مسلمو سريلانكا تحت الإبادة على يد المتطرفين البوذيين

تتعرض الأقلية المسلمة في سريلانكا لاعتداءات متكررة تنفذها عصابات بوذية متطرفة معادية للإسلام، خاصة بعد عدة هجمات استهدفت كنائس وفنادق في العاصمة كولومبو بالتزامن مع احتفالات المسيحيين بـ»عيد الفصح» في 21 أبريل الماضي، أودت بحياة أكثر من 250 شخصاً.

يعيش المسلمون في سريلانكا حالة قلق مستمر، حيث يخشون مغادرة منازلهم خوفاً من ردود فعل عدائية تجاههم، وقُتل ثلاثة منهم وجرح 14 آخرون، وتعرضت عشرات المساجد والمدارس والبيوت والمتاجر للتفتيش والحرق والتخريب، واعتقل عدد كبير من الشخصيات والتجار والناشطين الاجتماعيين، وقد منع لبس النقاب في الأماكن العامة وفرض حظر تجوال في عموم البلاد.

وبلغ عدد المحال التجارية التي تعرضت للنهب والكسر والحرق 131 محلاً تجارياً ومقر عمل، بالإضافة إلى المساجد التي عاثوا فيها خراباً وحرقاً وعددها 32 مسجداً، ومهاجمة 25 قرية، و377 بيتاً؛ وهو ما أدى إلى تأثر 2155 أسرة، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات الأخرى. 

وناشد المسلمون في سريلانكا دول العالم السعي لوقف إراقة دماء المسلمين واستهداف ممتلكاتهم، بالتدخل لدى سلطات سريلانكا واستنكار هذه الاعتداءات من خلال سفراء هذه الدول للمطالبة باحترام حقوق المسلمين. 

وكان المسلمون يواجهون الاضطهاد أثناء الحرب التي دارت بين الجيش الحكومي ومتمردي نمور التاميل (حركة سريلانكية انفصالية) خلال الفترة من عام 1983 إلى 2008م، وقد تعرض المسلمون خلال هذه الفترة للتهجير القسري ومصادرة ممتلكاتهم من قبل متمردي نمور التاميل؛ مما تسبب في نزوح عدد كبير من المسلمين من شمال البلاد إلى مناطق أخرى، وعيشهم في مخيمات للاجئين لفترة طويلة.  

ولما انتهت الحرب بهزيمة المتمردين عام 2008م -مع العلم أن المسلمين كانوا يساندون الحكومة خلال فترة الحرب- بدأت تظهر ما تسمى بمجموعات متطرفة ذات طابع عنصري من البوذيين بقيادة بعض الرهبان المتطرفين، ممن رأوا أن الدور جاء على المسلمين للقضاء عليهم اقتصادياً وسياسياً.

وبدأت هذه المجموعات تنشر الأفكار العنصرية والمتطرفة التي لاقت قبولاً من قبل جزء من المجتمع البوذي، وقد ركزوا في خطاباتهم التحريضية على أن سريلانكا دولة بوذية، لا حقوق لغير البوذيين فيها، وأن على كل الأقليات الانصياع لأوامر وتعليمات البوذيين لكونهم أصحاب الوطن، وتلقت تلك المجموعات المتطرفة نوعاً من المساندة أو حماية من قبل سلطات الدولة، وذلك بالتغاضي عن نشاطات تلك المجموعات من الخطابات العنصرية والتحريضية ضد المسلمين، وهجومهم على ممتلكات المسلمين ومساجدهم.

منعطف خطير

في يوم الإثنين الموافق 13/5/2019م أخذت الأحداث منعطفاً خطيراً ضد المسلمين، حيث نظمت المجموعات المتطرفة البوذية مهرجاناً خطابياً، شارك فيه قيادات تلك المجموعات المتطرفة من الرهبان، وشنوا هجوماً لاذعاً على المسلمين وحرّضوا الحاضرين من البوذيين المتطرفين لحرق بيوت المسلمين ومحالّهم ومساجدهم.

وبعد انتهاء المهرجان، قاد الرهبان مجموعة كبيرة من المتطرفين المسلحين في مسيرة إلى منطقة غالبية سكانها من المسلمين في منطقتي «كورنايجلاي» و»منوانكودي»، وبمجرد وصولهم أضرموا النيران في البيوت والمساجد والمحلات التجارية المملوكة للمسلمين، وقامت مجموعات أخرى بعمليات نهب للبيوت والمحلات، كل ذلك أمام سمع وبصر الشرطة المحلية، وهرب سكان المنطقة إلى الغابات وإلى مناطق أخرى آمنة نسبياً.

وقال شهود عيان، في رسالة وصلت «المجتمع»: إن الشرطة فرضت حظر التجوال في المنطقة، ولكنها لم تطبقه إلا على المسلمين، مشيرين إلى أن البلطجية من البوذيين يجولون ويصولون بحماية من الشرطة، حيث يقومون ليلاً بالاعتداء على بيوت وممتلكات المسلمين.

وتعلن الشرطة السريلانكية بين الحين والآخر توقيف أشخاص متهمين، بينهم قياديو منظمات مدنية متورطون في التحريض على أعمال عنف ضد المسلمين.

وعن دور الحكومة السريلانكية، أوضحوا في رسالتهم أن ضعف الحكومة الحالية ساعد في زعزعة أمن واستقرار البلاد.

أسباب العداء

ويرجع المسلمون أسباب العداء ضد المجتمع المسلم في سريلانكا إلى حملات دعائية خبيثة لبعض عناصر جامحة لهذه البلاد، أدت إلى تشويه وقائع حقيقية، وذلك بالحصول على مساندة من عناصر محلية ودولية، وعدم كفاءة شخصيات دينية مسلمة وعلماء الدين لمواجهة التحديات الفكرية التي تبرز من حين لآخر ضد الإسلام والمسلمين، وكذلك الجهل العام عن الإسلام والشؤون العالمية المعاصرة، وعدم قدرتهم على التحدث بطلاقة باللغة المحلية مع مجتمعات الأديان الأخرى خاصة باللغة السنهالية، وسلوك وعادات الجيل الجديد في المجتمع المسلم الذي تخلف عن المشاركة في محاولات بناء الوطن وأنشطة إثراء التعايش مع المجتمعات الأخرى.

إضافة إلى عدم وجود مشاريع وبرامج خاصة حكومية لتنمية الحوار بين الأديان، وإيجاد صيغ تفاهم مشترك وبرامج لتبادل المعارف من أجل تنمية التعايش السلمي القوي والدمج بين مجتمعات الأديان المختلفة.    

إدانات متعددة

ودعت المنظمات الدولية والإسلامية السلطات السريلانكية لضمان سلامة وأمن الجالية المسلمة ببلادها.

وقالت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان: إنها تتابع عن كثب آخر الهجمات التي حدثت في مواقع مختلفة بسريلانكا ضد المسلمين، ودعت السلطات في سريلانكا إلى ضمان سلامة وأمن الجالية المسلمة في البلاد، ومكافحة موجة العنف والتطرف وخطاب الكراهية المتصاعد.

وأدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشدة الهجوم المتكرر على مساجد ومنازل ومتاجر المسلمين في سريلانكا، وطالب الحكومة السريلانكية بحماية مواطنيها جميعاً بمن فيهم المسلمون.

وقال الأمين العام للاتحاد الشيخ علي القره داغي، في بيان: إن هذه الأعمال منافية لجميع القوانين الدولية، والفطرة الإنسانية، ولجميع الشرائع السماوية.

واستنكر داغي الهجوم الذي وقع على عدة مساجد ومنازل ومتاجر للمسلمين ألحقت بها أضراراً مادية بالغة في حي كورونيغالا الواقع في بلدة كينيميا، التي تقطنها أغلبية مسلمة. 

وطالب الاتحاد الحكومة السريلانكية بحماية مواطنيها جميعاً، داعياً الأمم المتحدة لتحقيق السلم والأمن لجميع الشعوب وبمنع الإرهاب والعنصرية والكراهية ضد الإسلام.

من جانبها، دعت منظمة العفو الدولية السلطات السريلانكية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأقلية المسلمة من الاعتداءات، عقب سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة.

وقالت «ثياجي روانباثيرانا»، الباحثة في شؤون جنوب آسيا بالمنظمة: إنه يتعين على المسؤولين السريلانكيين اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأقلية المسلمة، التي باتت منازلهم ومساجدهم ومحالهم التجارية عرضة لهجمات مفزعة، من قبل عصابات التنكيل.

وحثت السلطات على اتخاذ خطوات من شأنها التشجيع على وحدة المجتمع في إطار التعددية، ضد قوى الكراهية، التي تبث الفرقة بين شرائح الشعب، وتحض على العنف.

وشددت «روانباثيرانا»، في الوقت نفسه، على ضرورة أن يكون رد الفعل حيال أعمال العنف في إطار احترام حقوق الإنسان، ومحاسبة المتورطين في الاعتداءات.

كما أدان رئيس أساقفة العاصمة كولمبو الكاردينال «مالكولم رانجيث» الهجمات المتصاعدة ضد المسلمين في جميع أنحاء البلاد، داعياً جميع فئات المجتمع الدينية والعرقية للتوحد.

وشدد «رانجيث» على ضرورة إيقاف الهجمات ضد المسلمين في أقرب وقت، داعياً المسلمين والمسيحيين والبوذيين والهندوس للاتحاد وللتعايش معاً لبناء سريلانكا الجديدة، مشيراً إلى أن الهجمات ضد المسلمين مرتبطة بجهات سياسية، داعياً السياسيين لتجنب هذه الأعمال المخالفة للقوانين.

يشار إلى أن جمهورية سريلانكا تقع في المحيط الهندي جنوب شرقي الهند، وتبلغ مساحتها 66650 كيلومتراً مربعاً، وعاصمتها كولومبو، ويتجاوز عدد سكانها 20 مليوناً ويشكل البوذيون الأغلبية (70.2%)، ويتكلمون باللغة السنهالية، ويتمركزون في الجنوب، والهندوس (12.6%) الذين يتكلمون اللغة التاميلية ويقطن أغلبهم في الشمال، والمسلمون (9.7%) الذين يتكلم أغلبهم اللغة التاميلية، وينتشرون في أنحاء الجزيرة، والمسيحيون (7.5%) الذين يتكلمون أغلبهم بالسنهالية وجزء منهم التاميلية ولهم تواجد ساحق في السواحل.

Exit mobile version