الإعاقة والطفولة.. الواقع والتحدي

بخلاف العوامل الوراثية، فإن بعض المجتمع الإنساني (المعوق) البعيد عن الإيمان هو الذي أوجد جل الإعاقة، حروب شرسة تقطع الأطراف، وأسلحة نووية تمسخ الأجساد، وإشعاعات تشوّه الأجنة، وتلوث بيئي ينشر الأمراض، وحصار ظالم يمنع الغذاء والدواء، ولا تتوقف الدعاية لتعاطي الدخان والخمر والمخدرات والرذيلة، رغم العلم بتأثيرهما على الحمل، ولا يمنح التطعيم للأطفال الفقراء إما للإهمال أو عدم توصيل الأغنياء له، ناهيك عن حوادث الطرق والبيوت.

مهما كان السبب، فلا يتمادى الإنسان في إذلال أخيه الإنسان الذي ابتلي بفقدان عضو أو قدرة، بل عليه أن يغير من نظرته المادية التي هي مزيج من التأفف والازدراء، إلى نظرة الإسلام التي هي مزيج من الرحمة والعدل، وعلى أوطاننا أن تتبنى نظرة الإسلام وتقف مادياً ومعنوياً لنصرة هؤلاء الأبناء.

جاء في أخبار «BBC» بأكتوبر 2006م أن السلطات الألمانية عثرت على أكثر من 50 جثة، أغلبها لأطفال، في مقبرة جماعية تم اكتشافها بمدينة ميندنبرج، ويعتقد المدعون أن الضحايا هم نتاج برنامج إبادة نازي أسفر عن قتل أكثر من مائة ألف معوق بين عامي 1939 و1941م بافتراض أن ذلك سيؤدي إلى تنقية الجنس الآري!

وقال أحد الشهود: إنه شاهد عربات تجرها الخيول وهي تحمل الجثث حيث يتم إلقاؤها في مقبرة قرب موقع المستشفى الذي كان يديره طبيب «هتلر» الخاص «د. كارل براندتـي» الذي كان يدير البرنامج، وكان الضحايا يلقون حتفهم بالحقن بالمواد السامة أو ثاني أكسيد الكربون(1)، أين هذا من استخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم (الأعمى) على المدينة 13 مرة منها غزوة «أحد»، و«بدر»، وحجة الوداع؟ وكان ابن أم مكتوم مؤذن الرسول مع بلال، وكان يُصلّي بالناس في عامّة غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يعني أنه برغم إعاقته كُرِّم.

حقائق من الأمم المتحدة(2):

– وصل عدد سكان العالم إلى 7 مليارات نسمة.

– أكثر من مليار شخص في العالم لديهم شكل من أشكال الإعاقة (1 من كل 7 أشخاص تقريباً).  

– أكثر من 100 مليون طفل من ذوي الإعاقة.

– الأطفال ذوو الإعاقات أكثر عرضة للعنف 4 مرات من الأطفال غير المعاقين.

– يعيش 80% من جميع الأشخاص ذوي الإعاقة في بلاد نامية.

– لا يستطيع 50% من الأشخاص ذوي الإعاقة تحمل تكاليف الرعاية الصحية.

تعرّف الأمم المتحدة الإعاقة بأنها حالة أو وظيفة يحكم عليها بأنها أقل قدرة قياساً بالمعيار المستخدم لقياس مثيلاتها في نفس المجموعة، بما في ذلك العجز البدني، والعجز الحسي، وضعف الإدراك، والقصور الفكري، والمرض العقلي، وأنواع عديدة من الأمراض المزمنة.. والمعوقون أقلّ حظاً من غيرهم فيما يخص الحالة الصحية والإنجازات التعليمية والفرص الاقتصادية، كما أنّهم أكثر فقراً مقارنة بغيرهم، وهناك أسباب عدة لذلك، منها نقص الخدمات المتاحة لهم، والعقبات الكثيرة التي يواجهونها في حياتهم اليومية، وتأخذ هذه العقبات أشكالاً متعلقة بالبيئة المادية أو الأشكال الناتجة عن القوانين والسياسات، أو التصرفات الاجتماعية أو التمييز.

والأشخاص ذوو الإعاقة أكثر عرضة من غيرهم لأعمال العنف: 

– فالأطفال ذوو الإعاقة أكثر عرضة للعنف بأربعة أضعاف غيرهم من الأطفال غير المعاقين.

– البالغون ممن يعانون من الإعاقة بصورة أو بأخرى أكثر عرضة للعنف بمرة ونصف مرة من غير المعاقين.

– يتعرض البالغون من المصابين بحالات صحية عقلية للعنف بنسبة أربعة أضعاف ما يتعرض له غير المصابين بحالات كتلك.

ومن العوامل التي تعرّض الأشخاص ذوي الإعاقة للعنف: وصمة العار، والتمييز، والجهل بالإعاقة، وفضلاً عن الافتقار إلى الدعم الاجتماعي لمن يقومون على رعاية هؤلاء الأشخاص.

المعاناة

يعاني معظم الأطفال المعاقين من الإهمال والإيذاء والعنف في المنزل أو من المجتمع أو المؤسسات التعليمية أو مؤسسات الحضانة والرعاية، ويعد الأطفال المعاقون الأكثر عرضة للعنف منذ مولدهم، لعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم، وهناك ممارسات معينة مثل قتل الأجنة أو ما يسمى بالقتل الرحيم، وتستند تلك الممارسات إلى اعتقاد أن الطفل أو الطفلة سيعاني كثيراً في حياته، ومن ثم فالموت أفضل له، أو اعتقاد أن الطفل المولود بإعاقة هو فأل سيئ أو نذير شؤم على الأسرة، في بعض الأحيان يكون المدرسون غير المدربين مسؤولين إما عن إهمال أو مضايقة الأطفال المعاقين أو الصياح فيهم أو بإهانتهم أو بإيذائهم، مما يشجع الأطفال الآخرين في المدرسة على التصرف على مثل هذا النحو، وهذا يزيد من عزلة الأطفال المعاقين ومن تعرضهم لانتهاك حقوقهم(3)(4).

بعد الخروج من مرحلتي الصدمة والإنكار، هناك خطوات ينصح بها للأسرة التي بها معاق(5):

– الصبر على المصيبة والتعامل مع الواقع.

– التعرف على تشخيص الإعاقة وعدم الإغراق في التجول بين العيادات بحثاً عن تغيير التشخيص.

– التعرف على الأسر التي لديها حالة مشابهة.

– التدرب والتعلم على الطرق المثلى في التعامل مع الطفل المعاق حسب إعاقته.

– تهيئة جميع أفراد الأسرة والأقارب للتعامل مع هذا الطفل.

– دمج الطفل في جميع مناشط الحياة.

– تجنب التدليل المفرط.

– المساهمة في التأهيل المجتمعي ونصح الآخرين.

– توثيق التجربة وإفادة الآخرين بالكتابة.

– التفقه في أحكام الإعاقة مثل الرقى الشرعية، وأحكام الشعوذة والسحر، وأحكام العورات، والعبادة لمن لم تكن إعاقته ذهنية، والرخص الشرعية، وأحكام أموال السفهاء والميراث.

كما أن على الجميع -وليس المؤسسات الخيرية فقط- أن يعرفوا للمعاق حقه، ويوفروا له أسباب كرامته الإنسانية.

تظهر الأدلة والتجارب أنه عند إزالة العوائق التي تحول دون إدماج وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الكاملة في الحياة المجتمعية، فإن المجتمع يستفيد بأكمله، وقد استطاع أهل الإعاقة التغلب عليها ونبغوا، ومن أمثال الأكفّاء: أبو العلاء المعري، وجون ميلتون (مؤلف «الفردوس المفقود»)، والشيخ عبدالجميد كشك، والصم مثل: الموسيقار بيتهوفن، وأديسون (مخترع المصباح الكهربائي)، وهيلين كيلر (المؤلفة، وكانت كفيفة صماء).

ومن أمثلة العلماء الفقيه عطاء بن أبي رباح، كان أسودَ، أعرج، أشلَّ، ولكن كان يُرجَع إليه في الفتوى بمواسم الحج، والعالم الجليل ابن الأثير، صاحب كتابي «الأصول»، و«النهاية في غريب الحديث»، كان مُقعَداً لا يستطيع القيام، ومحمد بن سيرين، أحد أتباع التابعين كان أصمَّ، ورغم صعوبة ذلك فإن سيرته حافلة بالعلم والتقى، والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله أحد أبرز علماء الأمة في العصر الحديث.

وقد حث الخليفة عمر بن عبدالعزيز على إحصاء عدد المعاقين في الدولة الإسلامية، ووضع الإمام أبو حنيفة تشريعاً يقضي بأن بيت مال المسلمين مسؤول عن النفقة على المعاقين، أما الخليفة الوليد بن عبدالملك فقد بنى أول مستشفى عام 88هـ، وأعطى كل مُقعد خادماً وكل أعمى قائداً، وأنشأ الخليفة المأمون مآوي للعميان والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة، وقام السلطان قلاوون ببناء مستشفى لرعاية المعاقين.

لا تبكِ حينما تراه إشفاقاً فلن يراك، ولا تهمس له بكلمات العطف فلن يسمعك، ولا تمد له يديك بالهدية فلن يصل إليك.. فهذا طفل حُرم من بعض الحواس، يحتاج إلى تدفق خاص من غيث الرحمة، وفيض الحنان، لكننا كبشر نتركه، بل نلفظه، وأحياناً نعتدي عليه ونقتله! في عصر تدلّل فيه الحيوانات وتستأنس، وتهمل فيه أرواح إنسانية فطرية بريئة ليس لها ذنب في إعاقتها ولا جريرة في ضعفها، أما آن لنا أن نعطي لهؤلاء بعض حقوقهم؟

 

________________

الهوامش

(1) العثور على مقبرة جماعية في ألمانيا لضحايا النازية

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_5411000/5411614.stm

(2) اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة ديسمبر 2018

http://www.un.org/ar/events/disabilitiesday/background.shtml      

(3) Children with disabilities: Factfile 

http://www.crin.org/resources/infoDetail.asp?ID=10321&flag=report

(4) http://www.unicef.org/violencestudy/arabic/reports/SG_violencestudy_ar.pdf

(5) كيف تتعامل الأسرة مع طفلها المعاق؟

http://www.rahmah.org/view/92

Exit mobile version