدها الكثير من الأجانب، مثل مدرسة أبي عنان المريني (البوعنانية) بفاس، والمدرسة المرينية بسلا، ولا ننسى المدارس العتيقة الوافرة في منطقة سوس العالمة.

وهناك قامات علمية وشيوخ كبار في المغرب، يقصدهم أيضاً عدد من الباحثين وطلبة العلم من شتى بقاع العالم الإسلامي، مثل الشيخ وعالم القراءات القرآنية محمد السحابي نزيل مدينة سلا الذي أجاز عدداً من الأجانب في القراءات.

ويختم الوزاني بذكر المساجد العريقة مثل مسجد الكتبية بمراكش، والمسجد الأعظم بسلا، والجامع الكبير بتارودانت، وغيرها من المساجد الضاربة في عمق التاريخ التي تعرف إقبالاً كبيراً من الأجانب سواء كانوا باحثين أو مجرد زوار، ويضاف إليها مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء ومكتبته الوسائطية المتميزة، بالرغم من حداثة بنائه.

Exit mobile version