تركستان الشرقية.. أندلس جديدة بين فكي التنين الصيني

عادة ما يتغنى المسلمون بالأندلس وكيف كانت حضارتها في الوقت الذي كانت أوروبا تغرق في الظلام، وفي كل ذكرى سنوية لسقوط الأندلس غالباً ما نكون على موعد مع كربلائية مكررة مزيّفة تزعم أن ثمة حسرة على ما ضاع، وفي سكرة البكاء على أطلال الماضي البعيد، يتجاهل المسلمون حضارات باتت قاب قوسين أو أدنى من المصير ذاته، كما هو الحال مع تركستان الشرقية هذا البلد المسلم الذي ينسلخ عنوة من هويته المسلمة بين فكَّي التنين الصيني.

تركستان في الأصل كلمة من مقطعين “ترك” و”ستان” وهي تعني “أرض الترك”، وتاريخياً ما يعرف بتركستان الكبير الذي يضم تركستان الغربية وتركستان الشرقية، وكما هو معروف فإن تركستان الغربية هي تلك الجمهوريات التي استقلّت عن الاتحاد السوفييتي بين عامَي 1990م و1991، بعد احتلالها عام 1917 ومنها وهي أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغزستان، وكازاخستان، وهي جمهوريات ذات أغلبية مسلمة.

الجغرافيا والتاريخ

أما تركستان الشرقية، فهي تقع وسط آسيا تحدها من الشمال الغربي جمهوريات كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، ومن الجنوب: أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق إقليم التبت، بالإضافة إلى الصين ومنغوليا الشعبية، ومساحتها الجغرافية حوالي 1.8 مليون كم مربع.

بالحديث عن سكان تركستان الشرقية فهم من قوميات مختلفة أغلبها من قومية الأويجور وهم يشكلون غالبية البلاد إلى جانب التركمان، والكازاخ، والأوزبك، والطاجيك، وجميعهم ينتمون إلى العرق التركي، وهي تخضع للاحتلال الصيني منذ عام 1949 وتطلق عليها بكين اسم شينجيانج، أي: المستعمرة الجديدة.

عند احتلال تركستان الشرقية، كانت عقيدة أهلها وتمسكهم بالإسلام حجر عثرة أمام إحكام الصين سيطرتها على هذا البلد، فعمدت على محاربة عقيدتهم ومارست ضدها أساليب كثيرة من التضييق وألواناً شتى من الاضطهاد، وهو ما تمثل في سياسة القتل عبر إعدام الآلاف من مسلمي تركستان ظلماً، ومحاربة كل مظاهر الإسلام وشعائره من هدم للمساجد وتحويل بعضها إلى مقرات للحزب الشيوعي، ومنع الصيام في شهر رمضان، وإهانة العلماء وأئمة المساجد وتنظيم مهرجانات عامة في مناطق المسلمين لشرب الخمور وإجبار مسلميها على بيع الخمور في محالهم التجارية، بل امتد الأمر إلى تجريم الأسماء التي قد تكون لها دلالة إسلامية.

اتساع رقعة التضييق

التغيير الديمجرافي كان حاضراً أيضاً في مسلسل اضطهاد مسلمي تركستان، بتوطين ملايين الصينيين من قومية الهان من غير المسلمين في تركستان الشرقية، وتهجير فتيات مسلمات قسراً إلى داخل الصين، إلى جانب تحديد النسل الإجباري وإجراء عمليات إجهاض أجنّة بشكل إجباري، وساقت السلطات الصينية مئات الآلاف من أبناء تركستان أغلبهم من قومية الأويجور إلى المعتقلات، فنادراً ما تجد أسرة ليس فيها معتقل.

رقعة التضييق والاضطهاد اتسعت كذلك لتشمل مراقبة الهواتف إجبارياً عبر تطبيق يعمم على الجميع استخدامه فيظل الشخص تحت مراقبة دائمة، ومنع التعليم الإسلامي إذ أصدرت السلطات الصينية قراراً في أواخر عام 2016م، يتضمن استدعاء الطلاب الأويجور الذين يدرسون العلوم الإسلامية في الخارج، وقطع دراستهم، وهددت من لم يستجِب منهم بإيذاء أسرهم واعتقال ذويهم، وهو ما اضطر نسبة كبيرة من الطلاب للعودة خوفاً على أسرهم وأقاربهم فواجهوا اتهامات بنشر أفكار إرهابية ومن ثم القبض عليهم ومواجهة عقوبة بالسجن 15 عاماً ويزيد، حتى إن اثنين من هؤلاء الطلاب العائدين أعلن عن وفاتيهما مؤخراً داخل السجون.

تغيير الأذان والأذكار

عندما تنقطع السبل بالإنسان المسلم فإنه يلجأ إلى ربه بصلاته أو الإمساك بمصحفه وتلاوة القرآن، وأصبح ذلك أيضاً ضمن المحرمات؛ إذ بدأت السلطات الصينية خلال الأشهر الأخيرة في مصادرة المصاحف وسجادات الصلاة ونشرت تعميماً يطالب المسلمين في تركستان الشرقية، بتسليم كل ما يتعلق بالإسلام من مصاحف وسجادات الصلاة، باعتبارها ضمن المحرمات الثلاثة على المسلمين هناك، وهي تشمل “الأنشطة الدينية، والمواد المطبوعة، والتعليم الديني”، حتى إن الشعائر الإسلامية في البيوت باتت محظورة من خلال سياسة المراقبة عبر موظفين يتبعون الحزب الشيوعي يعيشون في منازل المسلمين قسراً.

كما أن تحفيظ القرآن أو إقامة صلاة التراويح عمل يقود صاحبه إلى قفص الاتهام وأحكام بالسجن، سواء رجلاً كان أو امرأة، بل إنه قد جرى تحريف صيغة أذان الصلاة إلى تغنٍ بالصين وتمجيد في رئيسها شي جين بينغ، فأصبحت صيغة الأذان على النحو التالي:

“كلنا أبناء الوطن، كلنا أبناء الوطن، الوطن أكبر، الوطن أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح، انشدوا وحدة وأمن الوطن، انشدوا نهضة الوطن”.

أما أذكار ما بعد الصلاة فتقول: “ممتنون للوطن، شاكرون للرئيس شي”.

كل هذه الممارسات وغيرها كثير غيض من فيض سياسات “تصيين” تركستان الشرقية وسلخها عن هويتها المسلمة في ظل غياب تام لأي موقف إسلامي سوى بعض الأصوات من هنا أو هناك التي تكسر على استحياء حاجز الصمت، فلماذا لا نصحو قبل فوات الأوان أم أننا سنفيق بعد أن تصبح تركستان الشرقية أندلساً جديدة؟

 

 

(*) المصدر: “هاف بوست عربي” (بتصرف يسير).

Exit mobile version