الحضارة.. كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب؟

 

 

الكتاب يرضي طموح محبي التاريخ بأدلته ودقة ملاحظاته وصدقية رؤيته وروايته للأحداث

عناصر حضارة الغرب ستة هي: المنافسة والعلوم والملكية الفكرية والطب والمجتمع الاستهلاكي وأخلاقيات العمل

كيف تخلفنا في ميدان العلم رغم امتداد حضارتنا إلى بقاع واسعة من المعمورة وامتلاكنا مقومات القوة والتقدم؟

الحضارة لن تدوم والحرية لن تبقى والسلام لن يخيم إلا إذا اتحدت الغالبية العظمى من البشر من أجل حمايتها

العمل ارتفع إلى أعلى المُثل في أوروبا ومن دون تقديسه كان مستحيلاً تحقيق إنجازات الحضارة هناك

 

 

نبذة عن المؤلف:

أحد أهم العلماء في العالم، وأشهر المؤرخين البريطانيين، يشغل منصب أستاذ التاريخ في جامعة هارفرد، وأستاذ في معهد وليام زيغلر بمعهد هارفرد لإدارة الأعمال، ويعد من كبار الباحثين في جامعة أكسفورد، كتب وقدم خمسة مسلسلات تلفزيونية وثائقية لاقت نجاحاً هائلاً، وصدر له عدد كبير من المؤلفات.

محتويات الكتاب:

قسم البروفيسور نيال فرغسون كتابه «الحضارة.. كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب؟» إلى ستة فصول تحمل قيم هذه الحضارة، وتمثل عناصر نهضة الحضارة الغربية، محللاً هذه العناصر ومتحدثاً عن التحديات التي واجهتها وكيف تطورت، وكيف أحدثت هذه النهضة التي هيمنت على العالم وجاءت كما يلي:

الفصل الأول: المنافسة.

الفصل الثاني: العلوم.

الفصل الثالث: الملكية.

الفصل الرابع: الطب.

الفصل الخامس: الاستهلاك.

الفصل السادس: العمل.

هذا الكتاب:

يطرح البروفيسور نيال فرغسون تساؤلاً مثيراً للجدل والنقاش، سبق أن تطرق إليه غالبية مؤرخي التاريخ المعاصر؛ وهو: لماذا تمكنت حفنة من الدول الصغيرة الواقعة عند الطرف الغربي من أوراسيا (كتلة أوروبا آسيا)، بدءاً من العام 1500م، من السيطرة على بقية أنحاء العالم؟ وهي مساحة تضم بعض أكثر المناطق كثافة سكانية، إضافة إلى بعض أكثر المجتمعات تقدماً في شرق أوراسيا.

ولعل هذا التساؤل يفترض تساؤلاً آخر من جنسه هو: إذا تمكنا من الحصول على تفسير مقنع عن صعود الغرب في الماضي، فهل سيكون بمقدورنا أن نتوقع مستقبل ذلك الصعود؟ يعني هذا التصور حقاً نهاية عالم الغرب وقدوم الحقبة الشرقية الجديدة؟ بكلمات أخرى؛ هل يعني ذلك أننا نشهد انحسار العصر الذي رزحت فيه الغالبية الساحقة من البشرية – بشكل أو بآخر – تحت نير الحضارة التي نشأت في أوروبا الغربية غداة عصر النهضة والإصلاح؟ وهي الحضارة التي أحرزها عصر التنوير والثورة العلمية، التي انتشرت عبر المحيط الأطلسي ووصلت إلى أقاصي العالم، وقد وصلت هذه الحضارة أخيراً إلى أوجها خلال عصور الثورة والصناعة والحكم الإمبراطوري.

ليس في الأمر سرُّ ولا وصفة سحرية.. بإستراتيجيات ست بين منافسة وعلم وديمقراطية وطب ومجتمع استهلاكي وأخلاقيات عمل، ألحقت حضارة أوروبا الغربية الهزيمة بإمبراطوريات الشرق المتفوقة، وتحولت من ممالك متخلفة أنهكتها الحروب والأوبئة إلى حضارة تهيمن على العالم قاطبة، بما فيها حضارات الشرق.

وحدث، منذ ذاك الوقت، انقلاب كبير في موازين القوى العظمى.. كيف تمكّن الغرب من تحقيق هذه الإستراتيجيات «القاتلة»؟ ما البنية السياسية التي اتبعتها البلدان فتقدمت؟

كيف تفوقت النزعة التجارية الهولندية مثلاً على إمبراطورية الصين العظيمة؟ أو كيف تمّ تحدّي الإمبريالية في الهند وجامايكا وجنوب أفريقيا؟

الكتاب يحلل ويوثق كل ذلك عبر رحلة تاريخية استثنائية بجدارة عبر القنال الكبير في نانجينغ، وقصر توبكابي في إسطنبول وماشو بيكو في الآنديز وجزيرة القرمز في نامبيا وأبراج براغ والكنائس السرية في وينزهاوز.

والكتاب يستفز منذ البداية طموح مُحبي التاريخ ويرضيه بأدلته ودقة ملاحظاته وصدقية رؤيته وروايته للأحداث، تمكّن مؤلفه من التوجه فيه إلى جميع الفئات العمرية، عبر اعتماده أسلوباً سلساً، بسيطاً وواضحاً دون أن يخلو من العمق البحثي.

لماذا تمكنت حفنة من الدول الصغيرة الواقعة عند الطرف الغربي من أوراسيا كتلة أوروبا وأوراسيا، بدءاً من عام 1500م، من السيطرة على بقية أنحاء العالم، وهي مساحة تضم بعض أكثر المناطق كثافة سكانية، وبعض أكثر المجتمعات تقدماً في شرق أوراسيا؟ هذا السؤال لا يزال يتصدر نقاشات واسعة في العالم، ولا تنجو منها مجتمعاتنا العربية التي طرحت منذ أكثر من قرن، على لسان متنوري النهضة، سؤالاً: لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب؟ وهو سؤال يكتسب راهنية اليوم، ويقض مضجع النخب المثقفة والقوى السياسية، الباحثة عن أجوبة مقنعة، بعيداً من منطق المؤامرة الإمبريالية التي توجه سهامها نحو عالمنا العربي.

يقدم كتاب «الحضارة.. كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب؟» للكاتب الأمريكي «نيال فرغسون» جواباً علمياً على السؤال العربي عن أسباب التقدم، وتفسيراً علمياً للمسار الذي قطعته الحضارة الغربية وعناصر القوة التي مكنتها من أن تهيمن على العالم.

صراع الحضارات

على رغم أن النقاش حول الحضارة الغربية وتفوقها لا يخلو راهناً من شكوك في إمكان استمرار هذا التفوق، في ظل تصاعد قوى عالمية خصوصاً في الشرق الأقصى؛ أي في اليابان والصين والهند، كما تشهد أمريكا اللاتينية صعوداً مشابهاً في القوى، وعلى رغم كل ما زعمه مؤدلجو الحضارات من نزعات عرقية وعنصرية عبّرت عن نفسها بنظرية صراع الحضارات التي قال بها «برنارد لويس» وطورها لاحقاً «صموئيل هانتنغتون»، والتي ذهبت إلى التبشير بهذا الصراع الذي سيندلع ضد الحضارة الغربية عبر الحضارات الشرقية والإسلامية، وهو منطق لا يمت إلى الصراع الحضاري بمقدار ما هو تعبير عن صدام الأصوليات في العالم.

رغم كل هذه الالتباسات تبقى استعادة عناصر القوة للحضارة الغربية أساسية لكل المجتمعات التي تسعى إلى الخروج من التخلف والدخول في العصر ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي، والإفادة مما تقدمه العولمة إلى شعوب هذه المجتمعات، ومن ضمنها مجتمعاتنا العربية.

العناصر الستة

يركز الكتاب على ستة عناصر يرى الكاتب أنها كانت في أصل نهوض حضارة الغرب وسيطرتها، ويوردها بعد أن يرفض رفضاً قاطعاً نظرية الهيمنة الإمبريالية على العالم غير الغربي ونهب ثرواته ووضعها في خدمة التقدم الغربي، وهي نظرية رائجة في شكل واسع خصوصاً في المجتمعات السائرة في طريق النمو، يتصل العنصر الأول بما يسميه «المنافسة»، أي بطبيعة النظام الاقتصادي والسياسي الذي اعتمده الغرب منذ خمسة قرون، وهو قائم على الحرية والليبرالية.

الحرية السياسية والاقتصادية التي بدأها “المركانتيليون” مطلع القرن السادس عشر، وطورها وأعطاها “آدم سميث” بعدها النظري من خلال الشعار الشهير الذي أطلقه: “دعه يعمل، دعه يمر”، مهدت لنظرية المنافسة إلى تكوين أنظمة سياسية تعتمد اللامركزية، وصولاً إلى تكوين دول قومية، كسرت القيود السياسية التي كانت تمنع التبادل التجاري الحر.

العنصر الثاني في قوة الحضارة الغربية هو “العلوم”، التي انطلقت من دراسة الطبيعة، مستندة إلى طريقة مختلفة في فهم العالم الطبيعي، ضمن وجهة مركزية تسعى إلى تغييره، كرّس الغرب جهوداً ضخمة في التطوير العلمي، وتوظيف هذا العلم في الاختراعات ذات الوظائف المتعددة، وبناء المصانع التي شكلت منعطفاً في تاريخ أوروبا الحديثة؛ بما جعلها متفوقة في صناعاتها على سائر دول العالم، وبما مكنها من أن تغزو العالم من طريق الاقتصاد، ترافق ذلك مع توظيف هذه الثورة في العلوم في تطوير القوة العسكرية وإقامة ترسانة مسلحة ساهمت في السيطرة العسكرية على مناطق واسعة من العالم.

العنصر الثالث هو “حقوق الملكية”، والمقصود به أساساً حكم القانون الذي يشكل الوسيلة الوحيدة لحماية الحقوق الشخصية ومنع التعديات على المواطنين، والحد من تحكم قوى خارجة عن الدولة في حياة الإنسان الغربي، من هذا العنصر انبثق لاحقاً فكر سياسي، شكلت الديمقراطية عماده الرئيس، خصوصاً مسألة حل النزاعات بالطريقة السلمية، وإقامة تسويات بين مختلف مكونات الشعب، هذه النظرية ستهيمن لاحقاً على فكر التنوير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتشكل الأساس الذي تقوم عليه السلطات.

العنصر الرابع هو “الطب”، حيث تمكن الغرب، في سياق التطور العلمي، من تقديم اكتشافات هائلة على الصعيد الطبي، كان لها أثر كبير في إطالة عمر الإنسان في أوروبا، وتوظيف هذا التقدم في تحسين مستوى الحياة لدى البشر، سواء في المجتمعات الغربية أم في المستعمرات التي انتقلت إليها بعض نتائج الاختراعات في المجال الطبي.

العنصر الخامس هو “المجتمع الاستهلاكي”، الذي يعبر عنه بنمط الحياة المادية السائدة، وأدت الاكتشافات العلمية وازدهار الصناعة والتجارة والزراعة إلى تطور واسع في نمط العيش الأوروبي، وإلى توافر ثروات وأموال لدى شرائح واسعة من المجتمع، انعكس كله في طبيعة الاستهلاك الذي بات يطاول ميادين واسعة في الملبس والمأكل والمشرب ووسائل اللهو.. وهي عناصر أساسية في تسريع الدورة الاقتصادية وما يتبعها من زيادة الثروات.

أما العنصر السادس والأخير فهو “أخلاقيات العمل”، فالعمل ارتفع إلى أعلى المثل في أوروبا، بل إن بعض النظريات الدينية، خصوصاً منها البروتستانتية، رفعته إلى مصاف الأولويات التي على الإنسان التزامها، وبات العمل مقياساً رئيساً من المقاييس الأخلاقية، وقد جرى اعتبار العمل تتويجاً للعناصر الخمسة التي تمت الإشارة إليها، فمن دون تقديس العمل كان من المستحيل تحقيق الإنجازات التي حققتها الحضارة الأوروبية.

تجاوز الماضي

لا شك أن العناصر المشار إليها هي عناصر قوة تحتاجها كل المجتمعات، وإذا كانت لها غلبة في الغرب سابقاً، إلا أنها تتخذ طابعاً شمولياً عالمياً بصرف النظر عن الأصل في تطورها، تحتاج المجتمعات العربية إلى التمثل بهذه العناصر في صراعها من أجل التقدم، في هذا المجال لا يفيد مجتمعاتنا أن تظل واقفة على أطلال الحضارة التي سبقت حضارة الغرب، ولعل تجاوز هذا الماضي، من دون إنكار أهميته على الشرق والغرب، يشكل أحد الممرات الضرورية لهذا التقدم المنشود، في هذا المعنى يكتسب الكتاب أهمية في ترشيد مجتمعاتنا نحو اكتساب عوامل القوة والنهضة.

لقد حاول «نيال» أن يضعنا في صورة المشهد الحضاري بين الغرب والإسلام أمام نوع من المقارنة بين ما كان عليه الغرب وما كان عليه العالم الإسلامي حتى وقت قريب، أي فترة الدولة العثمانية التي كانت تملك نقاط قوة عديدة أهمها الثروة والموارد الهائلة، ومستوى عال من الخبرة والتدريب، والروح العسكرية الراسخة، وسلسلة الانتصارات السابقة، والاستعداد لتحمل المشاق، علاوة على روح النظام والانضباط.. مقابل ما كانت عليه أوروبا من عادات مترفة وموارد ناضبة وروح معنوية هابطة ونفسية عسكرية تميل إلى التمرد، فضلاً عن الصراعات الأنانية وانغماس القادة في أجواء المجون والملذات.

ومن خلال هذه المقارنة أرجع الباحث أسباب التفاوت المذكور إلى عاملين رئيسين:

أولهما يتعلق بمسألة الجغرافيا والمناخ، وعلل ذلك بأن آسيا لا تمتلك منطقة معتدلة، كما أن الأماكن الواقعة في مناطق مناخية شديدة البرودة تجاور مناطق شديدة الحرارة، كما أن البلدان القوية في آسيا تقف ضد البلدان الضعيفة، والسكان المحاربون والشجعان والنشطاء يحتكون مباشرة بأولئك الكسالى والضعفاء، أما في أوروبا فكانت الدول القوية تواجه دولاً مثلها، كما كانت الدول تتحد مع دول أخرى مماثلة لها.

أما العامل الثاني فهو التطورات العديدة التي وصل إليها العقل الأوروبي، وأهمها: التعمق في العلوم، وروح البحث والاستكشاف، وفهم العالم الطبيعي (التقدم في الطب وإدخال تحسينات مهمة على الصحة)، وتطوير البحث الفكري والطرائق العلمية في التحقيق، وعقلنة البحوث ونشرها، والتفوق الحربي نتيجة لتطبيق العلوم على المجهود الحربي، والعقلانية في الحكم وتطوير مؤسسات السلطة.

ويستنتج “نيال فرغسون” من ذلك أن صعود العالم الإسلامي قد يحتاج إلى جهد علمي أكثر من ذلك، وهي القضية التي ينبغي للعرب دراستها من جديد، وتحديد الشروط العملية والفكرية لحالة الصعود، وذلك بدراسة أسباب الانهيار والعجز الذي أصاب هذه الأمة، حتى تستطيع الصعود مجدداً، وأن نكون نحن القوة الجديدة القادمة، خاصة أن «نيال فرغسون» يتحدث عن مخاوف من الانهيار مقلقة لمثقفي الغرب ومفكريه.

الخلاصة:

في هذا الكتاب قدم لنا البروفيسور «نيال فرغسون» خلاصة فكره ورؤيته التي استنتجها من خلال دراسته الطويلة والعميقة لتاريخ حضارات العالم بين القرنين الخامس عشر والعشرين، مركزاً في استنتاجاته على فهم الأسباب التي جعلت بعض الإمبراطوريات تصعد وتهيمن وتسود حضارياً على بقية العالم، ثم تأفل وتنهار، وهو بذلك يحاول تفسير تاريخ العالم من خلال ظاهرة الهيمنة، والأسباب التي جعلت دولاً تصل إلى أعلى مستويات القوة ثم تنهار، ليثير بعض التساؤلات: هل كان صعود الغرب مجرد حظ حسن؟ وهل يرجع إلى جغرافيا ومناخ الطرف الغربي؟ وما الوسائل التي جعلت الأوروبيين أقوياء؟ ولماذا لا يستطيع الآسيويون والأفارقة تحقيق تطور مماثل؟ وكيف تخلف العالم الإسلامي في ميدان العلم رغم أن حضارته كانت تمتد إلى بقاع واسعة من المعمورة وكان يمتلك كل مقومات القوة والتقدم؟

Exit mobile version