مذبحة خوجالي الآذربيجانية.. مأساة وقعت في ليلة

تعرض الآذربيجانيون لسياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي مارسها الانفصاليون الأرمن بشكل متتابع، وطردوا من أوطانهم التاريخية وأراضيهم الأصلية وأصبحوا لاجئين ومشردين، وذلك منذ أكثر من مائتي سنة.. تم سفك دماء آلاف من الآذربيجانيين الأبرياء والقضاء على كثير من الأجيال بالكامل نتيجة أعمال إرهابية دموية ارتكبتها فصائل أرمنية قومية إرهابية مدعومة من قبل دول كثيرة في مختلف الفترات ما بين سني 1905-1907 و 1918-1920 و 1948-1953م.
في نهاية الأمر، في الوقت الذي كان الاتحاد السوفييتي على وشك الانهيار، أي، في سنة 1988م أظهر المتعصبون القوميون الأرمن عادتهم الهمجية مرة أخرى ونتيجة السياسة المتحيزة المؤيدة لأعمال الانفصاليين هذه والتي يمارسها زعماء الإمبراطورية السوفيتية الآيلة للسقوط تم تهجير أكثر من 250 ألفاً من الآذربيجانيين من أرمينيا ابتداء من سنة 1988 حتى سنة 1989م.. وبذلك بدأ الأرمن تحقيق سياستهم التي خططوا لها منذ فترة طويلة والتي لا تتوافق مع أي من المبادئ والقيم و القوانين الدولية.

دلت السياسة المتميزة بمنتهى التعصب القومي والتي مارستها أرمينيا في أواخر القرن العشرين على أنهم يحاولون ترهيب شعبنا والوصول إلى أحلامهم التي تنبع من حقدهم وعدائهم للترك وأعمالهم الإرهابية الهمجية القائمة على العدوان تجاه الآذربيجانيين وسياستهم للإبادة الجماعية بحقهم.

في هذا السياق شنت فصائل السطو والسلب الوافدة من أرمينيا عمليات عسكرية واسعة النطاق في إقليم (دغليك كاراباغ) وبعض الأراضي الحدودية بدعم من وحدات عسكرية روسية واحتلت جزءً واسعاً من أراضي جمهورية آذربيجان مستغلة وجود أزمة الحكم في آذربيجان.. وتجاوز عدد اللاجئين والمشردين في آذربيجان مليون لاجئ ومشرد، وفقدت آذربيجان 20 % من أراضيها نتيجة احتلال إقليم (داغليك كاراباغ) والمناطق السبع المتاخمة من قبل أرمينيا.
أما الأضرار الاقتصادية التي تم إلحاقها بجمهورية آذربيجان خلال هذه الحرب فكانت عشرات المليارات من الدولارات، وأسفر الاحتلال الأرمني عن تدمير ونهب وسلب ما يقرب عدده من 7000 مؤسسة صناعية وزراعية، و616 مدرسة ثانوية، و242 روضة أطفال، وحوالي 500 أثر تاريخي ومتحف، و695 مستشفى ومستوصفاً ومؤسسة صحية، و724 منطقة سكنية منها مدن وقرى.
وحصدت هذه الحرب الدموية أرواح ما يقرب من 20 ألف مواطن آذربيجاني، وخلفت أكثر من خمسين ألفاً من المعوقين والمصابين التي تقوم آذربيجان على رعايتهم.

غير أنه كان أدهى من هذه الحرب غير المتكافئة وما جلبته من القتل والظلم والتخلف الاقتصادي، ما ارتكبته فصائل الأرمن المسلحة بحق الآذربيجانيين في مدينة (خوجالي) من مجزرة وقتل جماعي، فقد أباد الأرمن سكان هذه المدينة لمجرد كونهم ترك الأصل.. تأتي هذه المجزرة المرتكبة ببشاعة وإجرام لا نظير لهما على مستوى الإنسانية.
تمثل مجزرة (خوجالي) التي تعد من أكثر الأحداث دمويةً في العالم واقعية تاريخية تكشف عن طبيعة التعصب القومي عند الأرمن في القرن العشرين، من خلال كلام الزعيم الوطني حيدر علييف عن ذكرياته المتعلقة بهذه المجزرة فيقول: “مجزرة (خوجالي) التي تم ارتكابها في حق الشعب الآذربيجاني كله هي عمل همجي ينفرد بملادة غير معقولة وأساليب التعذيب الجسدي غير الإنسانية عبر تاريخ البشرية”.

ففي ليلة 26 من فبراير سنة 1992م شنت فصائل الأرمن المسلحة بمشاركة جنود الفوج الـ 366 للاتحاد السوفييتي المرابط في مدينة (خانكندي) هجوماً عسكرياً على مدينة (خوجالي)، وكان موقع المدينة الجغرافي مدعاة لهجوم الأرمن العسكري، حيث تقع مدينة (خوجالي) على بعد 10 كيلومترات شمال شرق مدينة (خان كاندي)، على سلسلة جبال (كاراباغ) وعلى مفترق طرق تصل بين (أغدام) و(شوشا)، و(أسكاران) و(خان كاندي).. وكان مطار (خوجالي) وحيداً في إقليم (كاراباغ الجبلية).

قبل شن الهجوم العسكري، في 25 من فبراير مساء تم قصف المدينة بالمدفية الثقيلة، مما أدى إلى اشتعال الحرائق فيها وإحراقها بالكامل في حوالي الساعة الخامسة فجراً في 26 من فبراير. اضطر 2500 شخص بقوا في المدينة من سكان (خوجالي) المحاصرة من قبل فصائل الأرمن المسلحة إلى مغادرتها متوجهين إلى مدينة (أغدام) الآذربيجانية.. لاحقت فصائل الأرمن المسلحة وعناصر الوحدات العسكرية الروسية الذين دمروا المدينة تماماً السكان المسالمين العزل الذين فروا من الحصار وقتلوهم قتلاً همجياً. نتيجة همجية فصائل الأرمن المجرمة تم قتل 613 شخصاً مسالماً وأصبح 487 شخصاً معاقين وتم أسر 1275 شخصاً منهم مسنون ونساء وأطفال، تعرضوا لمختلف أشكال التعذيب الجسدي والإهانة.. ومازال مصير 155 أسيراً مجهولاً حتى يومنا هذا.

كما تم ذكره سابقاً كان نتيجة هذه المجزرة: لقي 613 شخصاً حتفهم منهم 106 نساء و 63 طفلاً و70 مسناً، وتم إبادة 8 أسر بكل أفرادها، وفقد 25 طفلاً كلاً من والديهم وفقد130 طفلاً أحد والديهم.

وقتل المجرمون الأرمن المخربون خلال أعمالهم الهمجية 56 مدنياً ببشاعة وملادة خاصة وقاموا بإحراقهم أحياء وقطع رؤوسهم وسلخ جلود وجوههم وقلع عيون الرضع وشق بطون الحوامل بالحراب (سونكي البندقية).

إهانة الجثث تدل مرة أخرى على همجية المفسدين الأرمن التي تتنافى مع أي مشاعر إنسانية سوية.

أثار ارتكاب مجزرة (خوجالي) بمثل هذه البشاعة ذعراً عند الصحفيين الأجانب منهم الروس والجورجيون والإنجليز والفرنسيون والألمان والأمريكان وغيرهم.

إن المواد التي حصلت عليها اللجنة الحكومية التي تبحث أمر المواطنين المأسورين والمرهونين والمفقودين، أكدت مرة أخرى أن الأرمن ارتكبوا مجزرة محضة في حق سكان آذربيجان وخاصة المواطنين الذين من أصل تركي.
إن أعمال الإرهاب والتعذيب الجسدي البشعة المقترفة من قبل الأرمن هي جريمة ضد البشرية، و من المستحيل التغافل عنها.

تحسب مجزرة (خوجالي) المرتكبة من قبل الوحدات العسكرية الأرمنية والروسية في حق الآذربيجانيين جريمة ضد البشرية وذلك بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي هي مصدر رئيس لتنظيم حقوق الإنسان والمحافظة على الحقوق والحريات على الصعيد الدولي.
الإبادة الجماعية هي قتل متعمد لجماعة قومية بسبب دينها أو مذهبها أو لغتها أوعرقها.. وتطلق تسمية “الإبادة الجماعية” على أعمال القتل الجماعي المرتكبة على أيدي الحكومات.

و بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها والتي اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر عام 1948م ضمن قرار الجمعية العامة رقم 260 أصبح من المندوحة المحاكمة والمعاقبة على مرتكبي الإبادة الجماعية.

على المجتمع الدولي تقييم هذه المجزرة تقييماً سياسياً وقانونياً، وبذل كل جهوده لرفع الدعوى ضد من ساهم في ارتكابها أمام محكمة العدل الدولية.. حيث أنه من المستحيل ترك أي جريمة بما فيها جريمة ضد البشرية بلا معاقبة عليها.

نعم، “مأساة (خوجالي)، على حد قول الرئيس الراحل حيدر علييف، هي صحيفة دموية من سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي مارسها القوميون الأرمن في حق شعبنا منذ أكثر من 200 سنة.
لم ننس هذه المجزرة ولن نسمح للنسيان بأن يتسلل إلينا!

_________________________________________________________

(*) باحث أكاديمي بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الوطنية الآذربيجانية

Exit mobile version