الأزهر الشريف.. أعرق الجامعات العلمية

الأزهر أنشئ عام 970م وسمي بذلك نسبة لفاطمة الزهراء وكان التدريس فيه وفقاً للمذهب الشيعي 

في عصر المماليك قصد الأزهر للتعلم أعلام الفكر العربي مثل السهروردي وابن خلدون وابن منظور والفيروز أبادي

لمناهج الأزهر دورها في وجود التنوع المذهبي بمصر فدراسة المذاهب المتعددة تنشئ عقلاً قادراً على الاستيعاب

أحد المستشرقين: القاهرة مركز الثقافة الإسلامية ومكانة الأزهر في العالم الإسلامي لا تعادلها مكانة

 

الأزهر الشريف جامعاً وجامعة هو أعرق الجامعات العلمية في العالم؛ فجامعة الأزهر أطول الجامعات العلمية عمراً، وأجلُّها أثراً في تاريخ الفكر الإنساني، وفي تاريخ العقل العربي والإسلامي بل في تاريخ العلم وميراث الحضارة كافة.

في السطور التالية، تعريف بسيرة الأزهر ومسيرته العلمية عبر الزمان:

النشأة:

تم بناء الجامع الأزهر في عهد جوهر الصقلي، قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، بعد قيام دولة الفاطميين في مصر بنحو عام، وقد شرع في بنائه سنة 359هـ/‍ 970م، وأطلق عليه اسم الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون.

وكان التدريس فيه في ذلك الوقت يجري وفق المذهب الشيعي، وبقي مذهب الشيعة منتشراً في مصر قضاءً وفي الأزهر دراسةً، إلى أن انقرضت دولة الفاطميين.

وبزوال الدولة الفاطمية من مصر وقيام الدولة الأيوبية مقامها، انمحت معالم الفقه الإسماعيلي الشيعي، فقد قضى الأيوبيون على كل أثر للشيعة، وأفتوا بإبطال إقامة الجمعة في الأزهر ولبثت إقامة الجمعة معطلة فيه نحو مائة عام، وذلك من عام 567 -665هـ، وأول مذهب سُني درس بالأزهر المذهب الشافعي.

الغرض من إنشائه:

كان الغرض من إنشاء الأزهر في بداية الأمر الدعوة إلى المذهب الشيعي، ثم لم يلبث أن أصبح جامعة لنشر المذهب السُّني، يتلقى فيها طلاب العلم مختلف العلوم الدينية والعقلية، ويرجع الفضل في إسباغ الصفة التعليمية على الأزهر إلى الوزير يعقوب بن كلس، حيث أشار على الخليفة العزيز سنة 378هـ بتحويله إلى معهد للدراسة، بعد أن كان مقصوراً على العبادات الدينية، ونشر الدعوة الشيعية.

                                                                                   على مر العصور

عصر المماليك:

في عصر المماليك، ازدهرت حلقات الأزهر الجامعية، وقصده أعلام الفكر العربي في ذلك الحين من أمثال السهروردي، وابن خلدون، وابن منظور، والفيروز أبادي، وغيرهم، كما أمّه الطلاب من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، يقيمون حوله، ويقطنون في أروقته، ويجلسون في حلقاته، ويشاركون في نشاطه العلمي.

وكانت هذه الفترة في الواقع هي عصر الأزهر الذهبي من حيث الإنتاج العلمي الممتاز، ومركز الزعامة والنفوذ.

عصر الأتراك العثمانيين:

وفي عصر الأتراك العثمانيين، قاد الأزهر حركات التحرر الكبرى، ومن بينها: ثورة الإمام الشيخ الدردير التي قادها عام 1200هـ‍/ يناير 1786م)، وثورة الإمام الشيخ عبدالله الشرقاوي عام 1209ه‍/ 1795م.

وانصرف الأزهر في هذه الحقبة المظلمة عن دراسة العلوم الرياضية والعقلية، ووجد فيه من ينادي بتحريمها؛ وهكذا بدت بوادر الاضمحلال في الأزهر، وانقطعت صلته بماضيه الزاهر، ووقفت حركة التفكير العلمي.

وكادت هذه الجامعة الإسلامية الكبرى أن تفقد مميزاتها، من حرية الفكر والإنتاج الخصب، لولا أن قيض الله لها مصلحين أخذوا بيدها، وجنبوها عواقب هذه الآفات والعلل حتى تجمعت فيها، وأثرت في مجرى حياتها.

وفي هذا العهد، استمر الأزهر على مدى القرون الثلاثة التي حكم العثمانيون فيها مصر، يجاهد لحفظ البقية الباقية من اللغة العربية والعلوم القرآنية التي أصبحت في حال ذبول أو شبه جفاف، وكان له الفضل على كل حال في الإبقاء على حُشاشة هذا التراث الإسلامي.

نظام التعليم:

لم يكن بالأزهر نظام امتحانات في عهده البدائي، بل كانت الإجازة التي يعطيها الشيخ لتلميذه، وكانت لها قيمة عظيمة، تدل على أن الطالب قد فهم نصاً معيناً، وتجعله أهلاً للتدريس، وكان الطالب يتلقى العلم زمناً طويلاً، فإذا أنس في نفسه القدرة على التصدر للعلم، أعلن ذلك بين زملائه وشيوخه؛ فتعقد في إيوان الأزهر حلقة من العلماء النابهين، يجلس الطالب في صدرها، ويناقش نقاشاً حاداً في المادة التي يدرسها وفي جميع المواد التي تجريها المناسبات، فإذا أثبت الطالب كفاءة ممتازة أُعطي حق التدريس.

المنهج العلمي:

تقوم مناهج جامعة الأزهر على مرتكزات ثلاثة:

الأول: أن الجامعة تعلم طلابها علوم المنقول أي القرآن والسُّنة.

الثاني: تعلمهم علوم المعقول كعلوم الآلة التي تدرب الطالب على حسن الفهم، فيفهم الطالبُ الأزهري النصَّ فهوماً متعددةً لا متعاندة.

أما مَن رُبّيَ على علوم المنقول وحدها، فليس أمامه إلا فهم واحد لا يحيد عنه؛ فيُخَطّئ غيرَه، بل يكفر غيرَه، وليس هذا في الأزهر الشريف.

الثالث: أن الجامعة تدرس لأبنائها العلوم التطبيقية –إضافة إلى العلوم الشرعية والعربية- فينشأ الطالب الأزهري رشيداً، لا يخاصِمُ العقلُ عنده النقلَ، ولا يخاصِمُ الدينُ عنده الدنيا، ومن هنا وُجد التنوعُ المذهبي، ووُجد قبولُ الآخر في مصر؛ فدراسة المذاهب الأربعة، بل الثمانية، تنشئ عقلاً قادراً على الاستيعاب، قادراً على مواكبة التطور.

ومن هنا فإن خريجي جامعة الأزهر يتربون على التكامل في فقه النصوص، ويتعلمون أن علوم المعقول هي الأداة التي يتوصل بها إلى فهم النصوص المنقولة على وجهها الصحيح.

وفي كليات الشريعة، كان الطلاب يدرسون منهجاً جديداً هو “القضايا المعاصرة” الذي يتناول كل المستجدات.

الأثر العلمي:

للأزهر مكانته الكبيرة في مصر والعالم الإسلامي جميعه، وآراؤه وفتاوى علمائه تقابل من كل مسلم في جميع الشعوب الإسلامية بالتقدير والإجلال والإكبار.

ولم تعد رسالته مقصورة على الوعظ والإرشاد والتعليم، بل انتقلت إلى آفاق أبعد لتكون له الريادة في البحث العلمي وفي خدمة الأمة الإسلامية والدفاع عن قضاياها، ونشر الإسلام الوسطي في مواجهة تيارات التشدد والتطرف في شتى أنحاء العالم.

الوافدون إلى الأزهر:

وثقة من البلاد الإسلامية في الأزهر، أخذوا يبعثون بأبنائهم لينهلوا من علمه، ومن ثم يعود الوافدون إلى بلادهم، وهم يحملون فيضاً من روحه، وأضحوا قادة فكر، وأئمة دعوة، وزعماء جهاد، ولا يزال الأزهر يستقبل هؤلاء الطلاب الوافدين إليه من كل فج بصدر رحب؛ فيستظلهم بظله من إقامة وإعداد وتهيئة مكان.

وتمثلت البداية في البعثات الأُولى للوافدين على الأزهر وظهور الأروقة؛ فمنذ أخذ الخليفة الفاطمي الثاني العزيز بالله سنة 378هـ/ 988م باقتراح وزيره يعقوب بن كلس الذي عرضه عليه، بتنظيم دراسة علمية في الأزهر تضم خمسة وثلاثين دارساً مع رئيس لهم، وتجري عليهم الدولة المرتبات، وتوفر لهم داراً للسكن، وبدأ انتظام الدراسة به حتى توافد على الجامع الأزهر طلاب العلم من كل مكان من مصر وخارجها.

ثم استحدث الأزهر نظاماً جديداً للإقامة بديلاً عن الأروقة، وهو إنشاء مدينة تجمع الطلاب الوافدين، وترعى شؤونهم، وصدر قرار جمهوري يتضمن إنشاء مدينة سكنية للطلاب الوافدين سميت “مدينة البعوث الإسلامية”.

وقد أوضح أحد المستشرقين وهو “جاك بولان”، أهمية دور مصر عامة والأزهر خاصة في هذا المجال بقوله: تعد مكة المكان المقدس عند المسلمين، وتعد القاهرة مركز الثقافة الإسلامية، ومكانة الأزهر في العالم الإسلامي لا تعادلها مكانة، ومنذ قرون عديدة والأزهر مفتوح للمسلمين يجدون فيه العلم ومشعل النور، بل يجدون فيه المأوى والزاد، وكان الإفريقيون يتدفقون إليه ليتعلموا علوم القرآن والحديث وغيرها.

وقد أدى الأزهر دوراً ثقافياً رئيساً كان له أثره في نشر الإسلام، وإن كان دوره غير مباشر في هذا المجال، خاصة عن طريق المنح المعطاة للدارسين بين الدول الإفريقية للدراسة بالأزهر، فيعود لكل من الدارسين خريجي الأزهر داعية للإسلام من إفريقيا ذاتها.

معهد إعداد الدعاة:

وإيماناً من الأزهر بواجبه في نشر الفكر الوسطي، أنشأ مركزاً لتدريب وإعداد الدعاة للوافدين؛ لإعداد أئمة ووعاظ يقومون بنشر الدعوة الإسلامية وتعاليم الإسلام بالطريقة التي تلائم ما طرأ على الساحة الإسلامية من تحديات للإسلام والمسلمين، وفي يناير 1985م عقدت أُولى الدورات، ومن يومها والمعهد يستقبل أعداداً كبيرة من كافة البلدان الإسلامية.

ومن الدول التي شاركت في هذه الدورات: الجزائر والسودان والمغرب والأُردن وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا وبنجلاديش والفلبين وماليزيا والهند واليمن وألبانيا والاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا.

فروع الأزهر في الدول الإسلامية:

ليس للأزهر فروع في الدول الإسلامية والعربية تعمل تحت سلطانه وإدارته، سوى ما تم توقيعه بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، ورئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية محمد مطر الكعبي من اتفاقية لإنشاء فرع لجامعة الأزهر في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقال وكيل الأزهر، عباس شومان: إنه لأول مرة في تاريخ الأزهر يوافق على إنشاء فرع لجامعة الأزهر خارج مصر، حيث يتلقى الأزهر العديد من الدعوات لإنشاء فروع في دول كثيرة.

غير أن أثر الأزهر العلمي خارج حدود أرضه، لا يتوقف على إنشاء فروع  إقليمية ودولية له؛ فأثر الأزهر العلمي والثقافي والدعوي خارج أسوار القاهرة، ظهر في وفود الطلاب إليه، وفي إيفاد علماء الأزهر إلى الجامعات الإسلامية المختلفة.

المصادر:

1- الأزهر في ألف عام، د. محمد عبدالمنعم خفاجي.

2- الأزهر جامعاً وجامعة، د. عبدالعزيز الشناوي.

3- موقع جامعة الأزهر http://www.azhar.edu.eg/.

Exit mobile version