غربيون: ماذا عسانا نستفيد من الحضارة الإسلامية في فض النزاعات؟

حرص الإسلام على الصلح وفض النزاعات، ووضع في تشريعاته كلها ما يدعم التوافق والتعاون والتآلف، ونعى على أولئك الذين يفرقون الكلمة ويحاولون أن يشيعوا الفرقة ويتخذوا من الدين أحياناً وسيلة تفريق.

تعتبر الوساطة من أهم وسائل حل النزاعات وتسويتها والإصلاح بين الناس على مختلف المستويات، ولا شك بأن المجتمعات العربية والإسلامية تمتلك تراثاً عظيماً في مجال الوساطة بين المتنازعين.. هذا ما أكده خبراء دوليون في ندوة نظمتها وزارة العدل التونسية بالتعاون مع برنامج إصلاح القضاء الأوروبي (بارج)، حول فض النزاعات والمصالحات في الثقافات المتعددة، سواء المتعلقة بمجال التجارة أو النزاعات المدنية والأهلية في المجتمعات المختلفة.

وقال جلول شلبي، المسؤول عن برنامج دعم إصلاح القضاء بوزارة العدل التونسية، لـ”المجتمع”: نحن نستمع لأفكار حول الوساطة في عدد من دول العالم بناء على الثقافات المحلية، سواء في جنوب شرق آسيا، أو أمريكا الجنوبية، ودول الاتحاد الأوروبي، مضيفاً أن مفهوم الوساطة يختلف من ثقافة إلى أخرى، وهناك مشتركات مع بعض التمايز، وتونس لها مفهومها الخاص المستمد من الحضارة الإسلامية العربية في مجال الوساطة، ويمكن للتشريع أن يكون نابعاً من هذا التراث التاريخي الزاخر.

الوساطة كبديل

من جانبه، أكد «ستيفان بن سيمون»، رئيس المجلس الأوروبي للوساطة: درسنا العديد من أشكال الوساطة في الثقافات العالمية، ولا شك أنكم تملكون تراثاً عظيماً في مجال الوساطة بين المتنازعين، ففي فيتنام –مثلاً- يقوم بالوساطة بين المتخاصمين كبديل عن القضاء ومتاهاته ومساراته، وغالباً ما يكون الوسيط في سن متقدمة، ومندمجاً في المجتمع المحيط به، وتلقى تربية حسنة، ويحظى باحترام الجميع، ويستحسن أن يكون له لقب مميز غير لقبه العائلي (الشيخ، الإمام، المعلم، العمدة، رئيس البلدية)، وفي بعض القرى الفيتنامية تكون امرأة ولها أطفال وسيرتها حسنة بين الناس.

وتابع: نحن نمارس الوساطة ونصلي قبل القيام بمهمتنا؛ ليخرج كل منا من قوقعته الداخلية، وهذا ما شاهدناه في مناطق كثيرة من العالم حتى في هايتي وأمريكا اللاتينية.

وحول الصفات التي يجب أن تتوافر في الوسيط، أوضح “بن سيمون” أن الوسيط يجب أن يكون محايداً ومستقلاً ومقبولاً من الطرفين المتخاصمين، وضرب مثلاً بالسنغال التي أغلب سكانها من المسلمين، الوسيط لا بد أن يكون ملماً بأحوال الناس، ويعرف الناس ويعرفونه عن قرب، وهذا ما بدأنا نعمل من أجله في فرنسا، فقد بدأنا بـ20 مدرباً، وأصبح لدينا الآن 200 مدرب بعد أن اكتشفنا أن للوساطة دوراً كبيراً في الوئام المدني وفي حسن العلاقة بين المتخاصمين، عكس نتائج القضاء التي قد تكون عادلة ولكنها لا تساهم في رأب الصدع بين المتخاصمين، بل قد تزيد تلك المحاكمات العلاقات تأزماً، وهذا ما تقوم به الوساطة التي لها دور عظيم في بناء مجتمع بدون شحناء أو أقل وطئاً.

نريد التعلم منكم

وقال الخبير الدولي «هيربارد آزار»: من نافلة القول أن أشير إلى أهمية الصلح في ثقافتكم، فأنتم تعرفون أهمية التحكيم في الثقافة العربية الإسلامية أكثر منا، ونحن استفدنا من ذلك في فرنسا، بل إن المعلم (ربما يعني القس) ورئيس البلدية من المتدخلين في الوساطة.

وأضاف: نحن ممنونون جداً لو تطلعونا على أشكال الوساطة في ثقافتكم حتى نستفيد منها، فنحن بعد 100 عام مازلنا في حاجة للتعلم من الآخرين، ولا نعتقد أننا وصلنا إلى النهاية كما يزعم “فوكوياما”، واسمح لي أن أسألكم أنتم في تونس: ما الذي يمكنكم أن تقدموه لنا في هذا المجال؟ ما الذي يمكننا إدماجه في مجال الوساطة بالنسبة إلى مختلف المتدخلين في الموضوع؟ فنحن في الأخير وسطاء ونريد مساعدة الآخرين لتجاوز خلافاتهم.

وحول تجربته في عملية فض النزاعات الأهلية، أفاد بأن كل فرد يعتقد أنه على حق، والمهمة ليست البحث عما هو على الحق، وإنما البحث عن صيغة للتسوية، ولنا مثل فرنسي يقول: “كل شخص يرى منتصف الزوال أمام بيته”، ثم البحث عن أضرار النزاع وما هو غير مقبول، والعمل على إيجاد حل بالنظر إلى كل ذلك.

Exit mobile version