أنا.. وهي.. ورمضان

 

 

هذه المقالات المشتركة تعبر عن حالات زوجية رمضانية، تركنا القلم بين أيدينا ليفصح كل منا عن مشاعره، ولتشهد الصفحة الواحدة ذات الشقين المتعانقين مدى الاندماج الزوجي الذي يرفع شهر رمضان قدره ويزيد أثره.

أنا:

قال تعالى في الصيام: (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ) فهل يمتد التطوع إلى الحياة ووظائفها؟

لنا في الأنبياء المثل.. ألم يكفل زكريا مريم ويتطوع يوسف لوزارة المالية ويسق موسى للامرأتين؟

الإسلام يحث على التطوع بحيث يكون الباعث له احتساب الأجر عند الله فأصل العبادات الإخلاص لله

هي:

كلمة «خيراً» تفتح مجالات الخير وتحث على التطوع بصالح الأعمال وتؤكد فضيلته برمضان وغيره

التطوع نابع من رغبة الإنسان تقديم ما يقدر عليه من نوافل العبادات والنفقات والتماس الأجر منه تعالى

أذكر في وقتنا المعاصر شيخ المتطوعين د. عبدالرحمن السميط وتطوعه بأفريقيا وزوجته أم صهيب وإعانتها له

 

 

أنا..

لاحظت -يا زوجتي- في آيات الصيام الأولى قول الله تعالى: (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ) (البقرة: 184)، وفي سياق آيات الحج: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ {158}) (البقرة)، فما هذا التطوع؟ وهل يمتد من الشريعة وشعائرها إلى الحياة ووظائفها؟

أما في الصيام: فابن عباس يقول: «فمن تطوع خيراً فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له»، ووافقه السدي حين قال: «فإن أطعم مسكينين فهو خير له»، والله تعالى لم يخصص بعض معاني الخير دون بعض، فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوع الخير، وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوع الخير، وكل ذلك من تطوع الخير ونوافل الفضل.

وهذا هو حكم الصيام على ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، أي أن المريض والمسافر لا يصومان، أما الصحيح المقيم فقد كان مخيراً بين الصيام والإطعام، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير، وإن صام فهو أفضل من الإطعام. (ابن كثير).

وأما في الحج فالقول الراجح: «ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه فمجازيه به، عليم بما قصد وأراد» (الطبري)، وفي أقوال العلماء: من تطوع خيراً فاعتمر فإن الله شاكر عليم، فالحج فريضة، والعمرة تطوع.

مِن تدبر هاتين الآيتين وجدتُ أن الإسلام يحث على العمل التطوعي، بحيث يكون الباعث له احتساب الأجر عند الله وحده، فإن أصل الصوم والحج والعمرة والإطعام هو الإخلاص لله، وفيها زيادة العمل، فإن هناك وقتاً يُقضى، وجهداً يُبذل، ومالاً يُنفق، وهذه هي عناصر التطوع المجتمعي سواءً كان التطوع بدنياً أو فكرياً أو مادياً، والشباب ذكراناً وإناثاً في حاجة إلى الانضمام للعمل التطوعي صلاحاً وإصلاحاً للنفس والغير، أو رفعاً وارتفاعاً للفرد والجماعة.

ولنا في الأنبياء المثل والقدوة؛ ألم يكفل زكريا مريم تطوعاً؟ ألم يتطوع يوسف ليكون وزيراً للمالية، ألم يسقِ موسى للامرأتين في مدين ابتغاء وجه الله؟ وانظري –زوجتي- إلى عاقبة هذه الأمثلة، فكانت كفالة زكريا سبباً لمعرفة قدرة الله في إرزاق مريم، فدعا بالولد وحازه! أما يوسف فمكن الله له في أرض مصر وجمع أهله واجتمع بأبويه! وموسى كانت سقياه سبباً لأمانه وزواجه وخبرته!

وفي الإسلام، كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمثال الخالد، قالت خديجة عنه: «كلا والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» (رواه البخاري).

من أمثلة عمله مشاركته صلى الله عليه وسلم في بناء الكعبة، وحفر الخندق وبناء المسجد، وزيارة المرضى، مع حثه على كفالة اليتيم وتفريج الكرب ومساعدة الأرامل وإطعام الطعام.

كما كان أبو بكر يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى والله لأحلبنها لكم.

وجاء الخبر عن عمر بن الخطاب وزوجه أم كلثوم بنت علي بمساعدة امرأة في المخاض، فأخذت معها ما يحتاج إليه الوليد من ثياب وما تحتاج إليه المرأة وقدراً وحبوباً وسمناً، فدخلت إلى المرأة وجلس هو مع الرجل وأوقد النار وطبخ ما جاء به والرجل جالس لا يعلم من هو.

هذا من الخير والبر الذي ذكره الله في قوله: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {177}) (البقرة).

وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «على كل مسلم صدقة»، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق»، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف»، قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يأمر بالمعروف أو الخير»، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشر فإنها صدقة» (رواه البخاري).

فأبواب الخير متعددة مفتوحة تنتظر المتطوعين والمتطوعات خاصة في أوقات الأزمات ومناطق النزاعات من خدمات إنسانية وطبية وسكنية وتعليمية ومالية، وفي رمضان يزداد الأجر ويرتفع الثواب.

هي..

لقد ذكَّرنا شهر رمضان بهذه القضية المهمة التي تطرقت إليها في حديثك عن قوله تعالى: (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ)؛ ألا وهي التطوع بالخير، والآية وإن كانت جاءت في سياق الحديث عن الصيام كما أشرت، فإن كلمة «خيراً» تفتح أمامنا مجالات الخير المتنوعة، وتحثنا على التطوع المطلق بصالح الأعمال، وتؤكد فضيلة التطوع في رمضان، وفي غير رمضان.

والتطوع –يا زوجي- إنما يكون نابعاً من رغبة الإنسان في تقديم ما يقدر عليه من نوافل العبادات والنفقات من المال أو الصحة أو الجاه أو العلم أو النصح، أو غير ذلك مما رزقه الله، وهو من وسائل تزكية النفس ويحتاج نية خالصة لله؛ (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9}) (الإنسان)، فالأجر إنما يكون منه سبحانه وتعالى، وهو شاكر لكل خير عليم بنية صاحبه، لذا فقد نبهنا لهذا في قوله: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {114}) (النساء).

وحين أذكر التطوع والمتطوعين في وقتنا المعاصر يظهر أمامي شيخ المتطوعين الدكتور الداعية الكويتي عبدالرحمن السميط، رحمه الله، الذي عاش حياته متنقلاً في القارة الأفريقية، يقدم فيها جهده ووقته وماله وصحته ودعوته، متمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعاً، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهراً» (السلسة الصحيحة).

كما أتذكر زوجته الصابرة الوفية أم صهيب التي أعانته على ذلك ورعت أولاده، ثم شاركته مشاركة فعلية في عمله التطوعي وعاشت معه حياة الزهد والتقشف والتنقل والقلق، ورغم صعوبتها فإنها وجدت فيها لذة القرب من الله بما يقومان به، فقالت لزوجها قولتها الرائعة: «هل سنجد في الجنة طعم هذه السعادة كما نجده هنا؟!»، فيا لها من زوجة!

وهنا يتبادر إلى ذهني أهمية دور المرأة في العمل التطوعي بالمجالات التي تصلح لها كامرأة، مثل رعاية الأيتام، والأرامل وكبار السن، ومساعدة الأسر الفقيرة، والعمل بالجمعيات الخيرية والإغاثية والاهتمام بقضايا المرأة ومشكلات الفتيات والتوعية وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والأنشطة التربوية للنشء، وكذلك تعليم العلم، وتحفيظ القرآن، وكل ما فيه صلاح لمجتمعها، فدورها فيه لا يُنكَر، والمجتمع في حاجة لجهدها، مع مراعاة الضوابط الشرعية في كل ذلك.

إن التعاون على البر والتقوى من سمات البيت المسلم، والأسرة المسلمة، والحي المسلم، والمجتمع المسلم، وقد أمر الله الجميع بذلك فقال: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2)، وإن مجتمعاً يتعاون في وجوه البر ونشر الخير والشعور بالغير، ويعزز ثقافة العمل التطوعي في نفوس أفراده؛ لهو مجتمع راق نافع لمن حوله، وإن من المؤسف أن يقف بعض الأزواج في الاتجاه المعاكس تماماً، فيمنع الزوج زوجته من أي عمل تطوعي كالدعوة إلى الله، أو العمل في مجال التعليم أو في مجالات تطوعية يمكنها أن تقوم بها دون أن تفرط في حق الزوج ورعاية الولد!

وعلى الطرف الآخر نجد بعض النساء تشارك مشكورة في الأعمال الخيرية لكنها تنفق فيها معظم وقتها إن لم يكن كله، فتهمل الزوج وتضيع الأولاد وتقصر في تربيتهم! وهنا لا بد من نشر ثقافة العمل التطوعي المتوازن، وتيسير طرق الانضمام إليه والمشاركة فيه دون إفراط أو تفريط.

وإن كان التطوع بنوافل العبادات مطلوباً لا سيما في رمضان، فإن التطوع كذلك بالسعي في حوائج الناس والحرص على ما ينفعهم من الأعمال أجرها في رمضان عظيم، ولها قيمتها في الميزان عند الله، وعليها يثيب ويجزل العطاء، فرمضان فرصة لعمل كل خير، وما أعظم أن تجتمع الأعمال التطوعية التي تنفع الصائم وتزكي روحه من ركوع وسجود وعبادات، فتتعانق مع أعمال الخير النافعة للمجتمع وأفراده، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {77}) (الحج).

Exit mobile version