في عام 2010، بعد سبع سنوات من الزواج، شخَّص الأطباء حالة زوجتي السابقة بأنَّها تعاني من مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وذلك خلال فترة وجودها في المستشفى لمدة أسبوعين بعد نوبة هوس قوية، حيث ظلَّت مُستقيظة ثلاثة أيام دون نوم. في الواقع، أضفى هذا التشخيص شيئاً من الراحة داخل نفوسنا. إذ بدت حينها بعض المواقف أكثر منطقية عند النظر إلى حياتنا من منظور هذا التشخيص. وهنا بدأنا المرحلة التالية من رحلة التعرّف على هذا المرض سوياً. بعد ثلاث سنوات من زواجنا، أظهرت إحدى الدراسات، التي أجريت في 19 دولة، أنَّ الأمراض النفسية زادت من احتمالات الطلاق بنسبة تصل إلى 80%. لكن بعد ست سنوات من المحاولة، لم تستطِع عائلتي الانتصار على تلك الاحتمالات. لا أحد سوانا يعرف التفاصيل الدقيقة للفشل، لكن إليكم أهم أربعة دروس تعلّمتها. وآمل أن يستفيد الناس منها لكي يتجنّبوا الوقوع في الأخطاء نفسها التي ارتكبتها وينجحوا في مواجهة هذا التحدي الصعب، ولكن المجزي في نهاية المطاف.
تعرَّف على الأسئلة الصحيحة
لا توجد مشكلة غير قابلة للحل بين زوجين متحابّين متمسّكين بعلاقتهما الزوجية. لكن طرح الأسئلة الخاطئة يعني التركيز على المشاكل الخاطئة. ومن ثمَّ، إهدار الوقت والجهد والطاقة العاطفية دون تحقيق تقدّم في المشاكل الحقيقية. وخلال تجربة زواجنا، طرح كلٌّ منّا الأسئلة الخاطئة.
أنا الزوج طرحت أسئلة مثل:
ماذا أفعل من أجلكِ؟
ألا ترين ما تفعلينه بأطفالنا؟
كيف يمكنني مساعدتك؟
متى ستكونين قادرة على ……..؟
في الحقيقة، كان ينبغي لي بدلاً من ذلك طرح أسئلة مثل:
كيف يمكننا إيجاد حل لهذه المشكلة سوياً؟
على أي شيء يمكننا التركيز اليوم؟
ما أكثر شيء تحتاجينه في الوقت الحالي؟
كيف حالك اليوم؟
في الوقت نفسه، كانت زوجتي تطرح أسئلة مثل:
متى سيعود العمل إلى طبيعته مُجدّداً؟
كيف أستطيع أن أصبح عقلانية؟
هل يصدر الناس أحكاماً عليَّ؟
لماذا لا أستطيع أن أكون طبيعية؟
في حين تأثير طرح مثل هذه الأسئلة قد يكون أقل ضرراً:
ماذا أحتاج لتحسين وضعي الصحي إلى أقصى حد؟
هل اختيارات طعامي هي الأفضل بالنسبة لي؟
هل أحصل على قسط مناسب من النوم؟
كيف بدت أعراض مرضي الأكثر شيوعاً اليوم؟
يجب أن يكون لديك تطلعات واقعية
على الرغم من كون هذا أمراً مهماً للغاية في أي مسعى، لكنَّه يكتسب أهمية إضافية عندما يتعامل أحد الشركاء مع أمراض تتعلق بالصحة النفسية؛ لأنَّ شريك حياتك يحمل بالفعل عبئاً ثقيلاً يتعلق بشعوره بالذنب حيال عدم كونه إنساناً طبيعياً من الناحية النفسية. وإذا تعامل الزوجان كما لو أنَّ المرض النفسي غير موجود أو لا ينبغي أن يكون موجوداً، ستتقوض ثقة شريكك بنفسه وتقديره لذاته في كل مرة يحدث تقصير منك. انظر إلى الأمر على هذا النحو، فالزوج الأحمق فقط هو الذي يطلب من زوجته، التي تعاني من كسر في ساقها، الذهاب للعب كرة القدم. كذلك، لا أحد يخبر شخصاً ما مصاباً بالسرطان أنَّ تعافيه من المرض يتوقف فقط على قوة إرداته. عندما يكون شريك حياتك مصاباً بالإنفلونزا، فأنت تسمح له بأخذ قسط من الراحة حتى يشعر بتحسن. المرض النفسي هو اعتلال جسدي له أعراض تؤثر على السلوك والشخصية والمخ. تلك الأعراض لها آثار حقيقية لا يمكن تجنّبها على سلوك الأشخاص. ومع حقيقة أنَّ معظم الأمراض النفسية وراثية، فلا يمكن لوم شخص قصير القامة على عدم قدرته على الوصول إلى رفّ مرتفع. ومع ذلك، يُعد التحلّي بتطلعات واقعية الجزء الأكثر تحدياً في كل هذا؛ لأنَّك تتعامل مع هدف متحرك. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مرض نفسي، تعتمد الكثير من الأمور على مدى قدرة هذا الشخص في يومٍ معين؛ لذا يجب عليك أن تكون مرناً معه دون التقليل من شأنه.
اعتنِ بنفسك
قد تكون هذه النقطة، التي فَشلت فيها هي الأصعب على الإطلاق. لقد بلغت ذروة أعراض مرض زوجتي السابقة مباشرةً بعد ولادة ابننا. وقد سمحتُ لها بالراحة وأعطيتها المساحة التي تحتاجها، بمعنى أنني كنت أنام ربما أربع ساعات ليلاً وأتابع عملي، الذي لحسن الحظ من المنزل، وأعتني بطفلنا الأكبر سناً وأحافظ على تسيير أمور المنزل والأسرة. أنا وحش، لكن هذا عبء ثقيل للغاية حتى على تشاك نوريس، لاعب الفنون القتالية والنجم الأمريكي الشهير. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ إرهاقي الجسدي والعاطفي يتحول إلى استياء، وأخجل أن أقول إنَّه تطوّر إلى غضب وحتى احتقار على مدى عامين. وفي الوقت الذي بدأنا فيه العمل بجدية من أجل الحفاظ على زواجنا، أدركت الآن أنني لم أكن على استعداد للمشاركة في ذلك على الإطلاق. تذكّر العبارة الآتية لكل مضيفات الطيران: في حالة فقدان الضغط في غرفة القيادة، تأكَّد أولاً من ارتداء قناع الأكسجين خاصتك وسلامته قبل البدء في مساعدة الآخرين. وصف ضابط في البحرية أعرفه ما حدث لي على هذا النحو: «زوجتك مريضة وكان يجب عليك رعايتها لفترة من الوقت، لكنك عملت حتى أصبحت مريضاً أيضاً. لا يمكن لشخص مريض رعاية شخص مريض آخر». يُقدّم الرفاق في منظمة Family Caregiver Alliance، وهي منظمة غير ربحية تُقدّم الدعم والرعاية لأفراد الأسرة، بعض النصائح الرائعة بشأن رعاية الذات: افعل ما تحتاجه للتحكّم في الضغوط والإجهاد.
حدّد أهدافاً واقعية لتخصيص الوقت والمساحة لاحتياجاتك.
تبنَّ نهجاً في التفكير موجهاً نحو إيجاد الحلول.
تعلم كيفية التواصل البنّاء مع شريك حياتك والآخرين.
اقبل المساعدة عندما تُعرض عليك.
لا تخجل من طلب المساعدة.
داوِم على استشارة طبيبك وفريق الصحة النفسية.
خصّص 20 دقيقة من وقتك لممارسة تمارين رياضية يومياً.
احصل على قسطٍ كافٍ من النوم.
حافِظ على اتّباع نظام غذائي صحي.
اعرف الفرق بين المساعدة والتمكين
على الرغم من أهمية وجود تطلعات واقعية، فالسماح لشريك حياتك بأن يفعل كل ما يستطيع يحظى بالقدر ذاته من الأهمية. من السهل أن تبدأ لا شعورياً بالتعامل مع شريك حياتك المصاب بمرض نفسي باعتباره طفلاً آخر في عائلتك وأن تقلل من قدر ما يستطيع فعله. لكن بالإضافة إلى كون ذلك مُهيناً، يقود إلى نوعين من التمكين:
التقليل بشدة من شأن قدرات شريك حياتك لدرجة أنَّك لا تطلب منه مطلقاً فعل ما يستطيع فعله.
افتراض أن كل المقاومة التي يظهره شريك حياتك هو أمر صحي وواقعي بدلاً من مساعدته على تعظيم قدراته لكي يصبح أفضل صحياً.
يؤثر كلا النوعين تأثيراً سيئاً في زواجك ونفسك والشخص الذي تحبه؛ لأنَّهما قد يؤديان بك إلى حالة الاستياء السالفة الذكر. على الرغم من أنَّ مصطلح «التمكين» يرتبط في الغالب بعلاج الإدمان، فهو ينطبق بالقدر نفسه على الأشخاص المصابين بمرض نفسي. يصعُب معرفة الفرق بين المساعدة والتمكين، لكن إليك بعض العلامات التحذيرية الأكثر شيوعاً:
حماية شريك حياتك من العواقب المنطقية للقرارات المُتّخذة عمداً.
التماس الأعذار عند اتّباع سلوك غير صحي.
إنكار أو إخفاء الآثار الناجمة عن اختياراتهم.
اتّخاذ القرارات لشريك حياتك، وليس معه.
تحمُّل مسؤوليات يستطيع شريك حياتك تأديتها بسهولة.
لتلخيص كل ما سبق:
الأمر ليس قاتماً بالقدر الذي قد نتصوّره حتى في تجربة زواجي الفاشلة. يعيش كلانا الآن حياة أفضل؛ لأنَّ تجربة الطلاق أيضاً تُعلّمك أشياء. إذا أخذت تلك الأمور بعين الاعتبار وتعلّمت كيفية تطبيقها على علاقتك وحالتك الصحية النفسية، فأنت تمتلك فرصة جيدة. لا يمكنني ضمان النجاح، لكن يمكنني ضمان أن تحظى بعلاقة أفضل إذا طبَّقت تلك الدروس.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Health Line الأمريكي. وهو منقول من موقع “عربي بوست”.